نفى مسؤولون فلسطينيون صحة التقارير العبرية التي تحدثت عن اتفاق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على وقف العمليات العسكرية في جنين، وبتسليم تأمين الوضع الأمني فيها إلى أجهزة أمن السلطة.
وكانت ذكرت القناة 14 الإسرائيلية المحسوبة على اليمين أن حكومة بنيامين نتنياهو أصدرت تعليماتها للجيش الإسرائيلي وجهاز المخابرات "الشاباك" بتجميد العمليات العسكرية في منطقة جنين بالضفة الغربية المحتلة.
أضافت أن ذلك جاء بعد حوار جرى في الآونة الأخيرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
مسؤولون فلسطينيون ينفون
من جهته، قال محافظ جنين، اللواء أكرم الرجوب، لـ"عربي بوست"، إن "هذه إشاعات"، معتبراً أن "هذا كلام غير صحيح، وإسرائيل هي دولة احتلال، وسبق أن اعتدت أكثر من مرة على جنين ومخيمها، وتهديدها بهذا الشكل يؤشر بشكل واضح على سياسة دولة الاحتلال تجاه شعبنا الفلسطيني".
أوضح الرجوب أن "السلطة تتواصل مع القوى السياسية والفصائل والمواطنين، وهذا ما عملت عليه وستعمل عليه في كل التحركات"، مؤكدا أن هناك مباحثات بين الفصائل الفلسطينية في جنين والسلطة.
وقال إن الاحتلال الإسرائيلي من خلال ما نشره في وسائل إعلامه "يحاول إحداث شرخ وإحداث فصل ما بين الشعب وقيادته، وإحداث فتنة، لأنه لا يريد للسلطة أن تقوم بدورها بشكل كامل".
وتابع: "شعبنا تحت الاحتلال، ومن حقه أن يقاومه، وعليه أن لا يدخل الى جنين ومخيمها، حتى لا يلقى المقاومة التي يعاني منها، لكنه يهدف إلى الخراب، بالتالي عندما يدخل الاحتلال معتدياً، سيواجه بمقاومة الشعب الفلسطيني".
وأضاف أن زيارة رئيس السلطة محمود عباس إلى مخيم جنين "كانت بمثابة رسالة إلى الاحتلال بأن كل الخزعبلات التي أثارها الاحتلال ضعيفة".
من جهته، كان النفي ذاته من القيادي في حركة فتح، جمال حويل، الذي أوضح لـ"عربي بوست" أن "سياسة الاحتلال تقوم على قاعدة فرّق تسُد، وله باع وذراع طويل جداً في هذه السياسة، لذلك يقوم طبعاً ببث الإشاعات، ونحن لا نصدق ما يقوله عن هذا الاتفاق".
وشدد حويل أيضاً على أنه اطلع على نفي رسمي للسلطة بشأن هذا الاتفاق، في حين حاول "عربي بوست" التواصل مع قيادات أمنية في السلطة للتعليق على هذا الأمر إلا أنه لم يتلق رداً حتى الآن.
وتابع حويل، وهو من مخيم جنين، أن "أي اتفاق بين إسرائيل والسلطة لا توجد له مخرجات سياسية غير مقبول، فما الفائدة من كل التضحيات والشهداء؟ هل فقط البحث عن وقف الاقتحامات هو المطلوب؟ لذلك أي حلول بدون أفق سياسي غير مقبول شعبياً ولا حتى على مستوى القادة السياسيين، نحن نقاتل من أجل الحرية، وإذا كنا نقاتل من أجل الهدوء لكان ذلك تحقق منذ زمن".
وقال: "لن يكون هناك هدوء بدون أي شيء سياسي، وإنهاء للاحتلال".
وأكد حويل أن "هناك نجاحاً فلسطينياً في تفويت الفرصة على الاحتلال ومنع الانزلاق نحو الفتنة في جنين والمخيم، فمن جانب لم تنجر السلطة وراء الإشاعات الإسرائيلية في مواجهة المقاومة، وكذلك نجحت المقاومة في فهم ذلك".
التنسيق مع الفصائل
وأضاف أن "الحوار هو الأساس بين السلطة والفصائل، من خلال تنسيق أية خطوات لضبط الأمن، فالتنسيق قائم ما بين السلطة والفصائل في المخيم التي تعتبر كتائب شهداء الأقصى جزءاً رئيسياً فيها، لتجاوز أية خلافات، ويشمل ذلك ملف المطاردين"، على حد قوله.
حول توقعات استمرار العدوان، حذر حويل من أنه "في أية لحظة قد تقدم إسرائيل على تنفيذ اغتيال أو عدوان على المدينة والمخيم، سواء من خلال الاستطلاع المستمر في التحليق أو عبر اقتحامات، خاصة أن عدوان الاحتلال لم يتوقف منذ 75 عاماً على الشعب الفلسطيني".
شدد أيضاً على "أهمية الحفاظ على اللُّحمة والحاضنة الشعبية للمقاومة، وعدم الانجرار وراء الفتنة التي تحاول إسرائيل زرعها لإفشال حالة التضامن والتضافر على المستويات كافة، لمعالجة آثار العدوان على المخيم والمدينة".
من جانبها، أكدت مصادر فصائلية من بينها مصدر مسؤول في حركة الجهاد الإسلامي في جنين، وجود تنسيق قائم حاليا مع السلطة الفلسطينية، معبرا عن أمله في حديثه لـ"عربي بوست"، بأن تستمر حالة التنسيق والتكاتف التي تشهدها الحالة الفلسطينية.
وتابع بأن هناك أجواء إيجابية وتنسيق عال خاصة عقب العدوان الإسرائيلي الأخير، وهناك جلسات حوار متواصلة، مشيرا إلى ضرورة الاستمرار في حالة الوحدة الحالية، وفق تعبيره، و"أن يبقى سلاح المقاومة بعيدا عن أي تجاذبات أو ملاحقات".
"لا تنسيق لقمع المقاومة"
بدوره، أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، بأن "ما يتم إشاعته من قبل الاحتلال ما هو إلا دسّ السم في الوضع الفلسطيني، من أجل خلط الأوراق وإظهار أن هناك اتفاقاً مع الاحتلال"، وفق تعبيره.
وأضاف: "نؤكد أنه لن يكون هناك تنسيق ولا قمع للمقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها التي تدافع عن الشعب الفلسطيني ضد جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين وجرائمهم".
في حين قال مصدر أمني فلسطيني، في محافظة جنين، إن "الاحتلال يريد دائماً إضعاف المدينة، من خلال الاقتحامات المستمرة وعمليات الإعدام والاعتقال التي ينفذها".
وأوضح أن "الأمن الفلسطيني سيعمل على فرض الأمن ومكافحة الإخلال بالنظام، وليس كما روّجت وسائل إعلام تابعة للاحتلال أو جهات أخرى، وهذا دور مناط بقوى الأمن لتوفير الأمن للمواطنين وتسهيل حياتهم اليومية".
وأضاف أن "سلطات الاحتلال تعمل على تخريب كل الجهود الرسمية من الجهات ذات العلاقة لتنظيم المدينة، سواء نقل البسطات أو ضبط المخالفات القانونية، ففي كل مرة يتم التحضير لحملة من هذا النوع كان الاحتلال يقتحم المدينة والمخيم، وينفذ عمليات إعدام وتخريب".
مقابل ذلك كله، فإن الوضع الميداني في جنين شهد تطورات منذ الإعلان الإسرائيلي، فالمطاردون المقاومون على حالهم، ويتحصنون داخل المخيم في حالة ترقب واستنفار، على ضوء تحليق طيران الاحتلال الذي ترافق عادة مع اقتحامات أو عمليات تصفية من خلال القصف بواسطة تلك الطائرات المسيرة.
رغم النفي من مسؤولين فلسطينيين صحة الأنباء عن اتفاق مع الجانب الإسرائيلي المتعلق بجنين، إلا أنه تزامن الحديث عنه مع وصول مئات عناصر الأمن الفلسطيني الى محافظة جنين بعتادهم ومركباتهم، وأكدوا أن الهدف من انتشارهم هو تأمين الأمن في المدينة، و"معالجة ظواهر أمنية ومخالفات قانونية وملاحقة من هم مطلوبون على قضايا جنائية للأمن الفلسطيني".
وتشهد جنين، تحليقا مكثفا ومستمرا لطيران الاستطلاع الإسرائيلي في سماء المدينة ومخيم جنين منذ العدوان الأخير، وعلى ارتفاعات منخفضة، بالإضافة إلى تعبئة وعودة المقاومة الفلسطينية في المخيم لوضع الحواجز، ونصب أغطية للشوارع والأزقة للتغطية على طيران الاستطلاع، وكلها مؤشرات على حالة الترقب الشديدة في المدينة لعدوان جديد من الاحتلال، بحسب ما رصده مراسل "عربي بوست".
وفي 3 يوليو/تموز 2023، أطلق الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية استمرت نحو 48 ساعة في مدينة جنين ومخيمها استخدمت فيها مروحيات وطائرات مسيرة وقوات برية ضد مقاومين.
وأسفرت العملية التي اعتبرت الأكبر منذ أكثر من 20 عاما، عن استشهاد 12 فلسطينيا وإصابة نحو 140 آخرين.