يتجمع عشرات الأشخاص مع حلول المساء في عاصمة النيجر نيامي، ملبّين بذلك دعوة القادة الانقلابيين الذين أطاحوا بحكم الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم، وذلك في ظل الخشية من تدهور للأوضاع في البلاد، قد يصل إلى حدود حدوث تدخل عسكري ضد الانقلابيين من قبل دول إفريقية.
وغداة دعوة المجلس العسكري الممسك بالسلطة، سكان نيامي إلى "اليقظة" حيال "الجواسيس والقوى الأجنبية"، والإبلاغ عن أي تحرك "لأفراد مشبوهين"، تجمع شباب عند بعض الساحات الرئيسية وسط العاصمة، منذ ليل الجمعة 4 أغسطس/آب 2023.
أبو بكر كيمبا كولو، منسق لجنة دعم المجلس الوطني لحماية البلاد، الذي تشكّل في أعقاب انقلاب 26 يوليو/تموز 2023، قال في تصريح أوردته وكالة الأنباء الفرنسية: "تمركزنا عند الدوارات الاستراتيجية لإجراء نوبات ليلية مع السكان".
أوضح كولو أنه أوعز بانتشار عدد من أفراد اللجنة عند عدد من الساحات المركزية في نيامي، مضيفاً: "الجميع يلتفّ عند هذه الدوارات بهدف دخول العاصمة"، وشدد على أن الهدف هو "مراقبة تحركات كل شخص مشبوه، ومحاولة توقيفه بأنفسنا"، معتبراً أن هذه المهمة هي جزء من "قتال الشعب" دعماً للانقلاب.
رداً على سؤال عمن هم الأشخاص المشبوهون، اكتفى كولو بالقول: "هذه هي المعلومات التي في حوزتنا، لكن لا يمكننا كشفها"، متابعاً "لدينا معلومات فعلية تدفعنا إلى القول إن ثمة تهديداً وشيكاً يطال العاصمة، ولا يمكننا ألا نحرك ساكنا".
تأتي هذه التحركات قبل انتهاء مهلة الأسبوع التي حددتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إكواس" للانقلابيين، حتى يوم الأحد 6 أغسطس/آب 2023، لإعادة النظام الديمقراطي وإنهاء احتجاز الرئيس بازوم وعودته إلى مهامه.
إضافة إلى دول غرب إفريقيا، أثار الانقلاب قلق دول غربية أبرزها فرنسا، التي أكدت يوم السبت 5 أغسطس/آب 2023، دعمها "بحزم وتصميم" لجهود "إكواس" لدحر الانقلاب، محذّرة من أن "مستقبل النيجر واستقرار المنطقة بأكملها على المحك".
بالنسبة إلى المجتمعين عند دوار الفرنكوفونية في العاصمة نيامي، فإن الخشية لا تأتي من تدخل عسكري إفريقي فحسب، بل تتعداه إلى تدخل فرنسي، خصوصاً أن باريس تنشر قرابة 1500 من جنودها في بلادهم.
يقول كولو "ليست إكواس التي تثير قلقنا، بل تدخل عسكري فرنسي"، مؤشراً بالتحديد إلى الكتيبة الفرنسية التي يعدّها نيجريون عدوة لهم، إضافة إلى "كلّ من يمكن أن يهاجمنا".
مهاجمة فرنسا
منذ وقوع الانقلاب شاب التوتر العلاقة بين المجلس العسكري وفرنسا الداعمة للرئيس بازوم، وحذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن بلاده ستردّ بحزم على أي تعرض لمصالحها ورعاياها في النيجر، بينما اتهمها الانقلابيون بالسعي إلى التدخل العسكري.
كذلك رفع العديد من المتظاهرين الداعمين للانقلاب خلال الأيام الماضية شعار "تسقط فرنسا!"، وأطلقه أيضاً أحد الشبان المتجمعين قرب دوار الفرنكوفونية.
على مقربة منه، يمرّ آخر على متن سيارته رافعاً علم النيجر، وقال شاب اسمه الحسن متحدثاً عن حامل الراية "هذا شخص وطنيّ بالفعل"، مشيراً إلى أنه حضر إلى الدوار بدافع الفضول لمعرفة من أين تصدح الموسيقى، وليس لإبداء موقف سياسي تأييداً للانقلاب.
عند رؤيته الشباب المتجمعين عند الدوار أوقف السائق سيارته ونزل منها، حاملاً علم بلاده وعلماً روسياً كان وضعه على مقعد الراكب الأمامي، ولوح بهما في الهواء.
حشد الدعم للانقلابيين
وتتصدر لجنة دعم المجلس الوطني لحماية البلاد، إضافة إلى المجموعة المدنية المعروفة باسم "إم 62″، التكتلات الداعمة للانقلاب، وتقوم هاتان المجموعتان بضمان أمن التجمعات المؤيدة للانقلاب، وتعكسان وجهة نظر الانقلابيين الذين يتحكّمون بما يدلي به المنتمون إليهما بشكل كبير.
بحسب الوكالة الفرنسية، فإنه في حين لا يُخفي العديد من سكان نيامي دعمهم للانقلاب العسكري الخامس في تاريخ النيجر، يدعون في الوقت عينه إلى التهدئة وعدم التصعيد.
ساحة الفرنكوفونية التي تشكّل حلقة وصل بين العديد من الأحياء الشعبية في المدينة، تمرّ من خلالها العديد من السيارات، من دون إيلاء اهتمام كبير للتجمع الذي التحق به عشرات من التلامذة أيضاً.
وليل الجمعة الماضي، كانت الإجراءات محدودة، لكن المنسق المساعد تاسيرو عيسى أكد أنه سيتمّ قريباً "تفتيش كل الشاحنات، وكل السيارات، نحن 25 مليون شرطي في النيجر، 25 مليون جندي"، في إشارة إلى العدد الإجمالي لسكان البلاد.
مثله، أكد الخياط محمد بشير أهمية "أن أدعم بلادي، العسكريين، أنا أتيت لأقدم الدعم لما يحصل هنا"، وأكد كيمبا كولو أن الجميع "سيبقون هنا كل مساء لحين انتهاء التهديد".
يُشار إلى أن النيجر تتمتع بأهمية استراتيجية للولايات المتحدة والصين وأوروبا وروسيا؛ نظراً لثرواتها من اليورانيوم والنفط، ودورها المحوري في التصدي لمتمردين متشددين في منطقة الساحل.