يعاني الفلسطينيون المقيمون في الخارج من صعوبة في التواصل مع عائلاتهم للاطمئنان عليهم، في ظل الحرب الشرسة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، والتي تسببت في تخريب المرافق الحيوية وقطع الإنترنت والماء والكهرباء، إذ يعجز الفلسطينيون في جميع أنحاء العالم عن التواصل مع ذويهم في غزة أو يكافحون من أجل التواصل معهم، والذين يراقبون في حالة رعبٍ عاجزةٍ عن تغيير أي شيء، التقارير حول الحرب التي تتكشف.
ففي الأيام العادية يتبادل أبناء عائلة الأغا فيما بينهم كماً كبيراً من الرسائل التي تنتقل جيئة وذهاباً بسرعة كبيرة، ولكن منذ قطع الكهرباء ومنع الوقود عن قطاع غزة، تباطأت وتيرة الرسائل التي تصل إلى هاتف ياسمين الأغا وقلَّت بدرجة ملحوظة، حسب ما نشرته صحيفة The Washington Post الأمريكية.

واستُشهد عشرة من أبناء عائلتها الكبيرة، تتراوح أعمارهم بين عامٍ واحدٍ و62 عاماً، في غارة جوية واحدة ضربت منزلهم صباح الأربعاء 11 أكتوبر/تشرين الأول. إذ علمت ياسمين، وهي طالبة قانون تدرس في شيكاغو، بشأن استشهادهم عن طريق ابن عم لها يعيش في أيرلندا، وفي ذلك المساء، شاهدت فيديو على تطبيق تليجرام للمباني المدمرة في الحي الذي يسكن فيه أجدادها، وانتظرت في ليلة مفجعة لتسمع أخباراً بأنهم لا يزالون على قيد الحياة. لا يزال أبناء عائلتها محاصرين في غزة، وأغلبهم في خان يونس جنوب غزة.
قالت ياسمين: "في الوقت الحالي يجب عليّ أن أهنأ باللحظات التي أستطيع أن أتحدث معهم خلالها؛ لأنني لا أعرف عند أي مرحلة لن أعد قادرة على التحدث إليهم. أجدادي متقدمون في السن للغاية. لقد وصلوا، بكل أسف، لمرحلةٍ يقبلون وحسب بأي شيء سيحدث".

فيما قال ضرغام أبو سليم، وهو كاتب فلسطيني في واشنطن لا يزال أبواه وأفراد عائلته الآخرون عالقين في القطاع: "جميعنا نحاول، في حالة توترٍ، أن نعرف آخر تطورات الأوضاع. من أجل أن نتأكد فقط أننا نسمع أصواتهم، وأنهم يسمعون أصواتنا".
وقالت ياسمين: "غالبية الناس في غزة يحاولون أن يعيشوا حياتهم يوماً بيوم فحسب. إن القول بأننا نريد أن نؤذي اليهود هو سوء فهم تام وخطأ تام، فذلك ليس ما يريده أيٌّ منا".
وتقول ظريفة بارود إن أجدادها أجبروا على البقاء في مخيمات اللاجئين في غزة عند تأسيس إسرائيل عام 1948. وتقول إنه بعد 75 عاماً لا يزال غالبية الأحفاد يعيشون في مخيمات اللاجئين أو حولها.
تبلغ ظريفة من العمر 24 عاماً وتعيش في مدينة سياتل بواشنطن وتعمل وكيلة الوسائط الرقمية لدى منظمة المسلمون الأمريكيون من أجل فلسطين (AMP). وتقول إن ستة من أبناء عائلتها -عمتها و5 من أبناء عمتها تتراوح أعمارهم بين 9 أعوام و18 عاماً- استشهدوا في غارة إسرائيلية يوم الاثنين 9 أكتوبر/تشرين الأول وأوضحت: "كان أبناء عمتي جميلين، ولطيفين".
وقد رأت لتوّها فيديو على موقع إنستغرام، ظهر فيها ابن عم آخر لها وهو في المستشفى. وقالت: "هكذا اكتشفنا الأمر، لأن لا أحد يستطيع الاتصال بنا".
حصار شامل على قطاع غزة
فيما قالت السلطات الفلسطينية إن الوقود نفد من محطة توليد الكهرباء الوحيدة الموجودة في غزة وإنها توقفت عن العمل الأربعاء 11 أكتوبر/تشرين الأول. ويعتمد غالبية الناس في القطاع الآن على أي شيء يتوفر لديهم، سواء ألواح طاقة شمسية أو وقود مولدات.
تنتاب عائلة رئيس الوزراء الاسكتلندي حمزة يوسف، حالة من الذهول بسبب المحنة التي يواجهها حمواه العالقان في غزة، التي تتمثل في شبه نفاد المياه والغذاء لديهم. يعيش والدا زوجة رئيس الوزراء الاسكتلندي في مدينة دندي الاسكتلندية، لكنهما سافرا إلى غزة قبل أيام من بداية أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول لزيارة جدة زوجته.
كان يوسف يجري مقابلة في مقر إقامته الرسمي في إدنبرة الخميس 12 أكتوبر/تشرين الأول، عندما دخلت زوجته الغرفة لتبكي، وذلك وفقاً لصحيفة The Guardian. وقد شاهدت تقريراً إخبارياً عن غارة جوية بالقرب من المكان الذي يمكث فيه والداها، وكانت عاجزة عن التواصل معهما.

لكن أمها نجحت في نهاية المطاف في تمرير رسالة مفادها أنهما لم يصابا، وفقاً لصحيفة The Guardian.
وحاولت إسراء المدلل الموجودة في تركيا، أن تتواصل مع أفراد أسرتها، لكنها لم تنجح. فقد تعطلت خطوط الهاتف، وتوقفت الهواتف الخلوية، قالت إسراء وهي تبكي: "حاولت الاتصال بجميع أرقامهم ملايين المرات".
تلقت إسراء رسالة يوم الخميس 12 أكتوبر/تشرين الأول على تطبيق واتساب، تخبرها بأنهم أحياء.
وما يزيد من قلقها شعورها بالعجز عن فعل أي شيء من أجلهم. أرسلت إليهم رسالة تقول فيها: "سامحوني". لكنها لا تعرف متى ستصل إليهم، أو حتى إذا كانت ستصل من الأساس أم لا.
سمع ضرغام أبو سليم (34 عاماً)، صوت أبويه في غزة "ثلاث أو أربع مرات" خلال الأسبوع الماضي. وُلد أبو سليم في القطاع، وحصل على منحة للدراسة في الولايات المتحدة، عندما كان يبلغ من العمر 16 عاماً، والآن يعيش في واشنطن.
وقد كان في القطاع خلال الحرب على غزة التي دارت في 2014، والتي استشهد خلالها أكثر من 2000 فلسطيني، وقال أبو سليم: "لقد جُردنا من إنسانيتنا لمدة طويلة للغاية، لدرجة أنه صار اعتيادياً الآن أن يُقتل الفلسطينيون في غزة".
ويعاني والد أبو سليم، وهو في الثمانينيات من عمره الآن، من شلل جزئي بعد تعرضه لسكتة دماغية وعانى خلال الأسبوع الماضي من نوبات مرض السكري بسبب نقص الدواء. أما والدته فهي عمياء وفي الستينيات من عمرها، إذ قال أبو سليم: "نظام الاتصالات معطل تماماً في المرحلة الحالية. إنني قلقٌ للغاية".