بات قطاع غزة على مشارف كارثة إنسانية، جرّاء تعطُّل جزء كبير من خدمات البني التحتية عن العمل وأهمها الكهرباء والمياه وخدمات البلديات والاتصالات والنقل، وذلك في ضوء اقتراب نفاد مخزونات الوقود والغاز المنزلي من محطات تعبئة الوقود، وتهديد محطة توليد الكهرباء بالتوقف عن العمل كلياً خلال الساعات القادمة.
بالإضافة لذلك، تشهد العديد من المناطق في غزة نقصاً حاداً في المواد الغذائية، جراء عدم قدرة المزارعين على قطف ثمارهم من مزارعهم في المناطق الحدودية، التي تشهد قصفاً إسرائيلياً كثيفاً في الأيام الأخيرة.
إسرائيل تحول غزة لسجن كبير
كان وزير الدفاع يوآف غالانت قد أصدر قراراً عسكرياً، بموجبه تلتزم السلطات المحلية في إسرائيل بقطع كامل وفوري لإمدادات المياه والكهرباء، وإغلاق كامل لمعبر كرم أبو سالم التجاري أمام تدفق حركة الصادرات والواردات من وإلى القطاع.
وتتفاقم أوضاع سكان القطاع سوءاً في ظل توقف شبه كامل للخدمات الأساسية، وتحديداً أزمة الكهرباء، التي أدت لتعطل جزء كبير من خدمات البنى التحتية الأخرى.
ويشهد القطاع لليوم الخامس على التوالي موجة قصف إسرائيلي، أسفرت عن ارتقاء ما يزيد عن 900 شهيد، ونحو 5 آلاف مصاب، وتسجيل قرابة 200 ألف نازح، يتوزعون على مدارس الإيواء التابعة للأونروا.
أزمة الكهرباء
كان وزير الطاقة الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قد صادق على قرار يقضي بقطع إمدادات الكهرباء الإسرائيلية عن غزة، في سياق الإجراءات الإسرائيلية التي صادق عليها مجلس الوزراء الأمني المصغر "الكابينيت"، رداً على عملية "طوفان الأقصى".
وتُمثل خطوط نقل الكهرباء الإسرائيلية المورد الرئيسي والأكثر أهمية لمصادر الطاقة في غزة، إذ تزود إسرائيل قطاع غزة بنحو 120 ميغاواط من التيار الكهربائي، وهو ما نسبته 65% من إمدادات الكهرباء والطاقة. أما المصدر الثاني فهي محطة توليد الكهرباء التي لا تزيد طاقتها التشغيلية عن 60-65 ميغاواط، في حين يتجاوز معدل الاستهلاك اليومي من الكهرباء 500 ميغاواط.
فيما أعلنت شركة توزيع الكهرباء في غزة أن نسبة العجز في وصول التيار الكهربائي تجاوزت 80%، فقد بات القطاع مهدداً خلال الساعات القليلة القادمة بتوقف محطة توليد الكهرباء عن العمل بشكل كلي، جراء اقتراب نفاد مخزونات السولار من محطة توليد الكهرباء.
وتعتمد محطة توليد الكهرباء في غزة على السولار القادم من إسرائيل، فيما تفتقر المحطة لصهاريج يمكن أن تصنف كمخازن استراتيجية يمكن الاعتماد عليها في حالات الطوارئ والكوارث، وذلك بعد تعرضت لقصف في حرب العصف المأكول صيف العام 2014.
وتهدد أزمة الكهرباء واستمرار إغلاق المعابر بإحداث شلل في القطاعات الحيوية الأساسية كمعالجة المياه والصرف الصحي والبلديات والمستشفيات والمرافق الصحية المختلفة، ومراكز الإيواء في الأونروا، التي تكتظ بآلاف العائلات التي نزحت من مناطق القصف الإسرائيلي.
أزمة المياه
لاحت أزمة المياه في غزة في الساعات الأخيرة، بصورة تنذر بكارثة إنسانية تهدد الواقع الصحي والاجتماعي في القطاع، بعد قرار دولة الاحتلال قطع خطوط نقل المياه من إسرائيل للقطاع.
ويعتمد قطاع غزة على الجانب الإسرائيلي في توفير ما يزيد عن 50% من احتياجاته من المياه، إذ تبيع شركة "ميكروت" الإسرائيلية نحو 120-150 مليون متر مكعب سنوياً من المياه.
أما المصدر الثاني فهو آبار المياه الجوفية، المهددة بالتوقف عن العمل جراء أزمة الكهرباء وانقطاع الكهرباء لما يزيد عن 20 ساعة يومياً، وزاد من سوء هذا الوضع توقف المولدات الخارجية عن العمل جراء نفاد مخزون الوقود.
وحذرت وزارة الصحة من مخاطر انقطاع وصول المياه للمواطنين، الذي يهدد حياتهم ويعرضهم لخطر العطش والجفاف، ويرفع من احتمالية انتشار الأمراض وضعف المناعة.
انقطاع الإنترنت والاتصالات
أطلقت مجموعة الاتصالات الفلسطينية "بالتل" تحذيراً، مساء الثلاثاء 10 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، من أن خدمات الاتصال الأرضي والخلوي والإنترنت مهددة بالتوقف الكامل خلال الساعات القادمة، جراء قصف الاحتلال لمعظم مقاسم (سيرفرات) الشركة منذ اليوم الأول للحرب، وعجز الطواقم الفنية عن معالجة هذا الخلل.
وانهارت شبكات الاتصالات في غزة، وبات التواصل شبه معدوم في كثير من المناطق، جراء تعرّض الجزء الأكبر من مقاسم وأبراج الإرسال لشركات الاتصالات لقصف عنيف، أدى لخروجها عن الخدمة.
ووفقاً لمصدر في شركة الاتصالات أكد لـ"عربي بوست" أن مستوى خدمة وجودة الاتصال في غزة بالكاد يصل لـ20% من معدله الطبيعي، وهنالك دمار غير مسبوق في معظم مقارّ الشركة ومقاسمها وأبراج الإرسال، وهذا ما يُعزى لتردي مستوى الخدمة وانقطاعها في كثير من المناطق.
الصحة تحذّر من التداعيات
حذرت وزارة الصحة في غزة، صباح الأربعاء 11 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، من أن مخزون الوقود المخصص لتشغيل المولدات الخارجية في مشافي القطاع سينفد خلال الساعات القليلة القادمة، جراء استمرار إغلاق المعابر لليوم الخامس على التوالي.
تداعيات القرار الإسرائيلي الأخير بقطع إمدادات الكهرباء، نظراً للكمّ الهائل من الشهداء، وكذلك الجرحى الذين يحتاجون لرعاية طبية قد لا تتوفر بشكل كامل في حال توقفت إمدادات الكهرباء.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، في تصريح مقتضب لـ"عربي بوست" إن "المشافي والمراكز الصحية في القطاع تعج بمئات الشهداء والمصابين، وبالتالي نحن نعتمد على الكهرباء بشكل أساسي في تقديم خدمة الطوارئ في هذا الظرف الاستثنائي في أقسام الاستقبال والإنعاش والعناية المركزة ومختبرات الدم والجراحة".
وأضاف المتحدث "قطاع الصحة والمستشفيات يعتمد على ما يتم توفيره من شركة توزيع الكهرباء من مصادر الطاقة، ولدينا مولدات طوارئ نستعين بها عند الحاجة، إلا أن مخزون الوقود بالكاد يكفي لـ96 ساعة، وقد شارف على الانتهاء، وبعد ذلك سندخل مرحلة حرجة قد لا نستطيع من خلالها تقديم الرعاية الطبية الكاملة للجرحى والمصابين".
ونوه المتحدث: "لدينا ضغط كبير على اللوازم الطبية قبل بدء الحرب، وتحديداً في قطاع الأدوية الأساسية، إذ نعاني من عجز بنسبة 43%، و25% نسبة العجز في المستهلكات الطبية، و60% نسبة العجز في لوازم المختبرات وبنوك الدم".
وقف توريد السلع والوقود
وفي سياق متصل، يواجه القطاع أزمة على صعيد توفر البضائع والسلع الأساسية، جراء إغلاق المعابر التجارية بين غزة ومصر بقرار إسرائيلي، وتهديد إسرائيل بقصف ومنع أي دخول لشاحنات المساعدات من مصر لغزة.
يأتي ذلك في ضوء استمرار إغلاق معبر كرم أبو سالم، المخصص لنقل البضائع والسلع من وإلى غزة، بما فيها المساعدات القادمة للأونروا.
وتشكّل المعابر بين غزة وإسرائيل رافداً أساسياً في توفير احتياجات القطاع من المواد الغذائية، إذ يعتمد القطاع بنسبة 80% على المعابر التجارية مع إسرائيل، بمتوسط 300 شاحنة يومياً.
وتحذر أوساط اقتصادية مختلفة من مغبة ونوايا إسرائيل بتجويع أهالي قطاع غزة، في ظل صعوبة توفير بدائل حال استمر إغلاق المعابر لمدة أسبوع إضافي، ما يعني نفاد 50% من المستلزمات الغذائية والاستهلاكية في القطاع خلال هذه الفترة.
إذ قال مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة تجارة وصناعة غزة، ماهر الطباع، لـ"عربي بوست"، إن "القطاع يفتقر لمخازن يمكن أن تصنف كمخازن طوارئ للسلع الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها كالقمح والألبان والخضراوات واللحوم والدواجن، وهذا يعني أن توفّر السلع مرهون بفتح المعابر، ولا يمكن لغزة أن تصمد لفترة تزيد عن أسبوع واحد، ما لم يتم فتح المعابر ولو بشكل استثنائي".
كارثة إنسانية متعددة الأبعاد
لا يمكن حصر النتائج الأولية لقرار إسرائيل إغلاق معابر غزة؛ كون القرار في بداياته، وانعكاساته لم تظهر بعد، ولكن العديد من التجارب السابقة أظهرت وحشية إسرائيل في ممارسة سياسة العقاب الجماعي ضد سكان غزة.
ففي الأعوام الممتدة من العام 2007-2014، خاضت إسرائيل سلسلة حروب ومواجهات عسكرية، رافقها إغلاق المعابر التجارية مع غزة، ما تسبب بكوارث إنسانية جراء نفاد مخزون السلع الغذائية الأساسية والوقود والغاز المنزلي.
وما سيزيد من سوء هذا الوضع هو الانقطاع المحتمل للتيار الكهربائي بصورة أكبر مما هي عليه الآن، ما يعني إمكانية تلف جزء كبير من السلع المخزّنة سريعة التلف، تحديداً اللحوم المجمدة والألبان ومشتقاتها.
ومنذ يوم أمس السبت، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشهد قطاع غزة عملية عسكرية أطلقت عليها إسرائيل اسم "السيوف الحديدية"، وقد أدى القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة لاستشهاد ما يزيد عن 950 مواطناً وإصابة نحو 5 آلاف آخرين.
فيما تُواصل كتائب القسام اشتباكاتها داخل مستوطنات غلاف غزة، بعد أن اقتحم المئات من أفراد النخبة التابعين للقسام الحدود مع إسرائيل، وخاضوا اشتباكات لا تزال مستمرة مع قوات الشرطة والجيش الإسرائيلي، أدت لمقتل ما يزيد عن 1200 إسرائيلي، بينهم ضباط كبار في الجيش والشرطة.