تحوم شكوك وأسئلة كثيرة حول صحة رواية المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، الذي عرض الإثنين 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، صوراً ومقاطع فيديو قال إنها لنفق موجود بالقرب من مشفى الرنتيسي للأطفال في قطاع غزة، يقود إلى المستشفى نفسه.
هاغاري زعم أن مقاتلي حركة "حماس" يستخدمون المستشفى كمقر، وأنه عُثر في قبو للمستشفى على أسلحة تعود لمقاتلي الحركة، لكن هناك 5 أسباب تجعل الرواية الإسرائيلية غير قابلة للتصديق، سنوضحها بالتفصيل.
مصعد وليس نفقاً
هاغاري عرض فيديو له بجانب مشفى الرنتيسي، وظهر بجانب حفرة في الأرض قال إنها لنفق يصل عمقه إلى 20 متراً، لكن عند التحقق مما ظهر داخل الحفرة، إلى جانب وجود لوحة كهربائية قرب الفتحة، نجد أن ما عرضه هاغاري هو مصعد وليس نفقاً.
عند النظر إلى لوحة الكهرباء في الفيديو، نجد علبة لونها أسود، وبالبحث عنها وجدنا أنه يُطلق عليها اسم Elevator Drives، وهي جهاز يستخدم للتحكم في حركة المصعد، وعندما يتم دمجها مع لوحة الكهرباء تظهر بنفس شكل لوحة الكهرباء التي عرضها المتحدث باسم جيش الاحتلال.
يبين هذا الفيديو المنشور على يوتيوب شكل جهاز التحكم في حركة المصعد الذي لديه نفس شكل الجهاز الذي ظهر بفيديو المتحدث باسم الجيش.
أيضاً عند النظر إلى الفتحة التي وقف بجانبها هاغاري، نجد أحبالاً ويطلق عليها أيضاً (الكابلات) من العاملين بالمجال، ووجدنا أن هذه المصاعد "مصاعد الجر" وهي نوع من أنواع المصاعد التي تعتمد على نظام تشغيل بالأحبال، وهو مختلف عن الأنظمة الهيدروليكية والأنظمة الأخرى، وتُوصف مصاعد الجر بأنها من بين أنواع المصاعد الأكثر شيوعاً.
كذلك توجد داخل الفتحة أجزاء أخرى تُستخدم في المصاعد، مثل السكك المستخدمة في المصاعد، والأبواب.
غياب الأدلة البصرية
في الفيديو أيضاً، زعم المتحدث أن المصعد الذي سمّاه نفقاً، دخله روبوت واكتشف ما بداخله، لكن لم يعرض المتحدث أي لقطات من داخل النفق المزعوم، واكتفى بعرض صورة ثابتة من شاشة مهشمة، ظهر فيها روبوت صغير في منطقة غير واضحة المعالم، تخلو من دليل قاطع على أن الروبوت داخل النفق الذي يزعم الجيش أنه يصل للمشفى.
ما يثير التساؤل هنا، هو أنه طالما تم إنزال الروبوت إلى الحفرة وتم تحريكه بداخلها واكتشاف ما فيها، فلماذا لم يعرض الجيش صوراً ومقاطع فيديو توثق نزول قواته إلى النفق وتفحصه، والإتيان بدليل قاطع على أن النفق (المصعد) يتصل مباشرة بمشفى الرنتيسي؟
وظهر هاغاري في الفيديو بمكان قال إنه قبو مشفى الرنتيسي، واتهم حركة "حماس" بأنها اتخذت من المكان مقراً لها، وزعم أن الغرفة أو المكان الذي ظهر به، يُشير إلى أنه تم استخدامه من أجل احتجاز رهائن.
استند هاغاري على هذه المزاعم بأنه وجد كرسياً، وقطعة ملابس، وربطة لسروال، ومطبخاً صغيراً، ومرحاضاً، وعبوة للأطفال لشرب الحليب، وعلبة لحفاضات الأطفال، واعتبر أن هذه الأشياء تدل على أن المكان استُخدم لاحتجاز رهائن.
في البداية فإن هذا المكان هو قبو المستشفى كما ذكرنا، وقبل أن يدخله الجيش الإسرائيلي كان مليئاً بالنازحين الذين افترشوا في المستشفى للاحتماء من القصف، وبالتالي فإن وجود أشياء تخص الأطفال هو أمر طبيعي بحكم امتلاء المشفى بالأطفال النازحين، بحسب ما يظهره الفيديو أدناه، فضلاً عن أن مشفى الرنتيسي في الأصل يعالج بشكل رئيسي الأطفال.
من اللافت في الفيديو الذي ظهر به هاغاري من داخل قبو مشفى الرنتيسي، أنه صور ورقة عُلقت داخل جدار غرفة، وكُتب عليها "معركة طوفان الأقصى"، إلى جانب أسماء أيام الأسبوع وتواريخ تبدأ منذ يوم 7 أكتوبر 2023.
هاغاري قال خلال حديثه للكاميرا إن هذه الورقة تضم أسماء الحراس، وفترات مناوباتهم، في حين أن ما هو مكتوب بالورقة ليس سوى أسماء أيام الأسبوع، ولا يمكن البت بأنها استخدمت لترتيب المناوبات، كما ادعى الاحتلال.
إلى جانب هذه الصورة، عرض هاغاري داخل الغرفة نفسها ستائر على حائط كانت خالية من النوافذ، واعتبر ذلك دليلاً على أن الغرفة استُخدمت لاحتجاز الرهائن.
وعرض هاغاري أيضاً لقطات من القبو وقال إنها لأسلحة تركها مقاتلو حركة "حماس" في قبو مشفى الرنتيسي، وقال إن "حماس" حوّلت المكان إلى مستودع للأسلحة، وتظهر اللقطات أجهزة لابتوب، وعدداً من القنابل وأسلحة خفيفة وقذائف "آر بي جي"، وبدت مرتبة بشكل مريب.
خلا فيديو الجيش الإسرائيلي أيضاً من أدلة على وجود مستودع أسلحة أسفل المستشفى، ولم يعرض سوى لقطات لغرف يبدو أنها كانت مخصصة لأنشطة الأطفال، بسبب الرسوم الكرتونية عليها.
في هذا الصدد، ردّ عضو المكتب السياسي في حركة "حماس"، خليل الحية، على الفيديو الذي نشره هاغاري، وقال: "المضحك المبكي أن الاحتلال جاء بأسلحة لا ندري من أين جاء بها، ولو كان كلامه صحيحاً، ولو كانت موجودة في قبو المستشفى، يحملها المقاتل في كيس واحد".
أضاف: "إذا كان هنالك مقاتلون في هذا المستشفى، فلماذا يتركونها، ولماذا لم يأخذها أحد ويحملها على كتفه ويجري؟".
كان الجيش الإسرائيلي قد وقع في الحرج عندما زعم في بداية نوفمبر/تشرين الثاني أنه عثر على أنفاق تحت مستشفى الشيخ حمد للأطراف الصناعية في غزة، ونشر مقطع فيديو لفتحة في الساحلة الخارجية للمستشفى قال إنها للنفق.
لكن تبين بعدها وبالعودة إلى الفيديوهات الأولى لبناء المستشفى في 2014، إلى أن الفتحة لخزان مياه، وتظهر الفتحة نفسها أيضاً في صور للمستشفى تعود إلى عام 2020.
على الرغم من نفي مزاعم الاحتلال ومطالبته بإثبات أن الفتحة عند مشفى الشيخ حمد لنفق، إلا أنه لم يثتب روايته.
وفي ردها على مزاعم الجيش الإسرائيلي بخصوص النفق الذي يصل لأسفل مشفى الرنتيسي، قالت وزارة الصحة إن "ما عرضه الاحتلال حول مشفى الرنتيسي للاطفال هو تمثيلية سمجة لا يوجد عليها دليل واحد يستحق الرد".
أضافت الوزارة أن "الاحتلال اعتبر وجود حفاضات أطفال (بامبرز) في مستشفى للأطفال وبه نازحون على أنها أدلة استثنائية، فأي استخفاف هذا بعقول الناس وعقول العالم؟!".
في تعليقها على القبو الذي ظهر به المتحدث، قالت الوزارة أيضاً: "هذا القبو موجود ضمن تصميم المستشفى ويضم الإدارة ومخازن المستشفى وأصبح مكان إيواء للنازحين الهاربين من القصف للاحتماء به داخل المستشفى، مما تطلب توفير بعض الحمامات بها، كما تم في كافة المستشفيات التي نزح إليها الأهالي كحاجة إنسانية لهم".
أكدت الوزارة أن إخلاء المستشفى "تم تحت فوهة الدبابات وبنادق الاحتلال فلماذا لم يتم اعتقال أحد من المقاومين المزعومين أو المحتجزين المزعومين؟!".
ومنذ 39 يوما، يشن الجيش الإسرائيلي "حربا مدمرة" على غزة، خلّفت 11 ألفا و240 شهيداً فلسطينياً، بينهم 4 آلاف و630 طفلا، و3 آلاف و130 امرأة، فضلا عن 29 ألف مصاب، 70 بالمئة منهم من الأطفال والنساء، وفقا لمصادر رسمية فلسطينية مساء الاثنين.