استحوذت تركيا على قاعدة بيانات ثمينة تخص تنظيم داعش الإرهابي، وتحتوي على أسماء ومعلومات نحو 9952 من "الذئاب المنفردة"، وذلك إثر عملية ناجحة نفذتها شرطة إسطنبول على مدار الأشهر الماضية، وفق ما ذكرته صحيفة Daily Sabah التركية.
الصحيفة التركية قالت في تقرير لها نُشر الأربعاء، 9 أغسطس/آب 2023، إنها حصلت على تفاصيل العملية التي بدأت من مقهى في إسطنبول، وانتهت بالقبض على مشتبهٍ به وفي حيازته قاعدة البيانات داخل مطار إسطنبول.
قواعد بيانات عن "الذئاب المنفردة"
تحتوي قاعدة البيانات على معلومات السيرة الذاتية لإرهابيي "الذئاب المنفردة"، بدايةً من مهاراتهم ووصولاً إلى محالّ إقامتهم ومعلومات هويتهم.
حسب الصحيفة تعلم غالبية أجهزة الاستخبارات بوجود قاعدة البيانات المذكورة، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وجهاز الاستخبارات البريطاني والموساد.
كما كلّفت أجهزة الاستخبارات 40 عميلاً في طاجيكستان، وأوزبكستان، وباكستان بتتبع قاعدة البيانات المعروف أنها موجودة في حيازة أعضاء داعش بتلك الدول.
كانت قاعدة البيانات أول الأمر في حيازة زعيم داعش أبو بكر البغدادي، الذي قُتِلَ في 27 أكتوبر/تشرين الأول عام 2019. وفتّش عملاء الولايات المتحدة كل شبرٍ من المنطقة التي قُتِلَ فيها البغدادي بسوريا.
لكنهم اكتشفوا أن قاعدة البيانات الخاصة بـ"الذئاب المنفردة" خرجت من المكان منذ فترةٍ طويلة، وصارت في حيازة خليفة البغدادي، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي. وفي تلك الأثناء كانت وحدات الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في شرطة إسطنبول تنفذ عمليات ضد تنظيم داعش.
اكتشفت تلك الوحدات محادثةً مثيرة للريبة بين الأهداف الاستخباراتية التي كانت تراقبها، حيث اكتشفوا "عملية تبادل" وشيكة لـ"شحنة" تخص داعش، لكنهم لم يكونوا على علمٍ بمحتوياتها.
فيما أسفرت المحادثة التي جرت بين مقاتل أجنبي من داعش وبين المتعاونين معه محلياً، عن توسيع عملية المراقبة أكثر.
كيف وصلت إلى تركيا؟
قال مدير مكافحة الإرهاب في شرطة إسطنبول، عبد الرحمن سوغوكسو، إن قاعدة البيانات كانت موضوع محادثة جرت خلال اجتماع بين محمد جيليك، وزين الدين تشاليشكان، وحكمت علييف، وسايمور رزاييف، وإلياس يلدريم في أحد المقاهي.
كان الرجال الذين تربطهم علاقة بالمخابرات الإيرانية يتحدثون عن "شحنة رقمية" معروضة للبيع بواسطة أعضاء داعش، الذين سرقوها من قيادة التنظيم الإرهابي، وناقشوا كيفية الحصول عليها لصالح المخابرات الإيرانية.
فيما كشفت المراقبة التركية أن أعضاء داعش المستحوذين على قاعدة البيانات قد تفاوضوا على بيعها إلى خمسة رجال، دون أن يدركوا علاقتهم بالمخابرات الإيرانية، وذلك مقابل سعر يبلغ 8.5 مليون يورو (9.33 مليون دولار).
اتفق الجانبان على تسليم قاعدة البيانات في إسطنبول، وبعد مضي أشهر من المفاوضات أخطرت وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية الرجال بأنها مستعدة لدفع الثمن المطلوب، بعد أن اطلعت على "مقتطف" من قاعدة البيانات.
وصل حامل قاعدة البيانات الداعشي إلى إسطنبول لإتمام البيع، بالتزامن مع إطلاق شرطة إسطنبول عمليتها، وجرى اعتراض الرجل داخل صالة الوصول في مطار إسطنبول، والعثور على قاعدة البيانات في حوزته، كما اعتقلت الشرطة الرجال الخمسة الذين تعاونوا مع المخابرات الإيرانية.
يُذكر أن سايمور رزاييف هو مواطن أذربيجاني الجنسية من أصول إيرانية، وكان متورطاً في مشروع سري لتطوير المركبات الجوية غير المأهولة بإيران.
فيما يُدير الإيراني علييف شركة شحن بين تركيا والدول الناطقة بالتركية. بينما عمل رجلا الأعمال تشاليشكان وجيليك في مجال توريد قطع الغيار لمشروعات الدفاع الاستراتيجي الإيرانية.
الكل يسعى خلف المعلومات السرية
مثّلت قاعدة بيانات "الذئاب المنفردة" قطعةً محورية في حملة مطاردة دولية استمرت لوقت طويل، إذ تحوي كافة معلومات الذئاب المنفردة في الولايات المتحدة، وكندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، وهولندا، والسويد، والنرويج، والدنمارك، وسويسرا، والنمسا، وإسبانيا.
يُمكن وصف الذئاب المنفردة بأنها الخلايا النائمة من أعضاء داعش في جميع أنحاء العالم.
كان القرشي يُدرك أن أجهزة المخابرات الأجنبية تبحث عن قاعدة البيانات، ولهذا قرر إرسالها إلى بلد آخر، لكن الرجل الذي كلفه القرشي بنقل قاعدة البيانات اكتشف محتوياتها، وقرر بيعها لحسابه الشخصي.
نجح الرجل في الاختفاء، لكن أعضاء داعش عثروا عليه، فزعم أنه فقد قاعدة البيانات ورفض الاعتراف، رغم أن محققي التنظيم قطعوا كلتا قدميه. ولم تصدق قيادة داعش أن قاعدة البيانات قد ضاعت ببساطة، وبدأوا في مطاردة المشتبه بهم الذين ظنوا أنهم سرقوا قاعدة البيانات.
في النهاية أعدم التنظيم عضواً في أوزبكستان وعضوين في سوريا من المشتبه بهم في جريمة السرقة، لكن التنظيم فشل في تحديد موقع القائمة الثمينة التي تضم بيانات الذئاب المنفردة.
يُذكر أن إرهابيي داعش وغيرها من التنظيمات، مثل حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب التابعة له في سوريا، يعتمدون على شبكة من أعضائهم وأنصارهم داخل تركيا. وقد استجابت أنقرة لذلك بتكثيف حملتها ضد الإرهابيين والأشخاص المرتبطين بهم داخل البلاد، ونفذت عمليات متقنة ضدهم، وجمّدت أصولهم، لاقتلاع التنظيمات الإرهابية من جذورها.