كشفت مصادر إيرانية مطلعة، لـ"عربي بوست"، عن تسبب الإمارات في توتر العلاقات بين إيران وروسيا، لأسباب متعلقة بضغوط تمارسها في ملف الجزر الثلاث المتنازَع عليها، بينها وبين طهران.
الموقف الروسي المعلن الداعم للإمارات في قضية الجزر الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى) أثار غضب إيران، لا سيما عقب البيان العربي الروسي المشترك من المغرب، بشأن ملف الجزر في 20 ديسمبر/كانون الأول 2023، ما ساهم في تأزم الوضع داخل طهران، بما يتعلق بالعلاقات مع روسيا.
بحسب مصدر دبلوماسي إيراني سابق مقرّب من السلطة، فإن الضغوط الإماراتية التي مارسها، تتمثل بتحركات في الأمم المتحدة من أجل إعادة عرض القضية على مجلس الأمن، انطلاقاً من القرار رقم 96 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال لـ"عربي بوست" طالباً عدم نشر اسمه، إن "الإمارات تستغل حالة الحشد التي تقودها أمريكا ضد إيران، في محاولة للدفع بهذه القضية للواجهة من جديد".
تسبب الأمر، وفقاً للمصدر ذاته، بعودة الأصوات المنتقدة داخل إيران، بشأن اعتبار روسيا حليفاً.
روسيا والجزر الثلاث
أفاد المصدر الدبلوماسي أيضاً بأن "مسؤولين إيرانيين يرون أن طهران كانت أكثر الدول مساعدة لموسكو عسكرياً، لا سيما أنها باعتها الآلاف من الطائرات من دون طيار، إلى جانب المساعدة في إنشاء مصنع للطائرات من دون طيار في موسكو، في حين أن هناك إصراراً روسياً على تهديد وحدة وسلامة الأراضي الإيرانية، من خلال دعم المطالب الإماراتية".
وقال المصدر: "هناك توجه كبير داخل الإدارة الإيرانية، بوقف بيع الطائرات من دون طيار لروسيا، رداً على موقفها إلى جانب الإمارات، لا سيما أن المرشد الأعلى علي خامنئي، أكد أن مسألة الجزر الثلاث غير قابلة للتفاوض".
وسبق أن أثارت تقارير استخباراتية أمريكية وغربية، قضية دعم إيران لروسيا بالمسيّرات خلال حرب موسكو على أوكرانيا، في حين نفت طهران صحة ذلك، موضحة أن الصفقات جرت قبل الحرب وليس بعدها.
وأضاف أن طهران ترى بالموقف الروسي المعلن أنه "متعلق بالضغوط الغربية على موسكو من خلال العقوبات المرتبطة بأوكرانيا، وأن الأخيرة ترى بالاستثمارات الخليجية طريقاً آمناً، بزيادة معدلات التجارة والاستثمار بين روسيا والدول العربية لا سيما الخليجية".
وقال إن "دعم روسيا للإمارات بشأن الجزر الثلاث، يمثل حافزاً لزيادة التعاون الاقتصادي الخليجي مع موسكو".
الموقف الروسي ليس جديداً، ففي يوليو/تموز 2023، وقعت موسكو على بيان ختامي لقمة دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا، يطالب إيران بضرورة بدء مفاوضات مع الإمارات لحل مسألة الجزر الثلاث، التي تسيطر عليها إيران، وتقول أبوظبي أنها تابعة لها.
لكن روسيا لم تكتفِ ببيان واحد، إذ وقعت على بيان آخر يحمل المعنى ذاته في ديسمبر/كانون الأول 2023، لكن هذه المرة مع ضغوط إماراتية لفتح الملف في مجلس الأمن، ما فجّر الغضب الإيراني.
وكشف مسؤول حكومي إيراني مقرب من دوائر صنع القرار في طهران، في حديثه لـ"عربي بوست"، عن أن "المرشد الأعلى الإيراني وصف تكرار دعم روسيا لمطالب بالأمر المزعج، وأنه لابد من اتخاذ إجراء تجاه التدخل الروسي".
وأفاد بأن طهران باتت ترى ضرورة العمل على منع موسكو من دعم الإمارات في مجلس الأمن، حتى لا تتطور الأمور، ويتم تحويل القضية إلى التحكيم الدولي.
وأكد أن "الإمارات زادت من مطالبتها بالجزر الثلاث هذا العام أكثر من أي وقت مضى، لذلك وجب على القادة الإيرانيين التحرك بسرعة قبل وصول أبوظبي إلى مجلس الأمن".
اتهام إيراني لروسيا بـ"الخيانة"
على صعيد التوتر المتصاعد بين إيران وروسيا، علم "عربي بوست"، من مصادر إيرانية مطلعة، أن سوء العلاقات بين البلدين وصل إلى حد مطالبة بعض المسؤولين الإيرانيين بمنع بيع الطائرات من دون طيار الإيرانية إلى روسيا، التي تستخدمها في حربها مع أوكرانيا، واتخاذ إجراءات ضد ما سمّوه "الوقاحة الروسية".
وذهب الأمر إلى اتهامات من مسؤولين في الحرس الثوري لروسيا، بـ"الخيانة"، بشأن قضية اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لقائد فيلق القدس الإيراني في سوريا سيد رضي موسوي، وعلاقة هذا الاغتيال بموسكو.
مصدران في الحرس الثوري الإيراني، كشفا لـ"عربي بوست"، عن أن القيادة العليا في طهران تلقت تقارير أمنية تُرجح احتمالية تورط موسكو في عملية اغتيال العميد موسوي، وأن الروس كانوا على علم بالعملية، ولم يقوموا بإخبار الإيرانيين.
في هذا الصدد، قال مصدر مطلع ومقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، نظراً لحساسية الموضوع: "هناك اتفاق بين روسيا وإسرائيل، تقوم على أساسه تل أبيب بإبلاغ الروس بمواعيد الهجمات التي تستهدف المواقع الإيرانية في سوريا".
بحسب المصدر ذاته، فإن هدف هذا الاتفاق هو قيام موسكو بإخبار طهران لإخلاء هذه المواقع.
هذا الأمر تناوله قيادي في فصيل عصائب أهل الحق العراقي، في حديثه لـ"عربي بوست"، قائلاً: "أغلب الهجمات الإسرائيلية على مواقع الإيرانيين في روسيا، لم تفقد فيها إيران قائداً كبيراً أو تتكبد خسائر بشرية كبيرة، بسبب الاتفاق بين إسرائيل وروسيا، فالإسرائيليون يُطلعون الروس على الأماكن التي سيتم قصفها، وموعد القصف، ومن ثم يبلغون الإيرانيين بالأمر، الذين يقومون بالإخلاء السريع، وهذا الأمر لا يحدث مع العراقيين، على عكس ما يحصل في سوريا".
في حين قال المصدر الدبلوماسي، إن "هذا الاتفاق سارٍ منذ سنوات، لكن الغريب أن الروس لم يخبروا طهران بأي شيء، سواء في الهجوم الذي استهدف سيد موسوي، أو الهجوم السابق له".
يُذكر، أنه قبل اغتيال العميد سيد رضي موسوي، أعلن الحرس الثوري الإيراني في أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، أن اثنين من ضباطه قُتلا في هجوم إسرائيلي في سوريا، دون تقديم أي تفاصيل.
وتواصل "عربي بوست"، مع مصدر أمني في استخبارات الحرس الثوري الإيراني، للتعليق على الأمر، فقال مفضلاً عدم الإسناد: "هناك شكوك كبيرة لدينا بتورط الروس في اغتيال موسوي بعدم إخبارنا، وعندما تحدثنا معهم قالوا إنهم لم يكونوا على علم بالهجوم الاسرائيلي الأول، أو الهجوم الذي استهدف موسوي، لكننا ما زلنا نحقق بالأمر، ونتواصل مع المخابرات الروسية بهذا الخصوص".
وصف المصدر ذاته، احتمالية تورط موسكو في اغتيال العميد البارز رضي موسوي، قائد فيلق القدس في سوريا بـ"الخيانة" في حال ثبوتها.
وقال: "إذا أثبتت التحقيقات تورط الروس، فهذه خيانة كبيرة لا يمكن التغاضي عنها، فلم يكن أحد يعلم بالجهة التي سيتوجه إليها موسوي بعد انتهائه من لقائه بالسفير الإيراني في دمشق، ولم يكن يحمل أي هواتف ذكية يمكن تتبع خط سيره منها، ولم تكن ترافقه أي حراسة".
وأضاف: "قام موسوي بتغيير خط سيره 3 مرات، طبقاً للقواعد الأمنية المتعارف عليها، قبل أن يصل إلى مكان إقامته قرب دمشق".
وتابع: "هناك ربما خيانتان في هذا الأمر، خيانة محتملة من الروس لعدم إخبارنا بموعد ومكان الهجوم الإسرائيلي، وأخرى باحتمالية تسريب معلومات عن تحركات موسوي".
العلاقات بين روسيا وإيران
يُذكر أن العلاقة بين موسكو وطهران كانت دائماً متقلبة، لكنها منذ حرب روسيا مع أوكرانيا شهدت توطيداً للعلاقات، في وقت تشهد فيه توتراً بين إيران والولايات المتحدة، لعدم التوصل إلى صفقة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني.
يقول نائب برلماني إيراني مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي، لـ"عربي بوست"، إنه "في حقيقة الأمر، كنت من أشد المؤيدين لزيادة التعاون الإيراني مع روسيا والصين، وأثبتت طهران حسن نيتها ورغبتها في هذا الأمر بالمساعدات العسكرية لروسيا، في حين كانت دول الخليج تساعد أوكرانيا، فهل تكون هذه مكافئتنا؟".
ويضيف، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "يتحدث المسؤولون في المجلس الأعلى للأمن القومي عن نية روسيا مساندة الإمارات في مجلس الأمن، لدعم موقفها للمطالبة بالجزر الثلاث، وإذا حدث هذا الأمر فستكون بداية الانهيار في العلاقة بين طهران وموسكو، التي حاربت إيران كثيراً من أجل تحسينها".
لكن المصدر الحكومي الإيراني، عبّر عن اعتقاده بأنه "لا يصح التضحية بالعلاقة بين موسكو وطهران بسهولة، وأنه لا يمكننا فقدان حليف في حجم روسيا، لا سيما أننا دفعنا ثمن هذه الشراكة من خلال دعمنا العسكري لها، ما زاد من تعقيد الأمور بيننا وبين الغرب، بما يخص مسألة إحياء الاتفاق النووي".
وقال: "لكن في الوقت ذاته، لا يمكن لإيران التعامل بسلبية مع الموقف الروسي ودعمها لدول الخليج، في مقابل تهديد وحدة الأراضي الإيرانية، وأعتقد أن القيادة الإيرانية ترى أنه قد حان الأوان للخروج من هذه السلبية تجاه روسيا، واتخاذ إجراء يحفظ هيبة وأمن إيران القومي".
الخلاف بين الإمارات وإيران على الجزر الثلاث
قبل عام 1971، كانت الجزر الثلاث تحت السيطرة البريطانية، وطالب الملك الإيراني حينها محمد رضا بهلوي بضمها لإيران، وفي عام 1971 عندما كانت القوات البريطانية تغادر الإمارات السبع، التي أصبحت فيما بعد دولة الإمارات العربية المتحدة، سيطر الجيش الإيراني على الجزر الثلاث: أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى.
مع قيام الثورة الإيرانية عام 1979، والإطاحة بالملك الإيراني، ظلت الجزر الثلاث في حوزة إيران، بينما طالبت الإمارات باسترداد الجزر الثلاث مراراً، ولا تزال.
رغم صغر مساحة هذه الجزر، فإنها تتمتع بأهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة، فهي تقع في الخليج العربي، وتطل على الكثير من ممرات الملاحة البحرية، بالإضافة إلى أنها تُطل أيضاً على مضيق هرمز.
وتمتلك الجزر الثلاث الثروات الطبيعية، مثل النفط والكبريت وكبريتات الحديد.
وأعلنت إيران مراراً أنها لن تتخلى عن سيادتها على الجزر الثلاث، وأن المسألة غير قابلة للتفاوض مع الإمارات.
بينما ترى الإمارات أن الجزر الثلاث إماراتية بحكم التاريخ والقانون، خاصة بعد الإطاحة بالملك الإيراني، وتغيير نظام الحكم هناك، مستدلة في مطالبتها بالجزر الثلاث على الوثائق والمراسلات الرسمية البريطانية في القرن التاسع عشر.
في ديسمبر/كانون الأول 1971، عرضت أبوظبي قضيتها على مجلس الأمن لإيجاد تسوية مع إيران، التي رفضت الذهاب بالقضية إلى محكمة العدل الدولية. وفي عام 1992 وافقت طهران على الدخول في مناقشات ثنائية من أجل حل المسألة، حيث قامت كل من سوريا وقطر بالتوسط لإنهاء الخلاف، لكن كل هذه المحاولات انتهت بالفشل.
وأعاد القضية إلى الواجهة، اجتماع لمنتدى التعاون العربي الروسي في دورته السادسة، على مستوى وزراء الخارجية، أقيم في مدينة مراكش المغربية، الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول 2023، بحضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وطالب بمفاوضات بين إيران والإمارات بشأن الجزر الثلاث، أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.