رفض مصري لاحتلال محور فيلادلفيا.. مصادر أمنية: القاهرة لن تسمح بعملية عسكرية إسرائيلية على حدودها

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/05 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/05 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش
الجدار الخرساني الذي بنته مصر مع قطاع غزة خلال السنوات الماضية ضمن ما يعرف بمحور فيلادلفيا الممتد من معبر كرم أبوسالم وحتى البحر المتوسط/ Getty

لا تزال تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول نيته السيطرة على محور فيلادلفيا الحدودي الفاصل بين مصر وقطاع غزة تلقي بظلالها في الأوساط المصرية، رغم الصمت الرسمي على التصريحات الإسرائيلية المتتالية بشأن نوايا تل أبيب المستقبلية في تلك المنطقة. هذا ما دفع "عربي بوست" للتواصل مع مصادر عسكرية وأخرى حكومية في الجانب المصري للتعرف على طبيعة موقف القاهرة والخيارات المتاحة للتعامل مع التصعيد الإسرائيلي المحتمل على حدود سيناء.

إذ قال مصدر أمني مطلع، إن الموقف الرسمي المصري حالياً يرفض أية مساعٍ إسرائيلية تستهدف السيطرة على محور فيلادلفيا أو بناء جدار عازل أسفله، مشيراً إلى أن القاهرة لديها أدوات الرد الدبلوماسية والسياسية والعسكرية للتعامل مع أية أخطار تهدد حدودها التي تعتبرها خطاً أحمر لا يمكن الاقتراب منه.

وأوضح المصدر المطلع على هذا الملف أن إسرائيل ستكون بخطوتها قد "أقدمت على سلوك عدواني ضد الدولة المصرية بشكل مباشر هذه المرة من خلال خرق اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين"، على حد تعبيره، موضحاً أن رغبة إسرائيل في السيطرة على المحور بشكل كامل تتنافى مع ما جاء في الملحق العسكري الخاص باتفاقية كامب ديفيد.

فهناك أسس وشروط -بحسب المصدر- لابد أن يقتنع بها الطرفان لإدخال تعديلات على هذا الاتفاق، مؤكداً أن القاهرة ترى أنه لا يوجد ما يستوجب إدخال تعديلات على الاتفاق في الوقت الحالي، كما أن الخطوة الإسرائيلية سوف يترتب عليها تهديد الحدود المصرية، لأن وجودها في تلك المنطقة في ظل حالة الحرب الحالية سيعرض الحدود المصرية للخطر، وهو ما تعتبره مصر بمثابة لعب بالنار مع توتر العلاقات بين البلدين.

وفي حال حدوث أي تغيير في خريطة القوى العسكرية الموجودة على جانبي هذا المحور فإنها ستكون -وفقاً للمصدر- استناداً إلى الملحق الأول في معاهدة السلام التي تم توقيعها بين مصر وإسرائيل عام 1979، والتي تتيح تعديل ترتيبات الأمن المتفق عليها بناءً على طلب أحد الطرفين وباتفاقهما.

وعلى الرغم من أن النص الأساسي للمعاهدة قضى بضرورة إقامة "ترتيبات أمن متفق عليها، بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبون من الأمم المتحدة"، غير أن تفاصيل ذلك تركت إلى بروتوكول إضافي أُلحق بالاتفاقية وحدد حجم وتوزيع القوات على الحدود بين البلدين، وهو الأمر الذي طرأت عليه تعديلات سابقة في عام 2021 وقبلها في عام 2018 في أثناء الحرب المصرية على الإرهاب في شبه جزيرة سيناء.

وقبل 3 سنوات أعلنت مصر وإسرائيل عن الاتفاق بينهما على تعزيز الوجود العسكري المصري في منطقة رفح الشرقية الحدودية شمالي جزيرة سيناء، لكنّ أياً من الطرفين لم يقدم مزيداً من التفاصيل عن عدد القوات الإضافية أو طبيعة العتاد المستخدم.

ووفق اتفاقية السلام أيضاً، فإنه يجب أن يتعهد الطرفان -وهما مصر وإسرائيل- بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدام أحدهما لها ضد الآخر على نحو مباشر أو غير مباشر، وبحل كافة المنازعات التي تنشأ بينهما بالوسائل السلمية.

كما يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه، أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه، ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر.

عدم الانجراف مع التصعيد الإسرائيلي

ويوضح المصدر الأمني ذاته، أن إدخال أية تعديلات على اتفاقية السلام أو أي من بروتوكولاتها الإضافية يتطلب موافقة الطرفين معاً، وحينما أدخلت القاهرة قوات عسكرية إلى المنطقة "ج" في سيناء أثناء الحرب على الإرهاب كان ذلك بطلب إسرائيلي ضمن تفاهمات مشتركة بين البلدين للتعامل مع الإرهاب، والوضع يختلف بالنسبة للمخططات الإسرائيلية للسيطرة على محور فيلادلفيا؛ لأن ذلك لا يحظى بموافقة مصر، كما أنه يشكل تهديداً مباشراً عليها، ومصر لم يسبق لها أن أخلّت ببنود اتفاق السلام، وستكون إسرائيل بحاجة لموافقة مصر على خطوتها لتعزيز قواتها في المحور الفاصل بين غزة وشبه جزيرة سيناء.

وعندما سأل "عربي بوست" المصدر عن سبب صمت القاهرة، كشف أن الهدف الرئيسي من ذلك هو عدم الانجراف إلى تصعيد إسرائيلي سعت إليه الحكومة الإسرائيلية الحالية مع مصر منذ بداية الحرب. وأوضح أن هناك قناعة داخل المؤسسة العسكرية أن تصريحات نتنياهو هي بالأساس للاستهلاك المحلي ولمغازلة الرأي العام الإسرائيلي الغاضب من عدم تحقيق أهداف الحرب المعلنة، ومع الخسائر التي تكبدها جيش الاحتلال خلال المعارك التي تدور رحاها للشهر الثالث في قطاع غزة، إلى جانب إدراكهم عدم وضوح خطة حكومتهم من الحرب الحالية.

خارطة ما يعرف بـ
خارطة ما يعرف بـ"محور فيلادلفيا" أو محور صلاح الدين بين قطاع غزة ومصر (ترجمة عربي بوست)

وقال نتنياهو، في كلمة بثها التليفزيون الإسرائيلي، السبت، إن "محور فيلادلفيا، أو بعبارة أدق نقطة التوقف الجنوبية (في غزة)، يجب أن يكون تحت سيطرتنا، يجب إغلاقه، من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه".

وأثارت وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخراً مسألة إعادة السيطرة أو شن هجمات على محور "فيلادلفيا". وظهر هذا الأمر بوضوح للمرة الأولى عندما سأل أحد الصحفيين خلال مؤتمر لوزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت مساء 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذا ما كان الضغط الذي تمارسه مصر هو السبب في أن إسرائيل لا تقوم بعملية عسكرية على طول خط فيلادلفيا؟".

وأجاب غالانت بأنهم يعملون حسب برنامجهم "وهو برنامج جيد ويتقدم"، مشيراً إلى أنهم يعملون في كل مكان في غزة، ولا يحدد لجيشه ما يجب فعله، وأنه لا توجد ضغوط على إسرائيل.

وأوضح غالانت أن خط فيلادلفيا هو ضمن اهتمامات واعتبارات الجيش من أجل القضاء على القوة العسكرية التي تهددهم الآن وفي المستقبل، وجعل قطاع غزة منزوع السلاح.

يطلق اسم محور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين، على شريط يمتد على الحدود بين مصر وقطاع غزة، ويقع ضمن المنطقة "د" العازلة بموجب اتفاقية السلام التي وقعتها مصر وإسرائيل، ويمتد المحور من البحر المتوسط شمالاً إلى معبر كرم أبو سالم جنوباً، بطول نحو 14 كيلومتراً.

كانت إسرائيل تسيطر على محور فيلادلفيا ضمن سيطرتها على المنطقة "د" التي ينتمي إليها، حتى انسحبت من غزة وسلمته للسلطة الفلسطينية عام 2005، وفي العام ذاته، وقع اتفاق جديد لتنظيم وجود القوات في منطقة المحور، وسمح بتنسيق أمني مصري إسرائيلي، وتنشر مصر عدداً محدوداً من القوات على جانبها من المحور، لمنع عمليات التسلل والتهريب.

احتلال محور فيلادلفيا.. مخطط للتهجير ترفضه مصر

وأوضح مصدر عسكري مصري شارك في مفاوضات السلام بين البلدين، أن محور فيلادلفيا أو خط صلاح الدين هو بالأساس أراضٍ فلسطينية وليست مصرية، وأن الرؤية الإسرائيلية ترى أن تأمين دولة الاحتلال يجب أن يكون ممثلاً في وجود جنود إسرائيليين بدءاً من هذا المحور وحتى نهر الأردن، وأنهم يدركون جيداً أن تصاعد تلك المطالبات كلما جرى الحديث عن إمكانية إقامة دولة فلسطينية، ما يعني أن الاحتلال يريد حصار تلك الدولة في حال سمح بإقامتها.

ولفت إلى أن المحور بطبيعته الحالية أنشأه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون أثناء احتلاله قطاع غزة، وأن الحدود بين غزة وسيناء كانت عبارة عن شارع ضيق قبل أن يقدم الاحتلال الإسرائيلي على تدمير كل هذه البنايات لعمل المحور لمحاولة الابتعاد عن الحدود المصرية وبما يحافظ على أمن إسرائيل في ظل مخاوف إسرائيلية مستمرة من مسألة الأنفاق والحدود الفاصلة بين البلدين، وما تثيره من اتهامات كاذبة حول إمكانية تهريب الأسلحة من خلالها.

وأوضح أن الحديث عن أن المحور كان ضمن اتفاق السلام الرئيسي بين مصر وإسرائيل غير دقيق، وقد تكون هناك تعديلات تضمنتها الاتفاقيات الملحقة والتي لا تتوفر بشأنها معلومات كاملة، لكن المؤكد أن اتفاقية كامب ديفيد تتوقف عند طبيعة القوات العسكرية على الحدود المصرية الإسرائيلية، الأمر الذي تستند عليه إسرائيل الآن محاولة تمرير خطتها للاستيلاء على المحور دون الرجوع إلى القاهرة، وفي تلك الحالة فإن التفسيرات القانونية لاتفاق السلام هي ما سيحسم مصير المنطقة.

جنود الاحتلال الإسرائيلي في غزة/رويترز

وشدد على أن الرفض المصري لوجود إسرائيل في تلك المنطقة يرجع لكون الخطوة تأتي ضمن مخططات تهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء، لأنها في تلك الحالة ستتمكن من إحكام الحصار بشكل كامل على القطاع إلى جانب أنها ستتمكن من فتح مناطق لدفع الفلسطينيين للأراضي المصرية.

وأكد المصدر في حديثه لـ"عربي بوست" أن القاهرة تدرك أن الاحتلال لديه رغبة لتقليل الكثافة السكانية في القطاع، حتى وإن لم يقم بتهجير كل الأهالي، لكن ذلك يرجع إلى أن الكثافة السكانية في غزة والضفة الغربية من العرب مرتفعة، وهو ما يشكل خطراً داهماً على أمن الدولة العبرية من وجهة نظرها.

واعتبر أن جرائم قتل الأطفال والنساء لا تخرج عن هذا الهدف، وهو إجراء مقصود منه الحد من كثافة الأجيال القادمة التي تشكل الخطر الحقيقي عليها، لأن هؤلاء يتشبعون بالرغبة للانتقام من جرائمها التي ترتكبها يومياً. كما أن الداخل الإسرائيلي على قناعة بأن حكومته لم تستطيع تأمين الدولة بشكل كامل حتى الآن بعد ما يقرب من ثمانية عقود، وهو ما يخلق عقدة أخرى تستهدف التخلص من أهالي القطاع بسبل مختلفة، واحتلال محور فيلادلفيا أحد أوجه الخطط العسكرية الإسرائيلية لتحقيق تلك الأهداف.

وشنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجومين على الأقل منذ يوم 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، بحجة تدمير الأنفاق التي تستخدمها المقاومة لتهريب الأسلحة.

تباين حول الرد المصري

لكن في يوم 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، نفى مصدر مصري مطلع التقارير الإسرائيلية بشأن بدء الدبابات الإسرائيلية عملية برية من معبر "كرم أبو سالم" باتجاه "محور فيلادلفيا"، بعدما أفاد موقع "واللا" الإسرائيلي، بنشاط لمجنزرات وآليات للجيش الإسرائيلي، بالقرب من معبر كرم أبو سالم باتجاه معبر رفح على خط محور فيلادلفيا.

وفي الوقت الذي شدّد فيه المصدر العسكري، الذي شارك في مراحل التوقيع على اتفاقية السلام، ويعد مستشاراً في المؤسسة العسكرية حالياً، على أنه في حال أقدمت إسرائيل على تلك الخطوة ستبدأ القاهرة بالحلول الدبلوماسية وإبلاغ الولايات المتحدة بما يمكن أن يجره الوجود الإسرائيلي في تلك المنطقة؛ شدد مصدر عسكري آخر على أن جميع السبل ستكون متاحة للرد على إسرائيل، وأن "مصر لن تسمح بشن عمليات عسكرية على طول الخط الحدودي؛ لأن ذلك يمس سيادة الدولة ويهدد الأمن القومي بشكل مباشر".

ويضيف: "القاهرة سوف تثبت أنها قادرة على تأمين حدودها، وهي على قناعة بأن ما تذهب إليه إسرائيل في الوقت الحالي هو بمثابة تصعيد عسكري ضد الدولة المصرية، وأن المنظومة الأمنية والعسكرية المسيطرة على القرار داخل دولة الاحتلال سوف تتلقى إنذاراً شديد اللهجة في حال أقدمت على الخطوة دون الترتيب مع مصر، كاشفاً عن انعقاد اجتماعات بصفة مستمرة وتوافق بين المسؤولين عن الأمن القومي على رفض تلك الخطوة التي تمهد الطريق لتهجير أهالي غزة إلى مصر، ومتوقعاً تقدم إسرائيل بطلب لتعديل اتفاقية السلام، وهو ما سترفضه القاهرة".

وكان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، قد أكد في مقابلة مع قناة "إيه بي سي" الأمريكية، على موقف واشنطن بشأن رفض إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، مضيفاً: "نعم سمعنا تصريحات نتانياهو، لكننا لا نعتقد أن إعادة احتلال غزة هي الشيء الصحيح لإسرائيل أن تفعله، سواء للإسرائيليين أم الفلسطينيين".

تحميل المزيد