أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أن تركيا تقترح آلية الدول الضامنة لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، مؤكداً أنها تضع كذلك حداً لتصاعد الصراع، وهي ذاتها الآلية الدولية التي تطبقها مع روسيا وإيران في سوريا، وقامت بها في البوسنة والهرسك وقبرص ودول أخرى تاريخياً.
أكد فيدان، في تصريحاته منذ بداية العدوان الإسرائيلي، على أهمية هذا الأمر، وذكر أن المفاوضات التي أُجريت خلال 30 عاماً الماضية لم تسفر عن نتائج، "لذلك يجب تفعيل أدوات جديدة، وخاصة آلية الضامن".
تركيا تقترح آلية الدول الضامنة
أثناء تعبيره عن موقف تركيا في اجتماع قمة السلام، الذي عُقد في القاهرة في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قال فيدان: "يجب تصميم آلية ضمان جديدة وتنفيذها. وضمان الخطوات التي اتخذتها الأطراف من أجل السلام العادل".
وذكر وزير الخارجية أن أنقرة مستعدة لاتخاذ خطوات لهذا الغرض، ليؤكد أن تركيا تقترح آلية الدول الضامنة، موجهاً رسالة مفادها أنها تريد أن تكون ضامناً نيابة عن فلسطين، إذا رأت الأطراف ذلك مناسباً.
وفقاً لفيدان، فإن "أولئك الذين يرغبون في القيام بذلك في المنطقة، يمكنهم أن يصبحوا ضامنين لفلسطين، ويمكن للدول الغربية أن تصبح ضامنة لإسرائيل، وتتبنى عملية التنفيذ الكامل والتام لاتفاقية سلام محتملة".
مقترح أنقرة لتشكيل المنصة الضامنة لفلسطين قابله دعم من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف؛ الذي أبدى موافقة بلاده على المقترح التركي؛ مضيفاً أنهم سيدعمون جميع أنواع المساهمات الإيجابية لضمان السلام، وأنهم على استعداد للعمل مع تركيا بشأن هذه القضية.
Rusya Dışişleri Bakanı Lavrov: Türkiye'nin İsrail-Filistin meselesinde garantörlük formülünü değerlendirmeye hazırız pic.twitter.com/Xpb1XgxCSf
— Abdullah Çiftçi (@abdullahciftcib) October 19, 2023
في الداخل التركي، أبدى العديد من قادة الأحزاب السياسية تأييدهم لفكرة وزير الخارجية التركي، مثل رئيس الوزراء التركي السابق ورئيس حزب المستقبل الحالي أحمد داوود أوغلو، الذي أشاد بمقترح الوزير التركي، ورآه خطوة في الطريق الصحيح لوقف العدوان على قطاع غزة.
فعالية الدور التركي
تسعى تركيا، التي اقترحت آلية الضامن، أن تكون فعالة في العملية؛ وظهر ذلك من خلال اتباع دبلوماسية نشطة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بشكل متزامن مع تعزيز علاقاتها مع كل من مصر وقطر والأردن، وهي من أبرز الدول المؤثرة في القضية الفلسطينية.
عزز الدور التركي على الساحة الفلسطينية تواصل العديد من الدول الأوروبية مع أنقرة من أجل إطلاق سراح مواطنيها الذين تحتجزهم حماس كرهائن.
طرح كل من وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ووزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي الموضوع في أكثر من لقاء مع وزير الخارجية فيدان، بحسب وسائل الإعلام التركية.
ونُقل عن مصادر دبلوماسية قولها، إنه رغم أن تركيا ليست وسيطاً بدور مركزي، فإنها من بين الدول التي يمكن أن تحصل على نتائج من حماس فيما يتعلق بالرهائن، بفضل كثرة نقاط الاتصال في المنطقة.
الضمانة في القانون الدولي
بحسب زهرة أيدن إيشجان، الباحثة في قسم العلاقات السياسية في جامعة مرمرة، فإن من المهم دراسة مفهومي الضمان والوساطة في القانون الدولي، لا سيما أن تركيا تقترح آلية الدول الضامنة لوقف العدوان على غزة.
وفقاً لإيشجان، فإن الضمانة في القانون الدولي هي أن الدول الثالثة أو المنظمات الدولية التي ليست أطرافاً في النزاع ستفي بالتزامات الاتفاقية الموقعة من قِبل الأطراف المتنازعين.
بحسب هذه الضمانة تتحمل الدول أو المنظمات التي تصبح ضامنة بهذه الطريقة مسؤولية عدم انتهاك الاتفاقية ذات الصلة، ولها الحق في التدخل العسكري في حالة الانتهاك.
تضيف الباحثة في جامعة مرمرة لـ"عربي بوست"، أن الدولة التي تتمتع بقدرة عسكرية قوية مثل تركيا، ستتمتع أيضاً بقدرة ردع عالية بهذا المعنى، مشيرة إلى أن تصريح الرئيس أردوغان ووزير الخارجية فيدان بأن الدول الأخرى يجب أن تكون ضامنة بالإضافة إلى تركيا، أمر مهم من حيث الحياد المطلق.
تضيف الباحثة التركية أن هناك مفهوماً آخر للقانون الدولي، ينبغي تقييمه في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو الوساطة، وهي من الطرق السلمية التي تغطيها المادة 36 من ميثاق الأمم المتحدة.
بناءً على ذلك، تسعى الدولة أو المنظمة الدولية التي ليست طرفاً في النزاع إلى إيجاد حل للمشكلة من خلال جمع الأطراف معاً في بيئة يمكنها تقديم اقتراحات الحل الخاصة بها، وهذا مهم من حيث الجمع بين الأطراف وممارسة الدبلوماسية.
البوسنة والهرسك نموذجاً
قدّمت تركيا اقتراحات مماثلة في العديد من الأزمات عبر التاريخ. على سبيل المثال، خلال حرب البوسنة؛ حيث اقترحت حكومة تورغوت أوزال العديد من الحلول السلمية، وطرحت خطة العمل التي يمكن أن تمنع حرب البوسنة من النهاية الدموية في تسعينيات القرن الماضي.
مع ذلك، وكما كان الحال بالنسبة للبوسنة في ذلك اليوم، فإن الخطوات السلمية الصحيحة لم يتم اتخاذها بالنسبة لفلسطين منذ عام 1948، بحسب الباحثة التركية زهرة آيدن إيشجان.
كانت تركيا قد طرحت كذلك إمكانية أن تكون من بين الدول الضامنة لأوكرانيا في نطاق محادثات السلام التي بدأت بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022؛ لكن بما أن محادثات السلام لم تسفر عن أية نتائج، لم يتم تنفيذ آلية الضامن.
تاريخ تركيا في الوساطة والضمان
يضيف أجار أن دور تركيا الذي لعبته في قبرص، يضاف إليه دورها كوسيط في الحرب الإيرانية العراقية، وبالمثل، في الأزمة بين إسرائيل وسوريا بشأن مرتفعات الجولان؛ إضافة إلى الدور النشط والبارز في الأزمات في ليبيا وسوريا وأرمينيا وأذربيجان.
يتابع أستاذ القانون الدولي في جامعة أنقرة بأن كل هذه التجارب تزيد من نفوذ تركيا في منطقتها والعالم، وتعزز دورها كضامن في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وما لذلك من أهمية كبيرة لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح في فلسطين.
على نحو مماثل، تشكل المبادرات التي تتخذها تركيا تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي أهمية أيضاً فيما يتصل بتعبئة الدول الإسلامية فيما يتصل بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتلعب تركيا أيضاً دوراً قيادياً في هذه المرحلة، وفق قوله.
[Türkiye'nin 'garantörlük' önerisi]
— TRT Haber Canlı (@trthabercanli) October 20, 2023
Dışişleri Bakanı Hakan Fidan: Garantörlük konusu aslında bölge ülkelerinin meseleyi aktif olarak sahiplenme meselesi. Önemli olan bir şekilde bölge ülkeleri Filistinlilerle beraber elini taşın altına sokacaklar Türkiye'nin de dahil olduğu. pic.twitter.com/1CIZTA4dNd
كفالة تركيا في القضية الفلسطينية
تقلصت مساحة الدولة الفلسطينية تدريجياً منذ عام 1948، سواء من خلال الاحتلال المباشر أو من خلال أساليب مثل اغتصاب المستوطنين للأراضي؛ فلابد من تقييم خطط السلام التركية على نحو أفضل كثيراً، حتى لا نسمع مرة أخرى عبارة "لقد فات الأوان"، بحسب أستاذ القانون الدولي في جامعة أنقرة يوجال أجار.
تابع أجار في حديثه لـ"عربي بوست"، بأن تركيا اليوم هي دولة أكثر استقلالية، اقتصادياً وسياسياً، وتتمتع بقدرة أعلى ومكانة دولية مقارنة بالماضي، واكتسب الرئيس أردوغان وفريقه، الذين أمضوا 21 عاماً في إدارة البلاد، خبرة جادة في هذه العملية.
كل ذلك، بحسب أجار، "يعزز مكانة تركيا بين الدول، فضلاً عن أهميتها بين شعوب المنطقة، بشكل ملحوظ، وإن مثل هذه المواقف تجعل من تركيا دولة تستحق النظر إليها في أعين الرأي العام اليوم في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
وقال إنه "على مدار سنوات كانت تركيا هي الدولة الوحيدة ذات القدرة التمثيلية العالية التي تتمتع بخبرة الضامن والوساطة، ويمكنها أيضاً إقامة علاقات مع كل من دول الشرق الأوسط وإسرائيل"، بحسب أستاذ القانون الدولي في جامعة أنقرة.
موقف الغرب من المقترح التركي
في تقييمه لموقف الدول الغربية بشأن أن تركيا تقترح آلية الدول الضامنة، قال آجار إنه مقابل الدعم الروسي للمقترح التركي حول الدول الضامنة تظهر الدول الغربية التي تدعم الهجمات الإسرائيلية ابتعاداً عن عرض الضامن التركي؛ رغم أن تركيا لم تكشف بعد التفاصيل كافة حول مقترحها للضمانة.
يرى أجار، أستاذ القانون الدولي، أنه من الواضح أن الدول الغربية تعارض المقترح التركي ولو كفكرة، والتفسير البسيط لذلك هو أن "الدول المعنية لا تريد وقف الهجمات الإسرائيلية، وهو الحال نفسه في تل أبيب التي تستهدف تهجير سكان قطاع غزة بالكامل أو قتلهم تحت مسمى حق الدفاع عن النفس".
أوضح كذلك أن "التصرف الغربي تجاه المقترح التركي يهدف إلى منع تركيا من لعب دور في الصراع القائم، حتى ولو كان ذلك على حساب آلاف الضحايا الذين يسقطون بفعل آلة الحرب الإسرائيلية".
ولم يظهر أي رد فعل رسمي دولي حتى الآن على المقترح التركي، سوى الموقف الروسي المرحب بعد إعلان أن تركيا تقترح آلية الدول الضامنة لوقف الحرب في غزة.
يشار إلى أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأت حرب "طوفان الأقصى" وراح ضحيتها حتى الآن أكثر من 10 آلاف شهيد فلسطيني، ونحو 1500 إسرائيلي، وسط ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي مئات المجازر في قطاع غزة المحاصَر، ويحاول اجتياحها برياً.