حذر رئيسان سابقان في الاستخبارات الألمانية، من أن البلاد أصبحت مضطرة إلى الاستعانة بمصادر خارجية، مثل وكالات الاستخبارات الأجنبية، من أجل حماية أمنها، وأشارا إلى أن السبب في ذلك أن أجهزة الاستخبارات الألمانية الحالية مكبَّلة بقيود البيروقراطية في عملها.
صحيفة The Times البريطانية، قالت الأحد 6 أغسطس/آب 2023، إنه في انتقاد علني للجهاز من رئيسين سابقين له، جادل أوغست هانينغ وغيرهارد شندلر، بأن دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية لديها ثغرات فادحة في استخباراتها، لأنها لا تملك القوة ولا الموارد لتجنيد المصادر اللازمة في الخارج.
يرى المسؤولان السابقان أن جهاز الاستخبارات الألماني تدهور إلى درجة أصبح كـ"كلب حراسة بلا أسنان، مكمَّم ومغلول بسلسلة حديدية"، وفق قولهما.
شكَّك المسؤولان كذلك في القدرات التكنولوجية لأجهزة الأمن الألمانية، واقترحا تجميعها في وكالة واحدة على غرار "مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية" أو وكالة الأمن القومي الأمريكية.
بحسب الصحيفة البريطانية، فإن مجموعة من "الحوادث المؤسفة" فيما يتعلق بروسيا وأوكرانيا، أدت إلى زيادة الضغط على دائرة الاستخبارات الألمانية، فعلى سبيل المثال، كان رئيس الوكالة، برونو كال، محاصراً في كييف عندما غزا الروس أوكرانيا العام الماضي، واقتضى ذلك إخراجه في عملية محفوفة بالمخاطر.
بعد ذلك، تصاعدت الانتقادات في أعقاب اعتقال ضابط كبير في دائرة الاستخبارات الألمانية للاشتباه في تجسسه على بلاده لصالح موسكو؛ علاوة على ذلك، فشل الجهاز في تنبيه الحكومة إلى التمرد الروسي الوشيك على يد يفغيني بريغوجين.
هذه النكسات المتتالية أدت إلى تعاظم المخاوف الطويلة الأمد بشأن مصداقية وفاعلية دائرة الاستخبارات الألمانية، التي قيَّد القانون الألماني صلاحياتها تقييداً غير معهود، إذ تخضع أنشطتها للتدقيق من 7 هيئات خارجية على الأقل.
ويعتمد جهاز الاستخبارات الألماني على المعلومات الواردة إليه من الحلفاء، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، ويُقال إن ألمانيا لم تعرف بأمر عميل روسيا في جهاز استخباراتها إلا بعد تحذير سري من جهاز استخبارات أجنبي.
مع ذلك، فإن هناك مخاوف الآن من أن الشركاء يحجبون المعلومات عن دائرة الاستخبارات الألمانية خشيةَ تسريبها إلى الروس.
في هذا السياق، قال هانينغ (رئيس الجهاز من 1998 إلى 2005)، وشندلر (رئيس الجهاز من 2012 إلى 2016)، يوم الأحد 6 أغسطس/آب 2023، إن الحلفاء لم يعودوا يعاملون ألمانيا معاملة الندِّ لهم، لأن أجهزتها الأمنية صارت خاضعة لـ"أغلال بيروقراطية ممتدة" من 7 هيئات رقابة خارجية على الأقل.
المسؤولان السابقان كتبا في مقال مشترك لصحيفة Bild am Sonntag الألمانية: "لا يمكننا على المدى الطويل أن نواصل تكليف وكالات خارجية باستخبارات الإرهاب في ألمانيا، وحماية جنودنا في المهمات الخارجية".
كانت ألمانيا قد شهدت نزاعاً امتد سنواتٍ طويلة، حول مقدار السلطات الممنوحة لتدابير المراقبة الإلكترونية بالأجهزة الأمنية، وأفضى ذلك إلى تشديد القيود المفروضة على دائرة الاستخبارات الألمانية في التجسس على الاتصالات الرقمية منذ عام 2020، إذ قضت أعلى محكمة في ألمانيا بأن الأساس القانوني الغامض لهذه الأنشطة مخالف لدستور البلاد.
في هذا السياق، قال شندلر وهانينغ إن الكثير من الألمان يرون في أجهزة الاستخبارات خطراً وليس دعامة "لا غنى عنها" لسلامتهم. وكتبا أنه "يجب على السياسيين والمحاكم أن يتوقفوا عن تشويه سمعة أجهزة الاستخبارات"، بل "يجب استيعاب خدمات الاستخبارات والتعامل معها بوصفها عنصراً لا غنى عنه في بنيتنا الأمنية. وهذه طبيعة الأمور لدى شركائنا الغربيين، فهذا أساس أي ثقافة أمنية حديثة، وقد تأخرنا في المضي بهذا السبيل".
زعم هانينغ وشندلر أيضاً، أن ثقافة النفور من المخاطرة كبَّلت مساعي دائرة الاستخبارات الألمانية في الحصول على مصادر استخباراتية في الخارج، وكثيراً ما حجبت عن ألمانيا التطورات المهمة حتى فوات الأوان.
أضافا أنه "كلما اقتربت المصادر من الأحداث، زادت قيمة المعلومات التي تقدمها"، وهذا هو المبدأ الذي تعمل على أساسه وكالات الاستخبارات في العالم، أما ألمانيا فتسير في الاتجاه المعاكس: "أي تجنب المخاطر حيثما أمكن ذلك. وربما يريح ذلك ضمائر السياسيين، ولكنه يؤدي إلى نقص كبير في المعلومات".