صراخ وإهانات ولوم للجيش الإسرائيلي بشأن حرب غزة.. تفاصيل مشاحنات “الكابينت” ونقاط الخلاف

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/06 الساعة 12:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/06 الساعة 17:05 بتوقيت غرينتش
وزراء في الكابينت ألقوا اللوم على الجيش الإسرائيلي بالفشل في 7 أكتوبر - رويترز

انفجرت الخلافات في اجتماعات المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي (الكابينت)، في ظل التصريحات المتضاربة حول المواقف السياسية والأمنية بشأن الحرب في غزة، وخاصة وسط تعثر الجيش الإسرائيلي بتحقيق أهدافها أمام المقاومة الفلسطينية في غزة، وأمام احتمال اندلاع مواجهة أكبر في الشمال مع حزب الله. 

واهتمت الصحف العبرية بالخلافات الداخلية هذه، التي كان آخرها اجتماع في 4 يناير/كانون الثاني 2023، شهد صراخاً وإهانات لرئيس الأركان، وتبادلاً للوم حول حرب غزة، ووصفتها بأنها "بدأت تخرج عن السيطرة"، لا سيما مع تعرّض رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى سيل من الإهانات المتكررة في اجتماعات لـ"الكابينت" ومجلس الحرب.

وكتب بن كسبيت، المحلل في صحيفة "معاريف"، الجمعة 5 يناير/كانون الثاني 2024: "البلطجية هاجموا رئيس أركان الجيش الإسرائيلي".

وقال إنه "من غير المعقول أن يطلقوا على أنفسهم اسم الحكومة السياسية الأمنية أو اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي، فالاسم الحقيقي لهذه الهيئة هو السيرك البيبي (نسبة إلى بنيامين نتنياهو) لشؤون إذلال رئيس الأركان والعثور على جناة غير نتنياهو".

وأضاف: "لقاء الهجوم المقزز الذي وقع أمس على رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يتحدث عن نفسه".

وتالياً، استعراض لمحاور الخلاف بين أعضاء المجلس الوزاري المصغر، وأبرز نقاط الجدال بينهم، والتي أدت إلى توجيه إهانات إلى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وفق ما رصده "عربي بوست":

لجنة تحقيق في عملية 7 أكتوبر

بحسب محررة الشؤون السياسية في "القناة 13" العبرية، "موريا أسرف"، فإن المشادة في المجلس الوزاري السياسي الأمني، وقعت على خلفية النقاش حول موضوع "اليوم التالي" للحرب في قطاع غزة. 

وأكدت أن جلسة الوزراء شهدت الصراخ والضجيج، لا سيما بين وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزيرة المواصلات ميري ريغيف (يمينية) ضد رئيس الأركان هرتسي هليفي، على خلفية التقارير التي تفيد بأنه قرر تشكيل فريق للتحقيق في الفشل، فيما عُرف بـ"السبت الأسود"، والمقصود به يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو تاريخ بدء عملية طوفان الأقصى، التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في مستوطنات غلاف غزة. 

في أعقاب الآراء الحادة ضد رئيس الأركان، تدخل وزير الحرب يوآف غالانت، للدفاع عن موقف رئيس الأركان، بالرغم من توجيه اللوم للأخير لتشكيله لجنة تحقيق من دون استشارته. 

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي تعرض لإهانات في جلسة للكابينت - رويترز
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي تعرض لإهانات في جلسة للكابينت – رويترز

في وقت لاحق، انضم وزراء من حزب الدولة للدفاع عن رئيس الأركان، ما تسبب بحالة انقسام واضح بين أعضاء الحكومة، بين اليمين من جهة، وأعضاء الحكومة من حزب الدولة بقيادة بني غانتس.

جملة من المواقف المختلف عليها بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وغالانت، تناولها تقرير للمحلل السياسي في "القناة 12″، بارون إبرهام، الذي قال: "الخلاف بين الرجلين جاء على خلفية رفض نتنياهو السماح لرئيس جهاز الموساد ورئيس الشاباك للاجتماع بوزير الحرب، سواء لمناقشة ملف الأسرى أو عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة". 

وعلى الرغم من نفي مكتبي نتنياهو وغالانت في بيان مشترك هذه الخلافات، فإن القناة تؤكد أنها معلومات مؤكدة. 

ما بعد الحرب

أما الخلاف الأهم بين أعضاء المجلس الوزاري، كان حول مستقبل قطاع غزة، أو ما يطلقون عليه "اليوم التالي للحرب".

إذ نشرت "القناة 14" تقريراً مفصّلاً عن خطة غالانت، التي يتبناها العضوان في مجلس الحرب زعيم حزب "الوحدة الوطنية" بيني غانتس والوزير بلا حقيبة غادي آيزنكوت، التي تتضمن أن "إسرائيل ستضطر إلى نقل السيطرة المدنية ببطء إلى العناصر الفلسطينية المحلية في القطاع". 

هذه الخطة لم تعجب وزراء اليمين المتطرف، وكانت سبباً رئيسياً لزيادة المشادة بين الوزراء داخل "الكابينت" الوزاري.

الجيش الإسرائيلي عجز أمام المقاومة الفلسطينية في تحقيق أهداف عدوانه على غزة - رويترز
الجيش الإسرائيلي عجز أمام المقاومة الفلسطينية في تحقيق أهداف عدوانه على غزة – رويترز

السيطرة على محور فيلادلفيا

تثير كذلك السيطرة على محور فيلادلفيا، جنوب قطاع غزة، خلافات بين أعضاء حكومة نتنياهو.

ويمتد المحور بين معبري رفح وكرم أبو سالم، وتثير السيطرة عليه مخاوف فلسطينية ومصرية من بدء الاحتلال تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

السيطرة المشتركة بين "إسرائيل" ومصر على  ممر فيلادلفيا، هو موقف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية والبيت الأبيض، بحسب القناة 14، التي اعتبرته السبيل الوحيد الذي لن يجر إسرائيل إلى كارثة سياسية واستراتيجية لسنوات قادمة.

لكن شركاء نتنياهو اليمنيين والمتطرفين، يحلمون "بالهجرة الطوعية" للفلسطينيين، وإقامة مستوطنات جديدة في غزة، وأن أي شيء أقل من ذلك يُعدّ هزيمة.

الخلافات تخرج عن السيطرة

الخلافات حول النقاط السابقة، تقوّض أسس ائتلاف نتنياهو، وتضعه على مفترق طرق، بين مصلحته الشخصية في الحفاظ على التحالف المتطرف، والمصالح الإسرائيلية التي تصطدم مع عدم إمكانية تحقيق الأهداف السياسية المعلنة للحرب في غزة، التي تتلخص بالقضاء على حماس.

وهو الأمر الذي تناوله غانتس، بعد تسريب خبر المشادة الكلامية إلى الإعلام، إذ خرج عضو مجلس الحرب، في شريط فيديو نشرته القناة 12، قال فيه: "إن مناقشة الحكومة كانت هجوماً بدوافع سياسية في خضم الحرب". 

وأضاف: "لقد شاركت في العديد من اجتماعات مجلس الوزراء، ولم يحدث مثل هذا السلوك مطلقاً من قبل، ولا يجب أن يحدث. إننا نخوض أصعب حرب في تاريخنا، وهي حرب تدور رحاها على جبهات عدة".

وأضاف أنه "كان ينبغي على مجلس الوزراء أن يناقش أمس العمليات الاستراتيجية التي ستؤثر على استمرار الحملة وعلى أمننا مستقبلاً، وهذا لم يحدث، والمسؤولية في ذلك تقع على عاتق رئيس الوزراء، وهو مسؤول عن التصحيح، والاختيار بين الوحدة والأمن، وبين السياسة".

ورد حزب الليكود على كلام غانتس، بالقول: "إن واجب مجلس الوزراء السياسي والأمني ​​هو طرح الأسئلة، وتلقي الإجابات. هذه ليست سياسة". 

وأضاف أنه "خلال الحرب، عندما يكون الناس متحدين، من المتوقع من غانتس أن يتصرف بمسؤولية، ويتوقف عن البحث عن أعذار للانتقام. فهو نكث وعده بالبقاء في حكومة الوحدة حتى نهاية الحرب". 

وجاء في رسالة الرد من معسكر الدولة لغانتس: "نتنياهو يبشر بالوفاء بالوعود، في حين أن الكون ينهار على نفسه".

إهانات متكررة لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي

في تقرير نشرته "القناة 12"، أشارت إلى أنه في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي بعد 3 أيام من بدء الحرب، تعرّض رئيس الأركان لهجوم في اجتماع لمجلس الوزراء. 

وبدأ الأمر بقول الوزيرة ريجيف: "كنت أتوقع عاصفة أكبر بعد الهجوم. هل هذا هو رد الفعل؟" ما يحصل فضفاض جداً"، ليرد عليها رئيس الأركان: "لقد هاجمنا كثيراً، لكن الهجوم في 7 أكتوبر لا يتناسب مع ما كان في الماضي".

بعد مرور أكثر من شهر بقليل، بدأ نقاش في مجلس الوزراء حول المعاملة التأديبية للجنود الذين اعتدوا على المساجد واستخدموا مكبرات الصوت بمسجد في جنين لاستفزاز الفلسطينيين والمسلمين. 

وحذّره الوزير إيتمار بن غفير: "يا ويلكم إذا تمت إقالتهم". ليجيب العقيد هاليفي: "أنا قائد الجيش الإسرائيلي، وسأحدد القواعد الأخلاقية والمهنية للجنود".

وتساءل الوزيران ديفيد أمسالم (الطاقة الذرية) وريغيف (المواصلات) عن كيفية اكتشاف نفق جديد في غزة، ليقول الأول: "كيف تفاجأنا بهذا النفق؟"، وتسخر الثانية بالقول: "هناك فيلم مثل هذا، بينما كنت نائماً"، ليرد عليهما رئيس الأركان بالقول: "لم أنم. لم نتفاجأ، ولا داعي لقول أي شيء".

نتنياهو والهجوم على رئيس الأركان

ترى "تال شيلة" في مقال لها في "موقع واللا" العبري، أن نتنياهو "هو من دبر الهجوم على رئيس أركان الجيش الإسرائيلي"، مشيرة إلى أنه "على غير العادة، ولأول مرة منذ بداية الحرب، حدد نتنياهو الجداول الزمنية للمناقشة مقدماً، وكانت ستنتهي بحلول منتصف الليل، وقبل ذلك بدقائق قليلة، بينما كانت المناظرة لا تزال مستمرة، وقف وأعلن: سنكمل مرة أخرى"، وهذه هي الكلمات الوحيدة التي سُجلت باسمه في المحضر.

عند الوقوف على مواقف الوزراء الذين هاجموا رئيس الأركان، فقد كانوا من وزراء الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، ويتضح أنهم من الوزراء الأكثر التصاقاً به، وهم من تصفهم شيلة بأنهم "يلعبون دور الأدوات بيد نتنياهو، لمهاجمة أو الإساءة لمسؤولين في الليكود أو في الدولة، عبر التسريبات، أو الهجوم على كل من يقف في وجه نتنياهو".

وقالت إن ما حدث في اجتماع  المجلس الوزاري المصغر (الكابينت)، كان يهدف إلى توجيه الإهانة للجيش، ضمن المعركة على البحث عن قربان لتحميله مسؤولية إخفاق 7 أكتوبر. 

الهدف الآخر، وفق رأيها، "إفشال اللقاء الوزاري المتفق عليه سابقاً لمناقشة مستقبل غزة بعد الحرب، من دون إجراء نقاش حقيقي".

من جهته، هاجم يئير لابيد، زعيم المعارضة، نتنياهو، وحمّله مسؤولية الإساءة للجيش، مصرحاً في تغريدة له: "إن التسريبات التي صدرت عن مجلس الوزراء الليلة الماضية، هي وصمة عار، ودليل آخر على خطورة هذه الحكومة. يجب على دولة إسرائيل أن تحل محل الحكومة وزعيمها. هؤلاء الأشخاص لن يتمكنوا من قيادة قرار استراتيجي. عليهم الذهاب الآن".

كما نقلت "القناة 12"  تصريحات عن عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان، قوله: "سمعت عن اجتماع مجلس الوزراء السياسي الأمني، الذي انعقد الليلة الماضية، وكيف انتهى، هذه ليست الطريقة التي تدير بها الحرب". 

وكتب عضو الكنيست السابق ونائب رئيس للأركان سابقاً يائير جولان: "بدلاً من الانخراط في التعلم والبناء وإعطاء الأمل، تنخرط هذه الحكومة الرهيبة في معارك غبية، وإذلال لضباط الجيش الإسرائيلي".


رون بن يشاي المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رأى أن "الاستنتاج المباشر من مناقشة مجلس الوزراء السياسي الأمني، هو أن دولة إسرائيل ليس لديها مجلس وزراء سياسي أمني. وذلك في وقت تخوض فيه واحدة من أصعب وأخطر الحروب في تاريخها". 

وقال: "هناك حكومة محدودة لإدارة الحرب تقرر التحركات العسكرية، لكنها محدودة في قدرتها على اتخاذ قرارات سياسية واستراتيجية، كما هو الحال على سبيل المثال في مسألة اليوم التالي". 

حول الخلافات أكد أن: "هناك حكومة سياسية أمنية موسعة، هي في الواقع منتدى سياسي صافٍ يدير معاركه السياسية الداخلية على ظهر الجيش الإسرائيلي، ويزيد من الشرخ والانقسام في الشعب. وهذه حقيقة مؤسفة وخطيرة، وتتطلب التصحيح الفوري".

لطالما قالت "إسرائيل" إنها تعتمد بشكل كبير على الثقة بالمؤسسة الأمنية، إلا أن هذه الثقة تشهد فقداً في الحرب الجارية، لا سيما وسط الإساءة ومهاجمة مؤسسة الجيش الإسرائيلي، ما يُعد من أخطر التحديات السياسية والأمنية لها، وقد يكون لها تداعيات خطيرة، وفق تحذيرات المستويات الإسرائيلية المختلفة.

تحميل المزيد