بحثٌ سريع على شبكة الإنترنت عن "فرقة غزة" سيُعطي نتائجَ لا تتوقف، عقب ارتباط اسمها بالهجوم المفاجئ الذي نفذته حماس على مستوطنات غلاف غزة، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2034.
وأسفر الهجوم عن مقتل ما يزيد عن 1400 جندي ومستوطن إسرائيلي، وإصابة قرابة 3000، وأسر ما يزيد عن 200 منهم في غزة، ما أسهم في تدهور سمعة "فرقة غزة"، واعتبار ما واجهته إهانة غير مسبوقة.
التأسيس والمهام
تُعتبر "فرقة غزة"، وتحمل الرقم "643"، جزءاً من اللواء الجنوبي في جيش الاحتلال، وكان اسمها الأصلي "ثعالب الجنوب"، وتم إنشاؤها عقب انطلاق انتفاضة الحجارة عام 1987.
وتركزت مهمة فرقة غزة في السيطرة على قطاع غزة، وبعد توقيع اتفاقية أوسلو 1993، وتأسيس السلطة الفلسطينية، في يوليو/تموز 1994، انسحبت الفرقة من مراكز المدن الفلسطينية، وتمركزت في المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة داخل حدود القطاع، ثم حول الحدود عقب إتمام الانسحاب الإسرائيلي الكامل عام 2005.
وتتشكل فرقة غزة من اللواء الشمالي، ويحمل اسم "غيفن"، الذي اتخذ وسط مدينة غزة مركزاً له، لينتقل بعد الانسحاب إلى مستوطنات غلاف غزة، ولواء المركز الذي انتشرت وحداته وسط القطاع.
وبعد اتفاق أوسلو تم دمج اللواء الشمالي مع اللواء الجنوبي، المعروف باسم "لواء قطيف"، الذي وفّر حراسة لتجمعات استيطانية في غزة، لينتقل بعد الانسحاب منها إلى منطقة كرم أبو سالم جنوب القطاع.
ويبدو لافتاً أن العديد من الجنرالات الذين قادوا فرقة غزة تولوا لاحقاً مواقع قيادية في جيش الاحتلال، ولعل أبرزهم وزير الحرب الحالي يوآف غالانت، الذي تولى قيادة الفرقة بين عامي 1997-1999، وأفيف كوخافي، قائد جيش الاحتلال السابق، ما يشير إلى الأهمية التي توليها المؤسسة العسكرية لهذه الفرقة، ومن يقودها من ضباط الجيش.
وتعمل من خلال فرقة غزة وحدات عسكرية، منها: شمشون، التي نشط أفرادها ضمن وحدات المستعربين الذين ينفذون عمليات تصفية واغتيال، ثم دمجت مع وحدتي "دوفدفان وفرسان الفولاذ" عام 2003، بعد تصاعد العمليات الفدائية لحركات المقاومة في غزة، وفي مرحلة لاحقة أوكلت إليها مهمة كشف وهدم أنفاق غزة.
ويتراوح عدد جنود وضباط فرقة غزة في المنطقة الجنوبية بين 10 آلاف و15 ألفاً، وهي واحدة من خمس فرق مناطقية، وبجانبها فرقة الضفة الغربية في الوسط، وفرقة الجليل والجولان في الشمال، إضافة لفرقتي مدرّعات.
وتتكون فرقة غزة الإسرائيلية من لواءي مشاة، وثلاث كتائب استطلاع صحراوية، واستخبارات عسكرية، وسلاح الإشارة، بجانب فصيلي هندسة.
وعُهِد إلى فرقة غزة مهمة سلامة وأمن المستوطنين اليهود في غزة، بعد حرب 1967، وأنهت الفرقة عملها داخل القطاع، في أغسطس/آب 2005، جنباً إلى جنب مع بقية الجيش الذي انسحب كجزء من خطة فك الارتباط الأحادي عندما تم تفكيك المستوطنات اليهودية، ورغم ذلك، فقد اقتحمت الفرقة مراراً وتكراراً أراضي قطاع غزة رداً على الهجمات الصاروخية للمقاومة بعد ذلك التاريخ.
فرقة غزة وتحدّي الأنفاق
يقود الفرقة حالياً العميد آفي روزنفيلد، ويقع مقرّها الرئيسي في "قاعدة رعيم" بعد أن كان مقرها سابقاً بمستوطنة "نافي ديكاليم" في قطاع غزّة قبل انسحاب الاحتلال منها.
وقد أدخل العميد آفي روزنفيلد عدة تشكيلات جديدة إلى الفرقة بزعم التعامل مع تطورات قدرات المقاومة، ومنها كتيبة جنوب غزّة المسماة "فرسان الصلب"، وتأسست عام 2003 بعد تصاعد عمليات المقاومة.
وتعتبر هذه الكتيبة سرية مشاة تابعة لفيلق الهندسة في الجيش الإسرائيلي، واستخدمت معدات هندسية ميكانيكية لأعمال حفر الأنفاق، واستخراج المتفجرات، وفتح المحاور.
كما استحدثت الفرقة كتيبة مشابهة في التشكيل والمهمات عملت شمال قطاع غزّة باسم "إطفاء الشمال عام 2009، ووحدة لوجستية الأقسام عام 2016 شملت وحدات الصيانة والإمداد والشرطة والدوريات.
في الوقت ذاته، تضم فرقة غزة المعمل التكنولوجي لاكتشاف وتحديد مواقع أنفاق غزة تحت الأرض بالتعاون مع لواء تكنولوجيا الأراضي، ويضم خبراء وضباطاً من مختلف المجالات من بينها:
المخابرات والهندسة القتالية والكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات والعلماء والمهندسون من مجالات الفيزياء والجيولوجيا والهندسة، بشقيها المدني والميكانيكي، ويحلّل المعلومات التي يجمعها الجنود في الميدان، وما يتم الحصول عليه من أعمال الحفر العميق والتنقيب، ومن خلال تحليل هذه المعلومات يستنتج الجيش مواقع الأنفاق والمساحات الجوفية وأعمال الحفر.
وفي عام 2008 وخلال عدوان "الرصاص المصبوب"، قامت فرقة غزة الإسرائيلية باجتياح بريّ لقطاع غزّة، لكنها تعرّضت لعمليات المقاومة التي قتلت خلالها 13 جندياً.
وفي عام 2018 استهدفت كتائب القسّام موقع "رعيم"، الذي يبعد عن قطاع غزة 7 كيلومترات، وهو مقر قيادة الفرقة، كجزءٍ من عملياتها باستهداف الفرقة وجنودها عند الحدود، أو صدِّ أي محاولة توغلٍ برية لها داخل القطاع، لأن الفرقة مسؤولة عن توفير الحراسة للمستوطنات الإسرائيلية شرق وشمال القطاع، وتدير كذلك وتشغّل معبر "إيرز" الشمالي.
وقادت فرقة غزة العديد من الاعتداءات العسكرية على غزة خلال السنوات الماضية، وتحديداً منذ 2006، إبان أسر حماس للجندي جلعاد شاليط، من أهمها: "قوس قزح، الشتاء الدافئ، أمطار الصيف، الرصاص المصبوب، عمود السحاب، الجرف الصامد، حارس الأسوار، والسيوف الحديدية".
وقد دأب جيش الاحتلال على ترديد مزاعم بأن فرقة غزة تجمع بين القدرات التكنولوجية والاستخباراتية والعملياتية، ما أدى لكشفها عشرات الأنفاق.
كما قادت الفرقة مشروع بناء الجدار تحت الأرض على طول حدود القطاع، وعملت بشكل يومي على منع تسلّل الفلسطينيين عبر السياج، ومنع الهجمات الخطيرة من خلاله، حتى وصل الأمر بقيادة الجيش لاعتبار فرقة غزة رمزاً للتميز التشغيلي على جميع المستويات، ورغم كل ذلك فقد وقعت في الإخفاق الأخطر على مستوى تاريخها من خلال هجوم حماس عليها.
اجتياحات القطاع
تولّت الفرقة خلال السنوات الأخيرة مهمة أساسية تمثلت في الدخول البري لقطاع غزة، خلال بعض العمليات العسكرية، بجانب تدمير عشرات الأنفاق الهجومية للمقاومة.
وفي نهاية مارس/آذار 2018، قمعت مسيرات العودة السلمية للفلسطينيين على حدود غزة، وتعمّدت قتل وإصابة الآلاف منهم ممن أصابتهم بإعاقات دائمة تمثّلت ببتر أقدامهم، عقب استهداف العشرات من قناصيها لهم عن سابق إصرار وتعمّد، رغم عدم تشكيلهم خطراً على جنود الاحتلال.
"تقديراً" لجهود فرقة غزة في التنكيل بالفلسطينيين، فقد منحها رئيس أركان الجيش السابق غادي آيزنكوت في 2018 شهادة تكريم بسبب دورها في قمع مسيرات العودة.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، تلقت الفرقة تكريماً آخر بزعم دورها فيما يسمى "الحرب السرية"، دون توضيح ماهيتها، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مُنحت الفرقة شهادة تقدير ثالثة، لنشاطها في عملية حارس الأسوار، التي سمَّتها المقاومة "سيف القدس".
انتقادات قاسية
رغم كل ما تقدَّم من أداء متعدد لفرقة غزة، لكن ما حصل ليلة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وقبل ساعات من شنّ حماس هجومها الكبير، يثير كثيراً من الغرابة والاندهاش، لأن الفرقة لم تغيّر ليلتها خططها القتالية، رغم وجود عدة مؤشرات عن تحركات مريبة على الحدود، وهي المسؤولة عن كافة المواقع العسكرية الحدودية التي وقع فيها هجوم حماس.
وردّت الفرقة على هذه الانتقادات القاسية، بالزعم أن المؤشرات لم تكن تحذيراً من هجوم أو تسلل بهذا الحجم، لأنه قبل ساعات قليلة من وقوعه، وصل عناصر من جهاز الأمن العام (الشاباك) لمنطقة المستوطنات في غلاف قطاع غزة، ونقل الجهاز قوات خاصة إلى الجنوب، كجزء من مسؤولية واسعة عامة، وليس بسبب وجود تحذير من هجوم أو تسلل بهذا الحجم، لكن فرقة غزة لم تتخذ أي تحرك يذكر.
مع العلم أن فرقة غزة دأبت على القيام بنشاطات عملياتية، وفي ظروف ليلية، ودون استخدام أي إضاءة، لمواجهة تهديدات مستمرة من قبيل: إطلاق صواريخ مضادة للدبابات، عمليات القنص، زرع العبوات الناسفة، والألغام المتفجرة، لكن الفرقة فاتها إجراء التدريبات على كيفية التعامل مع الإخفاقات والمواقف غير المتوقعة كما حصل في هجوم السبت.
ولقد مُنِيت فرقة غزة بهزيمة مدوّية من قبل مقاتلي حماس قبل أسبوعين، الذين قتلوا وأصابوا وأسروا ما يزيد عن أربعمئة جندي وضابط، رغم قرار قيادتها قبل أشهر تعزيزها بقوات إضافية من المدفعية والهندسة والمشاة والمدرعات وقوات خاصة، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة على كيفية مواجهة الفرقة لمقاتلي حماس، في قلب شوارع غزة، عقب اتخاذ القرار الإسرائيلي بتنفيذ العملية البرية.
الردع المتآكل
ومادامت فرقة غزة هي الأكثر دراية من بين وحدات الجيش وفرقه وكتائبه بجغرافيا غزة، فإن أسئلة عديدة ما زالت قائمة حول النفسية والدافعية التي سيقتحم بها جنود الفرقة قطاع غزة، لمواجهة ذات المقاتلين من حماس، الذين اقتحموا عليهم مقرّهم العسكري، فقتلوا وأصابوا وأسروا رفاقهم وقادتهم!
وكثيرة هي المخاوف التي تحيط بقادة جيش الاحتلال، نظراً لعدم ثقتهم بمدى جاهزية جنود فرقة غزة على تنفيذ المهمة المنوطة بهم، والمتمثلة بالإطاحة بحماس، وهم ذاتهم الذين أُخِذوا على حين غِرّة في قلب ثكناتهم العسكرية من قبل مقاتلي حماس.
هذا الأمر دفع جيش الاحتلال لتعبيد الطريق أمام جنودهم باللجوء لكثافة نارية كبيرة وهائلة، من شأنها تنفيذ سياسة الأرض المحروقة في غزة، قبيل أن تطأ أقدام جنودهم أرضها، كي لا يكون الصدام مباشراً وجهاً لوجه مع المقاومين الفلسطينيين.
ولا يختلف إسرائيليان على أن ترميم صورة فرقة غزة، واستعادة ردعها المتآكل، سيحتاج وقتاً طويلاً وجهداً دؤوباً، حيث ستكون معركة غزة البرية الوشيكة أولى اختباراتها العملياتية بعد الانتكاسة التي ألمّت بها في طوفان الأقصى، ما سيجعل قيادة الجيش تمنحها دعماً وإسناداً كبيرين كي تنجح في مهامها، مع عدم توفر ضمانات كافية لهذا النجاح الذي تحيط به كثير من التحديات والعقبات الكفيلة بإبقاء فرقة غزة في انتقال من انتكاسة كبيرة إلى هزيمة مدوّية، ربما تنتظرها في أزقّة غزة ومخيماتها.