يعيش الفلسطينيون النازحون من مختلف مناطق قطاع غزة بسبب العدوان الإسرائيلي أوضاعاً مأساوية، إذ بات الغذاء والمياه النظيفة ترفاً لا يستطيع النازحون تحمّل تكلفته، بل وخلقت ظروف الاكتظاظ في الملاجئ أرضاً خصبة للأمراض، التي تشكّل تهديداً كبيراً عليهم.
ونقل موقع Middle East Eye البريطاني، في تقرير عن أحد النازحين ويدعى حازم أبو غبن الذي يقطن في خيمة صغيرة بالية سقفها عبارة عن بقايا بطانية سوداء، أن أسرته كانت تمتلك منزلاً فسيحاً في جباليا، شمال غزة، لكنها اضطرت إلى مغادرته حين أصدر الجيش الإسرائيلي تعليمات لـ 1.1 مليون شخص يعيشون في الشمال ومدينة غزة بالنزوح إلى جنوب القطاع تحت قصف شرس.
وفي رحلة النزوح الشاقة، ومع غياب سيارات الأجرة بسبب الغارات الجوية المستمرة، اضطرت أسرة أبو غبن إلى قطع مسافة تزيد على 10 كيلومترات وسط القصف، لتنضم إلى طوفان النازحين. ولم يحملوا معهم سوى القليل من البطانيات والملابس.
وقال أبو غبن: "حين وصلنا إلى نقطة تفتيش عسكرية إسرائيلية، مشينا ونحن نرفع هوياتنا. كان الوضع مرعباً جداً لأنهم كانوا يعتقلون الناس تعسفياً ويقتلونهم".
ولدى وصولهم، التجأوا إلى إحدى مدارس الأمم المتحدة، واضطروا إلى الاكتفاء بالنوم على الأرض في فناء المدرسة لأنهم لم يتمكنوا من إحضار أي مراتب أو أسرة من منزلهم.
وتابع أبو غبن: "وجدت صديقي في نفس المدرسة، وتشاركنا نفس المرتبة. صنعت مأوى يشبه الخيمة من بطانية لأحمي أبنائي من المطر. أنا هنا منذ شهر. والوضع شديد الصعوبة ولا يُطاق".
وما يُفاقم هذا الوضع المزري في الملجأ شح منتجات التنظيف والمياه النظيفة، وخلقت ظروف الاكتظاظ في الملاجئ أرضاً خصبة للأمراض، التي تشكل تهديداً كبيراً على النازحين.
وقال أبو غبن: "الناس لا يستطيعون شراء منتجات التنظيف لأنهم يدخرون المال لشراء الطعام حتى لا يموتوا جوعاً".
الاستحمام بات "شبه مستحيل"
كما أشار إلى أنه حتى الاستحمام بات "شبه مستحيل" بسبب نقص المياه، في حين انتشرت أيضاً الأمراض المعدية مثل الجرب والإنفلونزا والجدري في المدرسة، وقال: "استحممت مرتين فقط هذا الشهر، وبمياه مالحة جداً من مياه المرحاض".
في السياق، أوضح أبو غبن أنه "حتى استخدام المراحيض غاية في الصعوبة. أضطر للوقوف في طابور ثلاث أو أربع ساعات لاستخدام المرحاض، ودون أي أدوات تنظيف. وأضطر لوضع قطعة قماش على أنفي حتى لا أشم الرائحة الكريهة المنبعثة منه".
وذكرت منظمة الصحة العالمية مؤخراً أن الحظر الإسرائيلي على الوقود أدى إلى إغلاق محطات تحلية المياه، وأن هذا يزيد بدرجة كبيرة من خطر العدوى البكتيرية.
وأدى استهلاك الناس للمياه الملوثة، وتعطُّل عملية جمع الفضلات الصلبة إلى توفر ظروف الانتشار السريع والواسع النطاق للحشرات والقوارض القادرة على حمل الأمراض ونقلها.
وما يفاقم هذا الوضع الصحي المتردي الصعوبات التي يواجهها المتضررون من نقص الوقود وتبعاته.
"الحصول على الغذاء أصبح مهيناً"
وتفاقم هذا الشح في المساعدات الغذائية والمالية الظروف المعيشية الصعبة بين سكان غزة، خاصة وأن معدل الفقر بلغ 53% قبل الهجوم الإسرائيلي.
إذ قال أبو غبن إن "الحصول على الغذاء أصبح مهيناً"، وأوضح: "لا أستطيع شراء الطعام لأطفالي. نقودي نفدت، ولم يعد باستطاعة أحد إقراضي المال".
وأضاف أنه حتى لو وفرت له الأونروا الدقيق، فاستخدامه في الخبز يظل مكلفاً. وأوضح أبو غبن أن "سعر أسطوانة الغاز الآن 400 شيكل (106 دولارات)، بعد أن كان سعرها قبل الحرب 70 شيكل (18 دولاراً)".
كما أكد أن حتى شراء الحطب مكلف، لذلك يضطر إلى الخروج كل صباح عند الفجر كي يبحث في الشوارع عن أي حطب.
وقال إنه يغامر بالذهاب إلى المنازل التي تعرضت للقصف، على أمل أن يعثر على خشب صالح للاستخدام من الأشجار حولها.
وقال: "هذه مهمة محفوفة بالمخاطر، وأنا أدعو الله من كل قلبي أن يعجّل بإنهاء هذا الوضع، فأنا مشتاق للعودة إلى منزلي، ولا أدري إن تعرض للقصف أم لا".
أسوأ من النكبة
وأمام خيمة أبو غبن، التجأت أم هاني جبريل، وهي سيدة في الستينيات من عمرها، إلى أحد الفصول الدراسية مع عشرات النازحين.
وكانت قد اضطرت إلى إخلاء منزلها في غزة مع أطفالها وأحفادها، هرباً من الغارات الجوية الإسرائيلية التي كانت قريبة بدرجة خطيرة من منزلها.
وقالت لموقع ميدل إيست آي: "لم نتمكن من أخذ أموالنا أو أي شيء آخر غير بطاقات هويتنا" مضيفة: "كان تهجيرنا القسري أشد إيلاماً من نكبة 1948".
وحتى المهام اليومية البسيطة مثل طهي الطعام أصبحت صعبة عليها. وأوضحت قائلة: "أدفع ثلاثة شيكل لشراء كيلوغرام واحد من الحطب، أو أجمع الورق المقوى من الشوارع لإشعال النار الطهي".
وهي تطهو الأرز كل يوم؛ لأن الغذاء الأساسي الوحيد المتوفر لديها. وقد أثر ارتفاع الأسعار عليها بشكل كبير؛ لأن سعر كيلو الملح أصبح 20 شيكلاً، بعد أن كان شيكل واحد قبل الحرب.
وقالت: "كثيراً ما يشتكي أحفادي ويبكون من شدة حاجتهم للطعام ولكن ما بيدي حيلة".