أثار منزل في مدينة درنة، شرقي ليبيا، التي اجتاحتها سيول مدمرة، جدلاً واسعاً على شبكات التواصل الاجتماعي، وأثار روايات متعددة حول حقيقة ما وصفه البعض بـ"المنزل المعجزة"؛ لكونه بدا أنه لم يتأثر أبداً بالسيول المدمرة التي دمرت أجزاءً واسعةً من المدينة الساحلية.
بدأت قصة هذا المنزل في الانتشار بعد نشر صورة له على مواقع التواصل، تظهر المنزل صامداً، فيما دُمرت معظم الأبنية في محيطه جراء السيول، وعلّق البعض بالقول إن الفيضانات لم تعرف طريقها إلى هذا المنزل، إذ لم يتضرر أي جزء منه، كما ظلت ألوانه بيضاء ولم تتغير بسبب الأتربة التي جرفتها المياه.
الصورة أشعلت جدالاً على مواقع التواصل، وانقسمت الآراء بين من قال إن الصورة مفبركة، وإن المنزل ليس موجوداً في درنة، وإن أحداً ما استخدم برامج تعديل الصور مثل "فوتوشوب" لتركيب صورة المنزل في المنطقة المدمرة.
في المقابل، أكد آخرون أن الصورة صحيحة، وأن بقاء المنزل صامداً "معجزة"، وعزوا عدم تضرر المنزل إلى أسباب مختلفة، فما حقيقة هذا المنزل؟
تقصينا في "عربي بوست" عن حقيقة وجود هذا المنزل في درنة، ومن ثم حقيقة بقائه صامداً أمام الفيضانات التي دمّرت ربع مدينة درنة.
من خلال فحص صور الأقمار الصناعية التي نشرتها شركة "Maxar" للأقمار الصناعية وخرائط غوغل، وجدنا أن المنزل موجود فعلاً في مدينة درنة، ويبعد عن الشاطئ مسافة 400 متر فقط، وبالفعل ظل المنزل صامداً، فيما تضررت أو دُمرت بالكامل معظم الأبنية والمنازل المحيطة بهذا المنزل.
أجرينا مقارنة لموقع وجود المنزل قبل حدوث السيول يوم 10 سبتمبر/أيلول 2023، وبعدها، وأظهرت صور الأقمار الصناعية أن الفيضانات غيّرت من شكل معالم المنطقة بالكامل، إذ اختفت العديد من الأبنية والمنازل، وقضت المياه على مساحات خضراء في المنطقة.
كثير من الضحايا والدمار بدرنة
كانت مياه الفيضانات قد جرفت مناطق بأكملها في درنة، التي يقدَّر عدد سكانها بنحو 120 ألف نسمة على الأقل، أو غطتها بالوحل، وأفادت وسائل إعلام رسمية أن ما لا يقل عن 891 بناية دُمرت في المدينة، فيما قال رئيس البلدية إن 20 ألف شخص ربما يكونون قد لقوا حتفهم جراء هذه الكارثة.
وخلّف "إعصار دانيال"، الذي تسبب بانهيار سدين في درنة بوفاة 11 ألفاً و470، و10 آلاف و100 مفقود، و40 ألف نازح شمال شرقي البلاد، وفقاً لأرقام نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، مساء الجمعة 16 سبتمبر/أيلول الحالي 2023.
الليبيون الذين جرفت الفيضانات منازلهم، وجدوا أنفسهم محاصرين يوم الأحد 17 سبتمبر/أيلول 2023 بين البقاء في المدينة واحتمال إصابتهم بالعدوى بسبب جثث الموتى، وبين الفرار من المدينة عبر مناطق جرفت الفيضانات ألغاماً أرضية إليها.
وصفي، وهو أحد السكان في درنة، قال في تصريح لوكالة رويترز: "ما زلنا لا نعرف أي شيء… نسمع شائعات… البعض يحاول طمأنتنا والبعض الآخر يقول إما أن تغادروا المدينة أو تبقوا هنا. ليس لدينا مياه ولا موارد".
كانت منظمة الصحة العالمية ومنظمات إغاثة قد دعت، يوم الجمعة الماضي، السلطات في ليبيا إلى التوقف عن دفن ضحايا الفيضانات في مقابر جماعية، بعد أن أظهر تقرير للأمم المتحدة أن أكثر من ألف شخص دفنوا بهذه الطريقة حتى الآن منذ وقوع الكارثة.
أضافت المنظمة أن جثث ضحايا الكوارث الطبيعية لا تشكل "على الإطلاق تقريباً" أي تهديد صحي، وأن الاستثناء هو وجود الجثث عند مصادر المياه العذبة أو بالقرب منها بسبب احتمال تسرب الفضلات منها.
في موازاة ذلك لا تزال فرق الإنقاذ تواصل عمليات البحث عن موتى أو ناجين، وسط تضاؤل الآمال في العثور على أحياء بعد مرور 8 أيام على الكارثة.