انتقد نشطاء البيئة أسعار تذاكر الرحلات الجوية الرخيصة في أوروبا في مقابل غلاء تذاكر القطارات، وقالوا إن ذلك يدفع الناس لاستعمال الطيران الذي يوصف بأنه أكثر وسائل النقل تلويثاً للبيئة، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 20 يوليو/تموز 2023.
كما أشار نشطاء البيئة إلى أن الإعفاءات الضريبية التي وصفوها بـ"الفاحشة" تشجع شركات الطيران في أوروبا على توفير الرحلات الجوية بأسعار زهيدة، والمخاطرة بمزيد من الاحترار الناجم عن غازات الانبعاثات الحرارية.
أسعار تذاكر الرحلات الجوية الرخيصة
كشفت دراسة نشرتها منظمة "السلام الأخضر" GreenPeace البيئية غير الحكومية، في 20 يوليو/تموز، أن أسعار تذاكر القطارات قد تضاعفت في المتوسط فوق أسعار تذاكر الرحلات الجوية للمسارات نفسها.
قارن المشاركون في الحملة بين أسعار التذاكر بين وسيلتي النقل على 112 مساراً في 9 أيام مختلفة. ووجدوا أن تكلفة الرحلة بالقطار من لندن إلى برشلونة -على سبيل المثال- يصل ثمنها إلى 30 ضعف الرحلة ذاتها على متن الطائرة.
يأتي ذلك في وقت زاد فيه ارتفاع درجات الحرارة هذا الأسبوع من الإقبال على العطلات في جميع أنحاء أوروبا، وصاحب ذلك اشتداد الحرارة بسبب غازات الاحتباس الحراري المنبعثة من حرق الوقود الأحفوري.
بينما قالت لوريلي ليموزين، الناشطة البيئية في منظمة السلام الأخضر، "لم تكن أسعار تذاكر الرحلات الجوية التي يبلغ سعرها 10 من اليورو لتتوفر لولا أن العمال ودافعي الضرائب هم من يدفعون التكلفة الحقيقية"، لكن مصلحة "كوكب الأرض والناس تقتضي من السياسيين التحرك لتغيير هذا الوضع، وإتاحة القطارات بأسعار ميسورة".
الطيران أكثر تلويثاً للبيئة
يوصف الطيران بأنه أكثر الأنشطة تلويثاً للبيئة، فضلاً عن كونه وسيلة يصعب تلافي أضرارها البيئية.
فالبرجر يمكن الاستعاضة عنه باللحوم النباتية، والسيارات يمكن أن تحل محلها المركبات الكهربائية، أما الطيران فليس له وسيلة إلا الطائرات ذات التأثير الكبير في التغير المناخي. وانتقد الخبراء بعض الخطط التي ادعت تعويض الانبعاثات الصادرة عن الطيران ووصفوها بأنها معيبة.
وجد نشطاء "السلام الأخضر" أن السفر بالقطار أغلى من الطيران -في المتوسط- في 79 رحلة من أصل 121 رحلة تحروا عنها. وفي بعض الأيام كانت الرحلات بالقطار أرخص من أسعار تذاكر الرحلات الجوية، لكن متوسط التكلفة الإجمالية لرحلات القطار كان أكبر.
جاءت القطارات أغلى من الطائرات في 8 من الأيام التسعة التي تحرَّت المنظمة عنها على 23 مساراً. وقدَّمت الرحلات الجوية عدة مميزات منها: وجود اتصالات منتظمة وموثوقة، وسرعة الوصول الجيدة، وتوفر التذاكر بسعر أقل من 150 يورو (نحو 170 دولاراً أمريكياً).
قال ستيفان غوسلينغ، الأستاذ في جامعة لينيوس في السويد والباحث المهتم بدراسة انبعاثات الرحلات الجوية، إن الدراسة "جيدة" في العموم، وقد أخذت في الاعتبار بعض الاختلافات بين رحلات القطارات والرحلات الجوية، مثل أوقات الحجز اليسيرة. و"مع ذلك، فإن النتائج ليست مفاجئة، فالنقل الجوي يحصل على دعم كبير" من الحكومات.
إعفاءات ضريبية لشركات الطيران
من الجدير بالذكر أن شركات الطيران في أوروبا لا تدفع أي ضرائب على الكيروسين، وضرائب قليلة على التذاكر، أو ما يُعرف بضريبة القيمة المضافة.
كما لا تُغرَّم تلك الشركات على الانبعاثات الجوية إلا في رحلاتها الجوية داخل أوروبا، أي إن التكلفة الواقعة عليهم أقل بكثير من الأضرار الاجتماعية لانبعاثات الكربون.
فيما خلص تقرير نشرته حملة Transport and Environment المعنية بالبيئة هذا الشهر، إلى أن الحكومات الأوروبية خسرت 38.4 مليار دولار بسبب ضعف تحصيل الضرائب من شركات الطيران في عام 2022، وزعم التقرير أن "الفجوة الضريبية" بين السفر بالقطارات والرحلات الجوية ستصل إلى 53 مليار دولار في عام 2025.
في معرض التعليق على ذلك، قال غوسلينغ: "الخلاصة أنك إذا سافرت بالطائرة فستحصل على إعانة من دافعي الضرائب. أما إذا ركبت القطار فستُعاقب بالأسعار الغالية، علاوة على طول الرحلة".
دعوات لتغيير سياسات الحكومات
من جهة أخرى، فإن صناعة الطيران مسؤولة عن نحو 2.5% من التلوث الكربوني العالمي، ولكن الطائرات تطلق غازات أخرى تزيد من حرارة الكوكب.
فقد وجدت دراسة شارك فيها غوسلينغ أن نسبة المسافرين بالطيران في عام 2018 لم تتجاوز 11% من إجمالي المسافرين، و4% منهم فقط من سافروا إلى خارج بلدانهم بالطائرات.
على إثر ذلك حثَّت "وكالة الطاقة الدولية" صانعي السياسات على "فرض ضرائب على الطيران تتناسب مع تأثيراته [البيئية]، لا سيما أن أقلية من البشر هي من تستخدم الرحلات الجوية"، وأوصت المنظمة بزيادة الاعتماد على وقود الطيران المستدام.
فيما ناشدت منظمة "السلام الأخضر" الحكومات بتوفير "تذاكر النقل بطرق يسيرة، وبأسعار معقولة". وقد بدأت النمسا في عام 2021 ببيع هذه التذاكر التي يمكن استخدامها لجميع وسائل النقل العام في البلاد بسعر 3.3 دولار في اليوم. وفي عام 2020، صارت لوكسمبورغ أول دولة في أوروبا توفر وسائل النقل العام مجاناً.
كما حث النشطاء الحكومات على الإلغاء التدريجي للإعانات الضريبية لشركات الطيران. وقالت ليموزين: "الطائرات أكثر تلويثاً بكثير من القطارات، فلماذا نشجع الناس على الطيران؟".