نعت الفصائل الفلسطينية والقوى الوطنية والإسلامية في الضفة الغربية والقدس، الشهيد صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وخرجت مسيرات منددة باغتياله من الاحتلال في عموم فلسطين لتشمل رام الله وغزة والقدس ومناطق الضفة باختلافها.
هذه الحالة العامة في فلسطين من الحداد، الذي عبرت عنه الضفة الغربية والقدس أيضاً بإضراب شامل، لفتت إلى مكانة العاروري لدى القوى الفلسطينية والفصائل، كشخص وصف مراراً بالشخصية الجامعة، وعنواناً للوحدة الوطنية في مراحل نضاله، قيادياً وأسيراً محرراً ومقاوماً.
دفع ذلك "عربي بوست"، للحديث إلى رفاق أَسر العاروري، للوقوف على الفترة التي عايشوها معه داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، مستذكرين بشكل أساس دوره في العمل على الوحدة الوطنية داخل السجن وخارجه، وقربه من الفصائل الفلسطينية على اختلافها، إلى جانب مكانته وشخصيته داخل الأسر.
وأكدوا أن فلسطين كلها حزينة لاغتيال الاحتلال الإسرائيلي للعاروري، بكافة أطيافها وألوانها الوطنية، بسبب فقدان شخصية لطالما امتازت بروح جامعة وطنية للكل الفلسطيني، وللمقاومة بكامل فصائلها.
سنوات الأسر التي أمضاها في سجون الاحتلال والممتدة لـ18 عاماً، لم تكن إلا محطة إضافية في سجل صالح العاروري، يحاول جمع الكل، وتجسيد الوحدة الوطنية بمعانيها الحقيقية، معتبراً أنها من أسس التحرير والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي.
رجل جامع لكل القوى الفلسطينية
يقول رفيق الأسر فخري البرغوثي، لـ"عربي بوست"، وهو عميد الأسرى السابق، وأسير محرر، إن صالح العاروري كان همه الشاغل هو الجمع بين كل القوى الوطنية، والسعي الدائم لتلك الغاية.
يتابع أنه "رغم أنه قيادي كبير في حركة حماس، فإنه بما جمعه من صفات وطنية كان قائداً وطنياً يحاول أن يحافظ على روح الوحدة الوطنية، وتجسيدها في ممارساته داخل السجون".
والتقى البرغوثي والعاروري في سجن عسقلان لمدة 4 سنوات من فترة اعتقاله، معتبراً أنها كانت من السنوات التي شهدت تقارباً ووحدة بين مكونات الفصائل في سجون الاحتلال.
يصف البرغوثي رفيق أسره بأنه كان "المحرك الدائم، والديناميكية المتواصلة للجمع بين كل مكونات الفصائل في السجون، وكان العمود الفقري للوحدة الوطنية".
تناول كذلك صفات صالح العاروري وشخصيته داخل السجن، وقال: "كانت شخصيته تجعله من المجمع عليهم داخل السجون، ببياض القلب والصدق وحقيقة صدق انتمائه للقضية الفلسطينية، وهذه كانت نظرة الأسرى إليه".
ويصف البرغوثي رفيقه بأنه كان على علم بمصيره، إما الاعتقال وإما الشهادة، وأنه لم يكن يتحدث عن ذلك مجرد حديث عابر، بل كان سلوكاً وممارسة، بإيمان حقيقي.
ويروي البرغوثي، أن صالح العاروري "لم يكن يترك مجالاً لدخول الفتن بين الأسرى، حتى على مستوى الخلافات الشخصية، فقد كان يعمل على حلها ومنعها".
ويقول: "الأسرى، خاصةً صغار السن، كانوا ينظرون إليه كأب، وصديق، وقائد وطني، لم يفرق بين أسير وآخر، ولم ينظر إلى انتماءاتهم الفصائلية في ذلك".
ويؤكد أن "ما تمتع به العاروري من صفات صادقة، كان سبباً أيضاً في تقلّده لهذا المركز القيادي".
حول مواقف صالح العاروري التي امتاز بها داخل السجن، يوضح البرغوثي أن جميع مواقفه ظلت ثابتة كما هي، فما كان يقوله داخل السجون بقي ثابتاً عليه حتى خارجها، من خلال ما كان يصرح به على وسائل الإعلام.
دوره في صفقة "وفاء الأحرار"
يؤكد البرغوثي أن صالح العاروري كان من الأشخاص الفاعلين والرئيسيين في إتمام الصفقة، وإخراجها، وفق ما كانت عليه، لتكون بالحجم الكبير الذي شهدناه.
وأُفرجَ عن نحو 1100 أسير فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي الذي قبضت عليه المقاومة في غزة، جلعاد شاليط عام 2011.
ويوضح أن العاروري كان على تواصل مع الأسرى حتى في خضم التفاوض على صفقة الأسرى، ويُطلعهم على تفاصيل المفاوضات والنقاشات، وصولاً للصفقة.
واستطاع أن يقنع إدارة سجون الاحتلال بتجميع قيادات حركته داخل السجون في سجن النقب، للتشاور خلال مفاوضات التبادل لتنفيذ صفقة وفاء الأحرار، رغم الموقف الرافض منها، إلا أنها خضعت له، وكان ذلك عام 2009.
وثيقة الحوار الوطني (وثيقة الأسرى)
كان صالح العاروري إحدى الشخصيات البارزة التي ساهمت في إخراج وثيقة الحوار الوطني، أو ما عرف بوثيقة الأسرى للوحدة الوطنية.
يقول عضو المجلس الثوري لحركة فتح جمال حويل، لـ"عربي بوست"، وهو رفيق أسر صالح العاروري، إن الأخير كان من الشخصيات التي ساهمت في إخراج الوثيقة التي صاغها مروان البرغوثي للحوار الوطني.
ويتابع أن هذه الوثيقة ما يزال بالإمكان حتى اليوم، أن تشكل خارطة طريق ودستوراً للشعب الفلسطيني.
يستذكر حويل أن الرجل كان على صلة وعلاقة قوية مع قيادات فصائلية، وأبرزهم مروان البرغوثي، ويذكر عنه أن الأخير كان يضع يده بيد العاروري وحسن يوسف، ويسيرون معاً في شوارع مدينة رام الله، في كل مرة تتعرض فيها حماس لأي موقف بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
في معرض كلامه، تحدث عن "الروح الوطنية التي تمتع بها صالح العاروري داخل السجون، وإيمانه بروح المقاومة الجامعة، بمشاركة الجميع، وانخراط الكل فيها".
ويروي حويل لقاءات على مستوى حركتي فتح وحماس بمشاركتهما، موضحاً أن "العاروري كان ينهي أية قضايا خلافية أو تعقيد حتى من أعضاء وفده، ويعمل سريعاً على إنهاء أي إشكال".
ويختم بأنه كان "مؤمناً، بشكل صادق بأن وحدة الجميع في مقاومة موحدة في سبيل التحرير، وليس احتكار هذا الفصيل أو غيره، لأن المقاومة من الجميع والوحدة الحقيقية هي سبيل الانتصار".
ويقول إنه "حتى بعد تحرره، لم يقطع علاقاته برفاقه، وقد جاء إلى جنين وزار رفقاء الأسر، وعائلاتهم، ومنهم من حماس أو حركة فتح والجهاد دون تمييز بين فصيل وآخر".
الأمر ذاته أكده الأسير البرغوثي، مشدداً على أنه لم ينقطع عن الأسرى ورفاق السجن، حتى وهو خارج البلاد ومُبعد.
العاروري والقائمة الأمريكية للإرهاب
يقول البرغوثي في تصريحه لـ"عربي بوست"، إن "الصفات الوطنية وصدق انتمائه للقضية، ونفَسه الوحدوي المؤمن بالشراكة الحقيقية، أهلّته لأن يحتل مكانة عالية لدى الفلسطينيين".
ويشير إلى أن "هذه المواقف الثابتة لم ترق بالتأكيد لأمريكا وغيرها من الدول الداعمة لإسرائيل، ومن ثم فإن دعم هذه الدول اللامحدود لإسرائيل هو سبب إدراجه على قائمة الإرهاب عام 2015".
ويضيف: "ليس أمراً جديداً على أمريكا أن تستهدف أي فلسطيني يؤمن بعدالة قضيته ويواجه الاحتلال، خاصةً أن صالح العاروري كان مؤمناً بحتمية النضال".
يشار إلى أن صالح العاروري اعتقل أكثر من مرة، واتهمه الاحتلال الإسرائيلي بالوقوف خلف العديد من العمليات التي نفذتها المقاومة في الضفة الغربية.
بين عامي 1990 و1992، اعتُقل إدارياً (دون محاكمة) لفترات، على خلفية نشاطه في حركة "حماس".
في عام 1992، اعتقل جيش الاحتلال صالح العاروري مجدداً، وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً بتهمة تشكيل الخلايا الأولى لكتائب القسام في الضفة.
برز طوال فترات اعتقاله في قيادة الحركة الأسيرة وعمليات النضال ضد إدارات السجون.
وأفرج عن العاروري عام 2007، لكن الاحتلال أعاد اعتقاله بعد 3 أشهر لمدة 3 سنوات (حتى عام 2010)، حيث قررت المحكمة العليا الإسرائيلية الإفراج عنه وإبعاده خارج فلسطين.
وجرى ترحيله آنذاك إلى سوريا، واستقر فيها 3 سنوات، قبل أن يغادرها ويعيش متنقلاً بين عدة دول، ثم ينتقل إلى لبنان حتى اغتياله.
واغتاله الاحتلال الإسرائيلي هو و5 من رفاقه، الثلاثاء 2 يناير/كانون الثاني 2024، في شقة بالعاصمة اللبنانية بيروت، بعد سنوات من وضعه على قائمة الاغتيالات.
وعمّ الإضراب الشامل كافة مناحي الحياة في الضفة الغربية والقدس، الأربعاء، 3 يناير/كانون الثاني 2023، ردا على اغتيال الاحتلال الإسرائيلي نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، في العاصمة اللبنانية بيروت، في الضاحية الجنوبية معقل حزب الله اللبناني.