نشرت صحيفة The Guardian البريطانية، الجمعة 29 ديسمبر/كانون الأول 2023، معاناة النساء الحوامل في غزة في ظل خلو المستشفيات من الإمدادات، ومداهمتها من جانب الاحتلال الإسرائيلي، وامتلائها بالفعل بما يتجاوز قدرتها من ضحايا الحرب.
حنان، وهي مواطنة من سكان غزة، حين دخلت المخاض في وقتٍ سابق من هذا الشهر، ديسمبر/كانون الأول، كانت محاصرة بين الألم، والخوف من مواجهة الولادة دون مساعدة طبية، والرعب من الغارات الجوية وقناصة الاحتلال الإسرائيلي، إذا ما حاولت الوصول إلى المستشفى، وقررت أن تأتي بأصغر أبنائها إلى هذا العالم بالمنزل.
وجاءت ممرضة كانت قد لجأت إلى المبنى الذي توجد به شقتها من أجل المساعدة، لكن لم تتمكن من تقديم ما هو أكثر من النصائح الطبية الأساسية، وكان أطفالها الآخرون يستمعون مرعوبين لواقع الولادة دون دعم طبي أو مسكنات للألم.
قالت حنان بعد أيام من الولادة: "كان الألم مبرحاً، وكنتُ بحاجة ماسة للذهاب إلى مستشفى. لكنَّ الوضع بالخارج جعل الأمر مستحيلاً، فالذهاب إلى المستشفى كان يعني المخاطرة بحياتنا".
ظروف صعبة تواجهها النساء في غزة
ويشار إلى أنه لا توجد كهرباء تقريباً في قطاع غزة، في ظل انقطاع إمدادات الطاقة، وتدمير الاحتلال لمحطات الطاقة، واستنفاد إمدادات الوقود الخاصة بالمولدات تقريباً، بعد أكثر من شهرين من عدوان الاحتلال الإسرائيلي والحصار المشدد.
وتعاونت النساء اللاتي يعشن في مبنى حنان حتى تتمكَّن الممرضة، هيا، من مراقبة مريضتها طوال الليلة الطويلة، فاستخدمن بطاريات هواتفهن لإضاءة الغرفة.
قالت حنان: "بالرغم من تحديات شحن هواتفنا… أضأن الغرفة بكشافاتهن لمساعدة الممرضة هيا خلال ولادتي". وحاولن أيضاً مساعدتها خلال المخاض، فشجّعنها، وحاولن مساعدتها على تنظيم تنفسها لتخفيف الألم القاسي.
الأمم المتحدة قلقة من الوضع بغزة
وقالت الأمم المتحدة إنَّها تشعر "بقلق عميق" بشأن النساء الحوامل اللاتي لا يستطعن الحصول على الرعاية الصحية في غزة. وقدَّرت المنظمة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنَّ أكثر من 50 ألف امرأة في غزة حوامل، يُتوقَّع ولادة أكثر من 100 منهن يومياً في خضم نقص الضروريات الأساسية، بما في ذلك الماء والغذاء وقلة فرص الحصول على الرعاية الصحية.
وتراجع عدد المستشفيات العاملة من 36 إلى 8، ويقول الأطباء في أرجاء غزة إنَّهم يواجهون ضغط عمل هائلاً بسبب ضحايا غارات الاحتلال والقتال، وقد أجبر ذلك مئات النساء على الخضوع للولادة بمفردهن، في المنزل، مثل حنان.
إذ قالت حنان: "وجدتُ نفسي أصرخ من الألم، أمام أطفالي، الذين شعروا بالرعب عليّ، وكانوا قلقين بسبب الغارات الإسرائيلية المتواصلة". بدأت طفلتها بالبكاء، وحاولت حنان تحمُّل الألم أكثر دون صراخ.
وعملت هيا في أقسام الولادة بالمستشفيات، لكن كان ذلك دائماً إلى جانب الأطباء. وقالت: "لم أُولِّد طفلاً بنفسي قط". وصارت فجأة مضطرة لفعل كل ما بمقدورها لإبقاء مريضيها (الأم والجنين) على قيد الحياة.
وأضافت هيا: "حين ظهرت رأس الطفل وملأت صرخات الوليد الغرفة، اجتاحت الجميع موجة من المشاعر المختلطة من الارتياح والخوف والفرحة والقلق"، وأضافت: "كان عليّ أن أرتجل وأقطع الحبل السري باستخدام مقص من مطبخ حنان. لم تكن هناك مواد تعقيم، وكانت مغادرة المنزل من أجل الحصول على بعضٍ منها أو شراء مقص طبي مستحيلة".
وقالت هيا إنَّ الكل في المبنى يعتبرون الرضيع هو "الطفل المعجزة" لهم، وقالت حنان: "سمّيتُ ابني ورد… وأتمنى أن يحظى بمستقبلٍ جميل كالورود".
والظروف ليست في صالح الأطفال الذين يُولدون مبكراً أو بمشكلات صحية في غزة اليوم. ويوجد نحو 130 وليداً في الحاضنات، تقول الأمم المتحدة إنَّهم من بين المرضى الأكثر عرضة للخطر في المنطقة.
فرَّت حنان، وهي الآن أم لثلاثة أبناء وابنة، من حرب وحشية قبل عقد من الزمن. فهي فلسطينية نشأت في سوريا، ثُمَّ انتقلت إلى غزة عام 2012 للفرار من الحرب في ديارها الأولى، فقط لتجد الصراع في ديارها الجديدة أيضاً.
تعيش العائلة في حي النصر، غربي غزة، والذي أمرت قوات الاحتلال بإخلائه في بداية الحرب، وقد اتجهت جنوباً إلى خان يونس، لكنَّ الأوضاع في المدينة كانت قاتمة للغاية، لدرجة أنَّهم قرروا العودة إلى حي النصر.
وقالت: "فضَّلتُ مواجهة الموت بكرامة، حتى لو كان ذلك يعني المخاطرة بحياتي. لم أستطع تحمُّل فكرة أن أكون بملجأ للمُهجَّرين، حيث لا يملك أطفالي فُرُشاً للنوم عليها، وكان هنالك نقص حتى في الضروريات الأساسية مثل الماء والغذاء".