تدور حرب طاحنة لليوم الخامس، في شمال شرقي سوريا، وتحديداً في دير الزور، بين أبناء العشائر العربية السورية من جهة، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من جهة أخرى.
وتحظى قسد بدعم من الولايات المتحدة، وهي قوة عسكرية وإدارية تقودها قوات كردية، في محافظة دير الزور شمال شرقي سوريا.
بحسب مصادر من دير الزور في حديثها لـ"عربي بوست"، فإن الاشتباكات اتسعت رقعتها إلى أرياف حلب وشمالها، بعد انضمام أبناء العشائر في إدلب وحلب إلى المواجهة ضد "قسد"، والإعلان عن "تحرير عشرات القرى والمواقع" من "قسد".
وأفادت مصادر من عشائر عربية في دير الزور، لـ"عربي بوست"، بـ"تحرير مناطق (هجين والبوخاطر والبوحسن والكشمة والشعفة والسوسة والباغوز)، ومواقع عسكرية منها رحبة هجين ومقر المجبل، الذي تتخذ منه "قسد" مقراً لها في بادية أبو حمام بريف دير الزور الشرقي".
وأضافت أن مقاتلي العشائر العربية تمكنوا من "أسر عناصر وقياديين في صفوف قسد، فيما لا تزال المواجهات العنيفة مستمرة على بريف دير الزور، مع مواجهات عنيفة بين مقاتلي العشائر المساندة لدير الزور في منطقة منبج شمال شرقي حلب، التي بسطت سيطرتها على 5 قرى بمحيط منيج".
واشتعلت الاشتباكات قبل أيام عدة قليلة ماضية في ريف دير الزور، شمال شرقي سوريا، بعد اعتقال قسد أحمد الخبيل، الملقب بـ"أبو خولة"، والذي كان يرأس مجلس دير الزور العسكري التابع لها.
وبدأت تأخذ الاشتباكات في الاشتعال بانضمام جميع العشائر السورية في دير الزور إلى القتال ضد "قسد"، وانخراط آلاف المقاتلين من العشائر في إدلب وريف حلب، اللتين تقعان ضمن مناطق المعارضة السورية التابعة للجيش الوطني المعارض.
مشروع "قسد" نحو "التقليص"
فيما يتعلق بالأهدف التي يريد مقاتلو العشائر العربية تحقيقها من خلال المعركة مع قوات "قسد"، أوضح مدير مكتب العلاقات والمتحدث الرسمي باسم قبيلة "العقيدات" في دير الزور، محمد العكيدي، لـ"عربي بوست"، أنه "يمكن القول إن الهدف من هذه المواجهات استرداد الكرامة والحقوق التي سلبتها الأحزاب الانفصالية الكردية من أبناء المنطقة الشرقية في محافظات دير الزور والرقة، فضلاً عن استحواذها على مفاصل (الإدارة الذاتية) والموارد كحقول النفط ومردودها لصالحها الخاص، بل واستعادة القرار الثوري لتلك المناطق، وضمها للمناطق الثائرة الأخرى في سوريا".
وأضاف: "للمعركة أهداف رئيسية أخرى، في مقدمتها تقليص مشروع (قسد) إلى مناطق معينة (ذات الغالبية الكردية في أجزاء من محافظة الحسكة والقامشلي شمال شرقي سوريا)، ولن يكون لها القرار الكامل على المنطقة".
وكشف عن أنه "سيتم تشكيل جهة عسكرية وإدارية جديدة، تشرف على إدارة المناطق، وجهة واحدة منبثقة عن العشائر للتواصل مع قوات "التحالف الدولي" التي تسيطر على المنطقة عسكرياً ككل".
وتواصل "عربي بوست" مع مسؤولين في قسد للتعليق حول المطالب العشائرية لوقف القتال، وموقفهم منها، إلا أنه لم يتلقَّ رداً منهم.
توحد العشائر ضد قسد
من جهته، دعا الشيخ إبراهيم الهفل، وهو شيخ قبيلة العكيدات، التي تعد أكبر القبائل العربية في شمال شرقي سوريا، في تسجيل صوتي له، إلى توحيد العشائر ومواجهة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
وقال: "أدعو جميع العشائر العربية عامة، وعشائر قبيلة العكيدات خاصة، إلى توحيد الصف والكلمة والوقوف وقفة رجل واحد، نظراً للأحداث والمجريات في منطقة دير الزور، والسياسات الممنهجة ضد أبناء العشائر، وذلك من خلال أسر وقتل الأطفال والنساء"، مؤكداً أنّ "هذا الحراك عشائري بالمعنى المطلق، وليس كما تدعي قوات سوريا الديمقراطية أنها خلايا إرهابية".
وأعقبه عشرات البيانات والتسجيلات الصوتية والمرئية لعدد من شيوخ ووجهاء القبائل والعشائر السورية، تعلن "النفير العام" ومساندة عشائر دير الزور في مواجهتها مع "قسد"، ومنها عشيرة البكارة وعشيرة العكيدات وقبيلة "السادة النعيم" في سوريا.
على ضوء النفير العام الذي أطلقته العشائر السورية في شمال غربي سوريا (حلب وإدلب)، التحق نحو 10 آلاف مقاتل من أبناء العشائر السورية بأسلحتهم وعتادهم الحربي بـ"خيمة الحرب" في جرابلس شمال شرقي حلب، وهي خيمة تعمد القبائل العربية السورية لبنائها عند الحروب والفزعات العشائرية.
أعلن المنضمون "الجاهزية الكاملة للانخراط في المواجهة مع "قسد" على حدود مناطق سيطرتها بريف حلب الشرقي، وأهمها مناطق منبج، لمساندة عشائر دير الزور".
مطالب إلى التحالف الدولي
من حلب، أكد الناشط الميداني أسامة الرفاعي في حلب، في حديثه لـ"عربي بوست"، وصول 23 عنصراً منشقين عن "قسد"، من أبناء مدينة منبج بريف حلب الشرقي، بينهم شخصيات مهمة وبارزة من العرب والتركمان، معلنين انضامهم إلى جيش العشائر للمشاركة بالعملية العسكرية ضد قسد.
جاء ذلك عقب هجوم واسع شنه مقاتلو العشائر السورية على قرى المحسنلي بريف منبج، صباح الجمعة 1 سبتمبر/أيلول 2023، وسيطرتهم على أهم المواقع فيها بعد طرد قوات قسد منها".
في غضون ذلك، دعا "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة "داعش" الخميس، في بيان له، إلى وضع نهاية للاشتباكات في شمال شرقي سوريا، في حين قابل الشيخ محمد العكيدي، أحد شيوخ قبيلة العكيدات في دير الزور، البيان، بجملة من المطالب لوقف القتال ضد "قسد".
وأوضح أحد أبناء قبيلة "العقيدات" المقربين منه لـ"عربي بوست"، أن في مقدمة المطالب "تسليم المنطقة بشكل كامل للعشائر، وخروج جميع مقاتلي (قسد) من الأكراد من المنطقة، وإطلاق سراح عناصر مجلس دير الزور العسكري الذين تم اعتقالهم من قادة قسد الأحد الماضي".
مخاوف من استفادة النظام السوري وإيران
من جانبه، قال المحامي السوري أكرم جنيد، لـ"عربي بوست"، إن "ما يحصل في المنطقة الشرقية يجعلنا نخشى التقسيم، بمشهد يخدم المشروع الإيراني وقسد في شمال شرقي سوريا".
الناشط أدهم معراتي قال أيضاً: "نخشى أن يستفيد مما يحصل من اشتباكات كل من إيران والنظام السوري، والأداة في ذلك قسد، إذ تمثل ضراوة الاشتباكات بين الجانبين حدثاً إعلامياً مهماً، قد يغطي على الاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام السوري التي تشهدها محافظة السويداء، مع أبناء مناطق الساحل السوري".
وأكد أن ما يحصل في الساحل السوري "يشكل انطلاقة جديدة تضرب النظام بالعمق، احتجاجاً على تدهور الاقتصاد السوري والوضع المعيشي للسوريين".
يشار إلى أن دير الزور منقسمة بين مناطق تخضع لسلطة النظام السوري والوجود الإيراني، وأخرى لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، إلا أن فيها "خصوصية عشائرية تختلف عن نظيراتها من المحافظات الشمالية الشرقية السورية، كالرقة والحسكة التي يقطنها ويعيش فيها أكراد ومسيحيون، إذ دأب كل من النظام وإيران منذ بدء الحرب السورية على التمسك بأجزاء مهمة منها، لقربها من الحدود العراقية (وهي الممر البري للميليشيات الإيرانية باتجاه العمق السوري ولبنان)، والموارد الزراعية والنفطية فيها بالنسبة للنظام السوري"، وفق معراتي.
أما بالنسبة لـ"قسد"، تعد المناطق الخاضعة لسيطرتها في ريف دير الزور وأهمها (الباغوز والسوسة وهجين والشعثة والجرذي والسويدان والطيانة والشحيل والبصيرة والهرموشية وجزرة بو حميد والكشكية وأبو حمام والغرانيج)، امتداداً لمناطق نفوذها في محافظة الحسكة في أقصى شمال شرقي سوريا.
,فرضت قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، حظراً للتجوال في مناطق نفوذها بريف دير الزور، الذي دخل حيز التنفيذ صباح السبت 2 أيلول/سبتمبر 2023، لمدة 48 ساعة، وبحجة ملاحقة عناصر لتنظيم الدولة.
واتهمت إلهام أحمد الرئيسة التنفيذية لـ "مجلس سوريا الديمقراطية" الجناح السياسي لـ"قسد"، في تغريدة على حسابها بموقع (إكس)، النظام السوري وإيران بتحريك مما أسمته بـ"الاضطرابات".
وقالت: "للأسف، هذه الاشتباكات ليست حوادث معزولة، وهناك أدلة تشير إلى أن هذا الاضطراب تحركه المليشيات المدعومة من إيران والنظام السوري، الذين يريدون إثارة الاضطرابات وعدم الاستقرار بجميع أنحاء المنطقة".
وتابعت بأن "إيران ونظام الأسد يريدان من هذه الاضطرابات تصويرها على أنها نتيجة صراع عرقي بين العرب والكرد، وصرف انتباه السوريين عن الحركات الاحتجاجية جنوبي سوريا"، وفق قولها.
يشار إلى أن التوترات بين قسد وعشائر عربية بدأت إثر مخاوف لدى "المجلس العسكري"، الذي يقوده الخبيل، من قيام القوات الكردية بدعم أمريكي باستبداله بمجموعة "الصناديد" العسكرية التابعة لقسد.
نتيجة لذلك، عارض "المجلس العسكري" نقل قسد لعناصر مجموعة "الصناديد" إلى شرق نهر الفرات في دير الزور، وقامت باعتقاله.
أدى ذلك إلى اندلاع اشتباكات بين عناصر "المجلس العسكري" وما يسمى "الشرطة العسكرية"، التابعة للتنظيم، في 25 يوليو/تموز الماضي، إثر هذا الخلاف.
ويضم "المجلس العسكري" عناصر من عشائر العقيدات وبوسرايا والبقارة العربية في شرق الفرات بمحافظة دير الزور، فيما تشكل عشيرة "شمر" العمود الفقري لمجموعة "الصناديد"، وكلتا المجموعتين عملت خلال السنوات الماضية تحت مظلة "قسد".
ويبلغ عدد عناصر "المجلس العسكري" نحو 4 آلاف، فيما يراوح عدد عناصر "الصناديد" بين ألفين و3 آلاف شخص، وفق مصادر محلية.
يذكر أن دير الزور شهدت مراراً توترات بين العشائر العربية وقسد، لا سيما بسبب قيام الأخيرة بالتجنيد الإجباري لأبناء هذه العشائر في صفوفها، إلا أن الاشتباكات الأخيرة غير مسبوقة في المنطقة، إذ تحولت إلى حرب بين الجانبين.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.