دون تنسيق مسبق أو اعتراض من الحكومة المصرية.. زيارة حمدين صباحي لدعم بشار الأسد بداية لزيارات أخرى بدعم إقليمي

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/09 الساعة 07:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/09 الساعة 07:48 بتوقيت غرينتش
الرئيس السوري بشار الأسد في حديث مع حمدين صباحي (الرئاسة السورية)

 مازالت أصداء الزيارة التي قام بها المرشح الرئاسي ورئيس حزب الكرامة المصري حمدين صباحي إلى سوريا ولقاء الرئيس بشار الأسد طاغيةً، ليس فقط على المستوى المحلي في ظل الانتقادات المتصاعدة التي يواجهها الإعلامي المصري من تيارات معارضة في الداخل، ولكن أيضاً على المستوى العربي.

يأتي هذا بعد أن حظيت الزيارة ببعد إقليمي يتمثل في دعم قوى وحكومات عربية للتسويق لنظام الأسد، مع تطبيع العلاقات مع النظام السوري، واستعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية.

ولعبت الصور التي نشرتها الرئاسة السورية للرئيس بشار الأسد وهو يتحاور مع صباحي دوراً فاعلاً في حالة الجدل المثار، إذ إنها بدت كمحاولة لتسويق النظام السوري في أوساط شعبية عربية ومصرية على وجه التحديد، باعتبار أن صباحي يعد رمزاً للمعارضة المدنية، وأحد أبرز الشخصيات المؤسِّسة للحركة المدنية الديمقراطية، والتي بزغت مؤخراً بفعل مشاركتها في الحوار الوطني، وإتاحة الفرصة أمامه للظهور، تماشياً مع الانفتاح الحكومي على الأحزاب المدنية.

وكان من أبرز الأسئلة التي طرحت حول هذه الزيارة: ما علاقة النظام المصري بها، وردة فعله تجاهها، وما إذا كانت الزيارة تمت بتنسيق مسبق مع الحكومة المصرية أو جهات أمنية؟.

 مازالت أصداء الزيارة التي قام بها المرشح الرئاسي ورئيس حزب الكرامة المصري حمدين صباحي إلى سوريا ولقاء الرئيس بشار الأسد طاغيةً، ليس فقط على المستوى المحلي في ظل الانتقادات المتصاعدة التي يواجهها الإعلامي المصري من تيارات معارضة في الداخل، ولكن أيضاً على المستوى العربي.

يأتي هذا بعد أن حظيت الزيارة ببعد إقليمي يتمثل في دعم قوى وحكومات عربية للتسويق لنظام الأسد، مع تطبيع العلاقات مع النظام السوري، واستعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية.

ولعبت الصور التي نشرتها الرئاسة السورية للرئيس بشار الأسد وهو يتحاور مع صباحي دوراً فاعلاً في حالة الجدل المثار، إذ إنها بدت كمحاولة لتسويق النظام السوري في أوساط شعبية عربية ومصرية على وجه التحديد، باعتبار أن صباحي يعد رمزاً للمعارضة المدنية، وأحد أبرز الشخصيات المؤسِّسة للحركة المدنية الديمقراطية، والتي بزغت مؤخراً بفعل مشاركتها في الحوار الوطني، وإتاحة الفرصة أمامه للظهور، تماشياً مع الانفتاح الحكومي على الأحزاب المدنية.

وكان من أبرز الأسئلة التي طرحت حول هذه الزيارة: ما علاقة النظام المصري بها، وردة فعله تجاهها، وما إذا كانت الزيارة تمت بتنسيق مسبق مع الحكومة المصرية أو جهات أمنية؟.

زيارة حمدين صباحي لسوريا دون تنسيق مسبق

أوضح مصدر حكومي مطلع لـ"عربي بوست"، أن زيارة حمدين صباحي لسوريا لم تأتِ بتنسيق مسبق مع أي جهات حكومية مصرية.

وأشار المصدر أن "ليس هناك ما يدفع للاعتراض على الزيارة من جانب أجهزة الدولة"، لأنها بالأساس لم تكن زيارة شخصية إلى الرئيس بشار الأسد، بل تأتي في سياق انعقاد المؤتمر القومي العربي، وأن سفر العديد من الشخصيات المصرية إلى سوريا خلال السنوات الماضية، التي قابلت الأسد أو أشخاصاً محسوبين على نظامه، لم يكن يشكل أزمة أو مشكلة أمنية أو سياسية.

مصدر مرتبط بالملف السوري في الخارجية المصرية قال لـ"عربي بوست" إن القاهرة لديها رغبة في تقديم كافة أشكال الدعم، كي تبقى سوريا دولة موحدة، والوقوف في وجه مساعي إفشال الدول والحفاظ على جيوشها الوطنية ومؤسسات الدولة، بما يخدم الأمن القومي العربي بوجه عام.

وأشار إلى أن الموقف المصري في سوريا أضحى يحظى بموافقة خليجية، بعد خلافات دبت في السابق، وهو ما يسهل عملية التطبيع الشعبي والحكومي مع الرئيس السوري ونظامه.

وأكد المصدر ما أشار إليه المصدر الحكومي السابق، بأن المواقف السابقة التي ناصر فيها حمدين صباحي قضايا لديها مرجعية بالتيار القومي العربي، تجعل الزيارة الحالية منطقية للغاية، ولا تحظى بأية حساسية حكومية، بل على العكس فإن ذلك سيكون التوجه في المستقبل، بما يجعل هناك إعادة نظر لكثير من الأحداث التي تعرضت لها المنطقة العربية منذ 2011.

وذكر مصدر حكومي مطلع ثالث أن الفترة القادمة ستشهد المزيد من هذه النوعية من اللقاءات، في محاولة للترويج لنظام بشار الأسد.

كما أشار إلى أن تحركات حمدين صباحي محسوبة بدقة من قبله، وتأتي في الوقت المناسب، وهو ما لا يثير أي حساسيات من قبل أجهزة الأمن أو الحكومة المصرية.

من زيارة حمدين صباحي لسوريا (الرئاسة السورية فيسبوك)
من زيارة حمدين صباحي لسوريا (الرئاسة السورية فيسبوك)

رغبة إقليمية لإعادة الأسد

زار صباحي سوريا بصفته الأمين العام للمؤتمر العربي القومي، وهو كيان غير رسمي يضم عدداً من السياسيين القوميين من مختلف الدول العربية، وذلك بعد أيام من انعقاد الدورة الثانية والثلاثين للمؤتمر، الذي أقيم يومي الأحد والإثنين الماضيين، في العاصمة اللبنانية بيروت، قبل لقاء الأسد يوم الأربعاء الماضي.

وقال مصدر مطلع قريب من حمدين صباحي، إن اللقاء الذي عقده المرشح الرئاسي الأسبق مع أمين حزب الله اللبناني حسن نصر الله في بيروت، الشهر الماضي، أثناء الإعداد لانعقاد المؤتمر القومي العربي، وكذلك الزيارة الأخيرة لسوريا، لا ينفصلان عن بعضهما البعض، وإن الحدثين ارتبطا برغبة دول إقليمية راعية للأسد ولزعيم حزب الله، وتسعى لإعادة تسويقهما عربياً.

وينتظر الأسد، بحسب المصدر ذاته، مرحلة جديدة من العلاقات مع الدول العربية التي قاطعت نظامه منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011، ويسعى لتوظيف استعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية لإعادة تقديم نفسه شعبياً، أما حسن نصر فمن المتوقع أن يبرز في الواجهة مجدداً حال تطور التراشق مع إسرائيل إلى حرب واسعة بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يتطلب خلق صورة ذهنية للمقاومة التي تراجعت شعبيتها مع دعمها لنظام الأسد.

خلافات داخلية

كشف المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، عن أن خلافات داخلية قد دبّت داخل المؤتمر القومي العربي، إذ سعت مجموعة داخله لإبراز حجم المآسي التي تعرضت لها المعارضة السورية خلال السنوات الماضية، غير أن التيار الأكبر رفض هذا التصور، واعتبر بعض المشاركين في الدورة الأخيرة للمؤتمر أن ذلك مؤشر على وجود أطراف تسعى لتقديم الرئيس السوري بصورة جديدة، خالية من أي انتهاكات تورط فيها.

ولم يُشر المصدر إلى طبيعة الدول التي زجّت بحمدين صباحي لأن يصبح مناصراً للأسد، بعد أن وجّه إليه انتقادات لاذعة في السابق، لكنه شدد على أن المحور الدولي الداعم لحزب الله والنظام السوري هو من دفع نحو هذا الاتجاه، وأن انفتاح دول الخليج على نظام الأسد، واستضافته أكثر من مرة على أراضيها، وبخاصة دولة الإمارات، ساعد على إجراء اللقاء ومهد له، عبر لقاء حسن نصر الله في منتصف يونيو/حزيران الماضي.

وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة داعمة لعودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية، واستقبلت أبوظبي الرئيس بشار الأسد مرتين، الأولى في العام الماضي، والثانية في شهر مارس/آذار الماضي، وكان الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، من أوائل وزراء الخارجية العرب الذين زاروا دمشق عقب الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا، في شهر فبراير/شباط الماضي.

وسبق أن هاجم حمدين صباحي عام 2012 النظام السوري، مؤكداً أن دماء الأطفال السوريين ستلاحق النظام حتى النهاية، وهو ما جعل الاتهامات تطاله مجدداً، باعتبار أنه يعاني من شيزوفرينيا سياسية، وأثر ذلك سلباً على مساعي تعويم نظام الأسد عربياً، بعد أن ظهر كطرف يسعى لشراء الأصوات القومية، وتغيير مواقفها لصالح دعم استمراره على رأس السلطة.

وقالت الرئاسة السورية في بيان لها مساء الأربعاء، إن اللقاء بين الأسد ووفد المؤتمر العربي القومي، "تركز حول العروبة والفكر القومي، والانتماء والهوية، ودور الأحزاب العربية تجاه الشارع العربي، في ظل التحديات المتزايدة والغزو الفكري الغربي، ودعم سوريا في مواجهة العقوبات والحصار الظالم".

من جانبه أكد الوفد على "ضرورة العمل في المرحلة القادمة من أجل تفعيل دور الأحزاب والمنظمات الشعبية، للاستفادة من الأجواء الإيجابية على الساحة العربية، لدعم المساهمة الشعبية في مسيرة إعمار سوريا، وكسر كل أشكال الحصار عليها".

شخص متلون

وقالت سياسية مصرية من التيار المدني في المعارضة المصرية، لكنها رفضت ذكر اسمها، إن صباحي أضرّ بالمعارضة المصرية، وكذلك أضر بالنظام السوري الذي حاول توظيفه للتسويق لنفسه شعبياً، مشيرة إلى أن السياسيين لا بد أن يكونوا أصحاب مواقف ومبادئ لا يتزعزعون عنها.

وقالت لـ"عربي بوست" إن إدانة صباحي النظام السوري، وتأكيده بأن الأسد قاتل لشعبه أمر لا يمكن محوه من الذاكرة، كما أنه ذهب إلى دمشق دون أن يقدم مبررات ذهابه للمواطنين الذين ينظرون إليه باعتباره رمزاً سياسياً معارضاً.

تشير السياسية ذاتها، وهي نائبة سابقة بالبرلمان المصري، إلى أنه لم يستجدّ شيء يدفع لتغيير الموقف؛ لأن بعض أنصار التيار القومي، الذي يوهم صباحي أنصاره بأنه يدافع عنهم مازالوا في سجون الأسد، كما أن أيديولوجيته السياسية لا يمكن أن تأتي على حساب المبادئ، وبالتالي فقد ظهر شخصاً متلوناً لخدمة أغراض سياسية وإقليمية مشبوهة.

وتعتقد أن تحرك صباحي لا يمكن أن يتم دون أن يكون مدفوعاً نحو تحقيق مصالح أطراف بعينها، وأن تبديل موقفه 180 درجة يؤشر على أن موجة دعم الأسد وإعادة تقديمه بصورة الرئيس القومي الناصري مرتفعة للغاية، كما أن لذلك ثمناً باهظاً بالطبع، والأزمة في أن المعارضة المصرية تتورط في مثل هذه المؤامرات التي تخصم من رصيدها الشعبي في الداخل والخارج، خاصة أن التصرفات الأخيرة ليست مبررة، ولم يواجه صباحي الرأي العام المحلي، أو يقنعه بما أقدم عليه من تحركات سياسية، سواء أكان ذلك عند لقاء حسن نصر أو بشار الأسد.

تلفِت السياسية ذاتها إلى أن الحراك الذي قاده عدد من قيادات الحركة المدنية الديمقراطية- أغلبهم ينتمون إلى تيار الكرامة- من المنضمين إلى "الملتقى العربي والدولي لفك الحصار عن سوريا"، للترويج لتلك الفعاليات على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، أثار انتقادات عدد من الأحزاب المشاركة في الحركة المدنية، وكان ذلك من أسباب إنشاء التيار الليبرالي الحر، الذي ضمّ مجموعة من الأحزاب الليبرالية، التي وجدت أنها قد يتم الزج بها لدعم الأسد.

وشنّ السياسي المصري خالد داود، المتحدث باسم الحركة "المدنية الديمقراطية" المصرية، وعضو الحوار الوطني، هجوماً شديداً على صباحي، وقال داود عبر منشور له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إنه يرفض بشكل قاطع لقاءه بالرئيس الأسد. وتابع: "هذه المقابلة لا تمثل المعارضة المصرية أو الحركة المدنية، وقام بها أستاذ حمدين بصفته الأمين العام للمؤتمر القومي العربي. عاشت ثورة الشعب السوري".

فرصة مواتية

أشار مصدر مطلع في التيار الناصري المصري إلى أن صباحي وظف الترويج لإعادة تقييم ما حدث في سوريا بالعام 2011، وحملات التشكيك المستمرة من أنظمة عربية طبّعت علاقاتها مع الأسد لاتخاذ قراره، وأن إقدام وسائل إعلام عربية محسوبة على أنظمة تقاربت أخيراً مع الأسد، جعل صورة الأخير تتغير في أذهان قطاعات شعبية، وهو ما كان عاملاً مساعداً نحو إقناع السياسي المصري بالذهاب إلى سوريا.

ويرى أن تحريك قوى خارجية للأحداث في سوريا، ووجود تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة هناك، يجد المبررات المواتية لحمدين صباحي، للتأكيد على أنه يدعم القومية العربية، ويرفض أي أنواع من الاحتلال الأجنبي للبلدان العربية، مشيراً إلى أن قناعات صباحي الأولية كانت ترى أن ما جرى في سوريا كان ثورة على نظام الأسد، لكن رؤاه وكذلك آراء العديد من الناصريين تبدلت بعد فترة وجيزة، بل إن كثيراً من السياسيين المصريين المحسوبين على التيار الناصري، دائمو التردد على دمشق بين الحين والآخر، وأضحوا مدافعين بشكل كبير عن توجهات النظام السوري.

يعتقد المصدر ذاته أن صباحي وجد أن المؤتمر القومي العربي فرصة مواتية لتحريك مواقفه بشكل علني، وأن تعيينه على رأس ملتقى لديه مواقف واضحة من نظام الأسد، ساعده على نقل مواقفه من خانة المعارضة إلى الموالاة للنظام السوري، وأنه تعرض لضغوطات كبيرة من قوى داخلية وخارجية محسوبة على التيار القومي لإعلان موقفه الأخير، وقد يكون ذلك في مقابل تقديم مزيد من الدعم للتيار الناصري في مصر، والذي يقبع أغلبه في خانة المعارضة.

ورغم أن صورة النظام السوري قد تغيرت في أذهان بعض الشعوب العربية، جراء التغييرات السياسية الأخيرة في مواقف حكوماتها، فإن هناك تيارات محسوبة على فئات شاركت في الاحتجاجات العربية، أو ما يجري توصيفه بأنه "ثورات الربيع العربي"، ما زالت تحضر في أذهانها شعارات مجابهة الاستبداد والفساد، وفقاً للمصدر ذاته، والذي شدد على أن زيارة صباحي كانت ستأخذ منحى تصاعدياً أكبر من ذلك، في حال جرت قبل ثلاثة أعوام مثلاً، في وقت كانت الدول العربية تتعامل معه على أنه شخص تسبب في تخريب بلاده.

وشهدت الأشهر الماضية تقارباً عربياً رسمياً مع نظام الأسد، واستقبلت دمشق وفوداً عربية، بينها وفد برلماني من 8 دول عربية، يمثل الاتحاد البرلماني العربي المشارك في مؤتمر الاتحاد، أعقبها زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لدمشق، ولقاء الرئيس الأسد. ثم كانت اللقطة الأبرز بمشاركة الرئيس بشار الأسد في مؤتمر القمة العربية بدورته الـ32 في مدينة جدة، في 19 مايو/أيار الماضي، بعد غياب دام 11 عاماً، على خلفية تظاهرات كانت بداية لأحداث عنف امتدت منذ 2011.

وبحسب محللين سياسيين محسوبين على تيار المعارضة المصرية تحدث إليهم "عربي بوست"، فإن الهجوم على حمدين صباحي يحمل أبعاداً عديدة، لأنه أثبت أنه ذهب إلى سوريا لخدمة أجندات بعينها، كما أنه وقع في معاداة تيارات ليبرالية لديها تحالفات مع منظمات حقوقية دولية ومحلية تقاوم بقاء الأسد في السلطة، كما أن الأمر يرتبط بمخاوف البعض من إعادة تقديم التيار القومي العربي، الذي مات إكلينيكيا، مرة أخرى للمنطقة العربية التي تبحث عن التقدم والديمقراطية.

كما اتفقوا على أن حراك صباحي الأخير يأتي في سياق صعود التيارات القومية في عدة دول حول العالم، بينها دول تأتي في مقدمة النظام العالمي، بينها روسيا، وكذلك التيار القومي في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يتزعمه الرئيس السابق دونالد ترامب، مازال متماسكاً ويحاول العودة للسلطة مجدداً، كما أن التيار القومي اليساري يتصاعد في إسرائيل الآن، وبوجه عام فإن العقد الأخير كان شاهداً على بزوغ تلك التيارات في دول عديدة، لكن بعيداً عن العالم العربي الذي يعاني فيه التيار أزمات عديدة.

وشددوا على أن انتقال مركز الثقل من مصر إلى دول الخليج، ودعم تلك الدولة لمسألة إعادة تقديم الأسد للرأي العام المحلي، يدعم خطوة صباحي الأخيرة، لافتاً إلى أن التيارات القومية تعول على هذا الدعم لإعادة تقديم نفسها عربياً من جديد، مشيراً إلى أن ذلك أمر بالغ الصعوبة، وسيكون بحاجة لسمات خاصة، وعوامل عديدة، ورؤى متطورة تضمن إعادة التسويق لها، وإقناع الشعوب العربية بأنها قادرة على إيجاد حلول لمشكلاتها.

أوضح مصدر حكومي مطلع لـ"عربي بوست"، أن زيارة حمدين صباحي لسوريا لم تأتِ بتنسيق مسبق مع أي جهات حكومية مصرية.

وأشار المصدر أن "ليس هناك ما يدفع للاعتراض على الزيارة من جانب أجهزة الدولة"، لأنها بالأساس لم تكن زيارة شخصية إلى الرئيس بشار الأسد، بل تأتي في سياق انعقاد المؤتمر القومي العربي، وأن سفر العديد من الشخصيات المصرية إلى سوريا خلال السنوات الماضية، التي قابلت الأسد أو أشخاصاً محسوبين على نظامه، لم يكن يشكل أزمة أو مشكلة أمنية أو سياسية.

مصدر مرتبط بالملف السوري في الخارجية المصرية قال لـ"عربي بوست" إن القاهرة لديها رغبة في تقديم كافة أشكال الدعم، كي تبقى سوريا دولة موحدة، والوقوف في وجه مساعي إفشال الدول والحفاظ على جيوشها الوطنية ومؤسسات الدولة، بما يخدم الأمن القومي العربي بوجه عام.

وأشار إلى أن الموقف المصري في سوريا أضحى يحظى بموافقة خليجية، بعد خلافات دبت في السابق، وهو ما يسهل عملية التطبيع الشعبي والحكومي مع الرئيس السوري ونظامه.

وأكد المصدر ما أشار إليه المصدر الحكومي السابق، بأن المواقف السابقة التي ناصر فيها حمدين صباحي قضايا لديها مرجعية بالتيار القومي العربي، تجعل الزيارة الحالية منطقية للغاية، ولا تحظى بأية حساسية حكومية، بل على العكس فإن ذلك سيكون التوجه في المستقبل، بما يجعل هناك إعادة نظر لكثير من الأحداث التي تعرضت لها المنطقة العربية منذ 2011.

وذكر مصدر حكومي مطلع ثالث أن الفترة القادمة ستشهد المزيد من هذه النوعية من اللقاءات، في محاولة للترويج لنظام بشار الأسد.

كما أشار إلى أن تحركات حمدين صباحي محسوبة بدقة من قبله، وتأتي في الوقت المناسب، وهو ما لا يثير أي حساسيات من قبل أجهزة الأمن أو الحكومة المصرية.

رغبة إقليمية لإعادة الأسد

زار صباحي سوريا بصفته الأمين العام للمؤتمر العربي القومي، وهو كيان غير رسمي يضم عدداً من السياسيين القوميين من مختلف الدول العربية، وذلك بعد أيام من انعقاد الدورة الثانية والثلاثين للمؤتمر، الذي أقيم يومي الأحد والإثنين الماضيين، في العاصمة اللبنانية بيروت، قبل لقاء الأسد يوم الأربعاء الماضي.

وقال مصدر مطلع قريب من حمدين صباحي، إن اللقاء الذي عقده المرشح الرئاسي الأسبق مع أمين حزب الله اللبناني حسن نصر الله في بيروت، الشهر الماضي، أثناء الإعداد لانعقاد المؤتمر القومي العربي، وكذلك الزيارة الأخيرة لسوريا، لا ينفصلان عن بعضهما البعض، وإن الحدثين ارتبطا برغبة دول إقليمية راعية للأسد ولزعيم حزب الله، وتسعى لإعادة تسويقهما عربياً.

وينتظر الأسد، بحسب المصدر ذاته، مرحلة جديدة من العلاقات مع الدول العربية التي قاطعت نظامه منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011، ويسعى لتوظيف استعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية لإعادة تقديم نفسه شعبياً، أما حسن نصر فمن المتوقع أن يبرز في الواجهة مجدداً حال تطور التراشق مع إسرائيل إلى حرب واسعة بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يتطلب خلق صورة ذهنية للمقاومة التي تراجعت شعبيتها مع دعمها لنظام الأسد.

خلافات داخلية

كشف المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، عن أن خلافات داخلية قد دبّت داخل المؤتمر القومي العربي، إذ سعت مجموعة داخله لإبراز حجم المآسي التي تعرضت لها المعارضة السورية خلال السنوات الماضية، غير أن التيار الأكبر رفض هذا التصور، واعتبر بعض المشاركين في الدورة الأخيرة للمؤتمر أن ذلك مؤشر على وجود أطراف تسعى لتقديم الرئيس السوري بصورة جديدة، خالية من أي انتهاكات تورط فيها.

ولم يُشر المصدر إلى طبيعة الدول التي زجّت بحمدين صباحي لأن يصبح مناصراً للأسد، بعد أن وجّه إليه انتقادات لاذعة في السابق، لكنه شدد على أن المحور الدولي الداعم لحزب الله والنظام السوري هو من دفع نحو هذا الاتجاه، وأن انفتاح دول الخليج على نظام الأسد، واستضافته أكثر من مرة على أراضيها، وبخاصة دولة الإمارات، ساعد على إجراء اللقاء ومهد له، عبر لقاء حسن نصر الله في منتصف يونيو/حزيران الماضي.

وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة داعمة لعودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية، واستقبلت أبوظبي الرئيس بشار الأسد مرتين، الأولى في العام الماضي، والثانية في شهر مارس/آذار الماضي، وكان الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، من أوائل وزراء الخارجية العرب الذين زاروا دمشق عقب الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا، في شهر فبراير/شباط الماضي.

وسبق أن هاجم حمدين صباحي عام 2012 النظام السوري، مؤكداً أن دماء الأطفال السوريين ستلاحق النظام حتى النهاية، وهو ما جعل الاتهامات تطاله مجدداً، باعتبار أنه يعاني من شيزوفرينيا سياسية، وأثر ذلك سلباً على مساعي تعويم نظام الأسد عربياً، بعد أن ظهر كطرف يسعى لشراء الأصوات القومية، وتغيير مواقفها لصالح دعم استمراره على رأس السلطة.

وقالت الرئاسة السورية في بيان لها مساء الأربعاء، إن اللقاء بين الأسد ووفد المؤتمر العربي القومي، "تركز حول العروبة والفكر القومي، والانتماء والهوية، ودور الأحزاب العربية تجاه الشارع العربي، في ظل التحديات المتزايدة والغزو الفكري الغربي، ودعم سوريا في مواجهة العقوبات والحصار الظالم".

من جانبه أكد الوفد على "ضرورة العمل في المرحلة القادمة من أجل تفعيل دور الأحزاب والمنظمات الشعبية، للاستفادة من الأجواء الإيجابية على الساحة العربية، لدعم المساهمة الشعبية في مسيرة إعمار سوريا، وكسر كل أشكال الحصار عليها".

شخص متلون

وقالت سياسية مصرية من التيار المدني في المعارضة المصرية، لكنها رفضت ذكر اسمها، إن صباحي أضرّ بالمعارضة المصرية، وكذلك أضر بالنظام السوري الذي حاول توظيفه للتسويق لنفسه شعبياً، مشيرة إلى أن السياسيين لا بد أن يكونوا أصحاب مواقف ومبادئ لا يتزعزعون عنها.

وقالت لـ"عربي بوست" إن إدانة صباحي النظام السوري، وتأكيده بأن الأسد قاتل لشعبه أمر لا يمكن محوه من الذاكرة، كما أنه ذهب إلى دمشق دون أن يقدم مبررات ذهابه للمواطنين الذين ينظرون إليه باعتباره رمزاً سياسياً معارضاً.

تشير السياسية ذاتها، وهي نائبة سابقة بالبرلمان المصري، إلى أنه لم يستجدّ شيء يدفع لتغيير الموقف؛ لأن بعض أنصار التيار القومي، الذي يوهم صباحي أنصاره بأنه يدافع عنهم مازالوا في سجون الأسد، كما أن أيديولوجيته السياسية لا يمكن أن تأتي على حساب المبادئ، وبالتالي فقد ظهر شخصاً متلوناً لخدمة أغراض سياسية وإقليمية مشبوهة.

وتعتقد أن تحرك صباحي لا يمكن أن يتم دون أن يكون مدفوعاً نحو تحقيق مصالح أطراف بعينها، وأن تبديل موقفه 180 درجة يؤشر على أن موجة دعم الأسد وإعادة تقديمه بصورة الرئيس القومي الناصري مرتفعة للغاية، كما أن لذلك ثمناً باهظاً بالطبع، والأزمة في أن المعارضة المصرية تتورط في مثل هذه المؤامرات التي تخصم من رصيدها الشعبي في الداخل والخارج، خاصة أن التصرفات الأخيرة ليست مبررة، ولم يواجه صباحي الرأي العام المحلي، أو يقنعه بما أقدم عليه من تحركات سياسية، سواء أكان ذلك عند لقاء حسن نصر أو بشار الأسد.

تلفِت السياسية ذاتها إلى أن الحراك الذي قاده عدد من قيادات الحركة المدنية الديمقراطية- أغلبهم ينتمون إلى تيار الكرامة- من المنضمين إلى "الملتقى العربي والدولي لفك الحصار عن سوريا"، للترويج لتلك الفعاليات على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، أثار انتقادات عدد من الأحزاب المشاركة في الحركة المدنية، وكان ذلك من أسباب إنشاء التيار الليبرالي الحر، الذي ضمّ مجموعة من الأحزاب الليبرالية، التي وجدت أنها قد يتم الزج بها لدعم الأسد.

وشنّ السياسي المصري خالد داود، المتحدث باسم الحركة "المدنية الديمقراطية" المصرية، وعضو الحوار الوطني، هجوماً شديداً على صباحي، وقال داود عبر منشور له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إنه يرفض بشكل قاطع لقاءه بالرئيس الأسد. وتابع: "هذه المقابلة لا تمثل المعارضة المصرية أو الحركة المدنية، وقام بها أستاذ حمدين بصفته الأمين العام للمؤتمر القومي العربي. عاشت ثورة الشعب السوري".

فرصة مواتية

أشار مصدر مطلع في التيار الناصري المصري إلى أن صباحي وظف الترويج لإعادة تقييم ما حدث في سوريا بالعام 2011، وحملات التشكيك المستمرة من أنظمة عربية طبّعت علاقاتها مع الأسد لاتخاذ قراره، وأن إقدام وسائل إعلام عربية محسوبة على أنظمة تقاربت أخيراً مع الأسد، جعل صورة الأخير تتغير في أذهان قطاعات شعبية، وهو ما كان عاملاً مساعداً نحو إقناع السياسي المصري بالذهاب إلى سوريا.

ويرى أن تحريك قوى خارجية للأحداث في سوريا، ووجود تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة هناك، يجد المبررات المواتية لحمدين صباحي، للتأكيد على أنه يدعم القومية العربية، ويرفض أي أنواع من الاحتلال الأجنبي للبلدان العربية، مشيراً إلى أن قناعات صباحي الأولية كانت ترى أن ما جرى في سوريا كان ثورة على نظام الأسد، لكن رؤاه وكذلك آراء العديد من الناصريين تبدلت بعد فترة وجيزة، بل إن كثيراً من السياسيين المصريين المحسوبين على التيار الناصري، دائمو التردد على دمشق بين الحين والآخر، وأضحوا مدافعين بشكل كبير عن توجهات النظام السوري.

يعتقد المصدر ذاته أن صباحي وجد أن المؤتمر القومي العربي فرصة مواتية لتحريك مواقفه بشكل علني، وأن تعيينه على رأس ملتقى لديه مواقف واضحة من نظام الأسد، ساعده على نقل مواقفه من خانة المعارضة إلى الموالاة للنظام السوري، وأنه تعرض لضغوطات كبيرة من قوى داخلية وخارجية محسوبة على التيار القومي لإعلان موقفه الأخير، وقد يكون ذلك في مقابل تقديم مزيد من الدعم للتيار الناصري في مصر، والذي يقبع أغلبه في خانة المعارضة.

ورغم أن صورة النظام السوري قد تغيرت في أذهان بعض الشعوب العربية، جراء التغييرات السياسية الأخيرة في مواقف حكوماتها، فإن هناك تيارات محسوبة على فئات شاركت في الاحتجاجات العربية، أو ما يجري توصيفه بأنه "ثورات الربيع العربي"، ما زالت تحضر في أذهانها شعارات مجابهة الاستبداد والفساد، وفقاً للمصدر ذاته، والذي شدد على أن زيارة صباحي كانت ستأخذ منحى تصاعدياً أكبر من ذلك، في حال جرت قبل ثلاثة أعوام مثلاً، في وقت كانت الدول العربية تتعامل معه على أنه شخص تسبب في تخريب بلاده.

وشهدت الأشهر الماضية تقارباً عربياً رسمياً مع نظام الأسد، واستقبلت دمشق وفوداً عربية، بينها وفد برلماني من 8 دول عربية، يمثل الاتحاد البرلماني العربي المشارك في مؤتمر الاتحاد، أعقبها زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لدمشق، ولقاء الرئيس الأسد. ثم كانت اللقطة الأبرز بمشاركة الرئيس بشار الأسد في مؤتمر القمة العربية بدورته الـ32 في مدينة جدة، في 19 مايو/أيار الماضي، بعد غياب دام 11 عاماً، على خلفية تظاهرات كانت بداية لأحداث عنف امتدت منذ 2011.

وبحسب محللين سياسيين محسوبين على تيار المعارضة المصرية تحدث إليهم "عربي بوست"، فإن الهجوم على حمدين صباحي يحمل أبعاداً عديدة، لأنه أثبت أنه ذهب إلى سوريا لخدمة أجندات بعينها، كما أنه وقع في معاداة تيارات ليبرالية لديها تحالفات مع منظمات حقوقية دولية ومحلية تقاوم بقاء الأسد في السلطة، كما أن الأمر يرتبط بمخاوف البعض من إعادة تقديم التيار القومي العربي، الذي مات إكلينيكيا، مرة أخرى للمنطقة العربية التي تبحث عن التقدم والديمقراطية.

كما اتفقوا على أن حراك صباحي الأخير يأتي في سياق صعود التيارات القومية في عدة دول حول العالم، بينها دول تأتي في مقدمة النظام العالمي، بينها روسيا، وكذلك التيار القومي في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يتزعمه الرئيس السابق دونالد ترامب، مازال متماسكاً ويحاول العودة للسلطة مجدداً، كما أن التيار القومي اليساري يتصاعد في إسرائيل الآن، وبوجه عام فإن العقد الأخير كان شاهداً على بزوغ تلك التيارات في دول عديدة، لكن بعيداً عن العالم العربي الذي يعاني فيه التيار أزمات عديدة.

وشددوا على أن انتقال مركز الثقل من مصر إلى دول الخليج، ودعم تلك الدولة لمسألة إعادة تقديم الأسد للرأي العام المحلي، يدعم خطوة صباحي الأخيرة، لافتاً إلى أن التيارات القومية تعول على هذا الدعم لإعادة تقديم نفسها عربياً من جديد، مشيراً إلى أن ذلك أمر بالغ الصعوبة، وسيكون بحاجة لسمات خاصة، وعوامل عديدة، ورؤى متطورة تضمن إعادة التسويق لها، وإقناع الشعوب العربية بأنها قادرة على إيجاد حلول لمشكلاتها.

“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟

بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى. 

نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”

تحميل المزيد