خاضت إدارة بايدن، في الأسابيع الأخيرة، محادثات طويلة وتحركات كثيرة لتأمين اتفاق تبادل أسرى بين حماس والاحتلال، والذي أعلنت قطر، الأربعاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نجاحها في التوصل إليه، بالإضافة إلى هدنة مؤقتة في غزة، إذ تقول صحيفة Financial Times البريطانية إن الرئيس الأمريكي بايدن بذل جهداً دبلوماسياً وسياسياً كبيراً في الأسابيع الأخيرة للتوسط في الاتفاق، الذي وصفه أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية بأنه عملية "مؤلمة للغاية".
وبموجب الاتفاق، ستطلق حماس، على دفعات، سراح 50 امرأة وطفلاً محتجزين لديها، وفي المقابل سيطلق الاحتلال سراح 150 فلسطينياً من سجونه، كما سيسمح للمساعدات الإنسانية بالتدفق إلى القطاع المنكوب.
وفي حين أن الاتفاق له مدة قصيرة ونطاق محدود ويمكن أن ينهار في التنفيذ، فإنه يمثل إنجازاً مهماً لبايدن، الذي واجه ضغوطاً في الداخل والخارج للتوسط في الصراع بعد ما يقرب من 6 أسابيع من القتال المدمر.

وإذا صمد الاتفاق، فإنه سيمثل نقطة تحول في مساعي واشنطن لتحقيق الاستقرار واحتواء الحرب. وإذا فشل، فسيكون هناك خطر إثارة المزيد من الانتقادات في الولايات المتحدة وعلى المستوى الدولي لنهج بايدن في التعامل مع الصراع.
تحركات بايدن للتوصل إلى اتفاق تبادل أسرى
وبحسب رواية أحد كبار المسؤولين في إدارة بايدن، أطلق الرئيس جهوداً لتحرير الأسرى بعد مكالمة عبر الفيديو من المكتب البيضاوي، في 13 أكتوبر/تشرين الأول، مع أفراد عائلات مواطنين أمريكيين أُسِروا خلال عملية طوفان الأقصى.
وداخل البيت الأبيض، قاد المفاوضات جيك سوليفان وبريت ماكغورك من مجلس الأمن القومي، إلى جانب بيل بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وأنتوني بلينكن، وزير الخارجية. وبصرف النظر عن كبار المسؤولين الإسرائيليين، كان نظراؤهم الرئيسيون مسؤولين مصريين وقطريين كباراً كانوا على اتصال مباشر مع حماس.
وقالت صحيفة The Times البريطانية إن خليةً قد تشكَّلت سراً للعمل على أزمة الأسرى، وضمت بيل بيرنز، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وديفيد بارنيا، رئيس الموساد، وجيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي. واضطلع عباس كامل، رئيس المخابرات المصرية، بدور رئيسي في دفع الطرفين للتوصل إلى اتفاق.
وحققت المجموعة تقدماً في 20 أكتوبر/تشرين الأول، عندما تمكنت من إطلاق سراح الرهينتين الأمريكيتين، جوديث رعنان وابنتها ناتالي. وأدى إطلاق سراحهما إلى إجراء المزيد من المفاوضات المكثفة لتحرير مجموعة أكبر من الأسرى.
14 محادثة بين نتنياهو وبايدن خلال أيام!
ونقلاً عن موقع Ynet الإسرائيلي، قال مسؤول كبير في إدارة بايدن إن التعاون بين رئيس الموساد ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية كان حاسماً للمفاوضات، مضيفاً أن الرئيس جو بايدن نفسه ناقش القضية 14 مرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وتُضاف إلى ذلك ثلاث محادثات أخرى: واحدة بين بايدن والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومحادثتين مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.
ووجّه بايدن الشكر لقادة قطر ومصر على "قيادتهم الحاسمة وشراكتهم" في التوصل إلى الاتفاق. وأضاف: "اتفاق اليوم يجب أن يعيد المزيد من الرهائن الأمريكيين إلى الوطن، ولن أتوقف حتى يُطلَق سراحهم جميعاً".

فيما قال المسؤول الكبير في الإدارة الأمريكية إن بايدن شارك شخصياً، "حيث تبادل المحادثات والمقترحات الصعبة للغاية ذهاباً وإياباً"، وشملت النقاط الشائكة الرئيسية "الممرات، والمراقبة، والأطر الزمنية، والأعداد الإجمالية"، بالإضافة إلى قائمة الأسرى و"المعلومات التعريفية الخاصة بهم".
ورغم أن حماس قالت إنها مستعدة للإفراج عن 50 رهينة في المرحلة الأولى من الصفقة، لم تقدم في البداية سوى تفاصيل دقيقة عن 10 رهائن، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة غير كافٍ.
وأضافت صحيفة The Times أن إسرائيل أصرت على أن حماس يجب أن تطلق سراح جميع النساء والأطفال في المرحلة الأولى من الإفراج، لكن الحركة الفلسطينية رفضت في البداية تقديم دليل على حياة الرهائن أو إصدار قائمة بأسماء وأعمار وجنس وجنسية السجناء المحتجزين.
"الضغوطات تجبر نتنياهو على التفاوض"
وأشارت الصحيفة البريطانية أيضاً إلى أن مطالب حماس قد تغيرت، وقطعت الحركة الاتصالات لعدة أيام. وتصارعت الحكومة الإسرائيلية حول ما إذا كان عليها أن تتفاوض مع حماس من الأصل، لكنها واجهت ضغوطاً متزايدة من عائلات الأسرى، الذين نظموا احتجاجات ليلية للمطالبة بالعودة الآمنة لذويهم.
لكن الصفقة انهارت مرة أخرى بعد يومين. وبعد ساعات من اتفاق بايدن ونتنياهو بحذر على الإطار العام للصفقة، قطعت حماس الاتصالات.
وجاء التقدم الحاسم بعد ذلك بوقت قصير من جانب حماس، التي أعلنت المعلومات اللازمة للإفراج عن أول 50 امرأة وطفلاً. وبحلول 14 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو يوم تعهد بايدن العلني لأفراد عائلات الأسرى الأمريكيين، وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الصفقة بعبارات عامة خلال مكالمة مع الرئيس الأمريكي، متراجعاً عن مقاومته المستمرة منذ أسابيع لوقف العمليات العسكرية مؤقتاً.

وبعد أن تلقت واشنطن رداً من حماس، أبلغت إسرائيل به، الأحد، ووافق مجلس الوزراء الحربي على الصفقة مع بعض المطالب الإضافية. وبحسب المصدر فإن ذلك أعطى إسرائيل الثقة للمضي قدماً؛ لأنه حتى تلك اللحظة كانت هناك ثغرات فنية واستغرق سدّها وقتاً.
وبحسب صحيفة The Times، لا تزال حماس تصر على أنها لا تستطيع العثور على نساء وأطفال آخرين أسرى في غزة دون توقف القتال. وتضغط الولايات المتحدة من أجل "زيادة الإمدادات الإنسانية" إلى غزة، لكن وقف إطلاق النار لا يزال محفوفاً بالمخاطر، حيث أصر نتنياهو الليلة الماضية على أن إسرائيل "ستواصل الحرب".
وأفاد موقع Ynet بأن الحكومة الإسرائيلية قالت في بيان رسمي: "ستواصل حكومة إسرائيل والجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الحرب من أجل إعادة جميع المختطفين واستكمال القضاء على حماس وضمان عدم تهديد دولة إسرائيل مرةً أخرى من غزة".
وكان الوزراء من حزب الصهيونية الدينية، الذين أعربوا في البداية عن معارضتهم للصفقة، قد صوتوا أخيراً لصالحها.
وبينما كان بايدن في سان فرانسيسكو، الأسبوع الماضي، لحضور قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، انقطعت الاتصالات مع حماس، وبدا الاتفاق في خطر. لكن المحادثات استؤنفت في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، وتم التوصل إلى التفاصيل النهائية مطلع هذا الأسبوع.
وقال المسؤول الكبير في الإدارة الأمريكية إن البيت الأبيض يأمل الآن في تمديد الاتفاق ليشمل إطلاق سراح أسرى إضافيين، ووقف أطول للأعمال العدائية، وقال المسؤول: "نتوقع أن يكون العدد أكثر من 50، لكنني لا أريد أن أذكر رقماً". وأضاف: "الطريقة التي صيغت بها الصفقة تحفز إلى حد كبير إطلاق سراح الجميع".
ونقل موقع Ynet تصريح مسؤول أمريكي لوكالة Reuters البريطانية بأنه من المتوقع أن تتضمن الصفقة إطلاق سراح ثلاثة مواطنين أمريكيين من جانب حماس. وهناك في الإجمالي 10 مواطنين أمريكيين من بين الأسرى لدى الحركة الإسلامية.
فيما دعا بعض المشرعين التقدميين إلى وقف إسرائيلي كامل لإطلاق النار، في حين طالب آخرون بأن تفرض الولايات المتحدة شروطاً أكثر صرامة على المساعدات المقدمة لحكومة نتنياهو، رداً على تزايد عدد القتلى بين المدنيين الفلسطينيين.
ولكن يبقى أن نرى ما إذا كانت الصفقة -في حال تنفيذها- ستساعد في رفع أرقام استطلاعات الرأي المتدنية لبايدن. وأظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة NBC، ونُشِرَ يوم الأحد، أن نسبة الناخبين الأمريكيين المسجلين الذين يوافقون على سياسة بايدن الخارجية انخفضت من 41 إلى 33% في نوفمبر/تشرين الثاني.