سبائك ذهبية من السودان، واجتماعات عالية المستوى.. تفاصيل وأهداف سفرة الوداع لطباخ بوتين لإفريقيا

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/25 الساعة 09:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/25 الساعة 09:20 بتوقيت غرينتش
رئيس مجموعة "فاغنر" الروسية للمرتزقة يفغيني بريغوزين مع الرئيس فلاديمير بوتين / gettyimages

كشفت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، الجمعة 25 أغسطس/آب 2023، تفاصيل آخر أيام فاغنر تحت قيادة  يفغيني بريغوجين، قبل أن تعلن موسكو مقتله بعد تعرض طائرته الخاصة لحادث، حيث قضى طباخ بوتين أيامه الأخيرة متنقلاً بين دول إفريقية؛ حيث كان يتمتع بنفوذ كبير في وقت كانت موسكو توصي حلفاءها بالقارة السمراء بوقف التعامل مع القائد "المتمرد". 

وقبل أسبوع من حادثة الطائرة هبط طباخ بوتين بطائرته الخاصة في عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، التي وصل إليها في مهمة لإنقاذ واحدة من أولى الدول التي تعاقدت مع شركته للمرتزقة، حيث التقى بريغوجين رئيسَ جمهورية إفريقيا الوسطى، فوستين أرشانغ تواديرا، في القصر الرئاسي الواقع على ضفاف النهر في العاصمة بانغي. 

تحركات بريغوجين في إفريقيا! 

وقال 3 أشخاص مطلعين على ما دار في الاجتماع، إن بريغوجين أخبر تواديرا أن تمرده المجهض في روسيا لن يحول دون جلبه المزيد من المقاتلين، والمضي قدماً في استثماراته مع شركائه التجاريين في إفريقيا الوسطى. 

وبعد مدة وجيزة، هبطت مروحية تابعة لشركة فاغنر في مكان قريب وعلى متنها 5 قادة من قوات الدعم السريع السودانية. وجاء وفد الدعم السريع من إقليم دارفور المضطرب إلى بانغي، عاصمة إفريقيا الوسطى، حاملاً هدية لبريغوجين، وهي سبائك ذهب من المناجم التي يشارك مرتزقة فاغنر في تأمينه غربي السودان. 

أما على الجانب الآخر من الصحراء، فقد كان منافسو بريغوجين في وزارة الدفاع الروسية يُوصلون رسالة مقابلة لعملاء فاغنر في ليبيا، مفادها أن الكرملين شرع رسمياً في السيطرة على شبكة فاغنر مترامية الأطراف.

بريغوجين فاغنر طباخ بوتين
زعيم مجموعة فاغنر الروسية، يفغيني بريغوجين – رويترز

 وترأس الوفد نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف، وهو الرجل الذي سبق أن وبّخه بريغوجين علناً حين استولت فاغنر على مقر المنطقة العسكرية الجنوبية في روستوف في 24 يونيو/حزيران. 

جولة وداع لطباخ بوتين 

عاد بريغوجين إلى روسيا وهو لا يدرك أن جولته هذه كانت جولة الوداع، فحين سقطت الطائرة التي تقل بريغوجين وكبار مساعديه يوم الأربعاء 23 أغسطس/آب، انقطعت فصول المنافسة الدولية التي كانت تدور خفيةً منذ شهرين بين الكرملين والحكومة على نفوذ فاغنر في مختلف البلدان التي تعتمد على مرتزقة المجموعة. 

ارتبطت شهرة مجموعة فاغنر والشركات الوهمية لبريغوجين (نحو 100 شركة) في الغالب بعمليات المرتزقة التي تتولاها المجموعة، ولكن أعمال بريغوجين توسعت في آخر حياته لتشمل التمويل والبناء والإمداد والخدمات اللوجستية والتعدين والموارد الطبيعية، وحتى تجارة الخيول الأصيلة، وشركة لتنظيم سباقات الخيول تسيطر عليها ابنته بولينا.

 وقال مسؤولون غربيون وأفارقة إن دخلها يأتي من صادرات الذهب السوداني إلى روسيا، والألماس والخشب من جمهورية إفريقيا الوسطى إلى الإمارات والصين. 

الجيش الروسي يحاول الاستيلاء على إرث فاغنر! 

ولذلك فإن وفاة بريغوجين تجعل مستقبل هذه الشركات مجهولاً. ويسعى الكرملين الآن إلى تأميم هذه الشبكة الممتدة التي كانت تتمحور حول بريغوجين نفسه. 

وقال ديفيد لويس، من جامعة إكستر البريطانية: "ربما تحاول الفصائل المختلفة المرتبطة بالجيش الروسي الاستيلاء على هذه العقود التجارية المربحة، وإنشاء قوات جديدة تعمل بالوكالة عنها"، "أبدى بريغوجين مهارة قلَّ نظيرها في إدارة هذه الشبكات العابرة للحدود الوطنية، لكنه ليس عنصراً لا غنى عنه". 

كانت شركات المرتزقة الجديدة، التي تديرها مديرية المخابرات الرئيسية الروسية، بدأت بالفعل في التنافس للاستيلاء على عقود فاغنر. وأخبر بوتين ذاته رئيسَ جمهورية إفريقيا الوسطى أن الوقت قد حان للنأي بنفسه عن بريغوجين. ولما زار تواديرا مسقط رأس بريغوجين في سانت بطرسبرغ لحضور مؤتمر الشهر الماضي، تجنب التقاط صورة شخصية مع زعيم فاغنر. وأخذت وزارة الدفاع منذ يونيو/حزيران ترسل وفوداً لإخبار الحكومات الأجنبية بأن عليها أن تتعامل من الآن فصاعداً مع الدولة الروسية مباشرة. 

فاغنر النيجر انقلاب طباخ بوتين
يفغيني بريغوزين يقف بجانب مقاتلي فاغنر في باخموت بأوكرانيا/رويترز

بريغوجين رفض الاستلام 

من جانب آخر، قلل بريغوجين من شأن المزاعم التي تحدثت عن قرب وفاته، وقال في مقطع فيديو غير مؤرخ، نشرته قناة Gray Zone Telegram، التي نشرت مراراً بيانات فاغنر الرسمية: "سنذهب جميعاً إلى الجحيم، ولكننا سنكون الأعلى مرتبة في الجحيم". ورفض التقاعد بهدوء، وسافر إلى الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وإفريقيا سعياً لإبقاء علاقاته التجارية حية. ونشر رسائل صوتية يعرض فيها المرتزقة على النظام العسكري الذي استولى على السلطة في النيجر، ومقطع فيديو يظهر فيه في مالي وهو يحمل بندقية قناصة، و4 مخازن محمولة على سترة مضادة للرصاص، متعهداً بـ"جعل روسيا أعظم… وإفريقيا أكثر حرية". 

كان بريغوجين لا يزال يأمل في الحفاظ على مواقع النفوذ التي بناها في إفريقيا والشرق الأوسط. وهكذا، من المقرر أن تتنقل مفرزة جديدة من مرتزقة فاغنر إلى جمهورية إفريقيا الوسطى لتأمين البلاد قبل استفتاء أغسطس/آب الذي سيسمح للرئيس الاستمرار في منصب الرئاسة دون تقييد لمدد الولاية. وانتشرت وحدة أخرى لتدريب قوات الدفاع المحلية. ويقول مسؤولون أمنيون غربيون إن فاغنر زادت من انتشارها على طول الحدود مع الكونغو، للتصدي لأية هجمات من المتمردين عبر الحدود. 

فيما قال بريغوجين، في مقابلة أجريت معه في يوليو/تموز: "نحن لا نقوم بتخفيض عددنا، بل نحن على استعداد للمضي قدماً وزيادة وحداتنا المختلفة، وقد أوفينا بجميع تعهداتنا في الوقت الحالي، وسنواصل ذلك مهما كانت العقبات في طريقنا". 

بعد 5 أسابيع من التمرد، تواصل بريغوجين مع الزعماء الأفارقة الذين حضروا القمة الروسية الإفريقية في سانت بطرسبرغ. لكن التقارير الواردة لم تنقل مشاهد لاجتماع بريغوجين مع أي من هؤلاء الزعماء. والواقع أن الرؤساء الأفارقة أُدخلوا إلى قاعة اجتماعات الكرملين المذهبة، حيث التقوا بوتين والجنرال أندريه أفريانوف، رئيس وحدة العمليات الهجومية السرية التابعة لمديرية المخابرات الرئيسية الروسية. 

وشارك في هذه الاجتماعات أيضاً فيكتور بوت، تاجر الأسلحة الذي كان يزود أمراء الحرب في ليبيريا بالأسلحة، والذي عاد مؤخراً إلى روسيا من سجن أمريكي. أما بريغوجين فكان يعاني وطأة الإقصاء عن هذه اللقاءات في الخارج. وذكرت قناة VchK-OGPU الروسية المعروفة بتسريبات جهاز الأمن الفيدرالي، على تليغرام، أن بريغوجين بات يخشى نقل عملياته في إفريقيا إلى المخابرات العسكرية الروسية. 

عرض بريغوجين إرسال مرتزقة لدعم قوات الانقلاب العسكري في النيجر، واجتمع حلفاؤه في مالي بالقيادة الجديدة للنيجر. وقال مسؤولون من غرب إفريقيا والولايات المتحدة إن التقارير الواردة حتى الآن تشي بأن النيجر وافقت على العرض. 

فيما قال مسؤول في المخابرات النيجرية إن وفاة بريغوجين "لا تغير شيئاً. روسيا لا تزال هناك. وحتى لو رحل زعيم فاغنر، فإنهم ما زالوا نشطين في إفريقيا… بل ربما أصبحت قبضة الكرملين أكثر قوة الآن".

لقاء للدعم السريع مع فاغنر 

بدأت رحلة بريغوجين الأخيرة في بانغي، حيث وافق تواديرا ورئيس استخباراته وانزيت لينغيسارا على مقابلته في القصر الرئاسي. ومع ذلك، لم يرد المتحدث باسم تواديرا على طلب التعليق. ورفض لينغيسارا التعليق على الأمر. 

وقال شخص مطلع على ما دار في الاجتماع، إن بريغوجين قال إن فاغنر تستطيع تعزيز حضورها هناك لضمان الأمن، وتسهيل الاستثمارات الجديدة في الزراعة. 

وفي اليوم التالي، رحب بريغوجين بقادة قوات الدعم السريع القادمين من السودان. ولما سلموه الصناديق الخشبية المحملة بالذهب من منجم سونجو في دارفور، قال بريغوجين، وفقاً لمسؤول سوداني مطلع على المحادثة: "أحتاج إلى المزيد من الذهب". وتشير سجلات الطيران إلى أن بريغوجين توجه إلى باماكو في مالي بعد ذلك، ثم سجَّل مقطع فيديو من أمام شاحنات صغيرة تابعة للجيش المحلي، وعاد بعدها إلى موسكو. 

 فاغنر أطفال السودان السودان قوات الدعم السريع الجيش السوادني
الفريق محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع السودانية/رويترز، أرشيفية

وصل وفد من وزارة الدفاع الروسية إلى ليبيا الثلاثاء 22 أغسطس/آب بدعوة من خليفة حفتر. وقال محمد الجارح، المدير الإداري لشركة "ليبيا ديسك" للاستشارات الأمنية لتي لديها اتصالات في معسكر حفتر، إن تمرد بريغوجين جعل الدائرة المقربة من حفتر متوترة بشأن وجود فاغنر في ليبيا. 

وقال الجارح إن الجانبين ناقشا إقامة شراكة دفاعية رسمية مع الحكومة الروسية. وسيتمركز الآن ضباط المخابرات الروسية في بنغازي، وستحل شركة مرتزقة جديدة محل فاغنر، مع الاحتفاظ بنفس المرتزقة الموجودين في البلاد. وطلب حفتر قطع الغيار والصيانة والتدريب لأسطول طائراته المتقادم، علاوة على مطالبته بمساعدة روسيا في تزويده بطائرات إيرانية مسيرة تماثل تلك المستخدمة في أوكرانيا. 

وقال مسؤول أمني ليبي: "أرادت روسيا أن تبعث برسالة مفادها أن الأمر قد تحول الآن إلى شراكة بين جيشين". وقال يفكوروف لحفتر: "أخبرني بوتين أن ليبيا مهمة جداً لنا"، ولذلك "فإنها أول دولة نزورها" من الدول التي ينتشر فيها مقاتلو فاغنر.

مقتل قائد فاغنر 

ويشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قدَّم ، مساء الخميس، التعازي لأسرة مؤسس مجموعة فاغنر العسكرية يفغيني بريغوجين، وذلك بعد أكثر من 12 ساعة على حادث تحطم طائرة خاصةٍ مساء الأربعاء، كان يفغيني بريغوجين أحد ركابها بحسب قائمة الركاب. 

بحسب ما نقلته رويترز، فقد قدم بوتين التعازي لعائلة بريغوجين، وبقية ركاب الطائرة، فيما يعتبر أول تعليق رسمي على حادثة سقوط الطائرة، وذلك بعد نصف يوم من الصمت الذي التزمه الكرملين حول الحادثة. 

وقال بوتين: "قدر مؤسس فاغنر بريغوجين معقد، لكنه كان شخصاً موهوباً ولديه أخطاء جسيمة في حياته". كما قال بوتين: "فاغنر ساهمت بشكل فعال في مكافحة النازية بأوكرانيا، ولن ننسى هذا أبداً".وأضاف: "لجنة التحقيق بدأت تحقيقاً في حادث تحطم الطائرة، وسنكمله حتى النهاية".  

 فاغنر النيجر فرنسا الجزائر الاتحاد الإفريقي
قادة انقلاب النيجرخلال إعلانهم الإطاحة بنظام الرئيس محمد بازوم، في بيان تلاه أحدهم عبر التلفزيون الرسمي في العاصمة نيامي/ الأناضول

وعلى مدار 12 ساعة، التزم كل من المسؤولين الروس ومجموعة فاغنر الصمت حول مصير يفغيني بريغوجين، ولم يصدر أي بيان رسمي يوضح تفاصيل تحطم طائرة زعيم فاغنر بروسيا، وما إذا كان بريغوجين على قيد الحياة أم لا، على الرغم من وجود مؤشرات ترجح مقتله بالحادث.

ما صدر رسمياً من الجانب الروسي قبل تعزية بوتين، كان البيان الذي نشرته وكالة الطوارئ، والذي قالت فيه إن طائرة خاصة كانت متجهة من مطار شيريميتيفو الدولي بموسكو إلى سانت بطرسبرغ قد تحطمت، وبحسب قائمة الركاب التي لديها، كان على متنها زعيم فاغنر بريغوجين والرجل الثاني في المجموعة ديمتري أوتكين، إضافة إلى 8 أشخاص، من ضمنهم 3 من طاقم الطائرة.

تحميل المزيد