لم يغب الرمز الأمازيغي "الزاي" عن اللافتات المرفوعة خلال مسيرة شهدتها العاصمة الرباط، صباح الأحد 10 ديسمبر/كانون الأول 2023، لدعم الشعب الفلسطيني وإدانة جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة.
وكان لافتاً في إحدى اللافتات، التي حملت العلم المغربي وعلم فلسطين والعلم الأمازيغي معاً، وكتبت بالعربية والأمازيغية، تضمّنها تأكيد أن "أمازيغ سوس يساندون المقاومة الفلسطينية".
بل إن لافتة هؤلاء الأمازيغ المشاركين في المسيرة، إلى جانب حساسيات سياسية ونقابية وفكرية أخرى بالرباط، دعت "إلى وقف التطبيع" مع إسرائيل.
ويرى العديد من المراقبين، أن هذه المشاركة الأمازيغية جزء من تضامن مبدئي مع الفلسطينيين لا يُسلط عليه الضوء عادة، وهي خطوة تُفنّد بعض "الاتهامات" ببعد انشغالات الحركة الأمازيغية عن القضية الفلسطينية.
فلسطين حاضرة عند الأمازيغ
يذهب شريف أدرداك، الفاعل الأمازيغي، إلى أن "مبدأ التضامن مع الشعوب التواقة إلى التحرر هو أحد أهم المبادئ التي تبنتها الحركة الأمازيغية منذ ظهورها على الساحة السياسية بشمال أفريقيا عموماً والمغرب خصوصاً".
وتابع أدرداك، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "فلسطين كانت دائماً حاضرة في وجدان الأمازيغ نخبة وعامة"، الأمر الذي جعله يُؤسس سنة 2010، رفقة مجموعة من الشباب من الريف (شمال المغرب)، الجمعية الأمازيغية لمساندة الشعب الفلسطيني.
لهذا، "خلقت الجمعية نوعاً من التوازن بين الحركة الأمازيغية، التي تتبنى التضامن الإنساني تجاه القضية الفلسطينية، والحساسيات الإسلامية-العروبية التي تتهم الحركة الأمازيغية بالارتماء في أحضان الصهيونية"، يوضح الفاعل والباحث الأمازيغي.
واستطاعت الجمعية، التي لم تعد نشطةً اليوم، تنظيم فعاليات عدة لصالح القضية الفلسطينية؛ وعلى رأسها "اليوم الثقافي الأمازيغي الفلسطيني"، بهدف تقريب الفلسطينيين من الثقافة الأمازيغية وإبراز تضامن الأمازيغ مع قضيتهم.
منظمات أمازيغية تدين العدوان
في خضم عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، أصدرت "منظمة تاماينوت"، وهي إحدى كبريات المنظمات الأمازيغية في المغرب، بياناً يدين العدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين، ويعبر عن تضامنه الإنساني مع الشعب الفلسطيني، مشدداً على أن المقاومة الفلسطينية ترغب في تحقيق حقها في الاستقلال.
يؤكد منسق العلاقات الخارجية بتاماينوت، هشام المستوري، أن "بيان المنظمة جاء من منطلق تصور الشعوب الأصلية عبر العالم، والذي يدعو إلى مناصرة ومساندة الشعوب المضطهدة من باب الإنسانية؛ ومنه نتضامن مع الشعب الفلسطيني في محنته، وفي لحظاته العصيبة التي يعيشها أمام الجرائم المرتكبة في حقه".
وأضاف المستوري، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن المنظمة الأمازيغية "تتحدث عن اعتداء وهمجية من طرف واحد، وتؤكد حق الفلسطينيين في الاستقلال، وحقهم في تقرير مصيرهم السياسي والثقافي والاقتصادي، وهو حق قائم".
على هذا الأساس، يجب أن يكون "تضامن القوى الأخرى ونخبنا مع قضايا الشعوب، تضامناً سليماً، لا يرتكز على النزعات العرقية والدينية، وهو ما سيعطي نتائج أفضل لصالح الشعوب المضطهدة"، يسجل الناشط في الحركة الأمازيغية.
امتداد للمقاومة ضد المستعمر
لم يفت الأمازيغ، في سياق الوضع يغزة اليوم، أن يستنكروا استثمار واستغلال مأساة الشعوب بهدف الهجوم على الحركة الأمازيغية، وهو ما ذهب إليه صراحةً بيان منظمة تاماينوت.
وشددت هذه المنظمة الحقوقية الأمازيغية، على أنها "انبثقت من رحم المقاومة الأمازيغية التاريخية التي وشمت الذاكرة والتاريخ بملاحم الصمود في مواجهة الاستعمار وتحرير أرضها".
يرى رئيس جمعية الريف-فرنسا للتنمية البشرية، علي النصيحي، أنه "أخلاقياً وفكرياً يمكن اعتبار الحركة الأمازيغية امتداداً للمقاومة الأمازيغية ضد المستعمر في القرن الماضي؛ وبالتالي لا يمكن أخلاقياً أن تتبنى جهة ما أدبيات الحركة الأمازيغية، وأن تكون في الوقت نفسه ضد القضية الفلسطينية كقضية تحررية".
بل الأكثر من ذلك، فإن "الأمازيغي الحر يجب أن يكون له موقف واضح من الصهيونية باعتبارها حركة استعمارية عنصرية"، يقول الفاعل الحقوقي من أمازيغ الريف المقيم بفرنسا، في اتصاله بـ"عربي بوست".
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن "القضية الفلسطينية لم تغب عن أدبيات الحركة الأمازيغية بل تم تغييبها مؤخرا، كرد فعل نفسي، بعدما هيمن على القضية الفلسطينية التيارين القومي والإسلامي".
لكن، "الجيل المؤسس للحركة الأمازيغية كان لهم ارتباط إنساني بالقضية الفلسطينية. ربما كان البعض منهم لا يعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية، لكنهم يعتبرونها في الأخير قضية إنسانية جوهرية مهمة جدا، وهي قضية احتلال وهيمنة"، يردف النصيحي.
كشف محاولات الاختراق الصهيوني
ينبه الباحث والفاعل الأمازيغي، شريف أدرداك، إلى "إلصاق بعض التيارات تهمة العمالة للصهيونية بكل مناضل أمازيغي من أجل تشويه سمعته، خصوصا أن المغاربة معروفين بتعاطفهم القوي مع القضية الفلسطينية".
وقال أدرداك في إفادته لـ"عربي بوست": " الحركة الأمازيغية أصبحت متجذرة في المجتمع وحققت مكاسب عديدة رغم محاصرتها سياسيا واقتصاديا، وكذلك رغم غياب أي تكتل سياسي يتبنى أفكارها ومبادئها. فالحركة الأمازيغية تستمد قوتها من مبادئها المبنية على النسبية وهو الامر الذي ساهم في تزايد المتعاطفين معها والمنضمين إليها".
وسجل الباحث والفاعل الأمازيغي، أن "فلسطين -شئنا ام أبينا- كانت ولازالت حاضرة في وجدان المغاربة باعتبار القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين".
لهذا يجب الحرص على كشف "محاولات الاختراق الصهيوني الذي تقوم به منظمات ومؤسسات إسرائيلية تحت ذريعة التواجد اليهودي القديم بالمغرب"، يشير نفس المصدر.