كشفت مصادر مقربة من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست" أن ما يدور في الكواليس بعيد عن تصريحات مسؤولين إيرانيين، بخصوص تحرك محور المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي بسبب حربه على قطاع غزة.
وأضافت المصادر التي تحدث لـ"عربي بوست" في هذا التقرير أن طهران تتهرب من المواجهة المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا، لكنها في نفس الوقت لا تُريد التخلي عن حماس في هذه المعركة.
وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قد أكد بعد عملية طوفان الأقصى، أن محور المقاومة في سوريا، العراق، اليمن، لبنان، لن يقف مكتوف الأيدي أمام الدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي.
في هذا التقرير تُفسر مصادر إيرانية لـ"عربي بوست" الأسباب التي تدفع طهران إلى التريث في دخول أي مواجهة مباشرة.
تجنب المواجهة المباشرة
وقال مصدر "عربي بوست" مقرب من الحرس الثوري الإيراني ويترأس أحد مراكز الفكر التابعة للحرس الثوري: "على أرض الواقع هناك العديد من التعقيدات التي تدفع إيران إلى تجنب المواجهة المباشرة سواء مع واشنطن أو تل أبيب".
وأضاف المتحدث أن "إيران بين المطرقة والسندان، فمن ناحية غير قادرة على الدخول في مواجهة مباشرة مع الاحتلال المدعوم من أمريكا، ومن ناحية أخرى لا بد من الوفاء بالتزاماتها تجاه محور المقاومة التي تحارب الآن".
وبحسب المصدر ذاته، فإن القادة الإيرانيين يكافحون منذ الإعلان عن عملية طوفان الأقصى من أجل تجنب الدخول في صراع مباشر مع إسرائيل والولايات المتحدة يعرض أصولها الإقليمية للخطر.
"لقد وضع الايرانيون خطاً أحمر وهو التوغل البري بغزة، وإذا تم تجاوزه سيتم التدخل الإيراني غير المباشر عن طريق توسيع هجمات حزب الله، لكن للأسف تم تجاوز هذا الخط قبل توصل إيران لحل وتسوية في غزة"، يقول المتحدث.
وأشار المتحدث إلى أن إيران كانت لا تتوقع أن تنجح إسرائيل في التوغل البري، حتى وإن كان نسبياً مثلما حدث الآن، لذلك سعت منذ بداية الحرب إلى التوصل إلى حل لتسوية الحرب.
استراتيجية رباعية الأبعاد
من جهتها، كشفت مصادر إيرانية مطلعة على تفكير المؤسسة السياسية والعسكرية في طهران أن هذه الأخيرة لجأت إلى اعتماد استراتيجية رباعية الأبعاد تُمكنها من عدم المغامرة بالانخراط المباشر في الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل.
في هذا الصدد، يقول خبير استراتيجي ومقرب من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست": "لا يريد قادة الحرس الثوري الانخراط المباشر في هذه الحرب، لأنه ضد المبادئ التي تأسس عليها الحرس وبالتحديد فيلق القدس".
وأضاف المتحدث أن "فيلق القدس كان دوره منذ تأسيسه هو إبعاد خطر الحروب عن الجمهورية الإسلامية، لذلك اعتمد القادة الإيرانيون استراتيجية رباعية الأبعاد للتعامل مع الوضع الحالي".
ويضيف المتحدث شارحاً هذه الاستراتيجية: "أولاً لا بد من ضبط النفس العسكري، ثانياً تعزيز الردع غير المباشر عن طريق الحلفاء في المنطقة، ثالثاً اعتماد التوازن المتبادل، رابعاً المناورات السياسية".
وبحسب المصدر ذاته، فإن إيران حاولت منذ اليوم الأول للحرب تجنب أي تحرك عسكري يثير غضب واشنطن، واكتفت بالضربات والهجمات التي تقوم بها الفصائل المسلحة الشيعية في العراق على القواعد الأمريكية، وهذا ما يقصده المصدر من تعزيز الردع غير المباشر.
أما بالنسبة لتعزيز المناورات السياسية، يقول المصدر لـ"عربي بوست": "تُحاول إيران لعب دور سياسي في هذه الحرب أكثر من أي وقت مضى، من ناحية، فإنه ينفي عنها تهمة التورط في حرب ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن ناحية أخرى يفي بجزء من التزاماتها أمام الحلفاء في المنطقة".
التهديدات الأمريكية
وفي الأسابيع الماضية، تلقت طهران رسائل تهديد من واشنطن تمنعها من التدخل في الاحتلال الإسرائيلي على غزة، أبرزها تهديد واشنطن بتوجيه ضربة عسكرية مباشرة لإيران.
هذه التهديدات الأمريكية مثل تحريك حاملات الطائرات، حسب مصادر إيرانية تحدثت لـ"عربي بوست" كان لها تأثير لا يمكن إنكاره عن الحسابات السياسية الإيرانية من الحرب الحالية.
يقول مسؤول حكومي إيراني مقرب من القيادة العليا في طهران لـ"عربي بوست": "كان من المتوقع أن تقوم إيران نفسها بتحركات عسكرية مهمة في المنطقة مثل تدريبات صاروخية كبيرة، انتشار زوارق الحرس الثوري البحرية في مياه الخليج".
وأضاف المصدر ذاته "كل ما حدث جاء عكس ذلك، تدريبات عسكرية دفاعية عادية، والاكتفاء بالردع غير المباشر عن طريق الخلفاء في المنطقة، وهذا حدث بسبب قوة التهديدات الأمريكية هذه المرة".
وأشار المصدر نفسه إلى أن إيران أرادت ابداء لواشنطن عدم رغبتها في تصعيد الأمور، لكن الأولوية في كل هذا هي الحفاظ على أمن واستقرار إيران.
وفي أوقات الأزمات والتصعيد مع واشنطن، كانت إيران تعتمد استراتيجية كلاسيكية لتعزيز ردعها، مثل التجارب الصاروخية الباليستية، والمضايقات التي تقوم بها القوة البحرية للحرس الثوري في مياه الخليج للسفن الأجنبية والأمريكية.
ووصل الأمر في كثير من الأحيان إلى احتجاز ناقلات النفط الاجنبية، لكن حالياً لم نرَ أياً من هذه الأمور، كما أشار المصدر السابق، واكتفت إيران ببعض التدريبات الدفاعية المحدودة، خوفاً من التحركات العسكرية الأمريكية في المنطقة.
يقول المسؤول الحكومي الإيراني المقرب من القيادة العليا في طهران: "نحن ندعم حلفاءنا في سوريا، العراق، لبنان، فلسطين، اليمن، لكن في نفس الوقت يجب أن نحافظ على استقرار إيران، وهذا من المبادئ التي وضعها آية الله الخميني في وقت تأسيس الجمهورية الإسلامية".
ضغط حزب الله
حتى الآن لم يتدخل حزب الله اللبناني بشكل كبير في حرب الاحتلال الإسرائيلي على حماس، وكما قال الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، قام الحزب بإشغال قوات الاحتلال على الحدود مع لبنان لتقليل الضغط على غزة.
وقد علم "عربي بوست"، من مصادر إيرانية مطلعة أن قائد فيلق القدس اسماعيل قآني قد زار لبنان أكثر من مرة في الأيام القليلة الماضية، لإيصال رسائل إلى حسن نصر الله.
في هذا الصدد، يقول مصدر مقرب من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، لـ"عربي بوست": "في آخر اجتماع إسماعيل قآني مع المرشد الأعلى اتفقا على ضرورة الحفاظ على حزب الله لأطول وقت ممكن".
وأضاف المتحدث "أن خامنئي طلب من قآني إيصال رسالة لحسن نصرالله بالتريث وتحديد الاهداف الإسرائيلية التي يتم ضربها من قبل الحزب بعناية، بمعنى آخر يجب على حزب الله عدم الانجرار إلى حرب أوسع مع الإسرائيليين".
كما أشار المصدر إلى أن طهران طلبت من الأمين العام لحزب الله، تخفيف لهجته التهديدية للاحتلال والولايات المتحدة في خطابه الأول بالتحديد، بعد أن تلقت رسالة من واشنطن قبل خطاب حسن نصر الله بساعات قليلة تطلب منها عدم إعلان الحزب توسيع الحرب.
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "قرر قادة الحرس الثوري إرسال كتائب الإمام ولواء زينبيون إلى لبنان للمشاركة في الهجمات ضد إسرائيل، للحفاظ على قوات حزب الله".
كما تجدر الإشارة إلى رغبة إيران القوية في الحفاظ على حزب الله اللبناني باعتباره أقوى عضو فيما يطلق عليه محور المقاومة الذي تقوده إيران في المنطقة.
وفي هذا الصدد، يقول مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست": "القادة الإيرانيون ينظرون إلى حزب الله اللبناني بأنه أكبر إنجاز لمحور المقاومة، وسيفعلون كل شيء لعدم تعريضه للخطر في حرب غزة، أو في أي حرب لا تحمي مصالح إيران".
تعزيز الدور الدبلوماسي لإيران
وألمحت بعض المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، إلى رغبة طهران في الحصول على عدد من المكاسب من الحرب ضد غزة، وعلى رأسها تعزيز الدور الدبلوماسي لإيران، كما قال مصدر دبلوماسي إيراني.
يقول المصدر الدبلوماسي الإيراني لـ"عربي بوست": "هناك اتجاه داخل القيادة الإيرانية للعب دور دبلوماسي أكبر وتعزيز الوضع الإقليمي لإيران في هذه الحرب، واغتنام الفرصة للتأكيد على اهمية دور إيران في توسيع أو تقليص رقعة الصراع".
ويضيف المتحدث قائلاً إن "المناورات السياسية والدبلوماسية تحقق لإيران غايتها بأقل الخسائر، فمن ناحية سيظهر التزامها بحماية محور المقاومة وفي نفس الوقت، ستكون قوة سياسية دبلوماسية إقليمية لتوحيد الدول الإسلامية لعزل إسرائيل ومقاطعتها باقل التكاليف".
حديث الدبلوماسي الإيراني عن الفائدة الدبلوماسية التي تسعى إيران لاقتناصها من هذه الحرب يتوافق مع كلام المصدر المقرب من مكتب المرشد الأعلى الإيراني.
وقال المتحدث لـ"عربي بوست": "أبلغت واشنطن طهران في اجتماع أمني أنه من الممكن أن تساعد الولايات المتحدة إيران في التوسط بين حماس واسرائيل ولعب دور دبلوماسي بدلاً من اللجوء إلى تصعيد التوترات في المنطقة".
كما أشار المصدر الدبلوماسي الإيراني إلى أن هذه المناورة تعتبر جزءاً من استراتيجية إيران قائلاً: إن "المرونة والبراغماتية وموازنة الموارد جزء من الثقافة الاستراتيجية الكلاسيكية لإيران، وتم العمل بها في كثير من الأحيان في أوقات التصعيد بين واشنطن وطهران".
إيران لا تريد القضاء على الاحتلال
من ضمن المصالح الإيرانية التي من الممكن أن تجنيها طهران من الحرب بين إسرائيل وحماس، هي دخول إسرائيل في حرب طويلة الأمد دون القضاء عليها بحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست".
وفي هذا الصدد، يقول سياسي أصولي إيراني مقرب من دوائر صنع القرار في طهران لـ"عربي بوست": "لا القضاء على إسرائيل ولا الحل الكامل يخدمان مصالح طهران، دعنا نقُلها بمنتهى الصراحة، إن صراعات إسرائيل الدائمة مع حماس وغيرها من حركات المقاومة الفلسطينية تخدم المصالح الاستراتيجية لطهران".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "القضاء على إسرائيل نهائياً ليس في مصلحة طهران فقط ولكن حزب الله أيضاً، لذلك تتجنب طهران وشريكها اللبناني التدخل في هذه الحرب بشكل مباشر".
وأشار المتحدث إلى أن الإبقاء على وجود إسرائيل في المنطقة يخدم المبادئ الإيرانية، فالحرب مع إسرائيل واصطدامها بدول المنطقة وكشف عنفها تجاه الفلسطينيين وحماية الولايات المتحدة، أفضل خيار لطهران من القضاء عليها نهائياً، وانظر إلى الصعوبة المنتظرة للتطبيع الإسرائيلي السعودي بعد هذه الحرب".
كما أشار المتحدث إلى أنه بالرغم من المصالح الإيرانية في إطالة حرب حماس مع إسرائيل، وعدم رغبة إيران في القضاء تماماً على إسرائيل، فإن هذا لا يعني أن تترك طهران حماس تنهار.
وقال المتحدث إن "انهيار حماس سيكون بمثابة ضربة قاسية لطهران ومحور المقاومة، وهذا ما لم تسمح به القيادة الايرانية، يتمنى القادة الإيرانيون أن لا تنهار حماس بدون التدخل المباشر لحزب الله أو ايران، لكن وإن حدث ذلك سيكون هذا أسوأ كوابيس طهران، لأنها ستكون مرغمة على دخول حرب لا تريدها".
وفي نفس الوقت أكدت المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست" في هذا التقرير، على دعم إيران لحركات المقاومة الفلسطينية في حربها الحالية ضد إسرائيل، حتى وإن تجنبت الدخول في صراع مباشر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، أو رغبت في إبعاد حزب الله اللبناني عن الاشتباك مع القوات الإسرائيلية.
يقول أستاذ جامعي إيراني يدير أحد مراكز الدراسات الاستراتيجية التابعة لمكتب المرشد الأعلى الإيراني: "لا يمكن لإيران أن تتخلى عن محور المقاومة وخاصة فصائل المقاومة في فلسطين المحتلة، ولكن التدخل سيكون بحساب وتدريجياً، وسيكون تدخلاً لا يأتي على حساب المصالح الإيرانية ومصالح شعوب محور المقاومة سواء في لبنان أو العراق".
ويضيف المتحدث قائلاً: "بالتأكيد لن تسمح إيران ولا حزب الله بانهيار حماس والجهاد الإسلامي، وحتى مع رغبة إيران في عدم اتساع الصراع إقليمياً، فإنها تتأهب لهذا الأمر، وتدرس احتمالات توسيع جبهات الحرب بعناية شديدة خاصة مع الغزو البري المحدود للجيش الإسرائيلي في شمال قطاع غزة، فخسارة حماس للحرب الحالية تعني خسائر فادحة لمحور المقاومة، خسائر أكثر من التي من المحتمل أن يتكبَّدها لو انخرط بشكل مباشر في الحرب".