منها الخبز والبقوليات واللحوم والدواجن.. كيف سيُؤثر انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب على أسعار المواد الغذائية في مصر؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/07 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/07 الساعة 12:57 بتوقيت غرينتش
ارتفاع الأسعار في مصر لم يترك أي من السلع الأساسية حتى الخبز/ رويترز

بدأت تأثيرات انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود تظهر على أسعار المواد الغذائية في مصر، وسط توقعات بمزيد من الارتفاعات خلال الفترة المقبلة بالتوازي مع إعلان الهند (أكبر مصدر للأرز في العالم) وقف تصدير الأرز.

هذا الأمر وضع الحكومة المصرية التي تعتمد بشكل رئيسي على الحبوب المستوردة من روسيا وأوكرانيا أمام مشكلات كبيرة، في ظل حالة الغضب الداخلي من الارتفاعات المستمرة في أسعار السلع والخدمات.

وتعد مصر إحدى أكثر الدول تضرراً من قرار روسيا بالانسحاب من اتفاقية الحبوب، إذ إنها تُعد أكبر مستورد للقمح في العالم، كما أن روسيا وأوكرانيا تؤمنان نحو 80% تقريباً من احتياجات مصر من القمح، باعتبارها الدولة الأقل سعراً والأقرب من حيث المسافة لاستيراد القمح.

وكشف مصدر حكومي لـ"عربي بوست" أنهم يتوقعون حصول مشكلات في وصول الشحنات إلى مصر عبر البحر الأسود بعد إعلان موسكو بأن أي سفن تتحرك في المياه الأوكرانية ستعتبرها سفناً حربية.

وكشف مركز التنسيق المشترك الخاص باتفاقية تصدير الحبوب، أن شحنات الحبوب التي وصلت إلى مصر بموجب الاتفاق وصلت إلى 1.6 مليون طن من الحبوب.

وتُعتبر مصر خامس أعلى الدول بعد الصين وإسبانيا وتركيا وإيطاليا وهولندا الأكثر استيراداً للقمح، ما يشير إلى أنها كانت إحدى أكثر الدول استفادة خلال فترة تطبيق الاتفاق.

ورفعت مصر وارداتها من القمح بنحو 34% منذ بداية العام وحتى بداية أغسطس/آب 2023 لتصل إلى 5.66 مليون طن مقابل 4.22 مليون طن في الفترة نفسها من العام الماضي.

هذه الأرقام تدل على ارتفاع معدلات الاستهلاك التي تتأثر مباشرة بالحرب الدائرة الآن في السودان، مع وصول مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين إلى أراضيها، ومع الزيادات المطردة في أعداد السكان المصريين سنوياً.

خيارات محدودة

مصدر حكومي تحدث لـ"عربي بوست" مفضلاً عدم ذكر اسمه قال إن القاهرة تعرضت لصدمة اقتصادية بسبب القرار الروسي الخاص بالانسحاب من اتفاقية تجارة الحبوب وكذلك القرار الهندي بوقف تصدير الأرز.

وأضاف المتحدث أن الأمر سيقود إلى ارتفاع أسعار العديد من الأغذية في مقدمتها الخبز السياحي، كما أن الموازنة العامة ستواجه مزيداً من الضغوط بسبب الزيادة في فاتورة الدعم الموجهة للخبز المدعم، بالإضافة إلى زيادة في سعر الأرز باعتباره المكون الغذائي الرئيسي لملايين الأسر الفقيرة والمتوسطة في مصر.

ويشير المصدر إلى أنه حضر اجتماعات مغلقة لبحث خطط بديلة كتوسيع قاعدة استيراد الحبوب من بلدان أخرى بتكلفة مرتفعة، والتفاهم مع المصانع الخاصة التي قامت بشراء كميات كبيرة من القمح لشرائه بأسعار مرتفعة، مقابل دفع حصيلتها بالجنيه المصري وليس العملة الأجنبية.

وستحاول الحكومة المصرية قدر الإمكان توفير احتياطي من القمح يكفي لفترات طويلة بما لا يجعلها مضطرة لاستيراد قمح بأسعار مرتفعة، وبما لا يضعها تحت طائلة تأخر وصول الشحنات.

ويلفت إلى أن الإنتاج المحلي من القمح لا يكفي سوى 50% من الاحتياجات المحلية، وبالتالي فإن الحكومة ستتجه أيضاً لإبرام اتفاقيات مع روسيا بشأن تسهيل وصول كميات أكبر من القمح إليها.

لكن الأزمة حسب مصدر "عربي بوست" الحكومي تكمن في تراجع الإنتاج الروسي من الحبوب بوجه عام، وتأثرها مباشرة باستمرار الحرب الدائرة الآن مع أوكرانيا.

وسجلت مصر ارتفاعاً مباشراً في أسعار القمح والدقيق، إذ سجلت أسعار القمح الروسي 11.5%، ارتفاعاً بنحو 900 جنيه، ليسجل الطن الواحد مستوى 13400 جنيه بدلاً من 12500 جنيه في الشركات، وذلك وفقاً للأسعار الاسترشادية ببورصة السلع.

كما ارتفع سعر طن القمح الأوكراني 12.5%، بنحو 900 جنيه، ليصل إلى مستوى 13350 جنيهاً، فيما صعد سعر القمح الروسي 12.5% إلى مستوى 13500 جنيه.

وزادت أسعار الدقيق في الشركات بنحو ألف جنيه، ليسجل الطن 

الـ24% مستوى 16 ألف جنيه، كما بلغ سعر الطن الـ27% مستوى 16200 جنيه في الشركات، بحسب ما أعلنت عنه غرفة صناعة الحبوب في مصر.

ارتفاع الأسعار في السوق المحلية

لم يختلف الوضع كثيراً بالنسبة للأعلاف، والتي شهدت هي الأخرى ارتفاعات سيكون لديها تأثير مباشر على ارتفاع أسعار الدواجن واللحوم خلال الأيام المقبلة، وفقاً لما أكده مصدر مطلع باتحاد منتجي الدواجن في مصر.

وقال مصدر "عربي بوست" إن أسعار الأعلاف ارتفعت في السوق المحلية، مشيراً إلى أن سعر طن الذرة الصفراء وصل إلى 14 ألف جنيه عوض 13400 جنيه، ووصل طن من فول الصويا 29300 جنيه عوض 28000 الأسبوع الماضي.

ووجه المصدر ذاته رسالة طمأنة إلى المواطنين في مصر بتأكيده على أن الزيادات من المتوقع أن تكون محدودة في أسعار اللحوم والدواجن، انعكاساً على الارتفاعات في أسعار الأعلاف عالمياً.

وأشار المتحدث إلى أن هذه الزيادات ستكون مقترنة بمعدلات الزيادة في أسعار الحبوب بوجه عام خلال الفترة المقبلة، وكذلك مدى قدرة الحكومة الإفراج عن الأعلاف الموجودة في الموانئ فور وصولها، بما لا يُعيد إفراز المشكلات الناتجة عن تكدس السلع في الموانئ.

وتدخلت الحكومة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي لحل أزمة تكدس الأعلاف في الموانئ، وذلك بعد أن شهدت أسعار العلف ارتفاعات كبيرة بالسوق المحلي ونقص المعروض منها بالأسواق.

وتسبب هذا الأمر في خسائر كبيرة لمربي الدواجن وقتها، وخلال الأيام الماضية شهدت أسعار الدواجن واللحوم انخفاضاً في الأسعار، وكان التعويل بشكل أكبر على استمرار التراجع مع إدخال ملايين الأطنان من الشحنات المكدسة خلال الأشهر الماضية.

زيادة الأسعار في مصر بشكل مضاعف

يتوقع مسؤول بغرفة صناعة الدواجن أن تعرف أسعار الدواجن ارتفاعاً خلال الشهر المقبل في مصر بنسبة 10%، انعكاساً على ارتفاع أسعار الأعلاف التي عاودت الارتفاع مع القرار الروسي بالانسحاب من اتفاقية الحبوب.

والأمر ذاته، حسب مصدر "عربي بوست" من المتوقع أن ينعكس على بيض المائدة الذي شهد تراجعاً في أسعار منذ بداية الشهر الجاري، ولم يتأثر بعد بتبعات القرار الروسي.

ولا تجد الحكومة المصرية صعوبات جمة في تعويض نقص وارداتها من الذرة الصفراء المستخدمة كعلف للطيور والحيوانات؛ لأنها تتوفر في دول أخرى بأسعار تتقارب مع المستوردة من روسيا وأوكرانيا مثل الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا.

لكن المشكلة حسب المصدر نفسه، تتمثل في الارتفاعات المتوقعة في أسعار الأعلاف عالمياً، وبالتالي زيادة الأسعار في مصر بشكل مضاعف في ظل أزمات شح العملة ووجود سعرين للجنيه أحدهما رسمي بالبنوك وآخر في السوق السوداء.

وأشار المصدر نفسه إلى أن الحل يتمثل في زيادة الرقعة المحلية عبر التوسع في زراعة الفول الصويا وغيره من الحبوب، وأن تغير الحكومة من الاستراتيجية الحالية بزراعة الفاكهة وتصديرها إلى الخارج بغرض كسب الدولار.

وتزايدت الضغوط على أسواق الغذاء العالمية خلال الأيام الماضية؛ ما أثار المخاوف من حدوث أزمة غذاء على نطاقات واسعة، تحديداً بعد أن شنت روسيا هجوماً على موانئ في منطقة أوديسا، وفي نهر الدانوب بأوكرانيا.

هذه الأحداث تسببت في ارتفاع أسعار القمح بنسبة وصلت إلى 15%، في حين أن تطبيق اتفاق تصدير الحبوب ساعد في خفض أسعارها على المستوى العالمي بنسبة 20%.

أبعاد سياسية 

مسؤول سابق بوزارة التموين المصرية قال لـ"عربي بوست"، إن هيمنة روسيا وأوكرانيا على ما يقرب من 35% من الحبوب الموردة إلى مختلف دول العالم يجعل التأثير حتمياً على مصر.

وأضاف المتحدث أن القرار الروسي سيضاعف الضغط على دول لديها فائض من القمح مثل فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وبلغاريا ورومانيا، وبالتالي فإنها سترفع أسعاره بشكل طبيعي مع زيادة الطلب عليها، وبالتالي فإن أسعار الغذاء ستشهد ارتفاعاً بوجه عام.

وأوضح المتحدث أن العالم لا يعاني مشكلات في إيجاد الأقماح وتوفيرها لكن الأزمة ستتركز بالأساس في ارتفاع أسعارها، خاصة أن القرار الروسي يحمل أبعاداً سياسية، ما يمنح بعداً آخر يساهم في زيادة الأسعار.

وبالتالي سيكون التأثير واضحاً على المواطنين في كثير من البلدان التي لديها أزمات اقتصادية متفاقمة ويقلل ذلك من قدرتهم على التحمل، وهو ما تسعى الحكومة المصرية لتجنبه عبر التخفيف من حدة الأزمة.

ويتوقع المصدر أن ترتفع أسعار اللحوم والدواجن والبقوليات والدقيق والخبز السياحي، وغيرها من الأغذية ذات الارتباط المباشر بالحبوب والزيوت، لكنه يشير إلى أن مصر قد تعبر الأزمة دون أن تواجه ارتفاعات مطردة في الأسعار بما لديها من مخزون يكفي للاستهلاك المحلي خلال الستة أشهر المقبلة، وأن نشوب الأزمة الحالية في وقت جني محصول القمح يخفف من تأثيرات الأزمة.

ويبلغ استهلاك مصر من القمح سنوياً نحو 20 مليون طن؛ وفقاً لإحصائيات سابقة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، ويتم إنتاج نحو 9 ملايين طن محلياً، فيما يصل حجم الاستيراد إلى 11 مليون طن قمح.

وتوقع تقرير لوزارة الزراعة الأمريكية أن يبلغ حجم واردات مصر من القمح في الموسم الحالي 2023- 2024 نحو 11.9 مليون طن بارتفاع 2.9% مقارنة بالعام الماضي 2022-2023.

ويدرك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خطورة الوضع القائم وهو ما دفعه لدعوة موسكو وكييف، إلى إيجاد "حلول عاجلة" بشأن تصدير الحبوب الأوكرانية إلى إفريقيا، وذلك خلال مشاركته في القمة الروسية الإفريقية في سان بطرسبرغ.

بيع رغيف الخبز المدعم بالكيلو

من جهته، قال محلل سياسي لـ"عربي بوست" إن مصر وجدت نفسها أمام أزمة جديدة في وقت تسخّر فيه كل إمكانياتها لإحداث حالة من الاستقرار في أسواقها قبل عدة أشهر من انتخابات الرئاسة المقبلة.

ويقود الموقف الروسي إلى بعثرة أوراق الحكومة المصرية ودفعها نحو البحث عن حلول ستكون صعبة في كل الأحوال للتعامل مع الوضع الراهن، وهو ما يفسر اتجاهها للاقتراض من الخارج لتسهيل عملية استيراد القمح بما لا يضغط على العملة المحلية وبما لا يربك خطط توفير الدولار لسداد الديون المستحقة.

وكشف المصدر ذاته أن خطة القاهرة الفترة القادمة كما علمها من مسؤول حكومي هي حصار أي زيادات متوقعة في سعر رغيف الخبز، بما في ذلك الخبز السياحي الذي يستخدمه قطاعات كبيرة من المواطنين.

كما أن الحكومة تسعى لتوسيع دائرة استيراد القمح من الخارج عبر عقود آجلة من بلدان مختلفة، بما لا يؤدي لأزمة اقتصادية في الوقت الحالي، إلى جانب إدخال تعديلات على منظومة التموين تخفف من قيمة فاتورة الدعم بشكل لا يلحظه المواطنون بشكل مباشر.

وأنه من بين الاقتراحات التي يمكن أن تتدارسها الحكومة المصرية لمنع الزيادة في الأسعار هو بيع رغيف الخبز المدعم بالكيلو وليس بعدد الأرغفة لتقليل الحد اليومي للأسرة الواحدة.

أبرمت مصر في الآونة الأخيرة صفقات شراء قمح عبر قروض من المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، والتي ضاعفت في العام الفائت تسهيلاً ائتمانياً لمصر ليصل إلى 6 مليارات دولار، بجانب البنك الدولي الذي مول واردات القمح.

وتنوي مصر التوقيع على اتفاقية تسهيل قرض متجدد بقيمة 400 مليون دولار مع صندوق أبوظبي للتنمية لتمويل مشترياتها من الحبوب من شركة الظاهرة للأعمال الزراعية ومقرها أبوظبي، وذلك حسب تصريحات لوزير التموين المصري علي المصيلحي.

وتوفر الحكومة المصرية الخبز المدعوم، وهو قضية حساسة لأكثر من 70 مليون مصري في الدولة التي يزيد سكانها عن 104 ملايين نسمة، وتنتج مصر سنوياً 100 مليار رغيف خبز، بمعدل 275 مليون رغيف يومياً بسعر مدعم.

كما رفعت البلاد مخصصات دعم السلع التموينية لتصل إلى 90 مليار جنيه (مليارين و912 مليون دولار)، في الموازنة الحالية.

“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟

بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى. 

نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”

تحميل المزيد