وصلت محاولات الأطراف السياسية المختلفة في ليبيا من خلال مسار انتقالي يوصل إلى الانتخابات، إلى "طريق مسدودة"، وفق ما أكده خبراء ومسؤولون لـ"عربي بوست"، مع تعقد المشهد جراء التطورات الأخيرة.
وكان لافتاً مع التطورات الأخيرة، خشية أطراف سياسية ليبية من ظهور مسار جديد بدفع من البعثة الأممية، مع وصول مسار لجنة 6+6 إلى حالة جمود، لا سيما مع اتفاق رئيسي المجلس الرئاسي والبرلمان واللواء المتقاعد خليفة حفتر، على مقاطعة أي لجنة جديدة يشكلها المبعوث الأممي، كحل بديل.
يستعرض "عربي بوست" في هذا التقرير المسار الانتقالي الحالي، وأبرز العقبات التي يعاني منها، وأسباب التعقيد في المشهد السياسي، ما يحول دون الوصول إلى إنجاز الأرضية المناسبة لعقد انتخابات برلمانية ورئاسية.
أما عن التطورات الأخيرة المرتبطة بمسار لجنة 6+6، بحسب ما رصده "عربي بوست"، فتتلخص في:
- عدم توقيع رئيس البرلمان على قوانين الانتخابات التي أنجزتها لجنة 6+6.
- رفض البرلمان مواد في القوانين التي أنجزتها لجنة 6+6 بشكل يخالف الإعلان الدستوري الـ13.
- رفض لجنة 6+6 تعديل القوانين التي رفضها مجلس النواب.
- خسارة خالد المشري رئاسته المجلس الأعلى للدولة، وخلط الأوراق حول التوافقات السابقة مع مجلس النواب.
- الاجتماع الثلاثي لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي وخليفة حفتر، ورئيس البرلمان عقيلة صالح، ودعوتهم إلى إنجاز القوانين الانتخابية، ما يعني عدم الاعتراف بالقوانين المنجزة.
- الموقف الأممي من لجنة 6+6.
- موقف الدبيبة من تشكيل حكومة جديدة موحدة.
مجلس النواب ولجنة 6+6
لم يوقع رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، حتى الآن على قوانين الانتخابات التي اتفقت عليها لجنة 6+6 المشكلة من مجلسي "الدولة" و"النواب"، التي لها طابع إلزامي وفق التعديل الدستوري الذي أقره البرلمان نفسه.
بدلاً من ذلك عرض عقيلة، مشروع قانوني انتخاب رئيس الدولة والبرلمان على الجلسة العامة لمجلس النواب، في 8 أغسطس/آب 2023، الذي رفض مواد في هذه القوانين، وأحالها مجدداً إلى اللجنة لتعديلها.
في المقابل، فإن لجنة 6+6 رفضت إجراء أي تعديلات، مؤكداً أن مخرجاتها نهائية وغير قابلة للتعديل، لا سيما أن نصف أعضائها من النواب، وهم ممثلون عنه.
وجاء في الإعلان الدستوري (الـ13) إلزامية نتائج اللجنة المشتركة بين النواب والأعلى للدولة، ولم يمنح البرلمان صلاحية الرفض.
من جانبه، قال النائب الليبي عيسى عريبي لـ"عربي بوست"، إن ما حصل هو أنه كانت "هناك ملاحظات من المفوضية للانتخابات يجب إدخالها لقوانين الانتخابات في ليبيا، لذلك أعدنا القوانين للجنة".
لكنه قال: "نحن صوتنا في مجلس النواب على لجنة 6+6، وموافقون على عملها، لكن ما حصل أنه كان لدينا ملاحظات بسيطة، أغلبها فنية، ولا يعني ذلك رفضنا لعمل اللجنة".
أما المحلل السياسي فرج دردود، فقال لـ"عربي بوست"، إن "مجلس النواب لم يحترم حتى قراره المتعلق بالتعديل الدستوري الـ13، من خلال رفضه القوانين التي وضعتها اللجنة التي هو جزء منها، فالمشكلة الأساسية، أن مجلس النواب يمثل جهة سياسية واحدة، وليس مجلساً تشريعياً يمثل الليبيين كلهم".
وشدد على أن هناك "حالة انسداد قائمة في المشهد السياسي الليبي، والمسارات تعددت وتعاقبت، ولن يكون المسار الحالي هو المسار الأخير، لقد ضاع الكثير من الوقت للوصول إلى حل".
ورأى أنه "دون وجود صيغة للتخلص من الأجسام السياسية الانتقالية، وخصوصاً مجلسي النواب والأعلى للدولة، فلن يكون هناك حل ببساطة".
الاجتماع الثلاثي
عقد اجتماع ثلاثي، في مقر قيادة خليفة حفتر ببنغازي، وخرج ببيان مشترك في 19 أغسطس/آب الجاري، يمثل حفتر وصالح والمنفي، ووجه تحذيراً صريحاً لباتيلي، ودعاه إلى "عدم اتخاذ أي خطوات منفردة في المسار السياسي".
جاء ذلك رغم أن رئيس البعثة الأممية عبد الله باتيلي، ربط تشكيل لجنة رفيعة المستوى بعدم اتفاق مجلسي النواب والدولة على قاعدة دستورية وقوانين الانتخابات في ليبيا.
هذا المسار يشكل حلاً بديلاً من البعثة الأممية لمسار مجلسي النواب والأعلى للدولة، الممثل بلجنة 6+6 وتطبيق التعديل الدستوري، ولكن مع رفض مجلس النواب إقرار قوانين الانتخابات التي أنجزتها اللجنة، ومع رفض حفتر لشروط الترشح لانتخابات الرئاسة التي ينوي خوضها، فإن هذا المسار بات لا يراوح مكانه.
وكانت خطوة عقيلة صالح وحفتر، والمنفي، بالاتفاق على مقاطعة أي لجنة تشكلها البعثة الأممية، تعكس قناعة بأن قوانين الانتخابات في ليبيا التي أعدتها لجنة 6+6 البرلمانية المشتركة، وصلت إلى طريق مسدودة.
إذ يُعد حديثهم عن "إنجاز القوانين الانتخابية" عدم اعتراف بالقوانين التي أعدتها لجنة 6+6 البرلمانية المشتركة، ما يترك الباب للبعثة الأممية لفتح مسار جديد للحل.
البعثة الأممية ومسار لجنة 6+6
قرار الثلاثي حفتر وعقيلة والمنفي، يعد استباقيا لأي استنتاج أممي بفشل مسار لجنة 6+6، خاصة بعد رحيل أحد عرابيها وهو خالد المشري، من خلال تأكيدهم على "الملكية الليبية للحوار السياسي"، و"عدم المشاركة في أي لجان، إلا بالإطار الوطني الداخلي دون غيره"، وبالتالي مقاطعة أي لجنة يشكلها المبعوث الأممي.
وقال النائب العريبي لـ"عربي بوست" إنه "بالنسبة لباتيلي، لا يستطيع أن يشكل لجنة جديدة، لأن مجلس النواب منتخب، ولا يمكنه تخطيه"، مشدداً على أن باتيلي "عبارة عن مبعوث للدعم فقط".
وأضاف أن "إصدار رئيسي مجلس النواب والمجلس الرئاسي وحفتر، قرارا بأن لا يشاركوا بأي لجنة يقرها باتيلي، يفشل مساعيه هذه".
وشدد على أن "المنوط بوضع القوانين ووضع الحكومة هو مجلس النواب بالتشاور مع مجلس الدولة فقط".
أما دردور، فقال لـ"عربي بوست" إنه "في حال تم تشكيل لجنة جديدة من البعثة الأممية بمسار جديد، فلن يكون مصيرها أفضل من سابقتها، فلن تحترم نتائجها، ولا مخرجاتها التي لن تطبق على الأرض".
وأوضح أنه "كل ما يحدث الآن هو تكرار، والحلول التي نراها دون جدوى، فقد تم تشكيل لجان وفرق وتدخل في القوانين والحصيلة هي أن كل المخرجات يتم الانقلاب عليها، لأن هناك من يملك السلاح ولديه القوة على الأرض، ويكون دائماً رفض جميع المخرجات عندما تكون في غير صالح الأطراف القوية المسلحة".
وقال إن "الأمم المتحدة لم تضع أصبعها بشكل حقيقي على المشكلة الأساسية في ليبيا. هي جربت كل الحلول واستنفدت جهودها، ولكنها لم تجد حلا لرضوخ من يملك السلاح للحل السياسي، فحتى لو شكلت لجنة جديدة، فلن يساعد ذلك، فهناك سابقة هي لجنة جنيف، التي أفرزت حكومة الدبيبة بعد تنافس بين فريق حفتر وعقيلة صالح وباشاغا ومجموعة الدبيبة وآخرين، ولكن الفريق الأول انقلب على هذه التفاهمات بعد تشكيل حكومة الوحدة، وشكلوا حكومة جديدة من البرلمان".
خسارة خالد المشري
خسر المشري،رئاسة المجلس الأعلى للدولة (الغرفة الثانية للبرلمان)، أمام محمد تكالة، المدعوم من الكتلة المعارضة للتعديل الدستوري الـ13، ما من شأنه خلط الأوراق بشأن التوافقات السابقة خصوصا مع مجلس النواب.
وكان مجلسا النواب والأعلى للدولة متوافقان خلال فترة المشري الأخيرة، على مسار التعديل الدستوري الـ13 ولجنة 6+6، إلى حين فوز تكالة بدعم الكتلة التصويتية التي جعلته يفوز، وهي المعارضة للتعديل الدستوري الـ13.
في 7 فبراير/شباط 2023، أقر مجلس النواب التعديل الدستوري الـ13، وهو دستور مؤقت وضع بعد الإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، ليصبح "قاعدة دستورية " تجري عبرها الانتخابات البرلمانية والرئاسية المنتظرة في ليبيا.
وجاء التعديل الدستوري الـ13 في 34 مادة بشأن نظام الحكم، ونص على أن تجرى العمليتان خلال مدة أقصاها 240 يوماً من دخول قوانين الانتخابات حيز التنفيذ، وبتشكيل لجنة 6+6 من مجلسي النواب والأعلى للدولة، لإعداد قوانين الاستفتاء والانتخابات في ليبيا.
من جانبه، وصف الكاتب والباحث السياسي الليبي، محمد محفوظ، في حديثه لـ"عربي بوست"، علاقة محمد تكالة بمجلس النواب، بأنها ستكون مليئة بالأحداث، ففي حال تصويت الأخير على قوانين 6+6 وتمريرها بتعديلات أو من دون تعديلات، فإن هذا الأمر لن يحظى بالقبول داخل مجلس الدولة، الذي يحتوي على كتلة كبيرة رافضة لذلك، بالتالي فإن حالة الخلاف ستكون ظاهرة للعلن".
وقال إن "حالة الخلاف التي ستظهر للسطح بين المجلسين، ستستدعي التعويل على المجتمع الدولي لترميم هذه العلاقة مع الرئاسة الجديدة".
لكنه لم يستبعد أن يعارض تكالة تشكيل حكومة جديدة، بدلاً عن حكومة الوحدة بقيادة الدبيبة، بالنظر لحاجته إلى دعم الأخير، على الأقل في الأشهر الأولى من ولايته، ما سيعيد الحوار بين المجلسين الأعلى للدولة والنواب إلى نقطة الصفر.
حكومة جديدة
على الرغم من التوافق السابق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، على أهمية تشكيل حكومة جديدة موحدة بين الشرق والغرب، ومصغرة تمهد للانتخابات في ليبيا، إلا أن مصير هذا الأمر بات مجهولاً.
بعد فوز تكالة برئاسة الأعلى للدولة، باتت التوافقات مع مجلس النواب على المحك، لا سيما أن المحسوبين على رئيس حكومة الوحدة الدبيبة دعموا تصويت تكالة أمام المشري.
والدبيبة يرفض تسليم السلطة لأي حكومة جديدة، مؤكداً أنه لن يقوم بتسليمها إلا إلى حكومة منتخبة فقط، وكان من أوائل المهنئين للتكالة بفوزه.
لكن محفوظ، رأى أن "تكالة لن يكون داعماً للدبيبة، بل كان بالنسبة للأخير، هو الخيار الوحيد أمام رئيس حكومة الوحدة للإطاحة بالمشري"، وفق قوله.
وأوضح أن "موقف حكومة الدبيبة بدعم تكالة كان موقف إجبار وليس خياراً، لأن مسألة تغيير الحكومة من عدمه ليست قضية حاسمة بالنسبة لتكالة على عكس المشري".
يشار إلى أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ليبيا، كان من المزمع إقامتها خلال عام 2023، إلا أن عدم إنجاز القوانين الانتخابية والتوافق عليها، يجعل من الصعب إجراءها خلال هذا العام، لا سيما أن التعديل الدستوري الـ13، يفرض أن تقام بعد 8 أشهر تقريباً من إقراره.