يعيش لبنان أجواء تحضيرية للحرب المرتقبة على أصوات المدافع والصواريخ المتقطعة في جبهة جنوب لبنان، فيما يستمر السؤال الذي لا جواب له، والمتعلق بمدى توسيع رقعة المعارك وفتح الجبهة اللبنانية بشكل كبير.
تتضارب وجهات النظر بين تقديرات تفيد بأنه مع الدخول البري الإسرائيلي إلى قطاع غزة، فإن المعارك ستتسع تدريجياً. في مقابل وجهة نظر أخرى تصف حزب الله بأنه "ورقة الجوكر"، التي لا يحين استخدامها إلا في اللحظة الأخيرة.
ووسط وجهات النظر هذه، تتسارع التحركات على كافة الأطراف الحكومية والشعبية، العسكرية والسياسية، من أجل الاستعداد لتوسع محتمل لرقعة الصراع، فكيف تبدو الأوضاع الآن في لبنان؟
الحكومة اللبنانية تستعد
على المستوى الحكومي، كثفت الحكومة اللبنانية نشاطها تحسباً للحرب، إذ جرى تشكيل غرفة طوارئ وطنية برئاسة وزير البيئة ناصر ياسين، والتي ستقوم بإجراء مناورة محاكاة للحرب مطلع الأسبوع المقبل، بالتعاون مع المنظمات الدولية المانحة لترتيب تفعيل الخطة.
وبحسب مصدر حكومي لـ"عربي بوست"، فإن الحكومة تستشعر خطر اندلاع حرب شاملة في المنطقة، وسيكون لبنان جزءاً رئيسياً ومهماً فيها، لذا فإن الحكومة تجري اتصالات دولية وإقليمية للتخفيف من أثر أي توتر ميداني وألا يشمل مرافق الدولة وتحديداً المطار والمرافئ والجسور الحيوية في البلاد.
في المقابل يكشف المصدر أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يسعى لترتيب جولة عربية وإقليمية تشمل السعودية وقطر وتركيا ومصر، بهدف حشد الدعم للبنان ولمنع انزلاقه في أتون الصراع، وهو مستعد لزيارة إيران إذا اقتضت الحاجة لذلك.
وحول خطة الحكومة المزمع تنفيذها في حال حصول حرب مع لبنان، يؤكد المصدر أن الخطة تشمل إيواء أكثر من 300 ألف لبناني نازح من قرى الجنوب وتأمين احتياجاتهم من الطعام والأغطية وحليب الأطفال عبر مراكز إيواء حكومية، إضافة إلى خطة طوارئ تعليمية يجري التحضير لها.
وبحسب المصدر فإن الخطة التي وضعتها اللجنة هي الأولى من حيث المتابعة والتطور بتاريخ لبنان والحروب التي شهدها.
محاولات التمديد لقائد الجيش وانتخاب رئيس
في المقابل يخشى لبنان الرسمي والشعبي من حصول شغور محتمل بموقع قيادة الجيش نهاية العام الحالي مع انتهاء المدة الدستورية لقائد الجيش، في ظل اندلاع حرب وتوترات بلبنان والمنطقة.
فقد كان لافتاً في الجلسة الحكومية الأخيرة طرح وزير البيئة ناصر ياسين، لفكرة أن تصدر الحكومة مرسوماً توجهه للمجلس النيابي يقضي بالتمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون.
وفي ظل انشغال حزب الله بمسارات الحرب، كان لافتاً الجولة التي أجراها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، على القوى السياسية ورئيسي الحكومة ومجلس النواب، وترتبط بالبحث عن حل لمسألة قيادة الجيش، خصوصاً في ظل المساعي القائمة لمنع الشغور في منصب القيادة، وهو ما تعززه أكثر التطورات الحاصلة في الجنوب.
ويشير مصدر مقرب من رئاسة مجلس النواب لـ"عربي بوست"، إلى أن هناك تقاطعاً لبنانياً وخارجياً حول منع حلول الشغور في موقع قيادة المؤسسة العسكرية، ولا يمكن ترك البت بهذا الأمر إلى اللحظة الأخيرة.
وبما أن هذا الموقف أصبح معروفاً وواضحاً، داخلياً وخارجياً، تصبح هناك خيارات محددة، إما التمديد لقائد الجيش، وإما تعيين قائد جديد، أو تعيين رئيس للأركان والذي يعتبر منصباً شاغراً بسبب طبيعة الصراع القائم بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع.
بالمقابل، يشير المصدر إلى أن جبران باسيل يضع شرطاً أساسياً في حال وافق على التمديد للقائد عون، وهو أن يكون هناك تعهد من قبل الأطراف السياسية بعدم انتخابه رئيساً للجمهورية.
ويشير المصدر إلى أن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين باسيل والأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، تطرق إلى الملف الرئاسي، حيث طرح باسيل فكرة انتخاب رئيس للجمهورية "فوراً" من زاوية تحصين الجبهة الداخلية على قاعدة "مرشح ثالث" لا يكون فرنجية ولا قائد الجيش.
ويشير المصدر إلى أن الثنائي الشيعي الذي كان يربط تجاوبه مع المبادرة القطرية ومن خلفها الدول الخمس ببحث الخيار الثالث شرط اقتناع أو إقناع سليمان فرنجية بالانسحاب، بات اليوم وربطاً بما يجري في قطاع غزة وساحات المنطقة متمسكاً بشكل أكبر بعدم انسحاب فرنجية، حتى لو أراد الأخير ذلك.
أما في ما يتعلق بموضوع استحقاق التمديد لقائد الجيش بأقل حدّية تاركاً الباب مفتوحاً أمام احتمال إبقاء عون في موقعه لضرورات المرحلة، لا سيما في ظل التنسيق القائم راهناً على الجبهة الجنوبية والموصول بالنشاط العسكري للفصائل الفلسطينية على الحدود.
تحضيرات الحرب والنزوح
حزب الله- بالنسبة لكثير من المحللين- هو درة تاج محور الممانعة، الذي لا حاجة له ليدخل إلى المعركة بكل ثقله، طالما أن حركة حماس لا تزال قادرة على إطلاق الصواريخ ولم تضعف أو تتلق ضربات قاصمة. فهناك من يعتبر أن موعد دخول حزب الله إلى ميدان الحرب بقوة لم يحن بعد، وسيبقى إلى أن تقتضي الحاجة ذلك.
دفعت الاشتباكات والقصف اليومي بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي على الحدود اللبنانية مع إسرائيل منذ بدء عملية طوفان الأقصى، العديد من عائلات المناطق الحدودية إلى ترك قراها والنزوح باتجاه بلدات أكثر أمناً واللجوء إلى مدارس وقاعات.
ظهر هذا بوضوح في مدينة صور الجنوبية التي تحولت بفعل الأحداث إلى مركز إيواء، وباتت تستقبل- وفق بلدية المدينة- أكثر من عشرة آلاف نازح.
فيما فضّل جزء أساسي من العائلات البقاء في مراكز الإيواء؛ نظراً إلى بدلات الإيجار التي ارتفعت بشكل ملحوظ في هذه الفترة، في ظل استغلال كبير للوضع الأمني ومعاناة الناس لتحقيق مكاسب مالية من قبل البعض.
بالمقابل يعمل الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) على خطتهما المعنية بتأمين حياة النازحين في حال حصول حرب، ضمن خطة متكاملة لأي نزوح مستقبلي، استناداً إلى تجربة حرب 2006 من جهة، وكل ما رافق هذا الملف في السنوات التي تلت الحرب من جهة أخرى. فهو يعتبر تأمين النزوح والحماية والمأوى سبباً من أسباب الانتصار في أي حرب مقبلة.
وتشير مصادر الثنائي الشيعي لـ"عربي بوست" إلى أن خطة النزوح عملت على تشكيل لجان متخصصة ينطلق عملها في لحظات اندلاع الحرب، بكل قرية وبلدة في محافظات الجنوب والبقاع والشمال، تكون مرتبطة بلجان أكبر وأوسع، والاستفادة من الجمعيات الكشفية والاجتماعية، ومجموعات من الدفاع المدني والهيئات الصحية التابعة للثنائي وبلديات المناطق، حيث سيتم تنظيم عملية النزوح منذ انطلاقها إلى نهايتها، مروراً بكل التفاصيل اليومية للنازحين.
وبحسب المصدر، فإن الخطة تتضمن تأمين أماكن إيواء لنصف سكان مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت (في حال تعرضت لقصف)، وذلك في مناطق الشمال بشكل أساسي، حيث جرى تأمين أكثر من 50 مركز إيواء في عكار ونحو 35 في ضواحي مدينة طرابلس و25 في طرابلس نفسها.
هذا إضافة إلى تجهيز مراكز في صيدا وجديدة المتن وبرج حمود في شمال بيروت بالتعاون مع بلديات وأحزاب المنطقة، حيث تم تأمين 150 قرية وبلدة تضم منازل، ومدارس، ومساجد أو ومراكز كبيرة.
ويشير المصدر إلى أنه سيبدأ التنسيق من قبل أشخاص معنيين على مخارج بيروت، وقرى البقاع الغربي، وصيدا، يعملون على توزيع النازحين إلى المراكز التي يُفترض بهم التوجه إليه، وتأمين كل الاحتياجات، حيث تم تحضير 70 مطبخاً ميدانياً مجهزاً بكل المتطلبات، على أن يُخصص كل مطعم لثلاث أو أربع مناطق، كما سيكون هناك تأمين لأغلب المستلزمات، كحليب الأطفال والحفاضات، والطبابة عبر فريق طبي مكون من أكثر من 25 طبيباً سيعملون بين القرى، وأدوية، وفرش وأغطية.