علم "عربي بوست" من مصادر داخل حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة بالبلاد) أنه لا يوجد إجماع بين قيادة الحزب، وفي مقدمتهم رؤساء البلديات التابعة للحزب، على دعم جبهة أكرم إمام أوغلو الساعية لتغيير قيادة الحزب في المؤتمر العام القادم.
وقالت المصادر لـ "عربي بوست" إن هناك أغلبية يتمتع بها كمال كليجدار أوغلو في مواجهة رئيس بلدية إسطنبول بمقدار 35 صوتاً لأنصار قيادة المقر في العاصمة أنقرة، و20-25 لجبهة المعارضة بقيادة إمام أوغلو.
وبحسب المعلومات، فإن فريق كليجدار أوغلو متقدم على فريق جبهة المعارضة في إسطنبول وحدها بـ520 صوتاً من أصل 570 مقابل 50 صوتاً منها لإمام أوغلو، ولاحظ مسؤولو الحزب كذلك أن فريق كليجدار أوغلو يحظى بالأغلبية كذلك في منطقة البحر الأسود.
بالإضافة إلى ذلك، حضر 210 من رؤساء البلديات التابعة للحزب اجتماع رؤساء البلديات الذي عقد في 23 يوليو/تموز، بينما قدم 30 منهم أعذاراً مختلفة، لكنهم أبلغوا كمال كليجدار أوغلو برسالة مفادها أنهم يدعمونه.
وكان يوم الأربعاء 19 يوليو/تموز 2023 قد سُرّب مقطع فيديو لاجتماع سري، بين رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، جمعه بشخصيات بارزة أخرى في حزب "الشعب الجمهوري".
وتضمن الاجتماع حديثاً للتحرك ضد رئيس الحزب، كمال كليجدار أوغلو، بهدف إبعاده عن منصبه، وأحدث التسجيل المسرب هزّة داخل الحزب، الذي تتعالى أصوات بداخله لتغيير قيادته.
بداية الأزمة داخل حزب الشعب الجمهوري
رفض زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو الاستجابة لدعوات معارضيه بتقديم استقالته من رئاسة الحزب، قائلاً: "إن المناضل الذي خاض عشر قتالات لا يمكنه الانسحاب من الجولة الحادية عشرة والهروب من الساحة، بل عليه الاستمرار في النضال".
ورد كليجدار أوغلو على طلبات بعض أعضاء المجلس التنفيذي للحزب بضرورة تقديم القيادة العليا استقالتها، أنه على استعداد لترك منصبه في الزعامة حال وجد الشخص المناسب لخلافته، مشترطاً أن يكون الشخص بلا ماضٍ قذر، حسب وصفه، وأن يتمتع بالأمانة ونظافة اليد.
وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري إن رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو سيكون هو مرشح الحزب لرئاسة المدينة لولاية ثانية في الانتخابات المحلية التي ستشهدها تركيا في شهر أبريل/نيسان من العام القادم.
في المقابل لم يبدِ رئيس بلدية إسطنبول الكبرى عن حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو -زعيم تيار التغيير داخل الحزب- أي رد على تصريحات كليجدار أوغلو حول ترشيح الحزب له في الانتخابات المحلية القادمة.
غير أن إمام أوغلو وجَّه انتقادات لاذعة إلى زعيم الحزب خلال اجتماع رؤساء البلديات التابعين لحزب الشعب الجمهوري في العاصمة أنقرة، وذلك بسبب خسارة كليجدار أوغلو الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى وهو ينظر إلى كليجدار أوغلو: "أجدك شخصاً غير كفء لإدارة الحزب خلال المرحلة القادمة"، وطالب إمام أوغلو رئيس الحزب بضرورة التغيير داخل أروقة الحزب حتى يتسنى لهم الفوز في الانتخابات القادمة.
وأضاف إمام أوغلو أن الحزب تحت قيادة كليجدار أوغلو، منذ عام 2010 جاء دائماً في المرتبة الثانية بين الأحزاب التركية في كل الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها، خلف حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عام 2002.
إلى جانب ذلك تدور مزاعم داخل أروقة الحزب في العاصمة التركية أنقرة أن جبهة إمام أوغلو بدأت العمل لجذب المزيد من القيادات إلى صفوفها قبل المؤتمر العام للحزب في شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وتحدثت المصادر داخل الحزب لـ"عربي بوست" أن رئيس مجموعة حزب الشعب الجمهوري في البرلمان أوزغور أوزيل عرض على إمام أوغلو، أن يكون مرشحاً في الانتخابات الرئاسية القادمة، مقابل أن يكون أوزيل هو مرشح جبهة المعارضة التي يتزعمها رئيس بلدية إسطنبول لمنافسة كليجدار أوغلو على رئاسة الحزب خلال المؤتمر العام القادم.
ووفقاً للأخبار المتداولة داخل مقر حزب الشعب الجمهوري في أنقرة، فإن فريق رئيس مجموعة حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل قدم "اقتراحات" لفريق إمام أوغلو، الذي يُنظر إليه على أنه أحد المرشحين الأقوياء للرئاسة العامة.
وبرر فريق أوزغور أوزيل هذه الاقتراحات بضرورة أن يكون إمام أوغلو هو مرشح الحزب لرئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات المحلية القادمة حتى لا تذهب إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأنه عندما يحين الوقت سيكون إمام أوغلو هو مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية.
وقالت المصادر لـ "عربي بوست" إن فريق إمام أوغلو لم يتقبل الاقتراح المقدم من فريق أوزيل بإيجابية، وذلك خلال اجتماعات المجلس التنفيذي المركزي للحزب يوم الأحد 23 يوليو.
إمام أوغلو يبرر فيديو الاجتماع: لم نخطئ
المعركة بين زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو ورئيس بلدية إسطنبول الكبرى بلغت ذروتها بعد تسريب مقطع فيديو مدته 14 دقيقة بعنوان "خيانة القرن.. خيانة تاريخية" على موقع يوتيوب من خلال حساب غير مرئي باسم "حقيقة التغيير".
وظهر في الفيديو رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام وهو يقود اجتماعاً عبر تطبيق"Zoom"، كان من بين المشاركين فيه نائب رئيس مجموعة حزب الشعب الجمهوري في مجلس الأمة التركي "جوكهان جونايدين"، وأعضاء مجلس الحزب بولنت تيزكان، وأونور أديغوزيل، والنائب عن مدينة إسطنبول إنجين ألتاي.
وفي الفيديو، يقول إمام أوغلو في الجزء التمهيدي إنهم سيناقشون القضايا المتعلقة بما يمكن عمله مع رئيس الحزب كمال كليجدار أوغلو فيما يتعلق بالانتخابات المحلية وقادة البلديات التابعين للحزب، الذين تم فصلهم بقرار من اللجنة التأديبية للحزب.
من جانبه أوضح إمام أوغلو "أنه لا يوجد جانب سري للاجتماع"، مضيفاً أن الاجتماع عُقد بهدف مناقشة قضايا الحزب مع أعضائه وقادته، وهو أمر طبيعي بحسبه، ولا يمكن تأويله أكثر من ذلك.
وتابع رئيس بلدية إسطنبول خلال افتتاح أحد مشروعات المدينة: "أستطيع أن أقول إننا عقدنا نحو 200 اجتماع كهذا منذ الانتخابات الماضية"، مضيفاً أن هذه الاجتماعات ستستمر، لأنه لا يوجد شيء مخفيّ بحسبه، وأن الموضوعات التي تمت مناقشتها هي الخاصة بالحزب.
وتابع رئيس بلدية إسطنبول أنه لن يتحدث بكلمة واحدة عنها الآن، وسيستمر بالحديث في مثل الاجتماعات، مضيفاً أنهم سيُحققون في الأمر لمعرفة من سرب فيديو الاجتماع، وهل هو من داخل الحزب أم من خارجه.
كليجدار: اجتماع غير أخلاقي
في المقابل، قال زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو إن الاجتماع الذي عقده رئيس بلدية إسطنبول الكبرى حول مستقبل التغيير في أكبر أحزاب المعارضة التركية "لم يكن أخلاقياً".
وكشف كليجدار أوغلو في لقاء تلفزيوني أنه فوجئ بمقطع الفيديو المسرب لإمام أوغلو مع قادة من حزب الشعب الجمهوري، وذلك بعدما وصله الفيديو في رسالة عبر هاتفه، قائلاً إنه "لم يطَّلع على المقطع كاملاً حتى الآن، لأنه يراه عملاً غير أخلاقي".
وأضاف كليجدار أوغلو أنه يرى أن الحديث حول مستقبل الحزب يجب أن يكون بعيداً عن كل الشاشات، مشيراً إلى أن الأسماء التي شاركت في الاجتماع لن تخضع للتأديب أو لأي مساءلة قانونية داخل أروقة الحزب.
من جهته، قال المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري، فائق أوزتراك: "بينما تتقدم عملية عقد مؤتمرات حزبنا بسرعة، نجد اجتماعات غير أخلاقية لا تتوافق مع تقاليد حزبنا، ولا تأخذ في الاعتبار التسلسل الهرمي للقيادة الحزبية".
منافسة على قيادة إسطنبول
وخلال الاجتماع، انتقد موالون لجبهة كليجدار أوغلو الاجتماعات التي عقدها إمام أوغلو مطالبين إياه بالاستقالة من منصبه والتفرغ للاجتماعات وخوض غمار السياسة من بابها الرئيسي، أو التركيز على عمله كرئيس لبلدية إسطنبول الكبرى وانتظار ما سيسفر عنه المؤتمر العام للحزب في نوفمبر القادم.
وهاجم رئيس بلدية باكيركوي بولنت كرم أوغلو، وهو قيادي في حزب الشعب الجمهوري، رئيس بلدية إسطنبول الكبرى قائلاً: "لسنا بحاجة إلى أبطال.. لسنا بحاجة إلى قصص بطولية فردية، نحن بحاجة إلى حزب منظم وقائد".
وقال المتحدث: "للأسف يحاول أولئك الذين يلتقطون الصور رواية قصص عن البطولة"، وحينها وقف إمام أوغلو ونادى كرم أوغلو قائلاً: "دعنا نلتقي ونتحدث في الخارج إذا كنت تريد، هيا الآن، إذا كنت تريد، لماذا تنتقدني بهذه الطريقة؟ أنا مرشح لرئاسة مدينة إسطنبول".
وبينما كان كرم أوغلو يلقي خطابه، التفت إلى كليجدار أوغلو وقال: "لقد حققنا النجاح في إسطنبول، وعلينا أن نواصل ذلك في الانتخابات المحلية، وإذا أجريت انتخابات على أساس تزكية الأعضاء لاختيار المرشح فأنا أريد أن أكون مرشحاً لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى".
من جانبه، يرى الكاتب التركي سايجي أوزتورك في تصريحاته لـ"عربي بوست" أن نجاح إمام أوغلو في الإطاحة بكليجدار أوغلو وتولى رئاسة الحزب، فإن ذلك يعني فوز حزب العدالة والتنمية برئاسة بلدية إسطنبول مرة أخرى.
ويضيف الكاتب التركي أن إمام أوغلو فاز بأغلبية الأصوات في 22 منطقة من أصل 39 مدينة في إسطنبول في الانتخابات المحلية التي جرت عام 2019، وعليه يمكنه الانتظار للفوز بالانتخابات القادمة وبعدها يمكنه الترشح لرئاسة الحزب حال فوز المعارضة بأغلبية مجلس البلدية لضمان بقاء إسطنبول في أيديهم.
ويرى أوزتورك أن حزب الشعب الجمهوري يمر حالياً بأزمة ثقة خطيرة، خاصة بين الأسماء التي أعطت سنوات عمرها لهذا الحزب السياسي.
ويضيف أوزتورك أن الحزب بحاجة ماسة إلى التجديد وليس التغيير، وأن قيادات الحزب تعمل حالياً على تغيير السياسة الداخلية للحزب بما يشكل المساحة الملائمة للتغيير الذي يطالب به الجميع.
ويوضح الكاتب التركي أن ذهاب القيادة الحالية من هرم المسؤولية في الحزب، فإن ذلك يعني خسارة فادحة جديدة للمعارضة التركية في الانتخابات المحلية القادمة، وبالتالي مواصلة كل فريق لعمله في مكانه هو السبيل الوحيد لنجاح الحزب في التغيير والفوز بالانتخابات القادمة.
إمام أوغلو الأحق بالانتخابات الرئاسية
من جانبه، قال الكاتب التركي وعضو حزب الشعب الجمهوري إسماعيل سايماز إن أكرم أمام أوغلو هو الأحق برئاسة الحزب، وكان الأحق بخوض غمار المنافسة في الانتخابات الرئاسية السابقة أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأضاف سايماز، خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني على قناة "سوزجو" المعارضة، أن فرص إمام أوغلو للفوز بالرئاسة أمام أردوغان كانت كبيرة، ولكن كليجدار أوغلو قام بإفشال هذه الفرصة عبر الإصرار على ترشيح نفسه في مواجهة الرئيس التركي.
واتهم سايماز زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو بالمسؤولية عن تسريب تفاصيل الاجتماع الذي قاده إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول والقيادي في الحزب من أجل التغيير في قيادة الحزب.
وعرض سايماز رسالة تم إرسالها إلى كل أعضاء الحزب للتخويف من اجتماعات إمام أوغلو مع قيادات الحزب بعيداً عن علم المقر في أنقرة، ووصفت الرسالة هذه الاجتماعات وغيرها بالخيانة ومحاولة الانقلاب على القيادة المركزية في أنقرة، ما يعزز فرضية أن كليجدار أوغلو والمقربين منه هم المسؤولون عن تسريب فيديو الاجتماع.
من جانبه، وجَّه الكاتب التركي المعارض أوغور دوندار الشكر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بسبب ما يحدث حالياً في صفوف أكبر أحزاب المعارضة التركية.
وقال دوندار في تغريدة عبر حسابه على تويتر إنه عارض ولا يزال وسيعارض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولكنه يوجه له التحية بسبب نجاحه في زيادة الفرقة والعداء بين قيادات حزب الشعب الجمهوري، حسب قوله.
وأضاف الكاتب التركي المخضرم في تغريدة أخرى أن مقاومة مطالب التغيير داخل حزب الشعب الجمهوري أشبه بمقاومة الجاذبية التي لن تنجح حالياً أو مستقبلاً.