استمعت المحكمة العليا في إسرائيل، الثلاثاء 12 سبتمبر/أيلول 2023، إلى مرافعات تتعلق بطعون مقدمة ضد مسعى ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للحد من صلاحياتها، في إطار تعديلات قضائية تسببت في انقسامات حادة في البلاد، وخرجت بسببها احتجاجات حاشدة على مدى أشهر، وأقلقت حلفاء إسرائيل.
وانعقدت المحكمة العليا بكامل هيئتها المكونة من 15 قاضياً لأول مرة في تاريخ إسرائيل للنظر في طعون مقدمة من نواب معارضين وجماعات رقابية على تعديل للنظام القضائي الذي أقره الائتلاف القومي الديني بقيادة نتنياهو، في يوليو/تموز الماضي، يلغي قدرة المحكمة العليا على إلغاء بعض قرارات الحكومة عندما تعتبرها "لا تتمتع بالمعقولية".
وعلى الرغم من أن هناك أدوات أخرى متاحة لإلغاء المحكمة لقرارات تنفيذية، إلا أن معارضي التعديل يقولون إنه يلغي أداة مهمة للرقابة والتوازن في النظام السياسي الإسرائيلي.
في حين تقول الحكومة إن التعديلات القضائية، بما فيها استخدام ما يعرف "بحجة المعقولية"، تستهدف منع القضاة غير المنتخبين من التدخل في السياسة.
وقد تحتاج المحكمة العليا إلى أسابيع أو حتى شهور لتصدر حكمها، ومع ذلك فإن الخلاف الذي وضع السلطة القضائية في مواجهة السلطة التنفيذية والبرلمان استحوذ على اهتمام الإسرائيليين أنفسهم، كما بثت محطات إذاعية وتلفزيونية تغطية موسعة لجلسة المحكمة.
جدل بين الحكومة والمحكمة العليا
من جانبه، قال سيمحا روتمان، وهو نائب في ائتلاف نتنياهو الحاكم المؤلف من أحزاب دينية وقومية، وهو يسأل المحكمة خلال الجلسة: "هل يمكنكم حقاً عقد مناقشة بشأن هذا الأمر دون تحيز وأحكام مسبقة بالنظر إلى أنها مسألة تتعلق بوضعكم وشرفكم؟".
رداً على ذلك، قالت رئيسة المحكمة العليا إستر حايوت: "نحن لا نناقش أنفسنا ولا وضعنا ولا شرفنا… نحن نناقش المصالح الحيوية للشعب".
ومع بداية الجلسة، تراجع الشيكل، الذي سجل الأسبوع الماضي أدنى مستوى خلال 3 سنوات، بنسبة 0.2% في التعاملات المبكرة.
وتسببت الأزمة في انقسام في المجتمع الإسرائيلي؛ إذ خرج مئات الآلاف من المحتجين في مظاهرات أسبوعية، في حين عبرت الولايات المتحدة ودول حليفة أخرى لإسرائيل عن قلقها على الديمقراطية فيها، كما تقول جماعات مجتمع مدني وأخرى في مجال الأعمال إن التعديلات القضائية تهدد بإضعاف الاقتصاد.
في السياق، توقّف بعض جنود الاحتياط، الذين يقول قادة الاحتجاجات إنهم بالآلاف، عن الذهاب إلى الخدمة احتجاجاً على التعديلات، وهو الأمر الذي يقول عنه نتنياهو وبعض قادة الجيش إنه يهدد الأمن الوطني.
أما زعيم المعارضة المنتمي لتيار الوسط، يائير لابيد، فقد وصف التعديل بأنه "مشوه ويتسم بالبلطجة"، وقال على منصة "إكس": "لا يستحق مثل هذا التشريع خوض نزاع على مستوى البلاد".
حكومة نتنياهو تهاجم المحكمة العليا
في المقابل، أصدر وزير العدل ياريف ليفين، الذي شارك في صياغة التعديلات القضائية، بياناً وصف فيه جلسة المحكمة العليا بأنها "ضربة قاضية للديمقراطية ومكانة الكنيست" من قبل قضاة وصفهم بأنهم لا يمثلون أحداً وغير منتخبين.
وتقول الحكومة إن المحكمة العليا لا تملك أية سلطة لمراجعة تعديلات على القانون الأساسي في دولة ليس بها دستور رسمي مكتوب.
ويقول نتنياهو، الذي يحاكم بتهم فساد ينفي ارتكابها، إن التعديلات القضائية تهدف إلى تحقيق توازن في المحكمة العليا التي باتت تتدخل بما يفوق الحد الممنوح لها، لكنه لم يرد بإجابة واضحة عندما سُئل عما إذا كان سيلتزم بحكم من شأنه أن يلغي التشريع الجديد.
وعارضت رئيسة المحكمة العليا حايوت مستشاراً قانونياً بالكنيست يدافع عن موقف الحكومة قائلة: "من يتعين عليه أن يشرف على معقولية تصرف ما للحكومة؟… هل تتفق مع حتمية وجود قانون لكن دون وجود مُحكّم للقانون؟"، في حين قال المستشار إن المحكمة محتفظة بطرق أخرى للتدخل في قرارات الحكومة.
حملة نتنياهو لإقرار التعديلات القضائية
وأطلق ائتلاف نتنياهو حملة لإقرار التعديلات القضائية التي يتبناها، في يناير/كانون الثاني الماضي، ومنذ ذلك الحين، ساور الكثير من الإسرائيليين القلق بسبب تبعات الاحتجاجات الحاشدة التي امتدت لصفوف الجيش، وسط مخاوف من تصاعد أكبر للعنف مع الفلسطينيين ومخاوف من إيران وحزب الله في لبنان.
وذكر نتنياهو أنه جرى إلغاء بعض المقترحات السابقة في التشريع منذ ذلك الحين، لكن جهوده للتوصل إلى اتفاقيات للتوصل إلى حل وسط مع المعارضين لم تسفر عن نتائج حتى الآن؛ ما يضاف إلى المخاوف حيال تعمق أسوأ أزمة يشهدها الداخل الإسرائيلي منذ سنوات.
ومع وجود طعنين آخرين من المقرر أن تنظر فيهما المحكمة هذا الشهر يمكن أن يصدر الحكم بحلول أواخر يناير/كانون الثاني العام المقبل؛ ما يمنح بعض الوقت للأطراف للتوصل إلى اتفاق بشأن التعديلات.
وستقدم هذه النتيجة فرصة حتى تهدأ الأوضاع بعد شهور من الاحتجاجات، وتعطي إشارة للأسواق باستقرار الوضع.