ماذا يعني فوز محمد تكالة؟ محللون: الخلاف مع حكومة الدبيبة والموقف من النواب وراء خسارة المشري

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/08 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/08 الساعة 14:05 بتوقيت غرينتش
محمد تكالة انتخب رئيسا جديدا للمجلس الأعلى للدولة بعد فوزه أمام المشري - الأناضول

يُعدّ فوز محمد تكالة برئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، تطوراً مهماً في المشهد السياسي، قد يعيد ترتيب الأوراق بالنسبة لأطراف الصراع، بحسب محللين رأوا أن علاقاته، لا سيما مع حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة من أبرز الأمور التي تستحق تسليط الضوء عليها، لا سيما أن المجلس كان على خلافات حادة مع الحكومة في طرابلس.

تداعيات كثيرة قد يترتب عليها فوز محمد تكالة برئاسة المجلس الأعلى للدولة، ما تعكسه تساؤلات مهمة إثر فوزه وخسارة سابقه خالد المشري، فهل سيستمر المجلس في دعوته لتشكيل حكومة جديدة؟ وماذا عن موقفه من التعديل الدستوري الـ13، ومخرجات لجنة 6+6، والموقف من الانتخابات وخارطة الطريق؟

بحسب ما هو معلن من مواقف محمد تكالة، فإنه من معارضي التعديل الدستوري الـ13، ولجنة 6+6 المشتركة بين مجلسي الأعلى للدولة والنواب، التي أوكلت إليها مهمة إعداد قوانين الانتخابات، وخارطة الطريق، رغم أنه من الشخصيات البارزة في المجلس المؤيدة للتوافق.

من جهته، قال عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد شرادة، لـ"عربي بوست" إن التغير الذي طرأ على رئاسة المجلس، لا يعني إحداث تغييرات في علاقاته ومواقفه، قائلاً: "التوجه نحو المصالحة الوطنية والاستقرار هو هدف جميع أعضاء المجلس الأعلى للدولة بكل تأكيد، ولا يمكن قول عكس ذلك، وسيتعامل المجلس مع الجميع، بحسب العلاقة التي تربطه بالسلطات الأخرى، بحسب الاتفاق السياسي".

وتابع بأنه من وجهة نظره، فإن "العلاقة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة يحكمها الاتفاق السياسي، بالتالي سيكون هناك اتفاق في الاستحقاقات المتفق عليها، وأهمها الذهاب إلى الانتخابات في أسرع وقت"، معتبراً أن "هذا الأمر يؤكد استمرار العلاقة مع مجلس النواب".

حكومة الدبيبة والتعديل الدستوري الـ13

حول اختيار محمد تكالة، قال المحلل السياسي عصام الزبير، لـ"عربي بوست"، إن "المجلس الأعلى للدولة يتميز بدورة عام واحد لكل مترشح، على عكس مجلس النواب، الذي لم تحدث فيه انتخابات نهائياً، وأتمنى أن يتوجه تكالة نحو المصالحة والاستقرار، وربما علينا الانتظار لمعرفة ما الذي سيقدمه الرئيس المنتخب في هذا الصدد".

وأضاف أنه رغم مواقف محمد تكالة من التعديل الدستوري الـ13 وحكومة الدبيبة، فإن "القرار سيتوقف على ما يخرج من قاعة المجلس بالتصويت، وبتطبيق اللائحة الداخلية، وأن تكون القرارات صحيحة ونافذة من خلال ذلك".

وكان أول مهنئي تكالة بفوزه برئاسة المجلس الأعلى للدولة، رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، الذي خاض في الفترة الأخيرة معركة سياسية طاحنة مع خالد المشري، الذي بدوره توصل إلى توافقات مع عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، على تشكيل حكومة جديدة للإشراف على الانتخابات.

وأشار الزبير إلى أن الموقف من التعديل الدستوري الـ13، عمل على الانقسام داخل المجلس الأعلى للدولة، وكذلك الأمر بالنسبة لتشكيل لجنة 6+6.

ومن المتوقع أن يعيد محمد تكالة النظر في التعديل الدستوري الـ13، الذي تم الطعن عليه في الدائرة الدستورية للمحكمة العليا، أو سيعيد التصويت عليه من أجل إسقاطه، بضغط من الكتلة الرافضة للتعديل.

وإذا تم إسقاط التعديل الدستوري الـ13، فإن كل ما ترتب عليه سيصبح غير ملزم، وبالأخص خريطة الطريق، التي توافقت عليها لجنة 6+6 المشتركة، التي تنص على تشكيل حكومة مصغرة وإجراء الانتخابات بعد 240 يوماً من دخول قوانين الانتخابات حيز النفاذ.

محمد تكالة أكد أنه يريد الذهاب إلى الانتخابات في أول كلمة له رئيسا للمجلس - مواقع التواصل
محمد تكالة أكد أنه يريد الذهاب إلى الانتخابات في أول كلمة له رئيسا للمجلس – مواقع التواصل

وفي 7 فبراير/شباط 2023، أقر مجلس النواب التعديل الدستوري الـ13 (دستور مؤقت وضع بعد الإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011)؛ ليصبح "قاعدة دستورية" تجري عبرها الانتخابات البرلمانية والرئاسية المنتظرة.

وأشار المحلل السياسي الليبي، إلى أن "محمدتكالة تعهّد بأنه سيعمل على تجميع المجلس، وأن دوره سيكون أقوى، وسيتجه نحو الانتخابات المنتظرة، وقد يختلف الحال عما كان عليه سابقاً، إذ لن يُترك لرئيس المجلس الانفراد بالقرارات".

ولفت في حديثه لـ"عربي بوست"، إلى أن "عودة الخلافات تأتي بالانفراد بالقرار، سواء عن طريق شخص أو تيار معين بتأثيره على الرئيس، لأن الشفافية التي وجدت في الانتخابات عكست كذلك حقيقة الصراعات حتى داخل المجلس، خاصة أن عدد الأصوات بين المشري ومحمد تكالة لم يكن الفارق بينهما كبيراً، وهذا دليل على وجود الخلاف داخل المجلس".

وقال: "نتمنى أن يتجه المجلس في اتجاه وطني نحو حل الأزمة، والتوجه نحو الانتخابات".

أما عن الموقف من حكومة الدبيبة، فيعتقد الكاتب والباحث السياسي الليبي، محمد محفوظ، أن محمد تكالة لن يكون داعماً للدبيبة، بل كان تكالة الخيار الوحيد أمام رئيس حكومة الوحدة للإطاحة بالمشري، وفق قوله.

وأضاف أن "موقف حكومة الدبيبة بدعم تكالة كان موقف إجبار وليس خياراً، لأن مسألة تغيير الحكومة من عدمه ليست قضية حاسمة بالنسبة لتكالة على عكس المشري".

وتابع: "ربما هذا سبب الإطاحة بالمشري، لأن الأخير استفرد بالقرار في الفترة الماضية داخل المجلس، وسبب هذا الأمر حالة غضب كبيرة داخل أروقته، في حين أن تكالة لن يستطيع أن يفرض قراراته داخل المجلس، وسيلجأ للتصويت بكل تأكيد، بالتالي فإن قضية تغيير الحكومة وإن تمت، لن تكون بذات الآلية والنهج السابق الذي كان يسير عليه المشري، وذلك وفق حالة العداء الواضحة بينه وبين الدبيبة".

ولفت إلى أن "قضية الانتخابات وباقي الاستحقاقات، مرتبطة بعوامل أخرى، ولن يستطيع مجلس الدولة وحده تحقيق هذا الأمر، ولكن الميزة في تغيير المشري بتكالة، هو تجديد وإعطاء أمل وفرصة للتغيير، وهذا الأمر ليس مؤكداً، ولكن الكثير من الأعضاء يرون أنه حتى لو كان تكالة سيئاً فهو الخيار الأفضل، لأنه سيكون ملتزماً بنتائج تصويت الأعضاء داخل المجلس بشأن القضايا المطروحة".

محمد تكالة ومجلس النواب

ووصف محفوظ علاقة محمد تكالة بمجلس النواب، بأنها ستكون مليئة بالأحداث، ففي حال تصويت الأخير على قوانين 6+6 وتمريرها بتعديلات أو من دون تعديلات، فإن هذا الأمر لن يحظى بالقبول داخل مجلس الدولة، الذي يحتوي على كتلة كبيرة رافضة لذلك، بالتالي فإن حالة الخلاف ستكون ظاهرة للعلن".

وعبّر عن اعتقاده بأن "حالة الخلاف التي ستظهر للسطح بين المجلسين، ستستدعي التعويل على المجتمع الدولي لترميم هذه العلاقة مع الرئاسة الجديدة".

وليس من المستبعد أن يعارض تكالة تشكيل حكومة جديدة، بدلاً عن حكومة الوحدة بقيادة الدبيبة، بالنظر لحاجته إلى دعم الأخير، على الأقل في الأشهر الأولى من ولايته، ما سيعيد الحوار بين المجلسين الأعلى للدولة والنواب إلى نقطة الصفر.

رغم أن تكالة، الحاصل على دكتوراه في المحاسبة من المجر، لا يصنف من الصقور في مجلس الدولة، بل من المؤيدين للحوار مع مجلس النواب، والحاجة إلى حكومة واحدة لتنفيذ الانتخابات.

المعركة الأخرى التي من المنتظر أن يخوضها تكالة، متعلقة بتعديل مجلس النواب لقانون تنظيم القضاء، الذي أتاح له صلاحية تعيين رئيس المجلس الأعلى للقضاء بدل هيئة التفتيش القضائي.

واستغل مجلس النواب ذلك في تعيين مفتاح القوي، رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء، رغم صدور حكم من الدائرة الدستورية بعدم دستورية تعديل قانون التنظيم القضائي، وبالتالي تثبيت عبد الله أبو رزيزة، في منصبه رئيساً للمجلس، بدعم من حكومة الدبيبة.

محمد تكالة لديه علاقات جيدة مع حكومة الدبيبة على عكس المشري - رويترز
محمد تكالة لديه علاقات جيدة مع حكومة الدبيبة على عكس المشري – رويترز

وكان لدى تكالة مواقف رافضة لمحاولة "تدجين القضاء أو إقحامه في الصراعات السياسية".

وقد يدخل مجلس الدولة برئاسة تكالة، في صراع مع مجلس النواب الذي يستعد لمناقشة قوانين الانتخابات التي توافقت عليها لجنة 6+6 رغم أنها ملزمة، ما يهدد بانهيار تلك التوافقات المتشكلة في عهد المشري، وسيشرع الطرفان في حوار جديد.

غير أن المجلسين لا يملكان الكثير من الوقت، فالمبعوث الأممي عبد الله باتيلي، يسعى لإطلاق مسار تفاوضي شامل يضم أطرافاً جديدة، بما فيها المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة وبعض القيادات الأمنية.

لماذا خسر المشري؟

رغم أن المشري فاز برئاسة الأعلى للدولة 5 مرات متتالية، منذ 2018، والتي تجرى مرة كل عام، لكنه خسر الانتخابات السادسة بفارق 5 أصوات فقط.

عكست نتيجة الانتخابات الأخيرة، انقساماً حاداً داخل المجلس، لا سيما أن المشري وتكالة لديهما مواقف متعارضة، بما يتعلق بملفات العلاقة مع الدبيبة وتشكيل لجنة 6+6 والتعديل الدستوري الـ13، ففي حين أن الأول يؤيدها، فإن الثاني الفائز مؤخراً برئاسة المجلس يعارضها جميعها.

كان لافتاً في الانتخابات الأخيرة لرئاسة المجلس الأعلى، تصويت المجموعة الداعمة للدبيبة في المجلس لتكالة، وانضمت إليها مجموعة أخرى من حركة العدالة والبناء (إسلامية) ما سمح بحسم المعركة لمصلحة تكالة في الجولة الثانية.

وكان المشري في صراع مع الدبيبة طوال الفترة الماضية، والأخير يملك جناحاً في مجلس الدولة، بالإضافة إلى أن مضي الرئيس السابق للمجلس في توافقات مع عقيلة صالح، رأى فيها بعض الأعضاء تراجعاً عن المواقف المبدئية المعلنة، خاصة ما تعلق بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية للرئاسة، بحسب تصريحات أعضاء لوسائل إعلامية مختلفة.

أما التعديل الدستوري الـ13، الذي أقرّه مجلس النواب وأصدره في الجريدة الرسمية قبل تصديق المجلس الأعلى للدولة عليه، قسّم الأخير إلى فئتين، الأولى تلتف حول المشري، والثانية تتشكل من 54 عضواً اعترضت على التعديل وقاطعت الجلسات.

وما زاد في استياء الكتلة المعارضة للمشري، تنازل ممثلي مجلس الدولة في لجنة 6+6 عن رفض ترشح مزدوجي الجنسية في الجولة الأولى من الانتخابات، ثم تمرير خريطة طريق الانتخابات بـ36 صوتاً من إجمالي 137 عضواً، حضر منهم 56 عضواً، أي أقل من ثلثي الحاضرين.

خالد المشري خسر أمام محمد تكالة بفارق 5 أصوات فقط - صفحة الأعلى للدولة على فيسبوك
خالد المشري خسر أمام محمد تكالة بفارق 5 أصوات فقط – صفحة الأعلى للدولة على فيسبوك

إلا أن المجلس اشترط على من يصل إلى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، أن تبقى عليه كل الشروط بما فيها عدم ازدواجية الجنسية، وألا يكون عسكرياً.

أما الزبير، فقال لـ"عربي بوست"، إن "المشري كان يمرر قرارات جدلية في المجلس وفق ما يفاضله هو، ما جعل بعض الأعضاء ينشقون عن المجلس بسبب معارضتهم لهذه القرارات، بالتالي خسر قوة تصويتية".

سبب آخر وراء غضب مجموعة من أعضاء المجلس الأعلى للدولة من المشري، يتمثل في تعديل مجلس النواب قانون التنظيم القضائي وتعيينه "مفتاح القوي" على رأس المجلس الأعلى للقضاء، الأمر الذي ترك انطباعاً سلبياً لدى أعضاء مجلس الدولة والقوى الفاعلة في المنطقة الغربية.

وكان للمشري قبل ذلك وقفة صارمة عندما قرر مجلس النواب إنشاء محكمة دستورية بدل الدائرة الدستورية، أجبر فيها الأخير على التراجع وتجميد التعديل القانوني.

يشار إلى أن المشري فاز في الجولة الأولى لانتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة بفارق 10 أصوات عن أقرب منافسيه الثلاثة، بعد نيله 49 صوتاً من إجمالي 129 صوتاً مشاركاً (137 مجموع الأعضاء)، مقابل 39 صوتاً لمحمد تكالة، و36 لناجي مختار، و4 لنعيمة الحامي.

لكن المشري، خسر الجولة الثانية بفارق 5 أصوات فقط، بعد حصوله على 62 صوتاً مقابل 67 صوتاً لتكالة، من إجمالي 131 عضواً شارك في التصويت.

تحميل المزيد