إعصار دانيال يوحد الليبيين.. تجاوزوا الانقسامات السياسية وتضامنوا لإنقاذ المنكوبين شرق البلاد

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/17 الساعة 12:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/17 الساعة 12:16 بتوقيت غرينتش
الليبيون يتضامنون لمواجهة كارثة إعصار دانيال - رويترز

أثارت الفيضانات القاتلة في ليبيا التي تسبب بها إعصار "دانيال"، موجة من التضامن بين السكان تجاوزت الانقسامات السياسية والقبلية بين شرق البلاد وغربها، والتي أدت إلى إضعاف ليبيا وانقسامها منذ ما يزيد على عقد من الزمن، وبات كثيرون منشغلين بتجميع المساعدات لإرسالها إلى المنكوبين شرق البلاد. 

هذا التضامن بدا في أوضح صوره بعدما اجتاح في 10 سبتمبر/أيلول 2023، إعصار "دانيال" عدة مناطق شرقي ليبيا، أبرزها مدن درنة وبنغازي والبيضاء والمرج وسوسة، وخلف دماراً كبيراً، و11 ألفاً و300 قتيل و10 آلاف و100 مفقود في درنة وحدها، إضافة إلى 170 قتيلاً في أماكن أخرى.

كما تسبب الإعصار في نزوح 40 ألف شخص وفق أرقام نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، مساء السبت 16 سبتمبر/أيلول 2023. 

مهند بنور (31 عاماً)، الذي يقطن في تاجوراء شمال غربي ليبيا، قال إنه "منذ حدوث هذه الفاجعة الاليمة انطلقت حملة تاجوراء، التي لم تحمل أي اسم، ولم تكن بدعم من أي مؤسسة عامة، بل نادت الناس بعضها بعضاً لجبر ما أصاب إخوانهم في المنطقة الشرقية".

تتدفق التبرعات منذ يوم الإثنين الماضي، وأكد بنور أنها بلغت حتى أمس السبت نحو 70 ألف دينار (الدينار يساوي 0.19 يورو)، بينها 20 ألف دينار تم حصدها خلال يوم الجمعة الماضي وحده.

أضاف نور في تصريح أوردته وكالة الأنباء الفرنسية، أن "الحملة لم تتوقف، ويجلب الناس ما لديهم من مواد غدائية ومواد تنظيف وبُسط وفرش ومواد طبية ومستلزمات للنساء والأطفال وكذلك ملابس وتبرعات عينية".

حلت الكارثة على الشرق الليبي، بينما تتنافس على السلطة في البلد حكومتان، الأولى تتخذ من طرابلس في الغرب مقراً ويرأسها عبد الحميد الدبيبة وتعترف بها الأمم المتحدة، وأخرى في شرق البلاد الذي ضربته العاصفة، يرأسها أسامة حمّاد وهي مكلّفة من مجلس النواب ومدعومة من الرجل القوي في الشرق المشير خليفة حفتر.

لمواجهة هذه الكارثة تجاوز الليبيون انقساماتهم وتحركوا من كل الأطراف؛ للمساعدة في كل مدينة، وفي المساجد وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، يتم تنظيم حملات لجمع تبرعات ومساعدات شتى، ووصل مئات المتطوعين وعمال الإنقاذ والأطباء والممرضات إلى المنطقة المنكوبة.

يشدّد العديد من المتطوعين على أهمية أن يستمر التعبير عن التضامن عقب الخروج من الصدمة التي سبّبتها الكارثة.

في حي الأندلس الراقي بالعاصمة الليبية طرابلس، توقفت شاحنتان كبيرتان لتحميل مساعدات في ساحة أحد المساجد، وقد بلغتا سعتهما القصوى تقريباً عندما وصل بدر المخلوف أحد سكان الحي جالباً عبوات من المياه.

قال الرجل الخمسيني: "بعد هذه الفاجعة، لا يجب أن ننسى إخواننا في المناطق المتضررة، لأن معاناتهم ستستمر لشهور وربما لسنوات (…) خصوصاً أننا في ليبيا في وضع من الانقسام والتشظي والنزاع على السلطة".

أضاف: "نعي أن إعادة الإعمار ستتطلب مجهوداً ووقتاً أطول من أي مكان آخر حيث الحالة طبيعية"، مشيراً إلى أن "حكومات ليبيا المتعاقبة اعتادت التقاعس ومرور السنين بدون إنجاز أي شيء، واعتادت أيضاً ألا يحاسبها أحد. للأسف هذا حالنا".

ينشغل نوري بالعيد المخلوف (53 عاماً)، وهو موظف في وزارة الثقافة، بتنسيق التبرعات قبل انطلاق موكبها، اليوم الأحد، من وسط العاصمة طرابلس، وقال: "نشكر إخواننا في جميع مناطق ليبيا على المساعدات التي تقدّم لإخواننا في المنطقة الشرقية. إنه عمل تطوعي، وتتصل بنا عائلات كثيرة من أنحاء ليبيا، وكل من يستطيع أن يقدم مساعدات يقوم بإحضارها ومنها ملابس وأغدية ومياه".

في هذه الأثناء، تنشط ميدانياً منظمات المجتمع المدني التي عادةً ما تواجه مضايقات من السلطات، وقالت مديرة جمعية "محامون من أجل العدالة في ليبيا" إلهام سعودي، إنه على مدى العقد الماضي "قامت النخب السياسية من كل الأطراف بإغلاق منظمات المجتمع المدني بشكل منهجي ومتعمد، واضطهدت أعضاءها".

المحامية الليبية التي جعلت من مكافحة الإفلات من العقاب مهمتها الرئيسية، أكدت أن المجتمع المدني "يشكل تهديداً" للنخبة السياسية، "لأنه يحاول سد ثغراتها"، وأعلنت أن "المجتمع المدني سيعمل على تقديم المسؤولين عن المأساة إلى العدالة".

بينما تنشط حملات التضامن الشعبية، يتبادل الخصوم السياسيون في الشرق والغرب اتهامات بالتسبب في الكارثة الوطنية، وتعهد النائب العام الليبي الصديق الصور، الذي زار درنة يوم الجمعة الماضي، بأن تتم "محاكمة من تثبت عليه التهم"، وبأنه "لن يكون هناك إفلات من العقاب".

يُذكر أن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، أكد في وقت سابق، أن "من الضروري تزويد السكان بالمنتجات الحيوية، ومنع حدوث أزمة ثانوية صحية".

تحميل المزيد