نشرت وسائل إعلام وحسابات إسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يُظهر جنديين إسرائيليين وهما يرفعان علم إسرائيل على سطح أحد المساكن بقطاع غزة، ما أثار نوعاً من المبالغة في الإشادة بما اعتبره إسرائيليون إنجازاً مع توسيع تل أبيب اجتياحها البري لغزة، لكن المكان الذي ظهر به الجنود يثبت أن وصول الجنود إليه لا يعني تقدماً عسكرياً ملحوظاً، ولا نجاحاً كبيراً في التوغل، لأسباب سنوضحها.
حنانيا نفتالي، مساعد الشؤون الرقمية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نشر السبت 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مقطع الفيديو، وبعد ذلك تداولته حسابات لصحفيين ووسائل إعلام إسرائيلية، فضلاً عن بعض الحسابات العربية، ونظراً إلى وقت نشر الفيديو، وظهور الجنود والسماء مضيئة، فإنَّ رفع العلم تم أول من أمس الجمعة 28 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأمس، كانت وسائل إعلام فلسطينية قد أعلنت أن قوات إسرائيلية حاولت التوغل في بيت لاهيا، لكنها فشلت في ذلك، ولذا فإن تصوير هذا الفيديو أهدافه بالدرجة الأولى دعائية.
بدأت حسابات على موقع "إكس" بالإشارة إلى أن الموقع الذي ظهر فيه الجنود في أحد الشاليهات الموجودة بالقرب من ساحل غزة، وبدأنا بحثنا في التحقق من الشاليهات الموجودة بالقرب من الساحل، ووجدنا عبر البحث عن الشاليهات عبر شبكات التواصل وموقع يوتيوب، مقطع فيديو من داخل شاليه اسمها "الطناني"، وشكلها يشبه من الداخل، المكان نفسه الذي ظهر به الجنود الإسرائيليون والدبابة.
في مقطع فيديو منشور على مواقع التواصل للشاليه من الداخل، إضافة إلى مقطع فيديو آخر تم تصويره لنفس الشاليه من الجو، وجدنا على سطحه برميلاً أبيض، ولوحاً للطاقة الشمسية، وكلاهما ظهرا في فيديو الجنود، إلى جانب التشابه في شكل النوافذ.
يبعد هذا الشاليه عن الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل قرابة 3 كيلومترات، ويقع في منطقة قليلة جداً بالأبنية السكنية، ومحاطة بشاليهات مشابهة، أي إن المنطقة بأكملها محاطة بأراضٍ مفتوحة، وإلى الشمال الغربي من هذا الشاليه توجد منطقة الساحل المليئة بالكثبان الرملية.
أما أقرب منطقة لهذا الشاليه فيمكن القول عنها، إنها مليئة بالأبنية السكنية، فتبعد عنها إلى جهة الشرق مسافة 1.3 كيلومتر، كما أن هذا الشاليه يبعد عن مركز مدينة بيت لاهيا إلى جهة الشرق مسافة نحو 3.5 كيلومتر، الأمر الذي يعني أن الجنود والدبابة الإسرائيلية سلكوا طريق الساحل وهي منطقة مكشوفة بالكامل كما ذكرنا، أي إن فصائل المقاومة ستكون مكشوفة في حال تصدت لها عن قرب.
ما يرجح هذا الاستنتاج، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي نشر مقطع فيديو، يُظهر جرافات إسرائيلية وهي تعبد الطريق لدبابات إسرائيلية بالقرب من الساحل، أي إن هذا التوغل المدعوم أصلاً بالمروحيات والطائرات، لا يعد اختراقاً لدفاعات الفصائل الفلسطينية.
لنعُد هنا إلى الحرب التي شنتها إسرائيل في عام 2014، سنجد أن قوات الاحتلال سبق أن توغلت في المنطقة نفسها أيضاً آنذاك بالقرب من العطاطرة، قبل أن تضطر وتنسحب، ومنطقة العطاطرة تبعد عن الشاليه الذي ظهر به الجنود 1.5 كيلومتر، أي إن الجيش الإسرائيلي في عام 2014 تمكن من التوغل بمدى أكبر من التوغل الحالي.
وللتأكيد، فإن ما يساعد جيش الاحتلال على الوصول لهذه المنطقة، أنه يسلك طريق الساحل، ومن ثم يكون بإمكانه رؤية أي طرف مدافع ويمكن ضربه بسهولة، ومن ثم فمن الطبيعي ألا يتمركز المدافع في مناطق مفتوحة يسهل استهدافه فيها، فضلاً عن ضرورة عدم إغفال استراتيجية الكمائن التي يُعرف عن فصائل المقاومة تطبيقها لصد هجوم الاحتلال.
لذلك تعتمد فصائل المقاومة في صد القوات المتوغلة في شمال غربي بيت لاهيا على عمليات القنص، وقصف المواقع بالهاون، إضافة إلى طائرة الزواري المسيرة التي أثبتت فعاليتها في صيد الأهداف العسكرية.
واليوم الأحد 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، أن قوة تابعة لها تسللت خلف قوات إسرائيلية متوغلة، واشتبكت معها شمال غربي بيت لاهيا، وأضافت أن مقاتليها "التحموا بقوات العدو واشتبكوا معهم".
وصعدت فصائل المقاومة من ضربها للقوات الإسرائيلية المتوغلة، وأعلنت كتائب "القسام" عن اشتعال النيران في آليات إسرائيلية غرب موقع "إيريز" شمال غزة، وقالت إنها أجهزت على عدد من الجنود بداخلها.
وكانت المقاومة قد توعدت جيش الاحتلال بأنه سيلقى مقاومة عنيفة إذا قرر التوغل داخل القطاع، وسط تحذيرات خبراء عسكريين بأن إسرائيل ستواجه مقاومة شرسة جداً داخل القطاع، وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الأحد، أن الاحتلال الإسرائيلي أوقف خطط اجتياح بري لقطاع غزة واستبدلها بتوغلات برية محدودة، وأوضحت الصحيفة نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، أنَّ وقف تل أبيب خطط الغزو البري الواسع "يتماشى مع اقتراح وزير الدفاع الأمريكي".
الصحيفة أضاف أن مسؤولين من إدارة بايدن حذروا من أنه من الصعب معرفة ما ستفعله إسرائيل في نهاية المطاف.
ولليوم الـ23 على التوالي، يشن الجيش الإسرائيلي غارات مكثفة على غزة، وقتل 8005 شهداء، بينهم 3324 طفلا و2062 سيدة و460 مسنا، بحسب وزارة الصحة، كما قتل 114 فلسطينيا في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وفقا لوكالة الأنباء الرسمية "وفا".
بينما قتلت حركة حماس أكثر من 1400 إسرائيلي وأصابت 5132، وفقا لوزارة الصحة الإسرائيلية، بجانب أسرها ما لا يقل عن 230 إسرائيليا، بينهم عسكريون برتب رفيعة، ترغب في مبادلتهم بأكثر من 6 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، في سجون إسرائيل.