انتظر محمد الشجاع، وهو ولي أمر يمني يقطن في القاهرة، رداً نهائياً من إدارة "الهرم التعليمية" التابعة لمحافظة الجيزة بشأن قبول ابنه بالصف الرابع الابتدائي داخل إحدى المدارس الحكومية المصرية القريبة من منزله.
ورغم أنه سلك الإجراءات السليمة فإن الإدارة التعليمية طلبت منه الانتظار عدة أيام لحين توفير مكان لابنه في المدرسة المقبول فيها أو إحدى المدارس الأخرى بالإدارة التعليمية.
تردد "الشجاع" مرات عديدة على الإدارة التعليمية خلال الأيام الماضية ليعرف مصير ابنه، لكن في كل مرة يخبرونه بوجود مشكلات في توفير أماكن للطلاب الوافدين هذه السنة، وأن وزارة التربية والتعليم تحاول حل المشكلة.
كما أن إدارة الهرم التعليمية أخبرته بأن الأولوية تبقى الآن للطلاب المصريين، وأحد موظفي الإدارة يطالبهم بالبحث عن أماكن داخل المدارس الخاصة (ذات طبيعة المصروفات)؛ خشية عدم وجود أماكن لهم.
قال المواطن اليمني لـ"عربي بوست"، إنه جاء إلى مصر قبل أشهر للإقامة مع إخوته، بعد أن علم بأن المدارس الحكومية المصرية تحظى بالجودة، إلى جانب أنها منخفضة التكاليف مقارنة بالبلدان العربية الأخرى.
وأضاف المتحدث أنه اختار مصر ليُدرس فيها أبناءه، لأنه لن يكون بحاجة إلا إلى دفع 100 دولار سنوياً، والاستفادة من معاملة الحكومة المصرية للاجئين اليمنيين بنفس معاملة الطلاب المصريين.
لكنه في الوقت ذاته يجد أنه قد يفوت عاماً دراسياً على ابنه قبل ساعات من انطلاق العام الدراسي ويُحاول أن يعرف مصير ابنه حتى يمكنه التحرك للبحث عن مدارس حكومية أو خاصة أخرى أو الذهاب إلى المدارس المجتمعية اليمنية التي تدرس المناهج اليمنية.
وأشار المتحدث إلى أنه يقوم بمجهود ويسعى إلى أن يدرس طفله المناهج المصرية التي تؤهل بشكل أكبر للجامعات العربية، ويتم الاعتراف على نحو أكبر بشهادة الثانوية العامة المصرية.
مصائر معلقة
وتسمح الحكومة المصرية للطلاب من أبناء الجنسيات السورية والسودانية واليمنية وجنوب السودان بالالتحاق بالمدارس المصرية، والمعاملة بالمثل مع الطالب المصري.
هذا القرار دفع كثيراً من المهاجرين أو اللاجئين الذين يبلغ عددهم ما يقرب من 9 ملايين شخص للتفكير في إلحاق أبنائهم بالمدارس المصرية والاستفادة من الامتيازات والدعم الذي توفره الحكومة المصرية.
تؤكد ليلى مفتاح، وهي مواطنة يمنية حصلت على الإقامة في مصر منذ عدة سنوات، أنها قامت هذا العام بنقل ابنتيها من إحدى مدارس منطقة فيصل إلى "السادس من أكتوبر" بعد أن قامت بتعديل محل سكنها.
وقالت المتحدثة إن الإدارتين تتبعان مديرية التربية والتعليم بالجيزة، وإنها حصلت على إثبات قيد من المدرسة التي يوجد فيها أبناؤها وتقدمت بطلب لإدارة السادس من أكتوبر لإلحاقهم وذلك منذ شهر يوليو/تموز الماضي، غير أن الرد لم يأتِ قبل ساعات من بدء الدراسة.
وأضافت أن مصير طفليها اللذين يدرسان بالصف الثالث الابتدائي معلق، وأن مدرستهم القديمة تشير إلى أنها سكنت الطلاب وفقاً لحاجتها وأن طفليها يتبعان إدارة السادس من أكتوبر، في حين تؤكد الإدارة الأخيرة أنها لم تتلقَّ أوراق أبنائها وأنه لا يوجد إتاحة كافية لاستقبالهم.
وتبرر الإدارة موقفها بأنه يتم قبول الطلاب وفقاً للأعداد المخصصة للقبول في كل مدرسة، وأنها تنتظر فتح فصول جديدة واستغلال أماكن الفراغات داخل العديد من مدارس مدينة السادس من أكتوبر تمهيداً لقبولهما.
وأشارت المتحدثة لـ"عربي بوست" إلى أنها تواصلت مع قيادات من وزارة التربية والتعليم المصرية وكذلك موظفي السفارة اليمنية في القاهرة وأن الرد جاء بأنه سيتم قبولهم حين تتوافر أماكن لهم.
واعتبرت المتحدثة أن هذا أمر يقلقها وتحاول العودة مرة أخرى إلى المدرسة القديمة لكن دون جدوى أيضاً، وهو ما يجعلها تشعر بأن هناك قراراً بوقف استقبال الطلاب الوافدين بالمدارس الحكومية.
وبحسب إحصاءات أفصح عنها وزير التربية والتعليم الفني في مصر رضا حجازي، فإن مصر تمتلك أكبر نظام تعليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يتم تقديم خدمات التعليم في أكثر من 46000 مدرسة حكومية و7000 مدرسة خاصة.
وحسب المتحدث فإن هناك ما يقرب من 25 مليون طالب وما يقرب من مليون معلم، مشيراً إلى أن مصر تواجه تحدياً كبيراً في الزيادة السكانية التي تؤدي إلى زيادة عدد الطلاب كل عام إلى ما يقرب من 800 ألف طالب، مما يستلزم زيادة حجم الإنفاق على التعليم بنسبة كبيرة.
مبررات المدارس الحكومية المصرية
وفي أكثر من مناسبة كرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن الدولة بحاجة إلى بناء 250 ألف فصل، وقال في منتدى الشباب الذي عقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إن "تكلفة بناء تلك الفصول 130 مليار جنيه، وهذا الرقم لا يشمل تكلفة تشغيل تلك المدارس".
ما تعرض له أولياء الأمور من اليمنيين تكرر أيضاً مع زينب الطيب، وهي ولية أمر طالبة سودانية في المرحلة الإعدادية، مشيرة إلى أن إدارة الدقي التعليمية التابعة لمحافظة الجيزة منحت تسجيل ابنتها في المدرسة الحكومية التي قدمت للالتحاق بها.
وقالت المتحدثة في تصريح لـ"عربي بوست"، إنها تقدمت إلكترونياً بطلب الالتحاق في شهر يوليو/تموز 2023، لكن الأمر بحاجة لموافقة نهائية من الإدارة التعليمية والتي لم تصدر حتى الآن.
وأوضحت أن الإدارة تحججت بمبررات عديدة، في البداية كان تعطيل الأوراق لوجود تغييرات في المناصب الإدارية، وبعد أن تولى مدير جديد للإدارة أكد أنه ينتظر موافقة وزارة التربية والتعليم على إلحاق ما يقرب من 500 طالب وافد بالمدارس الحكومية التابعة لإدارة الدقي.
وأشارت المتحدثة إلى أنها في حال كانت تعلم بوجود صعوبات في إلحاق ابنتها بالمدارس المصرية الحكومية كان بإمكانها الالتحاق بالمدارس المجتمعية السودانية التي بدأت فيها الدراسة منذ ما يقرب من شهرين؛ حتى لا تفوت السنة الدراسية عليها.
وقالت إنها اضطرت إلى ابمدارس المصرية الحكومية بسبب انخفاض تكلفتها، والمدارس السودانية تحتاج 2500 دولار، كما أن المدارس الخاصة المصرية تتراوح مصروفاتها بين 1000 و1500 دولار.
وكانت وزارة التربية والتعليم المصرية قد أعلنت إغلاق عشرات المدارس؛ لعدم مطابقتها المعايير الفنية وخشية تكرار واقعة سقوط سور على طلاب إحدى مدارس محافظة الجيزة الحكومية نتيجة تدافع الطلاب؛ ما أدى إلى مقتل طالب وإصابة ستة آخرين.
أزمة المدارس الحكومية في مصر
مصدر مطلع بوزارة التربية والتعليم، قال لـ"عربي بوست" إن الأزمة تمثلت هذا العام في مضاعفة أعداد الطلاب الوافدين الراغبين في الالتحاق بالمدارس الحكومية، مع توافد مئات الآلاف من السودانيين.
وأضاف المصدر نفسه أن المدارس الحكومية المصرية بالأساس تُعاني أزمة غير مسبوقة جراء زيادة أعداد الطلاب الجدد الملتحقين بها، وهو ما يدفع نحو استغلال فناء المدرسة في عملية التدريس مع التفكير في بناء فصول صغيرة يمكن أن تحتوي الأعداد الهائلة من الطلاب.
وأشار المتحدث إلى أن مشكلة الطلاب الوافدين تتركز في المحافظات التي تعاني أزمة في الكثافات وعلى رأسها القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية، لكن ليست هناك مشكلة في إلحاق الطلاب الوافدين في باقي المحافظات.
كما أن الأزمة حسب المتحدث تتعلق فقط بالطلاب الوافدين الجدد الذين يلتحقون بالمدارس المصرية لأول مرة هذا العام، أو الذين قاموا بالنقل من مدارسهم إلى أخرى تعاني كثافات مرتفعة، وهو ما يشير إلى عدم التراجع عن أي قرارات سابقة بشأن سياسة استقبال الطلاب الوافدين.
وأشار إلى أن وزارة التربية والتعليم أرسلت تعليماتها إلى المديريات التعليمية باستقبال الطلاب الوافدين طبقاً للوائح والقوانين المحددة، وأن عدم وجود كثافات بالمدارس شرط ضروري لقبولهم.
وأوضح المصدر نفسه أن ما يقرب من 30 ألف طالب وافد يدرسون بالمدارس المصرية الحكومية والخاصة والدولية وذلك من جنسيات (السودان، واليمن، والسعودية، والأردن، وسوريا، وجنوب السودان).
وأكد أنه لا يوجد حصر رسمي بأعداد الطلاب الوافدين الذين من المقرر أن يلتحقوا بالمدارس المصرية هذا العام لكنهم يقدرون بالآلاف، وأن أغلب الطلبات جاءت إليهم من سودانيين وصلوا أخيراً إلى مصر مع اندلاع الحرب.
التخلي تدريجياً عن استقبال الطلاب الوافدين
أعلنت الوزارة المصرية مصروفات الطلاب الوافدين للتقديم بمدرسة رسمية تعليمية بنوعيها (عربي – لغات)، وحددتها بثلاثة آلاف جنيه، إضافة إلى الرسوم ومقابل الخدمات والاشتراكات والأنشطة الطلابية المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القرار.
وتطلب إدارة الطلبة من الوافدين سداد الرسوم الدراسية للطالب المقيد على منحة دراسية، والملحق بمدارس التعليم العام والرسمية وفصول تعليم اللغة العربية فقط لصالح صندوق دعم وتمويل وإدارة وتشييد المشروعات التعليمية.
أما إذا التحق الطالب بمدارس خاصة، فلا تصرف له سوى المنحة، وتؤول حصيلة تلك المبالغ لصندوق دعم وتمويل وإدارة وتشييد المشروعات التعليمية، على أن تسدد بالكامل فور الالتحاق بالمدرسة، من خلال منافذ التحصيل الإلكتروني المتعاقد معها، ومكاتب البريد بجميع أنحاء الجمهورية، بموجب الرقم القومي للطالب.
وكشف مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم أن المشكلات التي تحيط بالمنظومة التعليمية الحكومية في مصر ستكون دافعاً نحو التخلي تدريجياً عن استقبال الطلاب الوافدين أو على أقصى تقديرٍ زيادة رسوم الدراسة بما يساعد في توفير ميزانيات لبناء مدارس جديدة وتعيين معلمين جدد في ظل العجز الذي وصل لأكثر من 400 ألف معلم.
هذا الأمر حسب المسؤول الذي تحدث لـ"عربي بوست"، هو ما دفع وزارة التربية والتعليم لأول مرة هذا العام إلى تقسيم مواعيد الطلاب لليوم الدراسي الأول بما لا يقود لتكرار مشاهد التكدس خلال السنوات الماضية.
وشدد على أن الحكومة المصرية تحاول القيام بأدوارها بشأن رعاية الوافدين لكن الأوضاع الاقتصادية تعكس كل شيء، وهو ما يجعل الإدارات التعليمية غير قادرة على اتخاذ قرارات واضحة بشأن قبول الطلاب أو إبلاغهم بالرفض بشكل نهائي.
وعلى الأغلب سيتم استيعابهم ولكن بعد التعرف على الأماكن الخالية لإلحاق الطلاب الوافدين بها، وفي كل الحالات فإن ذلك يخصم من سمعة التعليم الحكومي المصري الذي يحظى بتقدير الجاليات العربية المختلفة.
ووفقاً لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في شهر فبراير/شباط الماضي، وصلت أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين لديها في مصر حتى نهاية الشهر المشار إليه، إلى 291 ألف لاجئ وطالب لجوء ينتمون إلى 56 جنسية.
يُذكر أن الجنسية السورية هي أعلى الجنسيات المسجلة في كشوف اللاجئين بمكتب مصر، إذ بلغ عدد السوريين 146 ألف لاجئ وطالب لجوء، تليها الجنسية السودانية بنحو 59 ألف لاجئ وطالب لجوء، ثم جنسية جنوب السودان بنحو 42 ألف لاجئ وطالب لجوء.