قال مسؤولون أمريكيون سابقون إن المعلومات الحساسة عن الموظفين بالسفارة الأمريكية في القاهرة، والتي زود بها السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز، الحكومة المصرية، ربما تعرض حياة الموظفين للخطر، وأضافوا أن هذه الاتهامات تمثل "خيانة جسيمة للأمانة"، وفق ما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 5 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تنحى السيناتور مؤقتاً عن منصبه النافذ كرئيس للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد أن وجه إليه المدعون الفيدراليون في نيويورك تهم فساد، من ضمنها المزاعم بأنه قبل رشاوى نقدية وسبائك ذهبية مقابل الإخلال بواجباته "بطرق أفادت الحكومة المصرية".
لكن أحد الاتهامات المدرجة في لائحة الاتهام ضد السيناتور روبرت مينينديز كان الأكثر بروزاً في أوساط كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين وبعض المعارضين المصريين. ففي مايو/أيار 2018، حصل مينينديز على تفاصيل من وزارة الخارجية حول عدد وجنسيات الأشخاص العاملين بالسفارة الأمريكية في القاهرة، وهي واحدة من أكبر البعثات الدبلوماسية الأمريكية بالشرق الأوسط.
صحيفة "الغارديان" البريطانية قالت إن روبرت مينينديز يُتهم بتسريب هذه المعلومات إلى المسؤولين المصريين من خلال شريكته نادين مينينديز، ورائد الأعمال في ولاية نيوجيرسي وائل حنا، الذي دفع مؤخراً بأنه غير مذنب في التهم الموجهة إليه بتقديم رشوة للسيناتور.
تنص لائحة الاتهام على أن "هذه المعلومات لم تكن سرية، لكنها كانت تعتبر شديدة الحساسية، لأنها قد تشكل تهديدات أمنية تشغيلية كبيرة في حال نشرها علناً أو الكشف عنها لحكومة أجنبية". وذكرت التقارير أن مكتب التحقيقات الفيدرالي فتح تحقيق مكافحة تجسس في ما يتعلق بهذه التهم أيضاً.
بينما قال مسؤول سابق رفيع المستوى بوزارة الخارجية عمل في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وضمن ذلك مصر: "إذا ثبتت صحة الادعاء؛ فهذا أمر يستحق الشجب. وأسوأ ما في هذا الأمر أنه ليس مجرد بيع للنفوذ فحسب، بل يعرض حياة الناس لخطر فعلي".
ما قام به روبرت مينينديز "خاينة للأمانة"
كما قال الدبلوماسي السابق جوردون غراي، الذي قضى 35 عاماً في السلك الدبلوماسي سفيراً لدى تونس ومستشاراً أول لدى السفير الأمريكي في العراق ونائباً لرئيس البعثة في القاهرة: "أود أن أصف هذه التهمة في لائحة الاتهام، بأنها خيانة للأمانة".
أضاف غراي: "يعمل موظفونا المصريون… في ظل تهديدات محتملة كبيرة لأنفسهم ولعائلاتهم". وتابع: "وهذه خيانة لأمانة حكومة الولايات المتحدة الموكلة بحماية شعبها أيضاً".
يدرك الموظفون الأمريكيون من المطلعين على وضع الأجهزة الأمنية المصرية طبيعة المخاطر المحددة التي تواجه الدبلوماسيين المتمركزين في القاهرة منذ زمن بعيد، ويعلمون أن أولئك الذين يعملون في السفارة -خاصةً المصريين منهم- معرضون لخطر المراقبة من قبل المخابرات المصرية.
زادت هذه المخاوف بشكل حاد بعد الانقلاب العسكري عام 2013، الذي أتى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، مما أدى إلى عودة صعود سلطة أجهزة المخابرات المصرية.
حيث قال المسؤول السابق في وزارة الخارجية: "الحكومة المصرية ليست مهتمةً بردع الأشخاص الذين يعملون لصالح الأمريكيين بقدر رغبتها في استخدام هؤلاء الأشخاص كأصول لجمع المعلومات الاستخباراتية، لهذا لا يتعلق الأمر، بالضرورة بسلامة الأمريكيين الجسدية في مكان مثل مصر. وهذا يعني أيضاً أن حكومة مصر، التي تتلقى أكثر من مليار دولار سنوياً من الولايات المتحدة، تجمع معلومات استخبارية عن البلد الذي أعلنها حليفاً رئيسياً من غير الأعضاء في الناتو".
بينما قال آخرون إن المعلومات المتعلقة بموظفي السفارة والتي يُزعم أن روبرت مينينديز سربها إلى المسؤولين المصريين معرضة للتغيير المستمر، لكنها كانت قيّمة، لأنها ستتيح للمخابرات المصرية مقارنتها ببيانات أخرى تم الحصول عليها من خلال المراقبة، مما كان سيساعد المخابرات المصرية في تحديد أعضاء السفارة الموظفين لدى وكالات الاستخبارات الأمريكية، واستهداف الموظفين المصريين العاملين هناك على المدى الطويل.
"لن تعتمد الحكومة المصرية على روبرت مينينديز فقط للحصول على معلومات كهذه، فمن الواضح أن لديهم مصادرهم وطرقهم الخاصة للحصول عليها، وضمن ذلك التأشيرات وجوازات السفر وحساب أعداد الموظفين"، بحسب بن فيشمان، العضو السابق بمجلس الأمن القومي الأمريكي. وفي إشارة إلى المزاعم الواردة في لائحة الاتهام، أضاف فيشمان: "إن الاستعداد لنقل هذه المعلومات وإرسالها، في رأيي، أمر لا يليق بعضو في مجلس الشيوخ".
فيما أشار غراي إلى كيفية تعرض المصريين العاملين في السفارة للترهيب من قبل قوات الأمن المحلية. حيث قال إن "الضغوط التي يواجهها الموظفون المحليون هي دائماً في أذهان السفارات الأمريكية، أو السفارات الأمريكية لدى الدول غير الديمقراطية على الأقل". وأردف: "ليست لديهم حصانة دبلوماسية، وعائلاتهم هناك. لهذا يمكن أن يكون الوضع أكثر خطورة بالنسبة لهم".
فيما قال معارض مصري مقيم بالولايات المتحدة إن الحكومة المصرية تعرف المصريين الذين يعملون بالسفارة الأمريكية في القاهرة، ويعتقد أنه من المحتمل وجود مخبرين يعملون لصالح مصر داخل السفارة بالفعل.
لكنه أوضح أن المزاعم المتعلقة بمشاركة معلومات حساسة وغير عامة، كما ورد في لائحة الاتهام ضد روبرت مينينديز، تعني أن مصر حصلت على مصدر آخر موثوق للغاية لجمع معلومات عن موظفي السفارة. وأردف المعارض: "كانوا سينظرون إليها باعتبارها قائمة نهائية".