منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى التي تقودها حركة حماس، تلاحق التساؤلات حزب الله اللبناني عن إمكانية تدخله في تلك المعركة سواء من الجبهة اللبنانية أو السورية، وإذا ما كانت هناك احتمالية بالفعل لأن يفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل.
ولعل هذه الأسئلة باتت أشد إلحاحاً بعد الاشتباكات المحدودة التي نشبت عن الحدود وسقوط قتلى من الجانبين، فيما تعددت التحليلات والاستنتاجات الداخلية والخارجية في معرض محاولة تقدير موقف حزب الله ومحاولة فهم ما تفكر به قيادته المعنية مباشرة بما يجري على الحدود وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة انطلاقاً من العلاقة المتينة مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي والترابط ضمن مشروع "وحدة الساحات".
"عربي بوست" توجه إلى مصادر داخل الحزب وإلى محللين مقربين منه في محاولة لفهم ما يدور في أدمغة مسؤوليه، وكيف تبدو حساباتهم فيما يحدث حالياً.
حزب الله ورفض الإجابة
المؤكد حتى اللحظة هو أن قواعد الاشتباك المتفق عليها لا تزال قائمة كما هي في الجنوب اللبناني، طالما أن ميزان القوى في الداخل الفلسطيني لم ينكسر تماماً.
لكن هذه القواعد يمكن أن تتغير كونها مرتبطة بما أعلنه أمين عام الحزب حسن نصرالله من أن أي استهداف إسرائيلي للبنان أو اغتيال أي عنصر من الحزب في سوريا أو لبنان، فإن ذلك سيستوجب رداً من محور المقاومة، مع ترك هامش له في الرد داخل الأراضي المحتلة وليس المناطق المفتوحة كمزارع شبعا.
في هذا الإطار، كشف مصدر مقرب من حزب الله لـ"عربي بوست" أن لدى الحزب خطة محضرة مسبقاً مع سيناريوهات محتملة، تقوم على مجموعة خطوات ومسارات، وهي أن الحزب لا يعطي أي جواب على أي سؤال من أي طرف إقليمي أو عربي. يأتي هذا رغم توافد أطراف إقليمية إلى لبنان، وتحديداً مصر.
ويصر حزب الله على عدم إعطاء أي جواب واضح لأي طرف وترك الأمور مفتوحة دون أجوبة عن ماهية تصرفاته وخطواته المقبلة في هذه الحرب، بمن فيهم الحكومة اللبنانية وقيادة الجيش اللبناني.
وأوضح المصدر أن حزب الله لديه سياق مترابط حول طبيعة تدخله في الحرب، وهي تقوم على التالي: "كلما توسعت الحرب وانخرطت إسرائيل وحلفاؤها في المعركة، كلما استخدم حزب الله أوراقه التي يمتلكها"، وهي بالترتيب على الشكل الآتي:
· تكثيف عمليات فصائل المقاومة الفلسطينية عبر الحدود اللبنانية والسورية بما في ذلك التسلل وإطلاق الصواريخ والقذائف واستهداف دوريات إسرائيلية.
· الاستمرار بالقصف على مواقع في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا على اعتبار أنها ضمن قواعد الاشتباك المتعارف عليها وكونها مناطق لبنانية محتلة وجب تحريرها.
· المساهمة في دعم أي حراك في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني وخلايا حركتي حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى بما فيها كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح.
· قصف واستهداف مواقع في الجولان السوري المحتل وتحديداً من منطقة الرزانية في القنيطرة، حيث تواجه قاعدة عسكرية إسرائيلية رئيسية جرى التموضع قبالها منذ يومين، وقدمت هذه القاعدة شكوى من هذا التموضع للقوات الروسية.
· في حال توسعت عمليات إسرائيل لتشمل ضربة قاصمة للمقاومة بدعم غربي، فإن الحزب مضطر لإشعال كل الجبهات الممكنة لتشمل لبنان والعراق وسوريا واليمن، إضافة لمصالح إسرائيلية في البحر وفي دول المنطقة.
حسابات حزب الله الإقليمية
وأشار المصدر إلى أن قرار حزب الله بالتدرج العسكري مردّه أمور عدة، أهمها حساسية الظرف الذي تمر به المنطقة والواقع الاقتصادي والسياسي الذي يمر به لبنان.
هذا إضافة للواقع السياسي المحتدم وعدم وجود إجماع سياسي داخلي حول المقاومة والتعبئة الجارية من أطراف مناوئة له في الساحة الداخلية.
لذا "الحزب حريص على عدم اختلاق أزمات داخلية تزيد حدة المشاكل الداخلية له ولبيئته الشيعية"، على حد قول المصدر ذاته.
الحزب وجهوزية "الرضوان"
بالمقابل، ذكر مصدر دبلوماسي إيراني مطلع على الملف أنه وبمجرد بدء محاولة الاقتحام البري لقطاع غزة، سيؤدي ذلك إلى تدحرج الأمور؛ لأن قوى محور المقاومة لن تقبل الاستفراد بغزة، مشدداً على معادلة وحدة الساحات التي سيكون لها التأثير الكبير والنوعي في الميدان.
وكشف المصدر لـ"عربي بوست" أن إيران، وبالتزامن مع تحرك حاملة الطائرات الأميركية، عمدت خلال الأيام الماضية إلى نقل صواريخ بعيدة المدى إلى حزب الله في مساحات إقليمية واسعة تشمل البر والبحر للاستخدام في قصف المواقع الإسرائيلية الحيوية إن استدعت الحاجة.
ويؤكد المصدر أن حزب الله يربط انخراطه الكامل في المواجهة بفرضية الاجتياح البري، لأن الحزب لا يمكنه أن يسمح بأن تتعرض غزة والمقاومة في داخل فلسطين لتهديد وجودي.
وأشار إلى أن تفعيل جبهة الجنوب من قِبل الحزب وحلفائه الفلسطينيين واللبنانيين خلال الأيام الأخيرة، "حملت رسالة واضحة بالنار لنتنياهو"، على حد تعبيره، أن المحور والحزب لن يجلس في عداد المتفرجين، وأن أي تجاوز للخطوط الحمراء في العدوان على قطاع غزة سيستدعي رداً بحجم الاستهداف.
ويؤكد المصدر أن "وحدة الرضوان"، والتي تعتبر فرقة النخبة في حزب الله، انتشرت في الجنوب اللبناني وجنوب سوريا، وباتت جاهزة للدخول إلى المستوطنات في شمال إسرائيل فور أن تتلقى الأوامر من الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وفقاً لتطورات الظروف.
أسباب تجعل حزب الله يبحث عن الهدوء
وعلى عكس ما يقوله المقربون من محور إيران والمقاومة، يقرأ المحللون السياسيون المشهد من زوايا مختلفة. لذا يعتبر المحلل السياسي اللبناني جورج شاهين أن الحراك السياسي الذي شهدته الساحة اللبنانية، منذ أشهر، يعتبر مواتياً جداً لحزب الله ومراعياً لمصالحه.
وقد بدأ هذا الحراك قبل عام باتفاق ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان الرسمي الذي يمتلك قراره حزب الله في شكل أساسي، وبرعاية الولايات المتحدة.
وعلى هذا الأساس، جرى التفاهم أن يلتزم الحزب ضرورات أمن الطاقة في شرق المتوسط، مقابل أن يحتفظ هو بنفوذه داخل السلطة المركزية، أي أن يحظى بالموقع المميز في إدارة موارد الدولة لسنوات.
كما بدأ البحث جدّياً في ترسيم الحدود البرية، بموافقة الجميع. ولذلك أيضاً، في الصيف الماضي، جرى التمديد الهادئ لتوسع نشاط "اليونيفيل"، على رغم أنه كان مرفقاً بتعديلات تضمن لها هامش تحرك أوسع، ولم يتعرض لفيتو من روسيا أو الصين.
ويشير شاهين إلى أنه في لبنان، فإن إيران مرتاحة للتوازن المتفق عليه، وكذلك الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا يريد أي من هذه الأطراف نسفه وخسارة المكاسب المتوقعة. ومن المؤشرات المهمة أن عملية الاستكشاف التي تجريها شركة توتال للطاقة في البلوك 9 لم تتوقف على رغم انفجار الوضع في غزة والمناوشات في الجنوب اللبناني مع فصائل فلسطينية.
بالمقابل يعتبر المحلل العسكري اللبناني عميد حمود أن الأميركيين وإسرائيل وإيران تريدان الحفاظ على التفاهمات على حدود لبنان وفي مياهه، وهم يدرسون الصيغة التي يمكن أن تؤدي إلى ضمانها، بسبب صعوبة الفصل التام بين غزة ولبنان.
ويشير حمود إلى أنه من البديهي أن ترفض إيران إبقاء غزة وحيدة، أو أن تتيح لإسرائيل الاستفراد بحماس لإنهاكها أو إنهائها. وهي لا ترى بديلاً عن دعمها بالحلفاء الآخرين على حدود لبنان وسوريا، وبالعناصر التي يمكن أن تنقض في الداخل الإسرائيلي فور تلقيها الأوامر العسكرية.
ويعتبر حمود أن هذه العناصر تؤدي دوراً موازياً أو أشد فاعلية من الدور الذي تضطلع به حماس وحزب الله على حدود غزة ولبنان، لأنّه يتكفل بضرب المناطق الرئيسية، في العمق الاسرائيلية، وبدرجة عالية من الدقة.