لا تريد تكرار خسارة نقابة الصحفيين والمهندسين.. “عربي بوست” يرصد كواليس تحركات الحكومة المصرية قبل انتخابات الأطباء

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/16 الساعة 12:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/16 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية لأطباء مصريين/Getty Images

تسير استعدادات انتخابات نقابة الأطباء في مصر، لإجراء انتخابات التجديد النصفي على مقعد النقيب، ونصف عدد الأعضاء، إلى جانب النقابات الفرعية، وسط اهتمام سياسي واسع بما ستُسفر عنه.

وتعود أهمية انتخابات نقابة الأطباء في مصر، كما قال مصدر أمني لـ"عربي بوست"، لكونها "آخر بروفة للمعارضة والحكومة قبل انتخابات الرئاسة مطلع العام المقبل، وستكون نتيجتها مؤشراً على المزاج العام في مصر، بعد أن خسرت الحكومة سيطرتها على نقابة الصحفيين، وكذلك نقابة المهندسين".

وبعثت نقابتا الصحفيين والمهندسين إشارات على أن مرشحي المعارضة لديهم حظوظ في الانتخابات التي ينافسون فيها، وأن الحكومة في المقابل لم تعد لديها القدرة على الحسم في مواجهة معارضة شعبية.

ويترأس نقابة الصحفيين الصحفي المعارض خالد البلشي، كما أن النقيب المحسوب على تيار الاستقلال المعارض، طارق النبراوي، استطاع فرض وجوده على رأس نقابة المهندسين بعد محاولة لإقصائه من منصبه.

انتخابات نقابة الأطباء في مصر.. استعدادات غير مسبوقة

يتنافس على مقعد نقيب الأطباء كل من إيهاب الطاهر، أيمن سالم، أسامة عبد الحي، أحمد حسين، يحيى النجار، محمد طنطاوي، علي كامل علي، محمد محمد منير، جمال عميرة، محمد سلامة، وأبو المجد الهواري.

وقال أحد المرشحين على مقعد نقيب الأطباء لـ"عربي بوست" إن الاستعدادات لإجراء الانتخابات غير مسبوقة، وهناك اهتمام فاعل من جانب الجمعية العمومية لنقابة الأطباء للتعبير عن أنفسهم.

وأضاف المتحدث أن "ما تحقق في نقابة الصحفيين والمهندسين من مشاركة فاعلة، وقدرة على إعلاء مكانة وقيمة النقابة المهنية من المتوقع أن يتكرر في نقابة الأطباء، والدليل على ذلك أن النقابات الفرعية تشهد في الوقت الحالي حالةً من الحراك لم تحدث منذ زمن".

وبدأ المرشح، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، جولاته الانتخابية، مشيراً إلى أنه لمس اهتماماً بأوضاع النقابة لم تكن حاضرة من قبل، وأن الأطباء لديهم قناعة بأن ضعف نقابتهم أسهم إلى حد كبير في تراجع الاهتمام الحكومي بحقوقهم.

وأشار المتحدث في تصريحه إلى أنه في حال كانت هناك نقابة أطباء في مصر قوية، كان من الممكن الضغط بشكل أكبر للحد من هجرة الأطباء، وخلق أوضاع إيجابية تعمل على الإعلاء من صورة الطبيب في المجتمع.

ويتوقع المصدر ذاته أن يسير "تيار الاستقلال" الذي يمثل المعارضة بخطوات ثابتة، نحو إكمال هيمنته على نقابة الأطباء، مع توحد القائمة خلف مرشح واحد على منصب النقيب، وتحديد مرشحيها في مقاعد العضوية.

مقابل ذلك، كشف المصدر ذاته لـ"عربي بوست" أن قائمة الحكومة التي تخوض انتخابات نقابة الأطباء في مصر باسم "تيار المستقبل"، تُعاني من الانقسام جراء ترشح أكثر من عضو داخلها على مقعد النقيب.

ويتوحد "تيار الاستقلال" خلف إيهاب الطاهر عضو مجلس نقابة الأطباء الحالي، والذي أعلن عن رغبته في خروج السباق الانتخابي من السياق السياسي، واعتبر أن تيار الاستقلال لا يعني المعارضة، لكنه يعبر عن أنه بعيد عن أي توجهات سياسية أو دينية.

وأعلنت اللجنة المشرفة على انتخابات نقابة الأطباء في مصر تقديم 12 مرشحاً أوراقهم لمقعد النقيب، و119 مرشحاً على عضوية مجلس النقابة العامة، إلى جانب مشاركة مئات المرشحين في النقابات الفرعية.

مرشحو الحكومة.. حالة من الانقسام

في المقابل يتبع 4 مرشحين على مقعد النقيب لقائمة "تيار المستقبل"، القريب من الحكومة، وهم: أحمد حسين، وأيمن سالم، وجمال عميرة، وأسامة عبد الحي، وهو ما يشير لحالة انقسام قد تنتهي بتنازل أي منهم للآخر، في حال وجدت الحكومة نفسها أمام منافس وحيد وقوي.

وتنتهي المدة القانونية لنقيب الأطباء الحالي، الدكتور حسين خيري، بعد انقضاء ولايتين متتاليتين في منصبه، وهو محسوب أيضاً على تيار الاستقلال، ما يشي بأن النقابة التي دائماً ما كانت تحت سيطرة تيارات سياسية معارضة ماضية في الاستمرار على هذا النهج.

وقال عضو بمجلس نقابة الأطباء، إن تيار الاستقلال المعارض يبدو أكثر تنظيماً حتى الآن، لأن الشعارات السياسية غابت بشكل تام، وهناك إدراك بأن الخدمات الاجتماعية هي الأكثر إلحاحاً في هذا التوقيت مع الظروف الاقتصادية الصعبة.

وأشار المتحدث إلى أن رفع شعارات لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع أمر لم يخدم النقيب المنتهية ولايته حسين خيري، والذي فشل في جذب الجمعية العمومية في الكثير من المرات التي كان بحاجة فيها إلى دعمها.

ومن المقرر أن تعلن اللجنة المشرفة على انتخابات نقابة الأطباء في مصر القائمة النهائية للمرشحين، في أغسطس/آب 2023، بعد إعلانها قائمة مبدئية، وفتحت الباب أمام الطعون على أسماء المرشحين، على أن تعلن نتائج الطعون الأسبوع القادم، أي قبل 3 أشهر من موعد الانتخابات.

مستقبل وطن.. تحركات حزب

يضيف المصدر لـ"عربي بوست"، أن الحضور السياسي في انتخابات نقابة الأطباء في مصر لن يغيب هذه المرة، لكنه يدور في الخفاء عبر تنسيق يشرف عليه حزب مستقبل وطن، صاحب الأغلبية في البرلمان المصري، والمؤيد للحكومة.

هذا الأمر يفسره وجود مرشحين كثر على قائمة "تيار المستقبل"، يتحركون في النقابات الفرعية من أجل حشد أكبر عدد من أعضاء النقابة، وهو ما يُشعل أجواء الانتخابات، التي سوف يحسمها الطرف الأكثر قدرة على نسج تربيطات انتخابية لصالحه.

ويلفت المصدر ذاته إلى أن جهات حكومية وأمنية ترفض تكرار مشهد نقابتي المهندسين والصحفيين، وتحاول أن تدعم صورتها وسط فئات من المواطنين يشكلون الطبقة الوسطى، والذين تعبر آراؤهم عن إجمالي الغالبية العظمى من المواطنين.

تلك الجهات، حسب المتحدث، تستهدف بالأساس تحقيق نتائج إيجابية في انتخابات نقابة الأطباء في مصر، وحصد مقعد النقيب، وإن لم تتمكن من ذلك فعلى الأقل الخروج بمشهد انتخابي ديمقراطي يمنح الثقة للمواطنين للمشاركة في انتخابات الرئاسة.

ولدى حزب مستقبل وطن القدرة على حشد أكبر عدد من الناخبين بفعل انتشار مكاتبه في غالبية المحافظات، ولم يتوقف طوال السنوات الماضية من الإقدام على توزيع المساعدات على الفقراء وتقديم السلع بأسعار مخفضة.

لكنه بالرغم من ذلك لا يحظى بتأييد واسع في تلك الأوساط، وكانت إجراءات سحب الثقة من نقيب المهندسين طارق النبراوي شاهدةً على أن عملية الحشد التي قام بها الحزب انقلبت ضده.

وتجري في الوقت نفسه انتخابات النقابات الفرعية على مستوى المحافظات لتجديد عضوية مجالسها، ويضم كل منها 8 أعضاء ونقيباً، باستثناء القاهرة التي يضم مجلس نقابتها 12 عضواً.

ويقوم نظام انتخابات نقابة الأطباء في مصر على تجديد نصفي كل عامين لأعضاء مجلس النقابة، الذي يتكون من 24 عضواً، بينما تجرى الانتخابات على منصب النقيب كل أربعة أعوام. 

لمن الفوز؟ لمن يقدر الضغط على الحكومة

وأشار مصدر مطلع محسوب على تيار الاستقلال بنقابة الأطباء، إلى أن الأزمات التي يعانيها مئات آلاف الأطباء المسجلين في كشوف النقابة، إلى جانب المشكلات التي تواجهها المنظومة الصحية، تجعل الانتخابات المقبلة تتجه إلى مرشحين لديهم قدرة الضغط على الحكومة وليس مهادنتها، ما يجعل فرص المعارضة أكبر، كما أنها تستفيد من الأجواء التي خلقتها انتخابات نقابة الصحفيين وإجراءات تجديد الثقة بنقابة المهندسين.

في وجهة نظر المصدر ذاته، فإن الجمعيات العمومية للنقابات أصبحت تتعامل مع المجالس المنتخبة كجهة ضغط على الحكومة، وتسعى من خلالها لتوصيل أصواتها التي تفشل أن توصلها من خلال الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية.

هذه الجمعيات حسب المتحدث، دائماً ما تكون لديها حسابات أخرى، ولا يفرط فيها النظام بسهولة، وتكون المتنفس في انتخابات النقابات، وهو أمر قد تدعمه الحكومة أيضاً التي تسعى لإيجاد منافذ غير مؤثرة إلى حد ما لقطاعات واسعة من المواطنين المعارضين لها.

وتؤثر انتخابات نقابة الأطباء على المشهد السياسي بوجه عام، وعلى انتخابات الرئاسة بوجه التحديد، ووفقاً للمصدر ذاته فإنها تفتح الباب أمام المعارضة لأن تكون حاضرة بشكل أكبر في المعترك الرئاسي، حال حسم تيار الاستقلال الانتخابات، كما أن الحكومة في المقابل ستحاول الاستفادة من دروسها قدر الإمكان، سواء ربحت المعركة أو خسرتها.

ولا تغيب عن خلفية مشهد انتخابات نقابة الأطباء في مصر الصورة السابقة التي رسمها أعضاء الجمعية العمومية لنقابة المحامين، مطلع العام الجاري، حينما هدفوا للضغط على الحكومة من أجل وقف تطبيق الفاتورة الإلكترونية عليهم.

وهي المظاهرات التي جعلت الحكومة تدرك أنها قد تواجه حالة من الغضب الشعبي إذا ما حاولت الضغط على المواطنين من بوابة مصالحهم المهنية، بحسب ما شدد المصدر، الذي توقع أن تشهد عملية انتخابات الأطباء قدراً كبيراً من النزاهة.

انتخابات الأطباء.. خطوة أولى لانتخابات الرئاسة

وما يجعل انتخابات نقابة الأطباء في مصر تأخذ حيزاً واسعاً من الاهتمام في هذا التوقيت، أن هناك مجموعة من الملفات التي ستكون بحاجة إلى حسم خلال الفترة المقبلة، في مقدمتها أزمات الاعتداءات المتكرّرة على المنشآت الصحية وإلحاق الضرر بالعاملين.

بالإضافة إلى ذلك، يحتاج الجسم الصحي في مصر إلى البحث عن حلول لمعوّقات وعراقيل تراخيص المنشآت الطبية الخاصة، وآليات المحاسبة الضريبية للأطباء ومنظومة الفاتورة الإلكترونية، وتعديل بعض مواد لائحة آداب المهنة.

وبحسب سجلات النقابة العامة لأطباء مصر، فإنّ عدد الأطباء المسجّلين فيها والمرخّص لهم بمزاولة المهنة دون الأطباء على المعاش، بلغ حتى 20 مارس/آذار من عام 2022 الماضي، 228 ألفاً و862 طبيباً، علماً أنّ عدد الأطباء العاملين في القطاع الحكومي 93 ألفاً و536 ألف طبيب.

أمّا عدد الأطباء والطبيبات الذين قدّموا إلى النقابة سنة 2022 مستندات إنهاء خدمتهم من قطاع الصحة الحكومي في مصر، واستخراج شهادة "طبيب حرّ"، التي تعني عدم عمل الطبيب في أيّ جهة حكومية، فبلغ 4261 طبيباً وطبيبة، وذلك بمعدّل يومي يُقدَّر بـ12 طبيباً وطبيبة.

ويشير مصدر أمني على صلة بملف انتخابات نقابة الأطباء في مصر، إلى أن الحكومة المصرية سوف تحرص على أن تكون انتخابات الأطباء نزيهة، بما يرسخ الصورة التي رسمتها في انتخابات نقابة الصحفيين، وكان من المقرر أن تتكرر في انتخابات المهندسين لولا تدخلات من جانب أعضاء البرلمان بحزب مستقبل وطن، وتستهدف تهيئة المواطنين للمشاركة في انتخابات الرئاسة، وإضفاء شرعية على الرئيس المنتخب.

ليس لدى المصدر ذاته شكوك حول فوز الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالانتخابات المقبلة، لكنه يشدد على أن إدارة المشهد الانتخابي تتطلب حالة من الحراك، بما لا يسمح بتكرار وقائع انتخابات سابقة شعر فيها المواطنون بأنها لم تشهد منافسة حقيقية.

كما أن وجود مرشح معارض في الانتخابات الرئاسية الماضية، قوي مثل أحمد الطنطاوي، بعد أن أعلن عن نيته الترشح للرئاسة يغذي سخونة الانتخابات، لكنه لا يقود لحدوث مفاجآت.

ويؤكد على أن وجود دلالات تبرهن على استياء المصريين من بعض الأوضاع الاقتصادية في الداخل، وظهور ذلك في انتخابات الصحفيين والمهندسين، يجعل النظام أكثر رغبة في الاستفادة من أخطائه، بخاصة أن الضغوطات الاقتصادية مازالت مستمرة، ويبقى التعويل على هامش من الحريات يمنح مزيداً من الآمال على مستقبل أفضل.

وحتى الآن أعلن ثلاثة مرشحين منافستهم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي لم يعلن عن ترشحه بشكل رسمي بعد، وهم المرشح المعارض أحمد الطنطاوي، ورئيس حزب الوفد الليبرالي والقريب من الحكومة عبد السند يمامة، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر، وهو أيضاً من الموالين للحكومة.

وتضمنت التعديلات الدستورية التي جرى إدخالها عام 2019 تعديلاً على المادة 140 من الدستور، بمدّ مدة رئيس الجمهورية إلى 6 سنوات بدلاً من 4، وأن يكون ذلك لفترتين متتاليتين فقط، واستندت التعديلات في ذلك الحين إلى المبدأ القانوني بتطبيق الأثر الفوري المباشر.

وتتم إضافة عامين للرئيس الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي بدأ ولايته الحالية في العام 2018، مع منحه الحق في إعادة انتخابه لمرة تالية في ضوء المادة المعدلة.

تحميل المزيد