على أثر رفع أسعار البنزين في مصر.. زيادة متوقعة على الكهرباء والغاز المنزلي

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/11 الساعة 13:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/11 الساعة 13:30 بتوقيت غرينتش
توقعات برفع رفع أسعار الكهرباء والغاز بعد البنزين في مصر - رويترز

أعادت الزيادة الأخيرة، التي أقرتها الحكومة المصرية على أسعار المحروقات، الحديث عن القرارات الاقتصادية المتوقع اتخاذها الفترة المقبلة، ارتباطاً بشروط قرض صندوق النقد الدولي المجمّد تقريباً منذ مارس/آذار 2023، جراء عدم الوفاء بالاشتراطات التي أقرها الصندوق عند التوقيع عليه مطلع العام ذاته، ما يفتح الباب أمام اتخاذ حزمة من الإجراءات التي تتماشى مع رغبة الحكومة المصرية زيادة قيمة القرض وصرف باقي دفعاته خلال الأشهر المقبلة.

قال مصدر حكومي مطلع لـ"عربي بوست" إن زيادة أسعار البنزين، رغم كونها تأتي استجابة للزيادات الكبيرة في أسعار النفط العالمية منذ اندلاع الحرب الدائرة حالياً في قطاع غزة، فإن الأمر يتخلله استجابة ضمنية لتوصيات صندوق النقد التي تتضمن تخفيض قيمة الدعم الحكومي للمشتقات النفطية، دون أن يؤثر ذلك على محدودي الدخل، وهو ما يُفسر عدم اتجاه الحكومة لرفع أسعار السولار هذه المرة، والاكتفاء فقط بزيادة أسعار البنزين.

تخفيف الضغط على الموازنة العامة

المصدر ذاته، أوضح أن الفترة القادمة ستشهد ارتفاعات أخرى في الخدمات العامة التي تعمل الدولة على أرجائها إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية، إذ من المتوقع أن تشهد الكهرباء زيادة جديدة مطلع العام الجديد 2024 بمعدلات قد تصل إلى 20% على الشرائح الأعلى استخداماً، وكذلك الوضع بالنسبة للسولار، والغاز الطبيعي المنزلي، وهي إجراءات تستهدف تخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة، بما يساعد على الالتزام بسداد الاستحقاقات الخارجية من الديون، وضمن إجراءات إعادة هيكلة الاقتصاد التي يتبناها صندوق النقد.

وأضاف أنه بالرغم من أن تحديد سعر صرف مرن للجنيه يُعد بالأساس قراراً سياسياً، ولا يمكن التنبؤ بموعد تنفيذه، لكن هناك مؤشرات تشي بإمكانية الإقدام على تلك الخطوة، لأن المبررات السياسية للقرار ستكون جاهزة، حيث كانت جهات عليا في الدولة تخشى من انفجار حالة الغليان في الشارع، لكن ذلك تراجع مع وجود أخطار داهمة تأتي من الحدود الشرقية مع قطاع غزة، والنتائج السلبية المتوقعة للحرب الحالية على الاقتصاد المصري ستكون بمثابة مبرر منطقي لاتخاذ هذه الخطوة في القريب العاجل.

وقالت الحكومة المصرية، إن حرب غزة لها آثار سلبية على الاقتصاد المصري، وبصفة خاصة أسعار السلع وقطاعي السياحة والبترول.

رفع أسعار الكهرباء والغاز ينعكس على باقي القطاعات الاستهلاكية في مصر - رويترز
رفع أسعار الكهرباء والغاز ينعكس على باقي القطاعات الاستهلاكية في مصر – رويترز

بحسب المتحدث الرسمي باسمها، المستشار سامح الخِشن، فإن الأحداث أثرت سلباً على معظم الاقتصادات العالمية، وظهر ذلك جلياً في ارتفاع أسعار السلع لاسيما المنتجات البترولية، مشيراً إلى أن الحكومة تبحث سيناريوهات التعامل مع التأثيرات المحتملة على قطاعي السياحة والبترول.

وانخفض معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 3.8% خلال العام المالي 2022/2023، بأقل من نسبة 4.2% المستهدفة خلال هذا العام، وأقل للنصف تقريباً من معدل نمو العام المالي الماضي، الذي بلغ 6.6%. 

وأرجع خبراء أسباب التراجع إلى ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

40 مليار دولار زيادة في الموازنة

أشار خبير مصرفي له علاقة بالسياسات النقدية في مصر، إلى أن الموازنة العامة للدولة قد تتكبد زيادة غير محسوبة في الاعتبار قد تصل إلى 40 مليار جنيه، إذا ما استمر الصراع الدائر في قطاع غزة، واتسعت رقعته، وهو أمر تحاول الحكومة التعامل معه، عبر البحث عن موارد مالية جديدة قد يكون بعضها من جيوب المواطنين عبر رفع أسعار الخدمات والضرائب، إلى جانب الاستمرار في سياسة الاستدانة من الخارج.

لفت كذلك إلى أن مصر تستورد كل عام ما يقرب من 120 مليون برميل نفط سنوياً كعدد متوسط، ومن المتوقع أن يأخذ هذا الرقم في الزيادة هذا العام 2023، مع ارتفاع درجات الحرارة وطول مدة فترات الصيف مقارنة بالأعوام الماضية، إلى جانب زيادة فاتورة استيراد الغاز من الخارج مع تراجع الواردات المصرية من الغاز الخام.

بالتالي، فإن زيادة أسعار النفط بقيمة 10 دولارات مرة واحدة مقارنة بما هو محدد في الموازنة العامة، إلى جانب ارتفاع أسعار الغاز مع تراجع التصدير للخارج، وزيادة معدلات الاستيراد، ستكون له آثار سلبية على توجهات الحكومة خلال الفترة المقبلة.

ورفعت الحكومة، الخميس 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أسعار بنزين 80 إلى 10 جنيهات من 8.75 جنيه والبنزين 92 إلى 11.5 جنيه من 10.25 جنيه والبنزين 95 إلى 12.5 جنيه من 11.2 جنيه، وخصصت الموازنة العامة للدولة مبلغ 119.41 مليار جنيه (3.9 مليار دولار) لدعم المواد البترولية خلال السنة المالية الحالية 2023/2024، بزيادة قدرها 61.3 مليار جنيه (2 مليار دولار) عن العام المالي الماضي 2022.

المصدر ذاته أضاف لـ"عربي بوست"، أن الحسابات الحكومية لتوترات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، ستأخذ المزيد من الوقت، بالتالي فإن التوقعات تبقى أكثر سلبية على مستوى ارتفاع أسعار البترول وتراجع واردات الغاز الطبيعي، وكذلك انكماش الاقتصاد بوجه عام، وهو ما يفرض على الحكومة التحرك في أكثر من اتجاه على رأسها التفاوض لمضاعفة قرض صندوق النقد، والعمل على إعادة هيكلة الاقتصاد المحلي تسمح بتحسنه أو على الأقل توقف مزيد من التدهور.

وتحتاج تلك الخطوات إلى التزام الحكومة بما جاء في اتفاق القرض الذي وقعت عليه مع صندوق النقد الدولي قبل ما يقرب من عام (2022)، ومن ثم فإنه يصبح من الوارد جداً الاتجاه نحو تعويم سعر العملة لإنقاذ الاقتصاد، وأن الحكومة تعمل في الوقت الحالي على تهيئة الأوضاع المالية التي تجعل هناك عملية تعويم منضبطة، وليست عشوائية تساهم في ارتفاعات جديدة في السوق الموازية، في ظل مخاوف بأن يتخطى سعر الجنيه في السوق السوداء حاجز الخمسين جنيهاً.

ودائع خليجية جديدة في مصر

يؤكد المصدر أن من بين تلك الإجراءات الدخول في مفاوضات ناجحة حتى الآن للحصول على ودائع خليجية جديدة من دول السعودية والإمارات والكويت وقطر، قد تتجاوز 7 مليارات دولار، وكذلك الاتجاه نحو تبادل الديون بالعملة المحلية مع دول مثل الصين والإمارات، وكذلك الحصول على قرض صيني يقدر بـ900 مليون دولار، وأن المستهدف الرئيس يبقى زيادة قيمة الاحتياطي النقدي بما يساهم في إحداث توازن يصاحب عملية تحديد سعر مرن للجنيه.

وأصدرت وزارة المالية، الأسبوع الماضي، سندات الساموراي بقيمة 75 مليار ين ياباني ما يعادل 500 مليون دولار، بعائد 1.5% سنوياً بأجل 5 سنوات، وسبقها بأيام إصدار سندات "باندا" (سندات مقومة باليوان الصيني ولكنها صادرة عن مقترضين أجانب) بسوق المال الصينية بقيمة 3.5 مليار يوان صيني ما يعادل 500 مليون دولار بعائد 3.5% سنوياً لأجل 3 سنوات، فيما حصل البنك المركزي المصري على قرض بقيمة 7 مليارات يوان ما يعادل 957.1 مليون دولار من بنك التنمية الصيني.

كما حصلت الحكومة المصرية على تمويلات وقروض بأكثر من 2 مليار دولار خلال الشهر الماضي، كان آخرها بعد موافقة البرلمان على قرض مشترك من بنك "دويتشه"، والمؤسسة العربية المصرفية بقيمة 500 مليون دولار، وذلك بهدف حل أزمة نقص النقد الأجنبي، وتطبيق خطة لإطالة متوسط عمر محفظة الدين العام وخفض تكلفة الدين الخارجي.

أعلن البنك المركزي المصري، ارتفاع احتياطي البلاد من العملات الصعبة  بقيمة 131 مليون دولار خلال أكتوبر/تشرين الأول 2023، مقارنة بشهر سبتمبر/أيلول 2023.

وقال البنك المركزي في بيان عبر موقعه الإلكتروني، إن صافي الاحتياطيات الدولية وصل إلى  35.101 مليار دولار أمريكي في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويواصل الاحتياطي النقدي في الارتفاع لدى البنك المركزي منذ الشهر ذاته في 2022.

 وكان الاحتياطي النقدي للبلاد ارتفع إلى 34.970 مليار دولار في سبتمبر/أيلول 2023، مقابل 34.928 مليار دولار في أغسطس، بزيادة نحو 42 مليون دولار.

تنشيط المبادرات

بحسب مصدر في وزارة المالية المصرية، فإن هناك إجراءات حكومية سيتم اتخاذها، منها تنشيط مجموعة من المبادرات التي تستهدف جذب أكبر قدر من العملة الصعبة خلال الشهرين المقبلين قبل اتخاذ خطوة تعويم الجنيه التي أضحت لا غنى عنها مع التراجعات المتوقعة في عوائد السياحة، وتراجع مؤشرات تصدير المشتقات النفطية، التي ستوجه على الأغلب للاستهلاك المحلي، بما لا يتسبب في مشكلات أخرى على مستوى انقطاعات الكهرباء.

وأضاف أن الحكومة تعمل على تنشيط المبادرات التي تدفع المصريين في الخارج ضخ العملة الصعبة في البنوك المحلية من خلال عودة مبادرة شراء السيارات أو إتاحة شهادات دولارية بعوائد مرتفعة.

وأكد لـ"عربي بوست" أن قرارات الحكومة تتضمن أيضَا ترشيد الإنفاق العام في كل الاستخدامات للموازنة العامة للدولة، والوصول إلى صيغة تفاهمية مع صندوق النقد لإجراء المراجعة الأولى والثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي بما يساهم في ضخ ما يقرب من 700 مليون دولار ضمن قيمة القرض قبل نهاية العام الجاري 2023، أو مع بداية العام المقبل على أقصى تقدير.

ولم يصرف الصندوق سوى 347 مليون دولار قيمة القسط الأول من القرض البالغ 3 مليارات دولار، وتعطل صرف القسط الثاني منذ مارس/آذار 2023 بسبب عدم التزام القاهرة بسعر صرف مرن للعملة، وثبات سعر الدولار عند مستوى 30.95 جنيه في البنوك الرسمية منذ أبريل/نيسان 2023، مقابل نحو 45 جنيهاً في السوق الموازية أو السوداء، بزيادة تبلغ نحو 45%.

مصر تحتاج 5 مليارات دولار لتعويم الجنيه

توقع المصدر أن تكون مراجعة الصندوق سابقة على الاتجاه نحو تعويم الجنيه، بمعنى أن بعثة الصندوق قد تتوافد إلى مصر مع بداية ديسمبر/كانون الأول 2023 الذي يشهد انطلاق الانتخابات الرئاسية، على أن يتم التعويم في يناير/كانون الثاني 2023، على أقصى تقدير، وفقاً لما هو واضح حتى الآن، مشيراً إلى أن الحكومة تضع على عاتقها تحقيق المستهدف من حصيلة النقد الأجنبي خلال الشهرين المقبلين، تجنباً لحدوث قفزات مرتفعة في سعر الصرف، وكذلك للتعامل مع معدلات التضخم التاريخية.

الجنيه في مصر يتراجع في استمرار مقابل الدولار - رويترز
الجنيه في مصر يتراجع في استمرار مقابل الدولار – رويترز

لكن الأزمة حتى الآن تكمن، في وجهة نظر الخبير ذاته، في أن صندوق النقد ليس على قناعة كاملة بأن مصر استطاعت أن تحقق قدراً مهماً من المؤشرات الخاصة باعتماد المراجعة. 

ورغم أن الصندوق يرى ضرورة تحرير سعر العملة، فإن اجتماعاته مع الحكومة المصرية حملت تأكيداً على ضرورة تحقيق معدلات نمو إيجابية، والحفاظ على معدلات البطالة دون زيادة، وتحجيم معدلات التضخم التي تأخذ في الزيادة وتقليص عجز الموازنة قدر الإمكان نهاية بتوفير احتياطي نقدي يساعد على إنجاح التعويم.

ويؤكد "غولدمان ساكس"، أحد البنوك الأمريكية العالمية، حاجة مصر إلى ما يزيد على 5 مليارات دولار من تدفقات النقد الأجنبي، من أجل تطبيق عملية مرونة سعر الصرف وإدارتها.

وخفضت وكالة فيتش تصنيف مصر الائتماني على المدى الطويل بالعملات الأجنبية إلى "B-" هبوطاً من "B"، مشيرة إلى زيادة المخاطر على التمويل الخارجي وارتفاع في الديون الحكومية.

ترى "فيتش ريتنجز" أن قدرة البنك المركزي المصري على استعادة سعر الصرف والمصداقية النقدية باتت "غير مؤكدة". 

وأشارت إلى أن تعويم الجنيه المصري، دون إعادة بناء الثقة وتوفير السيولة الأجنبية في السوق الرسمية، قد يصاحبه تجاوز كبير لأسعار الفائدة والتضخم (الذي بلغ بالفعل 40% على أساس سنوي في سبتمبر/أيلول)، على حساب استقرار الاقتصاد الكلي والاجتماعي والمالية العامة، لافتة إلى أن التأخير سيؤدي إلى تفاقم هذه المخاطر.

تحميل المزيد