يقوم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بزيارة تاريخية لدولة الصين، سبقتها زيارة قطر، وستليها في طريق العودة زيارة تركيا، هذه الأخيرة التي سيزورها للمرة الثانية خلال ولايته الرئاسية الحالية.
وعوض فرنسا وإسبانيا، الحليفين الدائمين للجزائر في الغرب؛ نظراً إلى القرب الجغرافي والمصالح المشتركة، وأيضاً التاريخ الذي يربط البلدين، اختارت معسكراً آخر وهو دول الشرق.
"عربي بوست" سيرصد من خلال هذا التقرير، توجه الجزائر الجديد نحو معسكر الشرق عوض الغرب.
الجزائر تتجه شرقاً
رغم الفترة الاستعمارية التي فاقت 130 سنة، كانت الجزائر دائماً تعتبر فرنسا حليفاً أوروبياً لها، فالبلدان بينهما علاقات اقتصادية مهمة، كما أن الجالية الجزائرية تُعد أكبر جالية في فرنسا.
وفي إسبانيا أيضاً، فمدريد كانت على ود دائم مع قصر المرادية منذ استقلال الجزائر ومع توالي الرؤساء، فكانت تربطهما علاقات اقتصادية وسياسية مهمة؛ نظراً إلى القرب الجغرافي بين البلدين.
لكن في السنتين الأخيرتين تغير كل شيء، فالجزائر التي صعدت بعبد المجيد تبون رئيساً بعد الحراك الاجتماعي، بدأت ترى أن فرنسا عدو في حُلة صديقة، وأنها بلد مستعمر، رغم رسائل الود التي تبعث بها.
ساءت العلاقة بين باريس والجزائر، ووصلت إلى حد القطيعة بعدما أعلنت فرنسا وضع حد للتأشيرات الممنوحة للجزائريين، لكن الرئيس الفرنسي حاول تلطيف الأجواء فقام بزيارة رسمية للجزائر تخللها توقيع اتفاقيات مهمة، لكن عاد التوتر مرة أخرى.
أما إسبانيا فقد وصلت العلاقات في السنتين الأخيرتين إلى حد القطيعة، وذلك بعدما أعلنت مدريد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لإنهاء نزاع الصحراء مع جماعة البوليساريو الانفصالية، التي تدعمها الجزائر.
كل هذه التغيرات دفعت الجزائر للتوجه إلى معسكر الشرق عوض الغرب، فكانت البداية من روسيا، التي زارها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في الأشهر القليلة الماضية، ثم الآن يقوم بزيارة لدولة الصين.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر توفيق بوقعدة، قال إن هناك خلطاً كبيراً في تحديد مفهوم الاتجاه نحو الشرق أو نحو الغرب مؤخراً، فالجزائر على حد تعبيره دائماً ما كانت في توجهاتها ومواقفها وأيديولوجيتها قريبة من الشرق.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست"، أنّ "توجه الجزائر شرقاً لا ينفي الترابط الاقتصادي والتجاري مع الغرب، فمصدر قوت أغلب الجزائريين يأتي من الغرب".
وأشار المتحدث إلى أنه يمكن قراءة هذه الزيارات في إطار ممارسة الضغوط على الغرب لتحقيق مصالح وتعزيز القدرة التفاوضية أكثر من أن كونها معاداة للمعسكر الغربي وقطيعة معه.
وقال الأستاذ الجامعي في تصريحه لـ"عربي بوست"، إن من مصلحة الجزائر الإبقاء على حالة التوازن والحياد بين أقطاب وفواعل الصراع بين الجهتين، يعني معسكر الشرق ومعسكر الغرب.
الجزائر وتركيا
من المتوقع أن يصل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تركيا بعد الانتهاء من زيارة الصين، ويلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهي الزيارة الثانية لتبون خلال عام واحد.
وتشهد العلاقات الجزائرية التركية حركية لافتة في السنوات الأخيرة على جميع الأصعدة، ساهمت فيها اتفاقية الصداقة والتعاون الموقعة بين البلدين عام 2006، زادت زخماً منذ تولي عبد المجيد تبون رئاسة الجزائر نهاية 2019.
وقعت الجزائر وتركيا في 23 مايو/أيار 2006، معاهدة للتعاون والصداقة، وحسب مراقبين فقد أعطت هذه الاتفاقية دفعاً قوياً للتعاون الثنائي بين البلدين على أصعدة مختلفة.
ونصت المعاهدة التي وقعها آنذاك، الرئيس أردوغان عندما كان رئيساً للوزراء، والرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة، على تطوير الحوار في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية، والتزام الطرفين بتعزيز التعاون الاقتصادي، خاصة في مجال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتأسيس اجتماع سنوي رفيع المستوى بين البلدين.
شهدت علاقات التعاون الاقتصادي بين الجزائر وتركيا، طفرة خلال السنوات الـ16 الأخيرة، حيث أصبحت أنقرة أول مستثمر أجنبي خارج قطاع المحروقات بالجزائر.
حسب بيانات رسمية لسفارة تركيا في الجزائر، فإن أزيد من 1300 شركة تركية تنشط بالبلاد، الأمر الذي ساهم في خلق ما يزيد على 30 ألف وظيفة، في حين كان العدد مطلع القرن الحالي، 7 شركات فقط.
الصين.. باب الجزائر للانضمام للبريكست
وصل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يوم الإثنين 17 يوليو/حزيران، إلى الصين بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ، وذلك في زيارة تمتد لخمسة أيام، حسب ما أعلنت عنه الرئاسة الجزائرية والخارجية الصينية في بيانين منفصلين.
ووفق التلفزيون الجزائري، فقد وقع تبون ونظيره جين بينغ 19 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم، تشمل قطاعات كالنقل بالسكك الحديدية وتحويل التكنولوجيا، والتعاون الفلاحي والاتصالات، فضلاً عن الرياضة والاستثمار والتعاون التجاري.
كما شملت مجالات الداخلية والتهيئة العمرانية والبحث العلمي والقضاء والتنمية الاجتماعية والطاقات المتجددة والهيدروجين، وقطاعات أخرى.
ونهاية 2022 أعلنت الجزائر توقيع خطة تعاون استراتيجي مع الصين تمتد إلى عام 2026، وتشمل الاقتصاد والطاقة والفضاء والمجالات الثقافية.
وتُعتبر روسيا والصين أقوى دولتين في مجموعة البريكس، التي تسعى الجزائر إلى الانضمام لها، إلى جانب كل من البرازيل والهند وجنوب إفريقيا، وهي المجموعة التي تأسست سنة 2009 وتضم الدول التي حققت النمو.
المحلل السياسي الدكتور حكيم بوغرارة يقول إن الجزائر لها إرث تاريخي مع الشرق منذ الثورة التحريرية وهي وفية لذلك، لكنها في الوقت نفسه لا تضع جميع بيضها في سلة واحدة، فعلاقات الجزائر -على حد قوله- متنوعة مع الشرق والغرب والجنوب.
وأكد المتحدث أن الجزائر تحاول الاستفادة من الجميع، حيث زار الرئيس تبون روسيا وتركيا والآن الصين، كما زار قبلها إيطاليا والبرتغال، وقد يزور وزير الخارجية أحمد عطاف، الولايات المتحدة الأمريكية قريباً بعد أن زار ألمانيا وصربيا مؤخراً.
قطر حليف الشرق
قبل وصوله إلى الصين اختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، زيارة دولة قطر لمدة يومين، حيث التقى من خلالها أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بحث العديد من القضايا الثنائية والإقليمية، وتوقيع اتفاقيات.
وتُعتبر هذه الزيارة هي الثانية التي يجريها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لقطر خلال ولايته الحكومية الحالية، إذ سبق أن حل بالدوحة في فبراير/شباط 2022، واستقبله أمير البلاد.
وانتقلت العلاقات الجزائرية القطرية إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية، إذ تُحاول الجزائر جلب أكبر عدد من الاستثمارات من الدوحة، أهمها في قطاع الغاز والنفط.
وتعتبر الجزائر وقطر من أكبر منتجي ومصدري الغاز الطبيعي في العالم، كما أنهما بلدان محوريان في إطار جامعة الدول العربية وفي المحيط الإقليمي، تجمعهما رؤى واحدة ومواقف مشتركة تجاه المصالح الثنائية والقضايا العربية والدولية..
وتعد قطر أكبر مستثمر عربي في الجزائر، حيث تقدر الاستثمارات القطرية بنحو 74%، بحسب تصريحات رئيس الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة الطيب شباب، لوكالة الأنباء القطرية.
خلال السنوات الأخيرة تم إنشاء عدد من المشروعات الاستثمارية القطرية بالجزائر، كان أبرزها مشروع "بلارة الجزائري القطري للصلب" بولاية جيجل، الواقعة شمال شرقي الجزائر العاصمة.
وتعمل الجالية الجزائرية بقطر في مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لا سيما النفط والغاز، والطيران، والرياضة والإعلام، كما أنها تحظى بالتقدير من القيادة القطرية.
روسيا الحليف الدائم
بعد اندلاع حرب روسيا على أوكرانيا بدأت دول أوروبا الغربية تتحسس مشكلة صعوبة الحصول على الغاز من روسيا، وبالتالي بدأت تبحث عن بديل قريب جغرافياً، ويُمكنه أن يُعوض الحاجة لهذه المادة الضرورية.
كان بديل بعض الدول الأوروبية هو الغاز الجزائري، فرغم أن إنتاجية الجزائر لا تُقارن بنسبة إنتاج روسيا للغاز، فإن كل الأعين الأوروبية اتجهت لهذه الدولة الشمال إفريقية لتعويض العجز.
ورغم أن الجزائر لديها إمكانية ضخ مزيد من الغاز للقارة الأوروبية، فإنها اختارت الوقوف في صف الحياد، ولم تستجب لكل الطلبات، وفضلت تغليب علاقتها الدبلوماسية مع روسيا على كل المصالح المادية التي يُمكن أن تأتي من أوروبا.
الموقف الذي اتخذته الجزائر أظهر قوة العلاقة الدبلوماسية بين البلد الإفريقي وروسيا منذ أن كانت في الاتحاد السوفييتي.
تتميز العلاقات الجزائرية الروسية بكونها متينة منذ استقلال الجزائر عام 1962، في شقيها الدبلوماسي والعسكري، ففي هذه السنة أعلن الاتحاد السوفييتي إقامة علاقات دبلوماسية مع الجزائر المستقلة.
بعد إقامة العلاقات اعترفت الجزائر سنة 1991 بروسيا الاتحادية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بعدها توالت الزيارات بين قادة البلدين، بدءاً من الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة الذي زار روسيا سنة 2001.
وتعد الجزائر ثالث مستورد للسلاح الروسي في العالم، بينما تعتبر روسيا مصدر الأسلحة التاريخي للجزائر، إذ تقتني الجزائر أكثر من 60% من أسلحتها من موسكو، وتمتلك 6 غواصات روسية الصنع، إضافة إلى اقتنائها نظام الدفاع الجوي الصاروخي "إس 400".