تتوسع رقعة الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية يوماً بعد يوم، من محافظات سورية إلى أخرى، في المناطق التي تعد موالية للنظام السوري، بعد أن بدأت في محافظة السويداء جنوب البلاد، وامتدت إلى مدن الساحل السوري التي توصف بأنها "مسقط رأس النظام بشار الأسد".
وصلت المظاهرات إلى مدينة حلب شمال البلاد، التي تعد ثاني أكبر المحافظات السورية بعد دمشق، مع دعوات لناشطين إلى إضراب عام وتعطيل الدوائر الحكومية وإقفال الطرق والمحال التجارية؛ احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
وفي تطور لافت، طالب المحتجون في مناطق الساحل السوري ذات الغالبية العلوية، وفي مقدمتها مدينتا اللاذقية وجبلة، برحيل النظام السوري.
وتوصف عادة هاتين المنطقتين بأكثر المناطق السورية ولاءً لنظام بشار الأسد، طوال 12 عاماً، لا سيما أن مسقط رأس الأسد هو القرداحة التي تقع ضمن منطقة اللاذقية.
الغضب في أوساط الطائفة العلوية
الناشط أيهم ديب من محافظة اللاذقية قال لـ"عربي بوست": "يمكن القول إن الشارع في مدن الساحل الرئيسية وفي مقدمتها اللاذقية وطرطوس "ذات الغالبية العلوية"، يشهد حالة من الغليان والاحتقان الشعبي، وقد تنفجر الأوضاع في أي لحظة".
وحذّر من أن يتحول المشهد إلى "حالة من الصراع الدموي بين القوى الشعبية والنظام، بالرغم من حالة الاستنفار للقوى الأمنية في تلك المدن، وذلك احتجاجاً على الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه سوريا، وقرار حكومة النظام السوري، الأسبوع الماضي، رفع الدعم عن الوقود؛ ما أثَّر سلباً على معيشة المواطنين الذين يعانون أصلاً من جراء تدهور الاقتصاد السوري بعد 12 عاماً من اندلاع الاحتجاجات في البلاد، وتردي الأوضاع المعيشية لديهم إلى حد الفقر المدقع".
وأضاف أن "هناك حالة من الغضب تتنامى، وسط تجاهل كبير للعائلات الأشد فقراً، التي تشكل نسبتها حوالي 60%، من سكان مدن الساحل السوري، فضلاً عن تجاهل وضع مصابي الحرب والجرحى وإهمالهم".
وتابع بأن النظام السوري "لا يزال يخشى إطلاق عنان قواته الأمنية وشبيحته بصورة واسعة وواضحة لاعتقال الناشطين العلويين، ويقتصر على ملاحقتهم واعتقالهم بطرق سرية بعيدة عن الأنظار".
عن سبب ذلك، قال إنه يأتي "لتحاشي انتفاضة شعبية واسعة قد تؤدي إلى إخلال الوضع الأمني ضمن مناطق سيطرته من جهة، ومن جهة ثانية ضمان المحافظة على ولائها له ومساندته في قمع الاحتجاجات في مدن سورية أخرى ما إن توسعت إلى أكثر من السويداء ودرعا جنوب البلاد".
أسلوبان لقمع الاحتجاجات
وأشار الديب إلى أن "النظام السوري يتبع أسلوبين في قمع الاحتجاجات والانتقادات الشعبية؛ الأول عبر اعتقال الناشطين بطرق سرية وعبر الاستدراج من العناصر الأمنية، وأخرى عبر تزويد أرقام هواتف الناشطين لرموز شبيحة وقادة ميليشيات محلية موالية للنظام، تعمل على تهديد الناشطين بتصفيتهم أو اعتقالهم وإلحاق الأذى بأقاربهم من خلال الاتصالات".
ولفت إلى أنه "مع هذه التطورات، وتصاعد الاحتجاجات المعادية للنظام في مناطق الساحل السوري، قررت القوات الروسية في قاعدة حميميم العسكرية في اللاذقية مؤخراً، منع جنودها وضباطها من التسوق والتجوال في المناطق المدنية، خشية تعرضهم لهجمات من المواطنين".
وأضاف: "ترافق ذلك مع نشر قوات عسكرية روسية إضافية ومدججة بالأسلحة عند مداخل مرافئ اللاذقية وطرطوس لحمايتها من أي هجوم أو اعتداء شعبي محتمل".
مدن الساحل السوري
وظهر ناشطون في أوساط الطائفة العلوية بفيديوهات ومقاطع مصورة تطالب النظام السوري وحكومته بالرحيل، عقب حملة اعتقالات طالت عدداً من الناشطين العلويين وأشخاصاً يُشتبه بانضمامهم إلى "حركة 10 آب".
هذه الحركة أُعلن عنها مؤخراً، وتداول أعضاؤها ونشطاؤها قصاصات ورقية حملت عبارات احتجاجية معارضة للنظام في المدن التي يسيطر عليها، خاصة مدن الساحل السوري (اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس) غرب البلاد.
وحذر الناشط ماجد حافظ دواية (علوي) من محافظة اللاذقية، في تسجيل مصور بثه على معرفاته وقناته، وتداولته منصات إعلامية محلية، النظامَ السوري، من التمادي وقمع الاحتجاجات الحالية بالقوة الأمنية وسطوة الشبيحة التي وظفها في قمع احتجاجات ومظاهرات 2011.
وقال: "البلد قامت حتى تخلعك، وعليك الرحيل قبل أن تندلع في سوريا حرب جديدة، وحمام دم جديد. واترك سوريا وشعبها بعدما نهبت ثرواتها وخيراتها وقتلت شعبها، واخرج من البلد إما إلى روسيا أو إيران، اللتين دافعتا عن نظامك ونهبتا القسم الأكبر من ثروات سوريا".
وأتى توعّد الناشط "دواية"، عقب موجة اعتقالات شنتها أجهزة الاستخبارات الأمنية (الأمن العسكري وأمن الدولة) خلال اليومين الماضيين، طالت أكثر من 20 شخصاً وناشطاً، وعلى رأسهم الناشط أحمد إبراهيم إسماعيل، بريف اللاذقية، والذي عرف بانتقاده لسياسات النظام السوري وحكومته مع انهيار الوضع المعيشي والاقتصادي، وذلك وسط حالة استنفار أمني واسع، خصوصاً بعد تمزيق صور لرئيس النظام، بشار الأسد، في مدينتي اللاذقية وجبلة ورمي مناشير.
وشهدت هذه المناطق توزيع منشورات تطالب الشعب السوري بالتحرك والخروج بمظاهرات حاشدة في الساحات، وقطع الطرق العامة، وإضراب عام، وتعطيل الدوائر الرسمية الحكومية.
وناشدت ابنة الناشط أحمد إبراهيم إسماعيل من محافظة اللاذقية، في تسجيل مصور بثته على صفحة والدها على "فيسبوك"، السوريين والناشطين "من أجل تحويل قضية اعتقال والدها إلى قضية رأي عام، ومساعدته على إخلاء سبيله بعد اعتقاله من جهاز الأمن العسكري في اللاذقية، عقب انتقاده المرئي الأوضاع المعيشية وفساد الجهات الحكومية المسؤولة في سوريا وفشل النظام السوري إدارته للأزمات الاقتصادية المتتالية".
"احتجاجات مختلفة عن 2011″
يتفق الناشطون في مناطق سيطرة النظام السوري على أن مظاهرات واحتجاجات اليوم تختلف كلياً عن احتجاجات 2011، وتحوّلت بعدها إلى حرب طاحنة بين النظام السوري وقوى المعارضة، استمرت لأكثر من 12 عاماً.
من جهته، قال الناشط زيد، وهو أحد أبناء مدينة السويداء في جنوب سوريا، إن "مظاهرات واحتجاجات اليوم ستؤدي حتماً إلى تغيير ما في وضع البلاد، وسترغم النظام على تقديم تنازلات، وهذا لا شك فيه، كونها أتت في وقت تشهد فيه المؤسسة العسكرية التابعة للنظام حالة من الإنهاك عقب 12 عاماً من الحرب وتدهور الاقتصاد ومقتل الآلاف من عناصره، بينما في مظاهرات عام 2011 كان النظام السوري متماسكاً وقوياً بأمنه ومؤسسته العسكرية وشبيحته، بينما اليوم هذه المؤسسات منهكة وغير قادرة على كسر إرادة شعب جائع يطالب بالحرية والعيش الكريم، بعد فقر طال 90% من الشعب السوري".
وحذر في حديثه لـ"عربي بوست"، من أن "أي دفع من النظام إلى قمع الاحتجاجات التي تشهدها مناطق السويداء ودرعا ومناطق الساحل السوري بالسلاح ومزيد من الاعتقالات، قد يؤدي إلى مواجهة حتمية مع أبناء الشعب السوري، وخلق ساحة دماء جديدة في سوريا، لا سيما أن النظام تسبب بتسليح غالبية الشعب على مدار السنوات الماضية، تحت حجة مجابهة قوى المعارضة السورية المسلحة".
التصعيد في السويداء
ناشطون في مناطق النظام السوري، أكدوا مواصلة السوريين في محافظات السويداء ودرعا وبعض الأحياء الرئيسية في دمشق وحلب، بالخروج بمظاهرات حاشدة تطالب النظام السوري بالرحيل وشعارات مناهضة أخرى.
ويتركز ثقل تلك المظاهرات والاحتجاجات في مدينة السويداء التي نأت بنفسها عن الانخراط بمعارك النظام ضد السوريين، منذ بدء الحرب السورية قبل 12 عاماً، وتشهد المدينة وريفها في الوقت الحالي حالة من الإضراب العام في الأسواق والدوائر المحلية وقطع للطرق العامة.
في مقابل ذلك، يعمد النظام السوري إلى الرد على تلك المظاهرات والاحتجاجات التي قد تتوسع رقعتها إلى عموم المحافظات السورية الخاضعة لسيطرته، بعمليات القصف المحدودة وعمليات الاعتقال بحق ناشطين، بشكل مشابه لما تتعرض له مناطق درعا من قصف؛ رداً على المظاهرات خلال الآونة الأخيرة، بحسب الناشط زيد.
وعقب إصدار رئيس النظام السوري بشار الأسد، الثلاثاء 15 أغسطس/آب 2023، "مرسوماً تشريعياً" يقضي بزيادة الرواتب والأجور للموظفين في القطاع العام بنسبة 100%، صدرت بعده بساعات قليلة تعديلات حكومية تفضي بزيادة أسعار مادة المازوت للمخابز التموينية الخاصة إلى 700 ليرة سورية للتر الواحد، وسعر المازوت المدعوم منه للمستهلك 2000 ليرة سورية للتر الواحد.
أدى ذلك إلى توقف حركة النقل في المحافظات السورية، وحالة واسعة من الاستياء الشعبي والغليان، وخروج المواطنين بمظاهرات شعبية انطلقت بدايتها في مدينة السويداء وتوسعت بعدها رقعة الاحتجاجات إلى مناطق في العاصمة دمشق والساحل السوري وحلب، وسط توقع امتدادها إلى كامل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
ولم يصدر بعد أي تصريح رسمي من النظام على الاحتجاجات المتصاعدة في الجنوب والساحل السوري حتى الآن.