نشرت صحيفة The Washington Post الأمريكية، الخميس 3 أغسطس/آب 2023، تقريراً أكد أن مالي خفضت مكانة اللغة الفرنسية، حيث يحاول النظام إنهاء الإرث الاستعماري والتوجه إلى اللغات الإفريقية، مشيراً إلى أن ما ينقل عبر موجات الراديو في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا أصبح بعيداً عن لغة مستعمرها السابق.
ووافق الناخبون في مالي، في يونيو/حزيران الماضي، على دستور جديد اقترحته الحكومة العسكرية في البلاد، الذي نصّ على خفض مكانة اللغة الفرنسية من لغة رسمية إلى لغة عاملة.
اللغات الإفريقية
ونقلت الصحيفة عن شريف كيتا، الأستاذ في كلية كارلتون بولاية مينيسوتا الأمريكية، قوله إنه في كل مرة يعود فيها إلى مسقط رأسه مالي يسمع عدداً أقل من مذيعي الراديو يتحدثون الفرنسية، مضيفاً: "الناس يحرصون على التحدث باللغات الإفريقية".
ويثير التغيير أسئلة معقدة في بلد به أكثر من 70 لغة محلية. وكانت اللغة الفرنسية بمثابة وسيلة للماليين من مختلف المجموعات العرقية للتواصل، وسمحت للحكومة أيضاً بتجنب تفضيل لغة مجموعة على لغة أخرى. والدستور، الذي خفض مرتبة الفرنسية، مكتوب بها.
إنهاء الإرث الاستعماري
وفقاً لتقرير الصحيفة فإن خطوة خفض مكانة اللغة الفرنسية تعد رمزية، لكن الخبراء يقولون إنها تعكس طموحات النظام المالي لإنهاء الإرث الاستعماري، في الوقت الذي يستعد فيه لإجراء انتخابات لأول مرة منذ الانقلاب الذي أطاح بالرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا في عام 2020.
وطردت الحكومة العسكرية في البلاد السفير الفرنسي، وحظرت المنظمات غير الحكومية التي تمولها فرنسا، وساعدت القوات الفرنسية التي كافحت لمساعدة مالي في قتالها ضد المتمردين الإرهابيين على الخروج من الدولة. وعلى غرار دول أخرى في منطقة الساحل، تقربت مالي من روسيا، حيث استضافت مرتزقة مجموعة فاغنر ومسؤولي الكرملين.
ورداً على سؤال حول التحول بعيداً عن اللغة الفرنسية عند إصدار مسودة الدستور العام الماضي، قال رئيس لجنة صياغة الدستور، فوسيني سماكي، إنَّ اللجنة حاولت اتباع "مقاربة ديناميكية لمعالجة مشكلة اللغات الوطنية والرسمية"، حسب ما أفادت شبكة Radio France Internationale.
وقال غريغوري مان، أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا الذي تركز أبحاثه على شؤون مالي والساحل، إنَّ هذه الخطوة قد يكون لها وزن في فرنسا على أي حال.
كما أوضح أنَّ "فرنسا حساسة للغاية تجاه مسائل الهيبة والقوة الناعمة في القارة". وقد زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المستعمرات السابقة مراراً وتكراراً منذ إعادة انتخابه في عام 2022؛ في محاولة لتصوير العلاقة بين البلدين بأنها علاقة بين نظيرتين، ولتقليل النفوذ الروسي والصيني في إفريقيا الفرنكوفونية.
وصوّت ما يقرب من 97% من الناخبين بالموافقة على الدستور الجديد في يونيو/حزيران، على الرغم من مشاركة أقل من 40% من المؤهلين، حسب ما قال مسؤولو الانتخابات.
وتمنح المادة الدستورية، التي ألغت الصفة الرسمية للفرنسية، الحكومة، مجالاً واسعاً لاستخدام لغات أخرى، بما في ذلك 13 لغة "وطنية" صارت رسمية الآن. ولغة البامبارا هي الأكثر انتشاراً بين هذه اللغات، بما في ذلك داخل وحول العاصمة باماكو.
لغة بامبارا
من جانبه، قال شريف أغ محمد إبراهيم، مدرس اللغويات في المدرسة العليا Ecole Normale Supérieure Bamako، إنه إذا نفذت الحكومة أعمالها التجارية بلغة بامبارا، فإنها تخاطر بعزل أعضاء الجماعات العرقية الأخرى. ولاحظ زيادة استخدام البامبارا بين المسؤولين العسكريين في الأشهر الأخيرة.
وحذّر أنَّ ذلك "سيكون مصدراً للانقسام المستمر". ويقل استخدام بامبارا في شمال مالي، حيث حاربت الحكومة الحركات الانفصالية.
على الجانب الآخر، كان كيتا، الأستاذ بكلية كارلتون، أكثر تفاؤلاً، معرباً عن اعتقاده بأنَّ التغيير قد يؤدي إلى زيادة الاستثمار في تدريس اللغات المحلية. وقال كيتا إنَّ اللغة الفرنسية لا تزال مرتبطة بالنخبة في مالي، الذين يسافرون إلى فرنسا للعمل أو الدراسة. وكان يُطلَق على الأفراد المُستعمَرين الأفارقة الذين استوعبوا الثقافة الفرنسية ذات مرة اسم (évolués) أو المتطورين.
ويعتمد نجاح التحول عن اللغة الفرنسية على الثروات السياسية للنظام المالي خلال فترة تسود فيها الاضطرابات في منطقة الساحل. وقال المجلس العسكري إنه يخطط لإجراء انتخابات العام المقبل، التي قد يترشح فيها القائد العسكري الكولونيل (العقيد) أسيمي غوتا.