كشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الثلاثاء 2 يناير/كانون الثاني 2024، أن جنود الاحتلال الإسرائيلي نقلوا أطفالاً فلسطينيين قسراً إلى خارج قطاع غزة، في شكل آخر لجريمة الإبادة الجماعية المتواصلة من 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، داعياً "إسرائيل" لتسليمهم.
وأوضح المرصد الحقوقي في بيان، أن حادثة اختطاف الرضيعة الفلسطينية والتي تم الكشف عنها مؤخراً، ليست الوحيدة، ووفقاً لشهادات تلقاها المرصد، فإن الجيش الإسرائيلي قام بشكل متكرر باحتجاز ونقل أطفال فلسطينيين دون معرفة مصيرهم لاحقاً.
وأشار إلى أنه يتابع بلاغات ترد من عائلات فلسطينية فقدت اتصالها بأطفالها، لا سيما في المناطق التي تشهد توغلات برية إسرائيلية.
وشدد المرصد الأورومتوسطي، على أن خطر ارتكاب الجيش الإسرائيلي لجريمة نقل الأطفال قسراً وإخفائهم يزداد مع وجود أكثر من 7 آلاف مفقود فلسطيني، وصعوبة إزالة الركام وتعذر الاتصالات والإنترنت في أغلب قطاع غزة، فضلاً عن تشتت العائلات بسبب النزوح القسري، وإبلاغ مئات العائلات الفلسطينية عن فقدان أطفال لهم مع صعوبة التحقق من مصيرهم بسبب استمرار التوغل الإسرائيلي.
شهادة تفيد باختطاف طفلين في غزة
وأبرز المرصد في هذا السياق شهادة المعتقل المفرج عنه رشدي الظاظا، الذي اعتقله الجيش الإسرائيلي وعائلته قبل شهر من منزله في حي "الزيتون" جنوبي مدينة غزة، وتم الإفراج عنه قبل أيام إلى قطاع غزة، فيما بقي مصير زوجته وطفليه مجهولاً.
وأفاد "الظاظا" بأن الجيش الإسرائيلي اعتقله مع زوجته "هديل يوسف الدحدوح"، وطفليهما، أحدهما "زين" بعمر 6 أشهر، والآخر "محمد" 4 سنوات، من داخل منزلهم.
وذكر أن الجنود انتزعوا الطفلين من حضن والدتهما، وعندما اعترضت قيدوها، واقتادوها معهم بعد أن نزعوا حجابها، فيما تم فصلهم عن بعضهم، ولاحقاً بعد أسابيع أفرجوا عنه دون أن يعلم شيئاً عن مصير زوجته وطفليه.
وأضاف "الظاظا" أن الجيش الإسرائيلي ادعى عند خطف طفليه أنه سيجري تحليلاً للطفلين بدعوى أنهما يحتمل أن يكونا من الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن ارتكاب هذه الجريمة هو أمر محظور بموجب القانون الدولي في جميع الأحوال والظروف، وبغض النظر عن دوافعه وأسبابه.
وأفاد الأورومتوسطي بأنه تلقى شهادة أخرى من سيدة فلسطينية بأنها وخلال نزوحها من غزة إلى جنوب الوادي، عبر حاجز نتساريم قبل أسابيع، أوقف الجنود الإسرائيليون طفلة بعمر 12 عاماً شقراء الشعر، وأن والديها حاولا اعتراض الأمر، وسمعت الجنود يقولون لهما إن هذه الطفلة سيأخذونها بدعوى أنها من المحتجزين الإسرائيليين، رغم أنها كانت تتحدث باللغة العربية ومعها والداها، مضيفة أنها واصلت المسير ولم تعرف ما حدث مع الطفلة أو والديها.
بلاغات عن فقدان أطفال خلال عملية النزوح من شمال غزة
وأكد الأورومتوسطي أنه يتابع باستمرار بلاغات وإعلانات ينشرها أهالي نزحوا من شمال غزة، أو مناطق التوغل في خان يونس، عن فقدان أطفال لهم، خلال عملية النزوح أو بعد قصف منازل لهم، ويجري نشر هذه البلاغات على مواقع التواصل الاجتماعي وفي مجموعات واتساب خاصة بالنشطاء والصحفيين على أمل العثور عليهم.
وقال الأورومتوسطي إن نحو 7 آلاف مفقود، منهم عدة آلاف من الأطفال والنساء، لا يزال مصيرهم مجهولاً، ويعتقد أن غالبيتهم قتلوا تحت أنقاض المنازل التي دمرها القصف الإسرائيلي، أو في الشوارع، أو اختفوا بظروف غامضة، في الأحياء التي تشهد توغلات للجيش الإسرائيلي.
وأشار الأورومتوسطي إلى أنه لا يوجد إحصاء دقيق لعدد المعتقلين الفلسطينيين من غزة حتى الآن، نظراً لجرائم الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري التي ترتكبها "إسرائيل"، وصعوبة تلقي البلاغات في قطاع غزة بسبب تشتت الأهالي وانقطاع الاتصالات والإنترنت شبه الدائم، غير أن تقديرات أولية تشير إلى تسجيل أكثر من 3 آلاف حالة اعتقال، بينهم ما لا يقل عن 200 امرأة وطفل، لا توجد أية معلومات رسمية سواء عن مواقع احتجازهم، أم الظروف والتهم الموجهة لهم، وذلك في انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي.
وطالب الأورومتوسطي المجتمع الدولي بإلزام "إسرائيل" بتسليم الطفلة التي أقرّ الضابط الإسرائيلي باختطافها، ولا يعرف مصيرها ولا مكانها حتى الآن، والكشف عن كافة حالات الخطف والنقل القسري التي ارتكبت ضد أطفال فلسطينيين، وتسليمهم فوراً.
وأكد المرصد الحقوقي أن "نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة آخرين" -كما يفعل الجنود الإسرائيليون- يعتبر شكلاً من أشكال جريمة الإبادة الجماعية، وذلك بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي تعتبر "إسرائيل" طرفاً فيها، وبموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما يشكل إبعاد ونقل الأطفال تعسفاً وعلى نحو غير قانوني، باعتبارهم جزءاً من السكان، انتهاكاً جسيماً لاتفاقيات جنيف، وجريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي.
وطالب الأورومتوسطي بالعمل فوراً على إنهاء حالة الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري لمئات المعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، ليتمكن السكان من معرفة مصيرهم.
ونبه إلى أن الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري سنة 2006 ودخلت حيز التنفيذ، ابتداءً من عام 2010، تُلزم الدول باعتبار الاختفاء القسري جريمة يعاقب عليها القانون بعقوبات مناسبة، تأخذ في الاعتبار خطورتها البالغة.
وتؤكد الاتفاقية، أن الاختفاء القسري جريمة ترقى إلى مستوى "الجرائم ضد الإنسانية"، إذا ما تمَّت ممارستها على نطاق واسع أو بطريقة ممنهجة، وهو ما تفعله قوات الجيش الإسرائيلي حالياً في المناطق التي تتوغل فيها في قطاع غزة حيث اعتقلت الآلاف، وتواصل احتجاز ما لا يقل عن 3 آلاف شخص مصيرهم مجهول ولا توجد أية معلومات عنهم.
وفي سياق متصل، طالب الأورومتوسطي المجتمع الدولي بإلزام إسرائيل، بتمكين طواقم الدفاع المدني من انتشال الجثامين من تحت الأنقاض ومن الشوارع في غزة، والإسراع في تقديم الآليات والمعدات اللازمة لذلك، وصولاً لحصر أعداد المفقودين الذين يشتبه في أن تكون القوات الإسرائيلية احتجزتهم وأخفتهم، وذلك للمطالبة بالكشف عن مصيرهم.
ويشنّ جيش الاحتلال منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حرباً على غزة أسفرت عن استشهاد 21 ألفاً و978 فلسطينياً، و57 ألفاً و697 مصاباً، ودماراً هائلاً في البنى التحتية، وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً لسلطات القطاع والأمم المتحدة.