أوردت مصادر سودانية تفاصيل متعلقة بما انفرد به "عربي بوست" في تقرير سابق حول طلب رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إمداد الجيش السوداني بمسيرات تركية، كاشفة عن ما اقترحه البرهان على تركيا مقابل حصوله على الدعم العسكري والسياسي منها، بينها إحياء اتفاقية سواكن الاستراتيجية.
بحسب المصادر المطلعة لـ"عربي بوست"، فإن البرهان عرض على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إحياء اتفاقية مدينة سواكن الاستراتيجية، وكذلك فتح خط ملاحي بحري بين السودان وتركيا، وتوقيع اتفاقيات جديدة بين الجانبين سياسية وعسكرية.
إحياء اتفاقية سواكن
واتفاقية جزيرة "سواكن" وقعتها تركيا في عام 2019 مع نظام عمر البشير، وحصلت أنقرة بموجبها على الحق في إعادة تأهيل الجزيرة في البحر الأحمر، بما يتيح لها حضوراً استراتيجياً في أفريقيا، لكنها لم تنفذ بعد الإطاحة بحكم الأخير، ورفض من البرهان نفسه والحكومة حينها المضي بالاتفاقية مع الجانب التركي.
وتقع مدينة "سواكن" على ساحل البحر الأحمر، كجزء من جزيرة مرجانية أثرية، انهارت منازلها وعمرانها، وتحولت إلى أطلال وحجارة تحمل تاريخاً عتيقاً، أما سواكن المدينة فمنطقة واسعة يدخلها لسان بحري، يجعل منها ميناءً طبيعياً استراتيجياً.
وأشارت إلى أنه "رغم موقف البرهان المعارض للاتفاقيات مع تركيا بعد الإطاحة بالجيش، إلا أنه لم يقم بإلغائها حتى الآن، بل إنه يريد من خلال جولته الخارجية إحياءها، ضمن جهوده في الحصول على دعم سياسي وعسكري خارجي وسط حربه مع قوات الدعم السريع".
وأكدت أن زيارة البرهان "فتحت ملفات المصالح المشتركة بين الجانبين، وبما يرتبط بالاتفاقيات الجديدة لتطوير سواكن، وبخط ملاحي بحري من تركيا إلى سواكن إلى جدة، متى ما استقرت الأحوال الأمنية في البلاد، وهذه أقرب المشاريع المتفق عليها بين البلدين".
خط بحري "تركيا – سواكن – جدة"
عن فتح الخط البحري بين السودان وتركيا، قالت أيضاً إن البرهان يهدف إلى توريد أسلحة ومسيرات من تركيا، بالإضافة إلى الاستفادة المتبادلة تجارياً واقتصادياً، بالإضافة إلى الاتفاق على توقيع اتفاقيات أخرى مستقبلاً.
وأوضحت أن الخط البحري سيكون بين تركيا وميناء سواكن السودانية، وميناء جدة السعودية، وأن الدول الثلاث ستكون مستفيدة منه.
وقالت إن فكرة هذا الخط البحري قديمة منذ عهد البشير، إلا أنها لم تشهد خطوات عملية أو مباحثات جادة قبل زيارة البرهان الأخيرة إلى تركيا.
سواكن وتركيا
في ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن السودان وافق على تسليم جزيرة سواكن إلى تركيا، من أجل إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة غير محددة من الزمن.
في هذه الجزيرة، أقدم ميناء في السودان، ويستخدم في الغالب لنقل الركاب والبضائع إلى ميناء جدة في المملكة العربية السعودية، وهو ثاني ميناء في البلاد بعد ميناء بورتسودان السودان، الذي يقع على بعد 60 كيلومتراً شمالاً.
وسبق أن استخدمت الدولة العثمانية جزيرة سواكن سابقاً كمركز بحري لها في البحر الأحمر، وضم ميناؤها مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 و1885.
تضمنت الاتفاقية بين البشير وأردوغان إعادة بناء مدينة سواكن الساحلية، بواسطة الشركة التركية "تيكا" لترميم الآثار العثمانية، بما في ذلك مبنى الجمارك والمساجد الحنفية والشافعية التاريخية في الجزيرة.
وفقاً للاتفاق، وافق السودان حينها على تطوير تركيا للجزيرة، وهي وجهة سياحية ومحطة للحجاج في طريقهم إلى مكة المكرمة، وتضمن بناء مرسى لاستخدام السفن المدنية والعسكرية.
لكن في مارس/آذار 2021، كشفت تقارير صحفية سودانية أن الحكومة آنذاك برئاسة عبد الله حمدوك، بعد الإطاحة بحكم البشير، تحفظت على تنفيذ الاتفاقية، إضافة إلى التحفظ على بناء أرصفة لاستخدام السفن المدنية والسفن الحربية.
الدعم السياسي للبرهان
من جانبه، رأى الصحفي السوداني المختص بالعلاقات الخارجية السودانية، شوقي عبد العظيم في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "البرهان يقوم بجولته الخارجية التي تضمنت تركيا، لطلب الدعم السياسي في حال جاءت أي مرحلة سياسية بعد وقف إطلاق النار الذي تريده القوى السياسية لاستئناف العملية السياسية".
وقال: "البرهان يريد أن يستبق أي خطوة نحو الحل السياسي ووقف إطلاق النار، بالحصول على الدعم السياسي من دول مثل تركيا ومصر والسعودية".
وأضاف أن "البرهان يستعد في هذه المرحلة لجولة المفاوضات التي ستنطلق قريباً في المملكة العربية السعودية برعاية سعودية أمريكية، لكنه يريد الحصول على الدعم السياسي من عدد من البلدان ليتأكد من دعمها له مستقبلاً؛ لأنه لا يريد التنحي عن السياسة".
في حين علق مصدر آخر بأن "جولة البرهان الأخيرة أتت بعد اكتفاء الدول مثل قطر وتركيا ومصر بالوعود بالدعم الإنساني والإغاثي فقط، والتأكيد على الحل التفاوضي، إلا أنه يريد الحصول على دعم عسكري وسياسي منها".
وأضاف أن "البرهان لا يريد دخول المفاوضات في السعودية بموقف ضعيف، بل يريد قبلها أن يكون قد حصل على الإمداد العسكري والدعم السياسي لبقائه كطرف أقوى في المحادثات".
البرهان و"محور تركي مصري قطري"
تحدث مصدر عسكري سوداني، مفضلاً عدم ذكر اسمه، عن أن "مجلس السيادة يسعى إلى الحصول على دعم وتسليح غير محدود للسودان بموافقة الأمم المتحدة، وإنشاء محور تركي مصري قطري لدعمه عسكرياً وسياسياً".
وقال إن قائد الجيش السوداني يدعو إلى أهمية الإمداد العسكري من مسيرات وأجهزة توجيه وصواريخ ذكية لضمان أمن وسلامة القرن الأفريقي من خلال دولة السودان.
وأضاف أن "الدول الثلاث هذه ترى أن المعركة الحقيقية ستكون في الغرب الأوسط الأفريقي، وأن المعادلة الدبلوماسية ستتغلب على توازن القوى في نهاية المطاف، ليكون لها دور في إنهاء صراع الغرب الأوسط الأفريقي، والحد من ظهور الجماعات الإرهابية في المنطقة، وهو ما ستدعمه أمريكا".
عن جولة البرهان الأخيرة التي شملت تركيا، قال إن "زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني إلى تركيا جاءت لتشكيل هذا المحور الثلاثي مع السودان.
وافق الأمر الكاتب والمحلل السياسي السوداني محمد الأسابط، الذي أكد أن البرهان ركز في جولته الخارجية على الحصول على الدعم السياسي والعسكري من مصر وقطر وتركيا، وتأمين الدعم اللوجستي لإدخال الأسلحة من جنوب السودان وإريتريا.
لكنه استبعد حصول البرهان على ما يريد، موضحاً أنه "أمام تحد متعلق بالقدرة المالية لشراء مُسيّرات وأسلحة من تركيا، فهذه الصناعات تحتاج إلى تمويل واستثمار كبيرين جداً".
وكان البرهان زار مصر في 29 أغسطس/آب 2023، والتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي كمحطة أولى له حينها منذ بدء الاشتباكات. وقام بعدها بزيارة إلى قطر في 7 سبتمبر/أيلول.
يُشار إلى أن رئيس المجلس السيادي في السودان وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان أجرى زيارة إلى تركيا، الأربعاء 13 سبتمبر/أيلول 2023، إلى العاصمة التركية أنقرة، رفقة وزير الخارجية المكلف ومدير جهاز المخابرات العامة ومدير عام منظومة الصناعات الدفاعية.
وسبق أن كشف "عربي بوست" عن البرهان قام بطلب إمداد الجيش السوداني بمسيرات "بيرقدار" التركية في حربه ضد قوات الدعم السريع، في زيارة خارجية خامسة له منذ بداية الاشتباكات في أبريل/نيسان 2023.