مخاوف أردنية من أي قبول لمخطط تهجير الفلسطينيين.. عمّان تكثّف الاتصالات مع مصر لموقف موحد ضد التوطين

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/11 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/11 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
الموقف العلني للأردن ومصر هو رفض تهجير الفلسطينيين - رويترز

كشفت مصادر رسمية مطلعة لـ"عربي بوست"، عن جهود أردنية مكثفة لتنسيق موقف موحد مع مصر في مسألة السعي الإسرائيلي إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة نحو سيناء، لا سيما على صعيد المحافل الدولية، خاصةً في الأمم المتحدة، والمحادثات مع الجانب الأمريكي. 

يتمحور التنسيق الأردني مع الجانب المصري الذي تمّ في الأيام الأخيرة، فيما يتعلق بملف الحرب على غزة وارتداداتها على الوضع السياسي والأمني على كلا البلدين، فقد علم "عربي بوست" من مصادر خاصة، أنّ مطالب أردنية جرت للقاهرة مؤخراً، تمثلت في طلب عدم انصياع مصر لأي ضغوط خارجية، فيما يتعلق بتهجير الفلسطينيين إلى منطقة سيناء. 

وقام الأردن باتصالات مكثفة مع الجانب المصري عبر منافذ سياسية متعددة، وعلى رأسها وزارة الخارجية، وذلك لتقوية الموقف بين الجانبين لمجابهة أي ضغوطات أمريكية وإسرائيلية، لا سيما على الجانب المصري، فيما يتعلق بمسألة توطين الفلسطينيين في غزة داخل مصر. 

تأتي الاتصالات الأردنية مع الجانب المصري وحالة تكثيف الجهود بعد تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أكد أنّ الهدف المعلن للحرب هو تصفية حماس والجماعات الأخرى في غزة، وهذا الأمر يتطلب سنوات طويلة. 

وعلى إثر ذلك، بحسب المصادر المطلعة الأردنية تم توجيه رسائل تحذيرية أردنية وأخرى مصرية إلى واشنطن خلال اليومين الماضيين، تحت بند التحذير والأهمية القصوى لوقف النار، وحالة التصاعد في التدمير من الجانب الإسرائيلي في القطاع، بهدف دفع السكان إلى النزوح خارج القطاع. 

وكان رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، قد أكّد أنّ أي محاولات أو خلق ظروف لتهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية يعد خطاً أحمر، وسيعتبره الأردن بمثابة إعلان حرب. 

مصادر رسمية لـ"عربي بوست" أكدت أنّ الموقف الأردني لا يزال ثابتاً ومتماسكاً في مسألة رفض تهجير الفلسطينيين، لا سيما رفض المساعي الإسرائيلية لتهجيرهم من الضفة الغربية إلى الأردن.

فيما ترى المصادر ذاتها أنّ الموقف المصري يراوح ما بين القبول والرفض بسبب طبيعة الضغوط وردود الفعل الداخلية من ناحية، وحالة الشد والجذب بين المؤسسة العسكرية والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وفق قولها، الأمر الذي "دفع إلى تدشين تنسيق عالٍ بين الأردن ومصر، فيما يتعلق بعدم قبول تهجير الفلسطينيين". 

في هذا سياق ذكرت كذلك مصادر فلسطينية رسمية لـ"عربي بوست"، رفضت الكشف عن اسمها، أنّ الأردن طلب من الجانب المصري تكثيف الجهود في مسألة الوقوف في وجه المطالب والضغوط الأمريكية-الإسرائيلية على مصر مخافة الرضوخ لها، لاعتبار أنّ الأردن تخشى من أن يتبع تهجير سكان غزة، فيما بعد، سكان الضفة الغربية، وأن الأمر سيكون مسألة وقت فقط حينها. 

تهجير الفلسطينيين إلى سيناء

وتذكر المصادر ذاتها أنّه عرض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس فعلياً إدارة قطاع غزة فيما بعد مرحلة حماس، وذلك من الجانب الأمريكي، بطلب إسرائيلي، الأمر الذي قوبل بموافقة مشروطة من عباس بأن يكون ذلك مرتبطاً بقيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وتشمل القدس الشرقية. 

كما تؤكد المصادر ذاتها أنّ الجانب الأردني يشعر بقلق بالغ، من استغلال أي هدنة إنسانية من الجانب الإسرائيلي، تهدف إلى تسهيل دخول سكان من غزة باتجاه الأراضي المصرية، بالتنسيق مع الجانب المصري.

عباس قال إن موقف السلطة رافض لأي مشروع بتهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن - رويترز
عباس قال إن موقف السلطة رافض لأي مشروع بتهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن – رويترز

في الإطار ذاته، أكد النائب في مجلس النواب الأردني صالح العرموطي، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أنّ الجانب الأردني أظهر صلابةً في موقفه برفض تهجير الفلسطينيين، سواء من قطاع غزة أو الضفة الغربية، وذلك على خلفية اجتماع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، السبت 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مع وزراء خارجية كل من السعودية وقطر والإمارات ومصر والأردن، وممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية، في العاصمة الأردنية عمّان.

وكشف العرموطي أنّ وزير الخارجية الأمريكي طالب الأردنيين والمصريين بالقبول بسيناريو تهجير سكان من قطاع غزة في سيناء، والقضاء على حماس، الأمر الذي قوبل برفض من الجانب الأردني بشكل قاطع، وهذا ما دفع الجانب الأردني إلى مطالبة الجانب المصري بتنسيق الجهود بينهما، لرفض أي حلول متعلقة بالتهجير، مشيراً إلى أنّ تلك الضغوطات الأمريكية جاءت بطلب من الإسرائيليين. 

بحسب المصادر المطلعة التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن "الموقف المصري كاد ينتقل إلى دائرة القبول بالحلول الوسط، لولا الاتصالات الأردنية المكثفة المطالبة بضرورة تقوية المواقف بين عمان والقاهرة، وتوحيد الجهود لرفض أي ضغوطات أمريكية وإسرائيلية حيال التهجير".

وأوضحت أن الجانب المصري يؤيد سيناريو القضاء على حماس، ولكنه متردد فيما يتعلق بسيناريو التهجير.

ويتهم معارضو السيسي، بأنه صبّ اهتمامه خلال السنوات العشر الماضية في سد أو هدم الأنفاق على الحدود مع غزة، وتهجير أهالي المدن المتاخمة لغزة قسرياً، ومحو أبنية هذه المنطقة كلياً، وتمهيد أرضها لاستقبال الفلسطينيين في حال التهجير، الأمر الذي لم تعلنه مصر بشكل رسمي ولم تنفِه حتى الآن.

الأردن ومصر وتوحيد الموقف المشترك

من جانبه، قال الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور عمر الرداد لـ"عربي بوست"، إنّ "هناك موقفاً أردنياً-مصرياً ما زال صلباً ضد المقاربة الأمريكية والإسرائيلية بما يتعلق بتهجير الفلسطينيين، للدرجة التي اعتبر فيها رئيس الحكومة الأردنية بشر الخصاونة أنّ أي خطوات بهذا الاتجاه تعني إعلان حرب على الأردن". 

ورجح الرداد أنّ "الأردن لا يمارس ضغوطاً على مصر لرفض قبول التهجير، بل هناك تنسيق واضح وانسجام بين مواقف عمان والقاهرة، مسنوداً بمواقف عربية وإسلامية ودولية ما زالت ترى الحل بالدولة الفلسطينية المستقلة التي تشمل أراضيها الضفة وغزة". 

وأضاف الرداد في سياق الموضوع أنه "بالرغم من ذلك هناك تسريبات غير موثوقة تشكك بالموقف المصري، وأنّ القاهرة ستقبل بالتهجير مقابل الحصول على منافع اقتصادية في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها، وهي مزاعم تحتاج لإثباتات تتجاوز مجرد التكهنات".  

لم تفلح الضغوط الأمريكية على مصر والأردن بما يتعلق بتهجير الفلسطينيين - رويترز
لم تفلح الضغوط الأمريكية على مصر والأردن بما يتعلق بتهجير الفلسطينيين – رويترز

مع ذلك يخشى الرداد من ممارسة إسرائيل التهجير الناعم للمواطنين في غزة والضفة، عبر إجراءات تضييق تجعل استمرارية الحياة هناك مستحيلة. 

في سياق متصل، يرى الأكاديمي والباحث السياسي الأردني د. نصير العمري في تصريحاته لـ"عربي بوست"، أن "أكبر مخاوف الدولة الأردنية مما يجري في غزة تتمثل في أن يكون الأردن الوطن البديل، وهذه المخاوف مشروعة والمحاولات والتهديدات الإسرائيلية تاريخية فيما يتعلق بالأردن".

وأكد أن "الإسرائيليين يقولون بوضوح إنّ الأردن هي فلسطين، وهي الدولة الفلسطينية، وهذا يعدّ خطاً أحمر للأردن"، مشدداً على أنّ "أي ترحيل للفلسطينيين سيتبعه مشروع إسقاط للدولة الأردنية، ومعه النظام السياسي". 

وأكد العمري أنّ "الموقف الأردني قد يكون متماهياً مع المشروع الأمريكي-الإسرائيلي فيما يتعلق باحتواء حماس، ولكنه لن يقبل بأي مشروع يهدد أمنه وسلامة نظامه القائم".

وهذا ما يفسر هذه العلاقة المتوترة بين الدولة الأردنية والاحتلال الإسرائيلي، بحسب تأكيدات العمري، "فهو من جهة يشترك معهم في الخوف من الإسلام السياسي والخوف من إيران ومشاريعها، ولكن في الوقت ذاته لا يثق بالحكومة الإسرائيلية، ولا حتى بواشنطن، فيما يتعلق بالمخطط الإسرائيلي بطرد الفلسطينيين إلى الأردن أو طرد أهل غزة إلى سيناء".  

وفيما يتعلق بمصر، يرى العمري أنّ "المخاوف هي نفسها، ولكنّها أقل، فهي تنظر إلى حماس بعين الشك والريبة، ولا توجد صداقة بين النظام المصري وحماس، في ظل أنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يبدي مخاوف من الشارع المصري، الذي لن يقبل بأي مشاريع ترحيل للفلسطينيين، وسيؤدي إلى أن تكون هناك بلبلة داخلية إذا تمّ ترحيل أهل غزة إلى سيناء"، بحسب تقديره. 

تباين في الموقف المصري الداخلي حول التهجير

من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي المصري عبد الحميد قطب، في حديثه مع "عربي بوست"، أن موقف المؤسسة العسكرية في مصر رافض لسيناريو تهجير سكان غزة على خلاف موقف السيسي.  

وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يريد في إطار مساعي الدولة المصرية نحو "مستقبل بدون إرهاب" في سيناء، تصفية القضية الفلسطينية، من خلال استغلال تطوير السلطات المصرية مدينة رفح الجديدة، التي تعدّ أهم مشروعات الإسكان الاجتماعي التي تقوم بها الدولة في محافظة شمال سيناء، وتحديداً في مدينة رفح الحدودية، وأن الاحتلال يحاول الضغط على مصر لتوطين سكان غزة فيها. 

وقال إن ذلك "يعدّ جزءاً من المساعي الإسرائيلية في موضوع التهجير وبناء سياج حدودي وإقامة مدينة "رفح الجديدة"، التي ستكون فيما بعد ضمن مشروع لبداية تهجير الفلسطينيين وإخراجهم من قطاع غزة وتوطينهم فيها"، على حد قوله.

وفي مناسبات عدة، تحدث مسؤولون أمريكيون عن إدارة غزة في مرحلة يطلقون عليها "ما بعد حماس"، وتحدث الإعلام الأمريكي والإسرائيلي عن بحث المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين مع دول عربية تهجير الفلسطينيين إلى سيناء والأردن ودول عربية أخرى، إلا أنهم اصطدموا برفض عربي لذلك.

يذكر أنه منذ أكثر من شهر تواجه غزة عدواناً إسرائيلياً راح ضحيته أكثر من 11 ألف شهيد، بينهم أكثر من 4500 طفل، إثر القصف الجوي بالتزامن مع اجتياح بري شمال القطاع، ما أدى إلى مجازر عدة بحق المدنيين وتدمير البنى التحتية وغالبية القطاعات الحيوية، مع قطع إسرائيلي متعمد للكهرباء ومياه الشرب والإنترنت، وتعطيل كامل أشكال الحياة في القطاع المحاصر.

بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.

تحميل المزيد