موقع أمريكي: المهاجرون المصريون لأوروبا عبر ليبيا يسجلون مستويات قياسية.. أوضاعهم الاقتصادية تدفعهم للرحيل

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/22 الساعة 12:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/23 الساعة 09:53 بتوقيت غرينتش
السفينة التي غرقت في سواحل اليونان - رويترز

سجّل المهاجرون المصريون إلى أوروبا، عبر ليبيا، مستويات قياسية، حيث ارتفع عدد مَن غادروا البلاد بهذه الطريقة خلال العام الماضي، مقارنةً بالأعوام السابقة، لا سيما المهاجرين من القرى، وذلك "تزامناً مع بدء اقتصاد البلاد في الانهيار، وارتفاع التضخم بشكل كبير"، بحسب تقرير لموقع الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية NPR، الجمعة 21 يوليو/تموز 2023.

التقرير أشار إلى أن آلاف الرجال يختفون من القرى المصرية، ليقوموا بالاتصال بأسرهم بعد أيام ليقولوا إنهم في ليبيا المجاورة، ويحتاجون إلى 140 ألف جنيه مصري (4500 دولار) لدفع أموال للمهربين الذين يعدونهم بالمرور إلى أوروبا.

"شعروا بالدهشة"

محمود إبراهيم، 28 عاماً، أحد الرجال الذين اختفوا من قريتهم، وحدث ذلك في يونيو/حزيران، تقول عائلته إنه لم يغامر أبداً بالسفر إلى القاهرة، لكنهم شعروا بالدهشة عندما اتصل بهم من ليبيا بعد يومين من رؤيته أو سماعه آخر مرة. 

وتابعت عائلة محمود: "لقد كان مديناً للمهربين الليبيين بمبلغ 140 ألف جنيه مصري- وهو مبلغ فلكي بالنسبة للعائلات في هذه الأجزاء من مصر- مقابل مكان على متن سفينة متجهة إلى إيطاليا. 

وفي اتصال هاتفي مع شقيقه الأكبر محمد إبراهيم قال: "بمجرد أن طلب منا الدفع قمنا ببيع بعض الأراضي التي كانت لدينا، وجمعنا المال من هنا وهناك واقترضنا".

وقال إن الأسرة لم يكن لديها خيار سوى دفع المال لرجل مقنع، وهو جزء من شبكة سرية من المهربين، لأن حياة محمود إبراهيم أصبحت الآن في أيدي المهربين الليبيين الذين يتحكمون في مكان نوم المهاجرين، وما يأكلونه، والسفن التي يستقلونها، ومعظم ذلك يجري تحت تهديد السلاح.

مهاجرون غير نظاميين في ليبيا/الأناضول
مهاجرون غير نظاميين في ليبيا/الأناضول

يشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن "العديد من المهاجرين يتعرضون لسوء المعاملة، أو يموتون في طريقهم إلى وجهتهم، ويتم التخلي عن العديد منهم في طريقهم بدون موارد". من المعروف أن المهرّبين يجوّعون المهاجرين الذين لا يستطيعون الدفع، ويضربونهم ويحتفظون بهم كرهائن حتى يتم دفع المال. 

في حالات نادرة يتركون هؤلاء الناس في الصحراء على طول الحدود مع مصر، ليجدوا طريقهم إلى ديارهم. 

لم يكمل محمود إبراهيم دراسته، حاله في ذلك كحال غيره من الشباب في بلدته، لأن الحصول على شهادة الدراسة الثانوية أو حتى شهادة جامعية لا يضمن عملاً ثابت الدخل في هذه القرى، حيث تندر الوظائف ذات الأجر اللائق.

امتلك محمود شقة ولديه زوجة وطفلة، لكنه لم يستطع العثور على عمل ثابت، ليعتمد في حياته على أجر يومي من وظائف غريبة هنا وهناك، لدفع ثمن الطعام والأساسيات الأخرى. 

يقول إبراهيم إن شقيقه لا يعرف شيئاً تقريباً عن الحياة خارج قريتهم في الشرقية، ما يسهل على تجار الهجرة الاعتداء عليه. 

لاجئون ومهاجرون يقفون بجانب الخيام في مخيم مافروفوني في جزيرة ليسبوس اليونانية/رويترز
لاجئون ومهاجرون يقفون بجانب الخيام في مخيم مافروفوني في جزيرة ليسبوس اليونانية/رويترز

ضحايا المهربين 

يعثر المهربون على ضحاياهم، بل ويجدون أطفالاً من مصر على فيسبوك ومجموعات الدردشة. ومن المفترض أن تغطي الأموال التي يدفعونها نفقات نقل المهاجرين من مصر إلى ليبيا، وإطعامهم ونقلهم على متن قارب إلى أوروبا.

وأضاف محمد إبراهيم: "لقد وعدوه بحياة جميلة وسهلة، وقالوا له لن تلمس الماء أبداً"، أي أن سفينتك لن تغرق "بعد يومين أو ثلاثة فقط ستكون في إيطاليا وترى عالماً جديداً.. لقد كان وهماً".

لم يتمكن محمود إبراهيم من رؤية عالم جديد، وكان من بين مئات المصريين والباكستانيين والسوريين والفلسطينيين الذين يُفترض أنهم لقوا حتفهم بعد غرق سفينتهم المكتظة (أدريانا)، في 14 يونيو/حزيران، بالقرب من اليونان، بعد مغادرتها مدينة طبرق الليبية قبل حوالي أسبوع. 

خضعت عملية الإنقاذ الفاشلة التي قام بها خفر السواحل اليوناني للتدقيق، وأثارت تساؤلات بشأن كيفية غرق السفينة، ولماذا انتظر المهاجرون على متنها لساعات في عرض البحر قبل القيام بأية محاولة حقيقية لإنقاذهم. 

التضخم ونسب البطالة أهم أسباب سفر المصريين إلى ليبيا رغم الخطر - رويترز
التضخم ونسب البطالة أهم أسباب سفر المصريين إلى ليبيا رغم الخطر – رويترز

المفقودون 

تمتلئ صفحات فيسبوك بصور المصريين المفقودين، حيث تسعى العائلات للحصول على معلومات عن ذويهم، يبدو أن جميع المهاجرين ذكور. 

في أحد المنشورات ظهر رجل يدعى محمد الشرقاوي بكاميرا هاتفه وهو يبحث عن أخيه وأبناء عمومته، الذين كانوا على متن السفينة أدريانا.

في الفيديو ينادي الناجين المصريين، طالباً أسماءَ الناجين من مسقط رأسه، ويقولون له إنهم لا يعرفونهم، لا يزال شقيقه وأبناء عمومته في عداد المفقودين. من بين ما يقدر بـ750 شخصاً في أدريانا نجا 104 فقط.

قالت وزيرة الهجرة وشؤون المغتربين المصرية سهى جندي، لقناة صدى البلد المصرية، إنه من بين الناجين المصريين الـ43 من أدريانا، هناك خمسة تحت سن 18.

أعداد المهاجرين

يسعى المصريون بشكل متزايد إلى الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، فقد أحصت المنظمة الدولية للهجرة ما يقرب من 22 ألف مهاجر مصري، وصلوا إلى أوروبا العام الماضي، معظمهم عن طريق البحر، وهذا الرقم يمثل ارتفاعاً ملحوظاً عن السنوات السابقة، عندما لم يكن المصريون من بين أكثر الجنسيات التي تطلب اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي. 

ودفعت أرقام العام الماضي مصر إلى القمة، متجاوزة المهاجرين غير الشرعيين من كل دولة أخرى، بما في ذلك من أفغانستان وسوريا التي مزقتها الحرب. 

ارتفاع الهجرة يرجع إلى الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، حيث  تراجعت العملة المصرية وارتفعت أسعار المواد الغذائية في مصر بشكل مطرد، حيث ارتفعت بنحو 80% للأسماك، و60% للحبوب والجبن والبيض، ونحو 90% للحوم والدواجن مقارنةً بالعام الماضي.

وفي مارس/آذار من العام الماضي، تقدم حوالي 1400 مصري بطلبات لجوء في دول الاتحاد الأوروبي، التي دفعت مبالغ ضخمة للحكومات في شمال إفريقيا لتعزيز الرقابة على الحدود. وقالت وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء (EUAA)، في تقرير قبل عام، إن رقم مارس/آذار في عام 2022 يمثل أعلى إجمالي شهري لطالبي اللجوء المصريين منذ 2014 على الأقل. 

ووجدت الوكالة أنه خلال الربع الأول من عام 2022، تلقت دول الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 3500 طلب لجوء من المصريين، بزيادة هائلة بنسبة 338% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. في غضون ذلك قامت مصر بقمع الهجرة غير الشرعية. تقول الحكومة إنه لم تغادر أي سفينة تقل مهاجرين بشكل غير قانوني المياه المصرية إلى أوروبا منذ عام 2016، كما قامت بتشديد القوانين التي تستهدف المتاجرين المصريين. 

محتجز في اليونان

فيما قالت رحاب رضا إن زوجها مصطفى عادل السيد كان يكافح للعثور على عمل ثابت في الشرقية، حيث ارتفعت أسعار الطعام والملابس والمأوى بشكل مطرد. مشيرة إلى أن زوجها أبلغها بأنه يريد أن يفعل شيئاً لأطفالهما الثلاثة، لكنه لم يخبرها أبداً بأنه يخطط للمغادرة إلى أوروبا. 

قالت في مكالمة هاتفية من منزل أهل زوجها، حيث تعيش الآن مع الأطفال، إن زوجها من بين الناجين من السفينة، لكنه محتجز في اليونان. 

ناجون من قارب المهاجرين الغارق قبالة سواحل اليونان / رويترز
ناجون من قارب المهاجرين الغارق قبالة سواحل اليونان / رويترز

ومصطفى واحد من تسعة مصريين يواجهون اتهامات بالانتماء لشبكة التهريب، تقول رضا إن زوجها بريء، وإن المهربين الحقيقيين الذين يجنون ملايين الدولارات من هذه الرحلات المنكوبة لا يخاطرون بحياتهم على هذه السفن. 

وبينما كانت رحاب قلقة بشأن مصير زوجها، كانت تحاول أيضاً تعقب معلومات عن ابن عمها، الذي كان على متن السفينة، وهو مفقود منذ غرقها. 

أحمد، نجل عزت الخضري، هو أيضاً من بين تسعة مصريين يواجهون المحاكمة في اليونان. يقول عزت إن هذا الاتهام لا يمكن أن يكون حقيقياً. لقد اضطرت الأسرة إلى الاقتراض وبيع أغراضها لدفع مبلغ 140 ألف جنيه مصري للمهربين في ليبيا، الذين طالبوا بها مقابل مكان له في أدريانا. قال إن ابنه، 26 عاماً، الذي كان أُمياً تحدّث عن رغبته في الذهاب إلى إيطاليا، لأنه رأى أن آخرين من بلدته قد ذهبوا إلى هناك وافترض أنهم بخير.

 قال والده إنه كان يحلم بأن يتزوج في يوم من الأيام وتكون له شقته الخاصة، لكنه لم يستطع رؤية هذا المستقبل بأجر يومي يأتي من عمل بضعة أيام فقط في الأسبوع، ولذلك تجاهل تحذيرات عائلته من مخاطر الهجرة غير الشرعية.

الخضري أضاف عبر الهاتف من مصر: "نحن أناس نصلي، مزارعون بسطاء، أناس بسطاء، نحاول العيش في هذه الأوضاع الصعبة مثل الآخرين، ما هو الخيار الآخر لدينا؟!".

تحميل المزيد