قد يؤدي تعطل الشحن لفترة طويلة عبر قناة السويس إلى ارتفاع الأسعار والضغط على النمو الاقتصادي، خاصة في أوروبا، التي تعاني بالفعل من مزيج من ارتفاع التضخم والانكماش الاقتصادي. وقد دفعت الهجمات التي شنتها جماعة الحوثي اليمنية على سفن تجارية في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر عدة شركات شحن إلى تحويل مسار سفنها وتجنب طريق يمر عبر قناة السويس في الشمال للوصول إلى البحر المتوسط.
تقول الجماعة المتحالفة مع إيران إن هدف الهجمات هو دعم الفلسطينيين في الوقت الذي تشن فيه إسرائيل حرباً على غزة. وتزيد عملية تغيير المسار التكلفة والوقت لرحلات السفن. ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار النفط وأقساط التأمين ضد مخاطر الحرب.
الملاحة في قناة السويس تواجه أزمة بسبب الحوثيين
أما بخصوص تكاليف الاقتصاد الكلي المحتملة المرتبطة بالاضطرابات بعد الهجمات التي شنها الحوثيون في اليمن على السفن في البحر الأحمر، فيمر نحو 15% من حركة الشحن العالمية، بما في ذلك حوالي 30% من تجارة الحاويات العالمية، عبر قناة السويس.
ومن شأن توجيه السفن حول أفريقيا زيادة مدة رحلتي الذهاب والإياب بحوالي أسبوعين ونصف الأسبوع، مما يقلل من قدرة الشحن ويؤدي إلى ارتفاع التكاليف.
حسب تقديرات بنك يو.بي.إس، فإن "المدة الأطول للعبور عبر طريق رأس الرجاء الصالح تقلل من القدرة الفعلية للرحلة بين آسيا وأوروبا بنسبة 25%".
وبالنظر إلى أن مثل هذه الرحلة يمكن أن تستغرق أكثر من عشرة أسابيع، فإن أي تعطل لفترة قصيرة سيكون له تأثير طويل الأجل قد يستمر عدة أشهر. ومع ذلك، يعتبر موسم العطلات هذا العام آمناً، إذ وصلت معظم السلع اللازمة لموسم عيد الميلاد.
خسائر بالمليارات
في السياق ذاته وعندما عطلت سفينة حاويات حركة الشحن في قناة السويس لستة أيام في عام 2021، قدر خبراء الاقتصاد أن تجارة يومية تصل قيمتها إلى عشرة مليارات دولار قد توقفت.
يمكن أن تصل مطالبات التأمين من هذا الحادث في النهاية إلى ما يصل إلى ملياري دولار، وفقاً لتقديرات شركة سكور لإعادة التأمين.
كذلك يمكن أن تأتي التكاليف على قنوات متعددة. وسيكون التأثير الأسرع من خلال أسعار الطاقة لكن الأسواق هادئة حتى الآن. وارتفعت أسعار النفط إلى حد ما، ولكن ليس بأكثر من 1% مقارنة بالأسبوع الماضي. ومع ذلك، انخفضت أسعار الغاز مما يشير إلى عدم وجود قلق كبير بشأن حدوث تأخير في حركة الغاز الطبيعي المسال.
التكلفة الأخرى هي ارتفاع أسعار الشحن وزيادة رسوم التأمين. وقال جان هوفمان رئيس فرع لوجستيات التجارة في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد): "إنها أخبار سيئة لأنها تصل إلينا في وقت نعاني فيه بالفعل من بعض الاتجاهات الأخرى التي لها تأثير سلبي على تكاليف الشحن".
وأضاف هوفمان أن أسعار شحن الحاويات أصبحت الآن عند أعلى مستوياتها خلال العام. وتابع "لا تزال أحدث أسعار شحن الحاويات منخفضة مقارنة بأزمة سلاسل التوريد خلال جائحة كوفيد. لكنها أعلى الآن مما كانت عليه مقارنة بأي وقت آخر في عام 2023".
تأخير الشحنات بسبب تعطل قناة السويس
تتعلق التكلفة الأكثر تعقيداً بتأخير الشحنات، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المستهلكين؛ لأن البضائع قد تستغرق وقتاً أطول للوصول إلى المستهلكين.
وقال كارستن برزيسكي الاقتصادي في آي.إن.جي: "قد نشهد عودة المشكلات في سلاسل التوريد وارتفاع التضخم وتباطؤ النمو. ولحسن الحظ، ليس بالحجم نفسه الذي كان عليه في أثناء الجائحة ولكن سيكون له تأثير ملموس". وأوضح أنه "إذا استمر الوضع لفترة أطول، فسنشهد ارتفاع التضخم مرة أخرى".
وقالت وزارة الاقتصاد الألمانية، التي تضع في اعتبارها المخاطر المحتملة على اقتصادها المعتمد بشدة على التجارة، اليوم الثلاثاء إنها تراقب الأحداث في البحر الأحمر عن كثب.
ومع ذلك، يرى الاقتصاديون أن الاضطرابات التي حدثت في الأيام القليلة الماضية ليست كافية حتى الآن للتأثير على النمو أو التضخم.
وقال جاي ميلر كبير خبراء استراتيجية السوق في مجموعة زوريخ للتأمين: "شهدنا تحسينات هائلة في سلاسل التوريد منذ كوفيد. لا يوجد نقص في المنتجات حالياً وتمت إعادة ملء المخزونات". وأضاف: "من منظور الصورة الأكبر، لا أرى أي تأثير مادي سواء على النمو أو التضخم في هذه المرحلة".
تزايد نسب التضخم
من ناحية أخرى، أدت مجموعة من العقبات في المعروض عالمياً والناجمة عن الاضطراب الاقتصادي الناتج عن كوفيد-19 وتأثير تدابير التعافي بعد الجائحة إلى دفع التضخم إلى مستويات لم يشهدها العالم منذ السبعينيات، وهو ما دفع البنوك المركزية إلى الاستجابة عبر تشديد نقدي لم يسبق له مثيل.
لكن صناع السياسات لا يستجيبون إلا للاتجاهات الأطول أجلاً، لذا فمن غير المرجح أن يتحركوا إلا إذا رأوا تأثيراً مستمراً يمكن أن يغير مسار التضخم بعد سنوات.
ومع ذلك، فإن معظم البنوك المركزية الكبرى تتطلع الآن إلى إبقاء أسعار الفائدة عند مستوياتها المرتفعة الحالية لبعض الوقت وأي اضطراب يمكن أن يرتفع معه التضخم عالمياً قد يزيد الحذر حيال التيسير السريع للسياسة النقدية.
قناة السويس أسرع طريق بحري بين أوروبا وآسيا
جدير بالذكر أن قناة السويس التي يبلغ طولها 192 كيلومتراً هي أسرع طريق بحري بين آسيا وأوروبا، وتعد القناة إحدى نقاط الاختناق الجغرافية السبع وهي بالغة الأهمية لتجارة النفط العالمية، كما أنها عرضة للتعطل أو هجمات القراصنة.
من جانبها، قالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية نقلاً عن بيانات فورتيكسا إن نحو 9.2 مليون برميل يومياً من النفط تدفقت عبر القناة في النصف الأول من 2023، وهو ما يمثل نحو 9%من الطلب العالمي.
في حين قالت شركة إنرجي أسبكتس الاستشارية إن حوالي 4% من واردات الغاز الطبيعي المسال العالمية وتقدر بنحو 391 مليون طن في عام 2023 حتى الآن مرت عبر القناة.
فيما تعد إيرادات الرسوم التي يدفعها أصحاب السفن مصدراً مهماً للدخل بالنسبة للاقتصاد المصري، وبلغت مستوى قياسياً عند 9.4 مليار دولار في العام حتى 30 يونيو/حزيران.
كما يمكن للقناة استيعاب أكثر من 60% من إجمالي الأسطول العالمي للناقلات عند تحميلها بالكامل، وأكثر من 90% من ناقلات البضائع السائبة. ويمكنها أيضاً استيعاب جميع ناقلات الحاويات وناقلات السيارات وسفن البضائع العامة.
55 سفينة تغيِّر مسارها لرأس الرجاء الصالح
يمكن للسفينة التي تحمل الخام السعودي من الخليج أن تصل إلى روتردام، على سبيل المثال، على مسافة تبلغ 6436 ميلاً بحرياً إذا عبرت القناة. ويؤدي المسار حول أفريقيا إلى زيادة المسافة إلى 11169 ميلاً بحرياً؛ مما يزيد الوقت والتكلفة لمالك السفينة.
يذكر أنه في 17 ديسمبر/كانون الأول، قالت هيئة قناة السويس إنه منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني غيرت 55 سفينة مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، بينما مرت 2128 سفينة عبر القناة في الفترة نفسها.
فيما قالت شركتان كبيرتان للشحن، من بينهما شركة البحر الأبيض المتوسط للشحن (إم.إس.سي) الأكبر في العالم لشحن الحاويات، يوم السبت إنهما ستتجنبان قناة السويس مع تصعيد الحوثيين لهجماتهم.
جدير بالذكر أنه تم شق القناة الأولى في عهد سنوسرت الثالث (1887-1849 قبل الميلاد) لتربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر عبر نهر النيل وفروعه.
فيما خطط المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس لممر مائي جديد لربط البحر المتوسط بخليج السويس والبحر الأحمر. واستغرق العمل فيه عشر سنوات وافتتح في نوفمبر/تشرين الثاني 1869. وتفصل القناة القارة الأفريقية عن آسيا وتوفر أقصر طريق بحري بين أوروبا والمناطق بالمحيط الهندي وغرب المحيط الهادئ. وهي أحد أكثر ممرات الشحن استخداماً في العالم.
في المقابل أعلنت مصر تأميم القناة عام 1956؛ مما دفع بريطانيا وفرنسا إلى جانب إسرائيل إلى شن حرب. ولم ينتهِ العدوان الثلاثي أو "أزمة السويس" إلا بعد أن أغرقت مصر 40 سفينة في القناة وتدخلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والأمم المتحدة؛ مما أجبر بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على الانسحاب.
أما في يونيو/حزيران 1967، خاضت مصر وبعض الدول العربية حرباً مع إسرائيل تقدمت خلالها القوات الإسرائيلية إلى الضفة الشرقية لقناة السويس قبل الاتفاق على وقف إطلاق النار. تعرضت القناة لأضرار بالغة خلال القتال وظلت مغلقة حتى بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973.كما استعادت مصر السيطرة الكاملة على القناة بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول وأعيد فتحها في يونيو/حزيران 1975.