القاهرة كافأته بـ28 سبيكة ذهب! نيويورك تايمز: مينينديز التقى مسؤولاً مصريا كبيراً قبل جلسة هامة لحقوق الإنسان

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/23 الساعة 22:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/23 الساعة 22:07 بتوقيت غرينتش
السيناتور الأمريكي البارز، بوب مينينديز إلى جانب الرئيس الأمريكي جو بايدن وأعضاء ديمقراطييين في الكونغرس الأمريكي، 2014/ Getty

قالت صحيفة The New York Times الأمريكية في تقرير نشرته السبت 23 سبتمبر/أيلول 2023، إنه بعدما أمضت مصر عقوداً بصفتها أكبر متلقٍّ للمساعدات الخارجية الأمريكية في العالم، أصبحت الحكومة قلقة إلى أي مدى سيستمر السخاء بذلك المستوى. لكن حين قطعت الولايات المتحدة جزءاً صغيراً من المساعدات عام 2017 على خلفية سجل مصر المروع في حقوق الإنسان، على نحوٍ فاجأ القاهرة، وجد المسؤولون المصريون في السيناتور النائب عن ولاية نيوجيرسي روبرت مينينديز حليفاً لهم.

صادف ذلك كون الرجل أرفع عضو ديمقراطي في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، وهو منصب من الواضح أنَّ مصر شعرت أنَّه قد يساعدها في تحسين موقفها في واشنطن. ويقول المدعون إنَّه حتى حين اتهم مينينديز إدارة ترامب بالتهاون في ما يتعلَّق بمصر، فإنَّه كان يقدم خدمات للمسؤولين المصريين الذين تعرَّفوا إليه من خلال مَن كانت آنذاك صديقته الحميمة، بما في ذلك الموافقة على صفقات سلاح ومساعدة القاهرة سراً على ممارسة الضغط (اللوبي) في واشنطن للإفراج عن أموال المساعدات. 

تفاصيل المعونة الأمريكية لمصر منذ السبعينات

قدمت واشنطن منذ أواخر السبعينات للقاهرة ما يصل إلى 1.3 مليار دولار سنوياً كإحدى نتائج اتفاق كامب ديفيد للسلام الذي أبرمته مصر مع إسرائيل، وهي الأموال التي تُقدِّرها مصر باعتبارها دليلاً على أهميتها الاستراتيجية ووجَّهتها لدعم ترسانتها العسكرية المتنامية باستمرار.

بالنسبة لمصر، تُعَد الولايات المتحدة راعياً لا غنى عنه، راعياً تحاول دوماً إقناعه بقيمتها في قضايا مثل الإرهاب وأمن إسرائيل والهجرة إلى أوروبا. وتقع مصر على الساحل الجنوبي الشرقي للبحر المتوسط على حدود إسرائيل الغربية، وتُصوِّر نفسها باعتبارها موطناً للاستقرار في منطقة مضطربة تضم السودان وليبيا. يتضمَّن الدور الاستراتيجي لمصر أيضاً قناة السويس، الممر بالغ الأهمية للتجارة العالمية، ومنشأتين للغاز الطبيعي المُسال ترسلان الطاقة إلى أوروبا.

اقتنعت الإدارات المتعاقبة في واشنطن بالحجج المصرية، ووافقت على كامل حزمة المساعدات الخاصة بها البالغة 1.3 مليار دولار هذا العام باستثناء 85 مليون دولار. ومع أنَّ مصر ليست البلد غير الديمقراطي الوحيد الذي يتلقَّى مساعدات أمريكية، إلا أنَّ حزمة المساعدات هذه تثير انزعاجاً خاصاً في صفوف المدافعين عن حقوق الإنسان وأعضاء بالكونغرس ومنتقدين آخرين يتساءلون لماذا تدعم الولايات المتحدة نظاماً سلطوياً يستشري فيه الفساد.

تعليق جزء من المعونة الأمريكية لمصر

بعد صدور لائحة الاتهام بحق السيناتور مينينديز، حثَّ المنتقدون الكونغرس على تعليق المزيد من هذه المساعدات. ويخضع نحو 300 مليون دولار من هذه المساعدات سنوياً لاشتراطات متعلقة بحقوق الإنسان، وقد سمحت إدارة بايدن بتقديم 235 مليون دولار لمصر هذا العام.

Image

اعتقلت مصر، منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في 2013 بعد إطاحته بأول رئيس مدني منتخب ديمقرطياً في البلاد، عشرات الآلاف من النشطاء وسياسيي المعارضة والباحثين والصحفيين وغيرهم ممَّن يُعتَبَرون معارضين سياسيين، بما في ذلك بعض المصريين الذين تبدو تهمتهم الوحيدة هي أنَّهم أعادوا نشر منشورات منتقدة للحكومة على منصة فيسبوك. كما كمَّمت أفواه وسائل الإعلام الإخبارية وقمعت كل الاحتجاجات.

وعلى المستوى العملي، يشير المنتقدون إلى أنَّ مصر غالباً ما تنفق أموال المساعدات على معدات لا ترتبط كثيراً باحتياجاتها الأمنية، التي تتركَّز في الغالب على محاربة جماعات متناثرة من المتمردين الإسلاميين المتشددين في محافظة شمال سيناء قرب إسرائيل. في حين أنَّ معظم المساعدات تذهب إلى الدفاع الجوي والسفن الكبيرة والمقاتلات.

بالرغم من أنَّ القاهرة تتلقّى ثاني أكبر مبلغ من المساعدات العسكرية الأمريكية بعد إسرائيل، فإنَّ علاقتها مع واشنطن وعرة. ويصف الأمريكيون الذين يعملون مع الجيش المصري في القاهرة موقف الضباط المصريين من نظرائهم الأمريكيين بأنَّه متحفظ على أفضل تقدير. وأظهرت وثائق مسربة من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أنَّ مصر فكَّرت أيضاً في إرسال أسلحة لروسيا من أجل حربها في أوكرانيا.

سيناتور أمريكي يقدم خدمات لمصر

خلال السنوات التي يقول المدعون إنَّ مينينديز كان يقدم فيها خدمات لمصر، كان أعضاء آخرون بالكونغرس يطالبون بفرض المزيد من القيود على المساعدات العسكرية، أو تجميد أجزاء منها، إلى أن تُحسِّن مصر سجلها في حقوق الإنسان.

كان مينينديز ظاهرياً أحد هؤلاء الذين يدعون للتغيير. فكان من بين 17 سيناتوراً وقَّعوا على رسالة في عام 2018 تضغط على إدارة ترامب لإثارة "تدهور الحقوق السياسية وحقوق الإنسان" في مصر حين زار السيسي واشنطن.

كان لدى مصر سبب للقلق من اعتراضاته. فبصفته أرفع عضو ديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، يتمتع مينينديز بقدرة لوقف مبيعات واشنطن من السلاح، وهي قدرة لا يشاركه فيها إلا ثلاثة أعضاء آخرين بالكونغرس.

استخدم مينينديز هذه السلطة في السنوات الأخيرة لعرقلة بيع عتاد عسكري لبلدان مثل السعودية وتركيا، على خلفية مخاوف مرتبطة بحقوق الإنسان. لكنَّ لائحة الاتهام تشير إلى أنَّ مينينديز، بالرغم من إصدار بيانات متكررة، بل حتى تقديم مقترحات تشريعية تدين مصر بسبب سجلها في حقوق الإنسان، لم يستخدم سلطته لفرض إجراء عملية تقييم للمساعدات العسكرية لمصر.

عرقلة بيع سلاح لمصر 

مع أنَّ كبار الديمقراطيين والجمهوريين الآخرين في مجلس الشيوخ رفضوا أيضاً عرقلة مبيعات السلاح لمصر، يُصِرُّ المدعون على أنَّ مينينديز فعل ذلك لأنَّه كان في جيب مصر.

وتُورِد لائحة الاتهام عدة مواقف يُقَال إنَّ مينينديز أبلغ فيها زوجته بأنَّه يعتزم الموافقة على مبيعات سلاح، وهي المعلومات التي نقلتها بعد ذلك إلى صديق لها يُدعى وائل حنا، وهو رجل أعمال مصري أمريكي في نيوجيرسي يمتلك شركة تصدر شهادات اعتماد اللحوم الحلال، والذي بدوره نقل المعلومات بعد ذلك إلى المسؤولين المصريين.

Image

ويقول المدعون إنَّ حنا كافأ أسرة مينينديز بأموال نقدية وذهب ورشاوى أخرى. ووفقاً للائحة الاتهام، ساعدت الصفقات أيضاً في إثراء مينينديز، ومثَّلت وسيلة تنقل القاهرة بها المال إلى مينينديز.

وفي مايو/أيار 2019، منحت مصر شركة حنا، المعروفة باسم IS EG Halal أو شركة "الإسلامية المصرية للحلال"، النشاط الذي تبلغ قيمته عدة ملايين من الدولارات لمنح شهادة اعتماد "حلال" لكل اللحوم المستوردة من الولايات المتحدة إلى داخل البلاد، مع أنَّه لم تكن لديه  خبرة سابقة في مجال اللحوم الحلال، وبالرغم أيضاً من أنَّ وزارة الزراعة الأمريكية أشارت إلى أنَّ وضعه الاحتكاري من شأنه أن يرفع الأسعار ويثير الاضطراب في السوق.

وأفادت واحدة من وسائل الإعلام المستقلة القليلة المتبقية في مصر، موقع "مدى مصر"، إلى أنَّ الشركة عملت بالتنسيق مع شركة مرتبطة بجهاز المخابرات المصري. ووجد تقرير للحكومة الأمريكية آنذاك أنَّ احتكار الشركة رفع أسعار الكبدة البقري الأمريكية في مصر بنسبة 32.1%.

السيناتور الأمريكي يلتقي مسؤولاً كبيراً في المخابرات المصرية

في إشارة أخرى إلى الأهمية التي كان يتمتع بها مينينديز بالنسبة لمصر، التقى السيناتور مع شخص تصفه لائحة الاتهام بأنَّه مسؤول كبير بالمخابرات المصرية في أحد فنادق واشنطن في يونيو/حزيران 2021، قبل يوم من الموعد الذي كان من المقرر أن يلتقي فيه المسؤول مع سيناتورات آخرين كان من المنتظر أن يؤكدوا معه على حقوق الإنسان.

ووفقاً للائحة الاتهام، أرسل مينينديز لزوجته مقالاً يستعرض الأسئلة المتوقعة، وقد أرسلتها بعد ذلك إلى مسؤول مصري آخر، وأضافت في رسالة: "بهذه الطريقة يمكنكم تحضير ردودكم".

وتُظهِر تقارير إخبارية تعود إلى تلك الفترة أنَّ عباس كامل، مدير المخابرات العامة المصرية، والذي يُعتَبَر على نطاق واسع ثاني أقوى رجل في البلاد، كان في زيارة إلى واشنطن ذلك الأسبوع، وكان من المقرر أن يلتقي أعضاء بالكونغرس.

ووفقاً للائحة الاتهام، اشترى الوسيط المصري الأمريكي، حنا، 22 سبيكة ذهبية تزن كلٌّ منها أونصة واحدة (28.35 غرام تقريباً) بعد يومين من لقاء مينينديز مع المسؤول الرفيع. وقد وجدها العملاء الفيدراليون لاحقاً بمنزل أسرة مينينديز.

تحميل المزيد