تبدو أجواء ما قبل يومٍ من الانتخابات المحلية في تونس، باردة كما الطقس في فصل الشتاء الحالي، وهي الخطوة الأخيرة في خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيّد منذ بدء ما سمّاها بـ"إجراءات استثنائية" في 25 يوليو/تموز 2021، تم بمقتضاها حل الحكومة وتعليق البرلمان، وهو ما يصفه معارضون بأنه انقلاب على الديمقراطية في البلاد.
تُعقد الانتخابات المحلية في تونس في 24 ديسمبر/كانون الأول 2023، التي تتشكل، وفق نتائجها، المجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، وصولاً إلى اختيار 7 أعضاء في المجلس الوطني للجهات والأقاليم بالقرعة، وهو ما يمثل غرفة برلمانية ثانية.
أبرز ملامح هذه الانتخابات، المقاطعة الواسعة من الأحزاب والقوى السياسية الرافضة لإجراءات سعيّد، وتوقعات العزوف الانتخابي كما حصل قبل عام في 2022، من انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى) التي شهدت مشاركة 11% فقط من الناخبين، وانشغال التونسيين بأزمة نقص المواد الغذائية.
مقاطعة سياسية
تنتظم الانتخابات المحلية في تونس، في وقت تعرف فيه البلاد أزمة سياسية حادة مستمرة منذ أكثر من سنتين، نتيجة الرفض الحزبي الواسع والمتصاعد لإجراءات سعيّد الاستثنائية، إذ يرى معارضون أن ما حصل في البلاد منذ 25 يوليو/تموز 2021 انقلاب، يدعون إلى إسقاطه.
وأعلنت المقاطعة أحزاب وقوى سياسية رئيسية، هي "النهضة"، وحزب العمال، وتنسيقية القوى الديمقراطية التي تضم أحزاب "التيار، والقطب، والتكتل"، وجبهة الخلاص وائتلاف الكرامة وقلب تونس والدستور الحر، باستثناء حركة الشعب الموالية لسعيّد.
من جانبه، قال الأمين العام لحزب حركة "النهضة"، العجمي الوريمي لـ"عربي بوست: "حزبنا مكوّن رئيسي في جبهة الخلاص (تضم غالبية الأحزاب والقوى المعارضة لسعيّد) التي قرّرت مقاطعة الانتخابات المحلية والجهوية التي تندرج ضمن مسار انبثق عن انقلاب 25 يوليو، وكذلك لن تنخرط فيه أغلب قوى المعارضة".
وأكد الوريمي: "متمسكون بدستور 2014، الذي أقسم الرئيس قيس سعيّد على احترامه وحمايته قبل أن يستبدله بدستور أعده بنفسه، وغيّر بمقتضاه طبيعة النظام السياسي الذي أصبح رئاسياً بعد أن كان برلمانياً معدلاً، ولم يعد هناك أي معنى للفصل بين السلطات، وصارت السلطة التشريعية وظيفة والقضاء وظيفة وصار الحكم فردياً استبدادياً".
وأضاف أن الانتخابات التي يعقدها سعيّد "تتم بعد أن همّش الأحزاب والمنظمات، وقام بتصحير الحياة السياسية، وأصبحت اللعبة السياسية تتم بشروط الانقلاب، لذلك رفضت النهضة من داخل الجبهة، وباستقلال عنها، أن تكون شاهد زور على انتخابات لم تراعَ فيها المعايير المعتمدة في البلاد الديمقراطية".
واعتبر أمين عام النهضة، أن "هذه الانتخابات فيها إهدار للمال العام، ولفرص التنافس النزيه، ولن تغير من الواقع شيئاً، ولن تحل مشاكل التونسيين، وقد تحيي النعرات العروشية، وتقسم وتفرّق، عوض أن توحّد".
من جهته، وصف الأمين العام لحزب "العمال" حمة الهمامي، الانتخابات المحلية في تونس بأنها "ليست انتخابات بل مهزلة من المهازل، فقيس سعيد وضع دستوراً بنفسه خارج سياق الجمهورية، والنظام الديمقراطي".
ولفت الهمامي، في حديثه لـ"عربي بوست" إلى أن "المرشحين لهذه الانتخابات لا يعرفون حتى ما هي صلاحياتهم، لذلك نصفها بالمهزلة المتواصلة بضرب النظام السياسي الذي حقق مكاسب عديدة بناءاً على دستور 2014، وتعويضه بحكم فردي استبدادي".
وقال: "تزداد قناعة المواطن التونسي كل يوم، بأن قيس سعيد ليس حلاً لمشاكله، وأنه جزء من المشكلة، ولا بد من تجاوز الانقلاب الذي قام به".
عزوف انتخابي
عن توقعات نسب التصويت في الانتخابات المحلية في تونس، أفاد المدير التنفيذي لمرصد "شاهد"، الناصر الهرابي، بأن "وضع المسار منذ بدايته دون أية تشاركية مع القوى السياسية والأحزاب، بالتالي كان من المتوقع أن يؤدي إلى العزوف واللامبالاة من حيث الترشح والتصويت".
أوضح الهرابي في حديثه لـ"عربي بوست" أن "الترشيحات كانت قليلة منذ البداية، حتى إن بعض الدوائر يوجد فيها مترشح وحيد فقط، بالإضافة إلى أننا رصدنا حملة انتخابية باهتة قبل الصمت الانتخابي، لذا نتوقع أن يحصل عزوف يوم الاقتراع، وعدم إقبال على الانتخابات".
عن النسب المتوقعة، قال: "هناك عمليات سبر آراء حصلت، ولكن يمنع التصريح بها، ويمكن التأكيد بأن العزوف سيكون كبيراً والنسبة أقل من الانتخابات التشريعية، وحتى أنها لن تصل لتلك النسبة التي كانت في حدود 11,4%".
وينص الفصل 172 من دستور سعيّد، على أنه إلى حين صدور قانون ينظم سبر الآراء، يحجر خلال الفترة الانتخابية بثّ ونشر نتائج الاستطلاعات والدراسات والتعاليق الصحفية، التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والاستفتاء عبر مختلف وسائل الإعلام".
وتترتب على كل مخالف عقوبات بالسجن والجزاءات المالية.
انشغال بالأزمات الاقتصادية
"عربي بوست" استطلع بعض الآراء من الشارع التونسي في العاصمة، إذ قال السيد عصام: "لا معنى لهذه الانتخابات بالنسبة لي، ولكثيرين مثلي، فالتونسي يريد مواد حتى يملأ القفة (يقصد به البحث عن الزيت والسكر)".
وقال: "ما الفائدة من هذه الانتخابات؟ الإجابة: لا شيء".
السيدة دليلة، مواطنة تونسية أكدت أن "الحال يسوء كل يوم أكثر"، في البلاد، معلقة على الانتخابات المحلية بالقول: "ما هذه الانتخابات والشعب يعاني؟ حتى وإن حصلت، فهل سيتغير شيء؟".
تابعت في حديثها لـ"عربي بوست " بأن "التونسي كره الانتخابات والوعود الكاذبة، للأسف نحن نعاني في كل الخدمات، على صعيد الصحة والنقل والتعليم".
وختمت بالقول: "لسنا في حاجة لانتخابات".
من جانبه، قال القيادي في النهضة العجمي الوريمي: "ما تحتاجه البلاد هو مصارحة ومصالحة وحوار وإصلاحات، لكن ما دامت الإرادة السياسية للانقلاب تمضي في اتجاه مغاير، لذلك فإن الأمل في التغيير معدوم، وستكون اللامبالاة بالعملية السياسية والانتخابية نتيجة طبيعية، ورسالة للطبقة السياسية بضرورة المراجعة والإنقاذ".
وتعاني تونس أزمة خبز، إذ يضطر المواطنون إلى الوقوف ساعات عدة في طوابير للحصول على حاجاتهم، وذلك ما رصده "عربي بوست" في تقرير سابق.
ومنذ 2021، تراجع إنتاج الحبوب في تونس، انتقلت تداعياته بعد ذلك إلى السوق المحلية، من حيث عدم توفر كميات كافية من القمح المستخدم في إنتاج الخبز.
ولم تهدأ أزمة شح السلع الأساسية في السوق التونسية خلال عامي 2022 و2023، لا سيما القمح والطحين والزيت والسكر، واسط تحميل الجهات الرسمية مسؤولية ما يحدث، في حينها أنها تحمل "جهات محتكرة" لم تسمها، مسؤولية ما يحصل.
غياب الدعاية الانتخابية في الشوارع
كان لافتاً غياب الدعاية الانتخابية في الشوارع داخل المدن التونسية، ما عكس عدم اهتمام بالانتخابات المحلية في تونس.
وأشار الهرابي إلى أن "الاقتراع حسب الأفراد ترك غياباً واضحاً للتنافسية، في ظل غياب الأحزاب السياسية المعارضة، ما ترك فراغاً كبيراً".
وقال: "حتى أن الأحزاب الداعمة لسعيّد لم تنزل إلى الشارع لإقناع الناخب، فالمواطنون أصبحوا يشعرون بملل من الانتخابات، بعد الاستفتاء والانتخابات التشريعية الأخيرة".
أما الهمامي، فأكد أنه "لا أثر لأي أجواء توحي بانتخابات، وأتوقع أن تكون نسبة العزوف كبيرة".
ورصد "عربي بوست" بعض المشاهد من الشارع التونسي، بشأن غياب الدعاية الانتخابية، لا سيما أمام المدارس، حيث مكاتب ومراكز الاقتراع، التي تسمح السلطات حصراً بتعليق الدعايات الانتخابية عليها.
الصمت الانتخابي
وانتهت الجمعة 22 ديسمبر/كانون الأول 2023، الحملات الانتخابية، ليبدأ السبت، الصمت الانتخابي.
ويشارك 7205 مرشحين، لانتخاب أعضاء المجالس المحلية، باعتماد طريقة الاقتراع على الأفراد في 2155 دائرة انتخابية محلية، تشمل 279 معتمدية.
ويبلغ عدد الناخبين التونسيين المعنيين بالانتخابات المحلية في تونس 9 ملايين و79 ألفاً و271 ناخباً.
وكانت آخر انتخابات أجرتها تونس، هي الانتخابات البرلمانية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، وبلغت نسبة العزوف الانتخابي نحو 90% ممن يحق لهم التصويت، لتوصف حينها بأنها غير مسبوقة منذ ثورة 2011 في تونس، من حيث ضعف الإقبال على التصويت.
ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، تشهد البلاد أزمة سياسية بدأت مع إعلان سعيد "إجراءات استثنائية"، تمثلت في حل البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب، وإعفاء رئيس الحكومة، وحل مجلس القضاء، وعدد من الهيئات الدستورية وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وانتخابات تشريعية، وآخر هذه الإجراءات ستكون الانتخابات المحلية.