قال مسؤولون أمريكيون وعرب ودبلوماسيون ومحللون، يوم الجمعة 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إن إسرائيل تدخل في مخاطرة تنطوي على مواجهة تمرد طويل ودموي إذا ألحقت الهزيمة بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) واحتلت قطاع غزة بدون خطة ذات مصداقية للانسحاب والمضي قدماً نحو إقامة دولة فلسطينية في فترة ما بعد الحرب.
وذكر مسؤولان أمريكيان وأربعة مسؤولين من المنطقة وأربعة دبلوماسيين مطلعين على المناقشات، أن كل الأفكار، التي طرحتها إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية حتى الآن لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة، لم تحظ بتأييد على نطاق واسع، فيما يثير المخاوف من أن الجيش الإسرائيلي قد يُستنزف في عملية أمنية طويلة الأمد.
إسرائيل تتجاهل دروس حرب العراق
بينما تحكم إسرائيل سيطرتها على شمال غزة، يرى بعض المسؤولين في واشنطن والعواصم العربية أن إسرائيل تتجاهل الدروس المستفادة من الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان عندما أعقبت الانتصارات العسكرية السريعة سنوات من العنف والتطرف.
ويقول دبلوماسيون ومسؤولون إنه إذا تمت الإطاحة بالحكومة التي تديرها حماس في غزة ودُمرت بنيتها التحتية واقتصادها، فقد تؤدي نزعة أصولية متطرفة بين السكان الغاضبين إلى انتفاضة تستهدف القوات الإسرائيلية في شوارع القطاع الضيقة.
وتتفق إسرائيل والولايات المتحدة والعديد من الدول العربية على ضرورة الإطاحة بـ"حماس" بعد هجومها على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مما أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز نحو 240 رهينة. لكن لا يوجد إجماع على بديل يحل محلها.
عباس المرشح لإدارة غزة حال هزيمة حماس
قالت الدول العربية وحلفاؤها في الغرب، إن السلطة الفلسطينية، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية، هي المرشح الطبيعي للعب دور أكبر في غزة البالغ عدد سكانها نحو 2.3 مليون نسمة.
لكن مصداقية السلطة، التي تديرها حركة فتح بزعامة الرئيس محمود عباس (87 عاماً)، لحق بها الضرر الشديد بسبب خسارتها السيطرة على غزة لصالح "حماس" في صراع عام 2007، وبسبب فشلها في وقف انتشار المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية، واتهامها بالفساد وعدم الكفاءة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أيام، إن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي لا يجب أن تتولى مسؤولية غزة. وذكر أن الجيش الإسرائيلي هو القوة الوحيدة القادرة على القضاء على "حماس" وضمان عدم عودة الإرهاب. وأصر مسؤولون إسرائيليون عقب تصريحات نتنياهو على أن إسرائيل لا تنوي احتلال قطاع غزة.
وقال محمد دحلان، الذي كان مسؤولاً أمنياً في غزة حتى فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة على القطاع لصالح "حماس" واقتُرح اسمه لتولي حكومة ما بعد الحرب هناك، إن إسرائيل مخطئة إذا اعتقدت أن تشديد سيطرتها على غزة من شأنه أن ينهي الصراع.
وأضاف دحلان من مكتبه في أبوظبي حيث يعيش الآن، أن إسرائيل "قوة احتلال وسيتعامل معها الشعب الفلسطيني على أنها قوة احتلال". وأضاف أن قادة "حماس" ومقاتليها لن يستسلموا، بل سيفضلون تفجير أنفسهم على الاستسلام.
الإمارات تدعم دحلان لتولي إدارة غزة
قال دبلوماسيون ومسؤولون عرب إن الإمارات تؤيد تولي دحلان إدارة غزة في فترة ما بعد الحرب. لكنه قال إنه لا يوجد أحد، ولا حتى هو نفسه، يرغب في تولي حكم منطقة محطمة ومدمرة بدون وجود مسار سياسي واضح في الأفق.
وأشار دحلان إلى غياب التصور لمستقبل غزة عند كل من إسرائيل وأمريكا والمجتمع الدولي، داعياً إسرائيل إلى وقف الحرب والبدء في محادثات جدية حول حل الدولتين.
وحذر الرئيس الأمريكي جو بايدن، نتنياهو يوم الأربعاء، من أن احتلال غزة سيكون "خطأً كبيراً". ويقول دبلوماسيون إن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يرون حتى الآن أي خريطة طريق واضحة المعالم من إسرائيل بشأن استراتيجية الخروج من غزة باستثناء الهدف المعلن المتمثل في القضاء على "حماس". ويضغط المسؤولون الأمريكيون على إسرائيل من أجل تقديم أهداف واقعية وعرض خطة لكيفية تحقيقها.
ولم ترد الحكومة الإسرائيلية على طلبات للتعليق على خطتها لما بعد الحرب في غزة. وتقول الأمم المتحدة والهلال الأحمر إن العملية التي شنتها إسرائيل في غزة رداً على هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول أدت إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص حتى الآن وتشريد أكثر من مليون.
دفاع إسرائيل عن نفسها
بينما يصر بعض المسؤولين الأمريكيين على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فإنهم يشعرون بالقلق من أن ارتفاع عدد القتلى المدنيين قد يؤدي إلى تطرف مزيد من الفلسطينيين ويدفع مقاتلين جدداً إلى أحضان "حماس" أو جماعات مسلحة ستظهر لتحل محلها في المستقبل، وفقاً لمصدر مطلع على عملية صنع السياسات الأمريكية.
وقال أكثر من 12 من سكان غزة أجرت "رويترز" مقابلات معهم، إن الغزو الإسرائيلي يولد جيلاً جديداً من المسلحين.
وذكر أبو محمد (37 عاماً)، وهو موظف حكومي في مخيم جباليا للاجئين، أنه يفضل الموت على الاحتلال الإسرائيلي.
وقال لـ"رويترز" رافضاً الكشف عن اسمه بالكامل؛ خوفاً من الانتقام: "أنا لست (عضواً في) حماس، لكن في أيام الحرب كلنا شعب واحد، وإذا قضوا على المقاتلين فسنحمل البنادق ونقاتل… قد يحتل الإسرائيليون غزة، لكنهم لن يشعروا أبداً بالأمان، ولا ليوم واحد".
أمريكا تقود المحادثات بخصوص غزة
قال مسؤولان أمريكيان تحدثا شريطة عدم نشر اسميهما، إن مناقشات الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية وأطراف فلسطينية أخرى وحلفاء مثل مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر، عن خطة لما بعد الحرب في غزة، لا تزال في مراحلها المبكرة.
وذكر مسؤول أمريكي كبير أنه "من المؤكد أننا لم نصل بعد إلى مرحلة بذل أي جهد لترويج هذه الرؤية لشركائنا الإقليميين الذين سيتعايشون معها في النهاية وينفذونها".
وبينما أصر بايدن على ضرورة أن تنتهي الحرب بـ"رؤية" لحل الدولتين، الذي سيجعل من قطاع غزة والضفة الغربية دولة فلسطينية، لم يقدم هو أو كبار مساعديه أي تفاصيل عن طريقة تحقيق ذلك، ولم يقترحوا حتى استئناف المحادثات.
ويرى بعض الخبراء أن أي جهد لإحياء المفاوضات أمر بعيد المنال، لأسباب من بينها على وجه الخصوص الحالة المعنوية السيئة للإسرائيليين بعد الفظائع التي ارتكبتها "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكذلك الحالة المعنوية للفلسطينيين بعد الانتقام الإسرائيلي في غزة.
وقال جوناثان بانيكوف، وهو مسؤول كبير سابق في المخابرات الأمريكية متخصص بشؤون الشرق الأوسط ويعمل حالياً في مؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية: "من المآسي العديدة للهجوم الإرهابي الذي نفذته حماس، أنه قوض القضية الفلسطينية بشكل أساسي وتسبب في انتكاسة (فيما يتعلق بمسعى) إقامة دولة مستقلة ذات سيادة".
استئناف المفاوضات
وفقاً لمصدر مطلع، قد يتخذ بايدن قراراً بشأن مبادرة أكثر تواضعاً يمكن أن تشمل مساراً لاستئناف المفاوضات في نهاية المطاف. ويدرك مساعدو بايدن أن نتنياهو وحكومته الائتلافية اليمينية المتطرفة، التي ترفض فكرة إقامة دولة فلسطينية، ليست لديهما رغبة كبيرة في استئناف المحادثات.
وبينما يسعى بايدن لإعادة انتخابه رئيساً العام المقبل، قد يتردد في خسارة الناخبين المؤيدين لإسرائيل الذين سيرون أنه يضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
وأوضح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في خطاب ألقاه قبل أيام بطوكيو، خطوط واشنطن الحمراء في غزة، قائلاً إن الإدارة تعارض التهجير القسري للفلسطينيين من القطاع، أو أي تقليص لمساحته، أو احتلاله أو فرض إسرائيل حصاراً عليه. وقال أيضاً إن غزة لا يمكن أن تصبح منصة للإرهاب.
وذكر بلينكن مراراً، أن واشنطن ترغب في رؤية السلطة الفلسطينية "بعد تنشيطها" تدير قطاع غزة في نهاية المطاف بشكل موحد مع الضفة الغربية.
وتضاءلت مصداقية السلطة الفلسطينية في عهد عباس، الذي يديرها منذ عام 2005، مع انحسار الأمل في مسار يقود إلى تحقيق حل الدولتين المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو للسلام عام 1993.
تغيير في السلطة الفلسطينية
يقول مسؤولون أمريكيون إن هذه الآليات تحتاج إلى تغيير. وصرح بعض الدبلوماسيين بأن تغيير القيادة داخل السلطة الفلسطينية قد يكون ممكناً مع بقاء عباس في منصب شرفي. وقال دبلوماسي أوروبي كبير إن هناك خطوة أخرى قيد المناقشة وهي منح السلطة الفلسطينية دوراً رئيسياً في توزيع المساعدات في فترة ما بعد الحرب بغزة لإحياء شرعيتها.
ورداً على سؤال عن هذه المناقشات، قال مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية إن عودة السلطة إلى غزة هي السيناريو الوحيد المقبول وسيُناقَش مع الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى. ورفض التعليق على اقتراح تولي دحلان أو غيره قيادة حكومة فلسطينية.
وقال بعض كبار المسؤولين الفلسطينيين، ومن بينهم رئيس الوزراء محمد اشتية، إن السلطة الفلسطينية لن تعود إلى حكم غزة على ظهر الدبابات الإسرائيلية.
وذكر دبلوماسيون أن شركاء غربيين وبعض دول الشرق الأوسط تقدموا باقتراح لتشكيل إدارة انتقالية من التكنوقراط في غزة لمدة عامين، تكون مدعومة من الأمم المتحدة وقوات عربية.
لكن الدبلوماسيين قالوا إن هناك مقاومة من حكومات عربية رئيسية، مثل الحكومة المصرية؛ خوفاً من الانجرار إلى ما تعتبره مستنقع غزة.
وتخشى القوى الإقليمية من أن تضطر أي قوات عربية تنتشر في غزة إلى استخدام القوة ضد الفلسطينيين، ولا ترغب أي دولة عربية في وضع جيشها بهذا الموقف.
خلاف حول خليفة محمود عباس
رغم أن عباس لا يحظى بشعبية كبيرة بين العديد من الفلسطينيين، فإنه لا يوجد اتفاق على من سيحل محله في المستقبل.
ومن المرجح أن يحظى دحلان بقبول مصر وإسرائيل، لكن رغم عمله بشكل وثيق مع الولايات المتحدة خلال فترة توليه مسؤولية الأمن في غزة، قال مصدر أمريكي إن واشنطن سيكون لديها بعض الشكوك بشأن عودته إلى السلطة. فهناك عداء طويل الأمد بينه وبين عباس ودائرة المسؤولين الداخلية في السلطة الفلسطينية ومع أنصار "حماس" أيضاً.
وقاد دحلان موجة من الاعتقالات والقمع ضد كبار قادة "حماس" في عام 1996 بعد سلسلة من التفجيرات الانتحارية ضد إسرائيل.
وقال مسؤول إماراتي إن أبوظبي ستدعم أي ترتيبات لمرحلة ما بعد الحرب تتفق عليها جميع أطراف الصراع وتدعمها الأمم المتحدة لاستعادة الاستقرار وتحقيق حل الدولتين.
ويحظى مروان البرغوثي، وهو أحد قادة "فتح" المسجون في إسرائيل منذ عام 2002 بتهمة القتل، بشعبية كبيرة بين العديد من الفلسطينيين، لكن البعض في واشنطن يعتبره اقتراحاً غير عملي، لأن الحكومة الإسرائيلية لن ترغب في إطلاق سراح شخص تتهمه بأن "يديه ملطختان بالدماء".
وقال مسؤول أمريكي إن اختيار زعيم لغزة سيكون معقداً، لأن كل لاعب إقليمي لديه شخصياته المفضلة ومصالحه الخاصة. وستدعم الولايات المتحدة في نهاية المطاف أي زعيم يحظى بتأييد الشعب الفلسطيني والحلفاء في المنطقة، إضافة إلى إسرائيل.
وذكر جوست آر.هلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية: "من الواضح أن هناك حاجة ماسة إلى تجديد شباب القيادة الفلسطينية، لكن الدخول في غمار ذلك مرة أخرى أمر صعب للغاية".
وقال إن الدول العربية يمكنها استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي مرشح لا يعجبهم، وستفوز "حماس"، التي تصور نفسها على أنها قائدة النضال من أجل الاستقلال الفلسطيني، في أي انتخابات على الأرجح.
وهناك مخاطر كبيرة من احتمال امتداد الصراع إلى الضفة الغربية المحتلة وإلى خارج إسرائيل.
ويقول مسؤولون ودبلوماسيون عرب، إنه لم يظهر مثل هذا القدر من القلق من انتشار العمل العسكري في أنحاء الشرق الأوسط منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.
ومهما كانت قرارات بايدن الدبلوماسية، يقول مساعدوه إنه ليست لديه مصلحة في جر الولايات المتحدة إلى دور عسكري مباشر في الصراع، ما لم تهدد إيران أو وكلاؤها الإقليميون المصالح الأمنية الأمريكية.
وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض للصحفيين: "لا توجد خطط أو نوايا لنشر قوات عسكرية أمريكية على الأرض في غزة، سواء الآن أو في المستقبل".