تتوالى التقارير الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة عن إطلاق صواريخ فلسطينية تجاه المستوطنات، آخرها قبل ساعات حين أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بنشوب حريق قرب مستوطنة "شاكيد" قرب جدار الفصل العنصري جراء سقوط صاروخ فلسطيني تم إطلاقه من جنين.
فيما فحص جيش الاحتلال أنباءً عن إطلاق صاروخ نحو ما بات يسمّى "غلاف جنين"، وعثر على منصتي صاروخين، وبقايا لهما، وقبل أيام عثر الأمن الإسرائيلي على بقايا صاروخ بدائي في مستوطنة "رام أون"، وقبل أسابيع عثر الاحتلال في قرية "نزلة عيسى" قرب جنين شمالي الضفة الغربية على صاروخ مماثل.
فيما أعلنت كتيبة "العياش" في جنين إطلاق الصاروخين من طراز "قسام 1″، في إطار "معركة الإعداد والتطوير المستمر وكسر المعادلات" مع الجيش الإسرائيلي، ورداً "على جرائمه في مخيم جنين"، وأعلنت أنه "رغم الظروف الأمنية المعقدة والحساسة، والعمل المستحيل، وقلة الإمكانيات والأدوات، لكننا نواصل التطوير والإعداد، ونواصل الليل بالنهار، لنذيق هذا العدو بأسَ صواريخ القسام في أرض ضفة العياش".
· البدايات الأولى
تعود أولى عمليات إطلاق الصواريخ من الضفة الغربية تجاه إسرائيل إلى مايو/أيار الماضي، حين رصدت الأخيرة محاولات عدة لإطلاق صواريخ بدائية الصنع من جنين تحديداً باتجاه المستوطنات؛ لكنها تدلّل على تطور ملحوظ في إمكانيات المقاومة، ووسائلها، وأدواتها، والبدء بمرحلة جديدة من الصراع المتواصل، مما أفسح المجال أمام وسائل الإعلام الإسرائيلية لبدء ترديد مفردة "غلاف جنين"، في إشارة إلى "غلاف غزة"، الذي يتعرض منذ عشرين عاماً لصليات صاروخية على مدار الساعة من المقاومة في غزة.
وخلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في مايو، زعم رونين بار، رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، إحباط خلية تابعة لحركة الجهاد الإسلامي في جنين، عملت على تصنيع قذائف صاروخية لإطلاقها.
بلغة الأرقام، فمنذ الانسحاب الإسرائيلي من غزة في 2005 وحتى كتابة هذه السطور، فقد سقطت على إسرائيل ما يزيد على عشرين ألف قذيفة وصاروخ من طرازات مختلفة، بدءاً بالقسام، ثم غراد والبراق، وأنواع أكثر تطويراً، أما في الضفة الغربية التي شهدت في الأيام الأخيرة بدايات إطلاق الصواريخ، فإنه منذ احتلالها في 1967 أطلق منها 13 قذيفة فقط باتجاه إسرائيل، وهذا لا يعني أن الفلسطينيين فيها لم يحاولوا، بل إنهم اعتبروا ذلك من أهم أهدافهم.
إيتام ألامدون، المراسل العسكري الإسرائيلي، ذكر أنه في ديسمبر 1970، أطلق الفلسطينيون صاروخين "كاتيوشا" على القدس من قرية "بتير"، وفي يوليو 1971 أطلقت 4 صواريخ كاتيوشا من دير بلوط على بيتاح تكفا، قتلت أربع إسرائيليات، وفي فبراير 2002، ضبط الجيش شاحنة متجهة من نابلس إلى جنين، فيها 8 صواريخ، وفي 2005 زعمت إسرائيل إحباط ثماني خلايا مسلحة في الضفة الغربية خططت لتطوير قدراتها الصاروخية، خاصة في بلدة اليامون قرب جنين.
مع العلم أن المقاومين في الضفة الذين يبدأون محاولاتهم المتواضعة لتصنيع الصواريخ أمامهم سلسلة من العقبات والمعيقات، أهمها الحصار المشدد عليهم، وقلة إمكانياتهم وخبراتهم، وملاحقة السلطة الفلسطينية لهم، بعكس حكومة حماس في غزة التي شكلت داعماً للمقاومين، وإسناداً لهم، رغم أن قرب جنين من المستوطنات يجعلها أكثر خطراً وتأثيراً، وقدرة على زعزعة استقرار المستوطنين.
لقد ارتبط اسم الصواريخ التي تطلقها المقاومة وتسقط داخل الأراضي المحتلة عام 1948، باسم "صواريخ القسام"، التي كان لها السبق في إيصالها داخل إسرائيل، ومع مرور الوقت أصبحت هذه الصواريخ علامة مسجلة باسم "القسام"، مع مخاوف إسرائيلية متزايدة من جهود المقاومة لتحسين قذائفهم باستمرار، بحيث قد تطال مدناً أخرى.
· المخاطر المتوقعة
تمثل الضفة الغربية أهمية استراتيجية على مختلف الأصعدة، فأقرب نقطة بين حدود الضفة الغربية نزولاً باتجاه الغرب إلى العمق الإسرائيلي، وصولاً إلى البحر تتراوح بين 12-15 كلم، وتطل جبال الضفة على عمق المناطق الإسرائيلية، وتشرف بالكامل على أكثر من 45% من مساحة الشريط الغربي، ولذلك قد تكون خطة المقاومة للمرحلة القادمة في الضفة العمل على امتلاك صواريخ نوعية.
كوبي ميخائيل، رئيس الشعبة الفلسطينية بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أكد أن "حماس والجهاد تبذلان الكثير من الجهد في تطوير القدرات الصاروخية في الضفة الغربية، والمنطق الذي يوجههما هو خلق تأثير على الوعي الإسرائيلي، وبمجرد إثبات قدرتهم على القيام بهذا الشيء، فسيحرجون إسرائيل بشكل كبير، ويضعون الجمهور الإسرائيلي في حالة من القلق والاضطراب، ويخلقون انقسامات بين الجيش والمجتمع والمستوى السياسي؛ لأن الجهات الأمنية لن تكون قادرة على الإيفاء بما هو مطلوب منها، لأن إطلاق صاروخ على تجمع سكاني، أو على بنية تحتية، قد ينتج عنه تأثير يوازي تأثير عدد من الهجمات التي يتم العمل عليها لمدة طويلة جداً".
ومنذ عشرين شهراً، ومع بداية فبراير/شباط 2022، مع اندلاع سلسلة العمليات الفدائية الفلسطينية في الضفة الغربية، بدا واضحاً أن ساحة المواجهة أمام الاحتلال قد تغيرت بصورة جوهرية، لا سيما في ضوء عدد وحجم ونوعية الهجمات الفدائية ضد هذه الأهداف العسكرية والاستيطانية، حيث اتخذت عمليات المقاومة بعض الأشكال التي عرفها قطاع غزة قُبيل الانسحاب الإسرائيلي منه في 2005، لا سيما إطلاق القذائف الصاروخية باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، وصولاً إلى الداخل المحتل، حيث المدن الفلسطينية المحتلة منذ 1948.
وفي ضوء العمليات العسكرية الإسرائيلية الهادفة لتقليص المساحة الجغرافية أمام قوى المقاومة في الضفة، فقد ظهر لافتاً تعزّز إمكانية قيامها بقصف المستوطنات والمدن الإسرائيلية، مما تسبّب بردود فعل واسعة في الشارع الإسرائيلي، لا سيما القاطنين بالقرب من المدن الفلسطينية بالضفة الغربية، وقد باتوا على مرمى الصواريخ والقذائف التي تطلقها المقاومة.
لقد أعاد إطلاق عدد من القذائف الصاروخية من بعض مناطق الضفة الغربية باتجاه المستوطنات والمدن الإسرائيلية عقارب الساعة لأكثر من عشرين ساعة إلى الوراء، حين شكّل صاروخ القسام الذي انطلق من قطاع غزة في أوائل 2002 تهديداً حقيقياً للاحتلال، كثيراً ما شكا منه، وحاول القضاء عليه بالاجتياحات المتكررة لغزة، وقصف ورشات الحدادة والخراطة، لكنه لم يستطع القضاء عليه، وبقي هذا الصاروخ البدائي يشكل هاجساً مزعجاً لإسرائيل حتى بعد الانسحاب من غزة.
في الوقت ذاته، أبدت المصادر العسكرية والأمنية الإسرائيلية تخوفها من إمكانية وصول الصواريخ لأيدي المقاومين في الضفة الغربية، باعتبارها تشكل سلاحاً استراتيجياً، رغم أنها بدائية الصنع لا تحتاج إلى تكنولوجيا عالية أو بنية تحتية عسكرية، ويمكن توفيرها بسهولة، ويمكن إنتاجها في الضفة كما أنتجت في غزة، وبكميات كبيرة.
الجنرال عاموس غلعاد، الرئيس السابق للقسم الأمني والسياسي بوزارة الأمن، ذكر أن "الضفة الغربية هي أكثر المناطق حساسية، وإذا تم وضع صواريخ فيها فستكون المدن الإسرائيلية في مرماها".
تتحدث التقارير الأمنية الإسرائيلية عن أن المنظومة الفنية لقوى المقاومة نجحت في الأسابيع الأخيرة برفع درجة إنتاجها للصواريخ، وتحسين قدرتها على الإصابة، ورغم أنها لا تزال في المراحل المتقدمة من التطوير والتجارب، لكن إذا استمرت عملية التطوير، فسيكون بحوزة المقاومة في الضفة صواريخ تنفيذية قابلة للإطلاق بدقة في غضون عدة أشهر، ومثل هذا الصاروخ سيهدد عشرات البلدات الإسرائيلية الأخرى، ومواقع يصفها الاحتلال بـ"الحساسة".
وباستخدامها لأسلوب الصواريخ والقذائف، دخلت المقاومة في الضفة الغربية مرحلة جديدة من المواجهة، لأنها تجعلها وقتما تريد تهدّد أمن الإسرائيليين من جنود ومستوطنين، مما يجعل من محاولات المقاومة إعداد الصواريخ وتصنيعها تشكّل نقلة نوعية استراتيجية في أدائها وتكتيكاتها، تفرض نفسها على الساحتين العسكرية والميدانية، رغم البساطة التي تميز هذا التكتيك، واعتمادها بشكل محلي من مواد أولية، لكن من الواضح أن هناك جهوداً على تطويرها باستمرار، وإنتاج أكثر من جيل منها.
- التحضيرات الإسرائيلية
لم يتردد الاحتلال في الإعلان عن توفير منظومة إنذار لسكان مستوطنات "غلاف جنين"، ربما تكون شبيهة بمنظومة القبة الحديدية حول غلاف غزة، تمهيداً لنشرها لاحقاً في محيط المدن الفلسطينية بالضفة الغربية، في محاولة للحصول على معلومات استخبارية، وملاحقة مصنّعي الصواريخ، الذين يتهمهم بتلقي التعليمات من نظرائهم في غزة، لإطلاعهم على المعرفة والتقنية الخاصة بصناعة الصواريخ، وزيادة التجارب الميدانية.
في الوقت ذاته، فإن قوات الاحتلال من المتوقع أن تعدّ العدّة جيداً لمواجهة استمرار المقاومة بإطلاقها للصواريخ، من خلال توسيع المساحة الجغرافية المكشوفة أمام آلياتها العسكرية وطائراتها، وبالتالي قيامها بعملية "حلاقة" للأراضي الزراعية، والإعلان ضمنياً عن مساحات واسعة من الضفة الغربية كمناطق عسكرية مغلقة.
وقد أعلنت قوات الاحتلال أكثر من مرة خلال العام الأخير عن ضبطها لمواد تفجيرية بينها أنابيب فارغة أعدت لاستخدامها في تصنيع الصواريخ، واعتقالها لخلايا تابعة لقوى المقاومة أعدت لإطلاق قذائف من عيارات مختلفة على بعض المستوطنات، مما دفع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لَأن تعلن أنها في سباق مع الزمن لمنع سقوط الصاروخ الأول من مدن الضفة على بلدة كفار سابا الذي بات مسألة وقت ليس أكثر.
بين حين وآخر تتردد مزاعم إسرائيلية عن وجود بعض الورش والمخارط في شمالي الضفة منخرطة في إنتاج مثل هذه الصواريخ، ورغم قيام الجيش الذي يسيطر أمنياً على أرجاء الضفة بإغلاق العديد منها، واعتقال العشرات، لكن الخطر لم يتبدّد بعد، وفي الوقت ذاته فقد اعتقل الجيش عدداً من المزارعين المتهمين بتوفير المواد المتفجرة لمصنّعي الصواريخ الذين يستفيدون من الأسمدة والمواد الزراعية المركّزة، وداهم مخازنهم ومستودعاتهم.
في الوقت ذاته، يبدي الإسرائيليون تشاؤماً كبيراً حيال مستقبل التعامل مع هذه الصواريخ المصنعة يدوياً، خاصة بعد أن نجحت في إسقاط نظرية الحماية من خلال الجدار الذي يحبس الضفة الغربية داخله، لكنه لم يعد قادراً على ضمان أمن إسرائيل، فصواريخ القسام تحوّله لوسيلة أقل ملاءمة للوضع، نظراً لسهولة نشر الصواريخ، وإطلاقها في ثوانٍ معدودة، قبل وصول المعلومات للجيش لاستهداف مواقع إطلاقها.
عديدة هي الخطوات الإسرائيلية المضادة لبداية عصر الصواريخ في الضفة الغربية، أهمها الحملات العسكرية المتكررة، وقصف الورش الصناعية والمخارط، ونصب منظومات الإنذار الأمنية داخل المستوطنات، والطلب من السلطة الفلسطينية نشر قواتها لمنع إطلاق الصواريخ.
من المتوقع أن يعمد جيش الاحتلال لاستكمال جهاز الإنذار المبكر، وجهاز الصوت، وتحصين مباني المستوطنات المحيطة بالضفة الغربية، وتحصين المؤسسات التعليمية المحيطة، بجانب تطوير سور دفاعي للأبنية في المستوطنات المحاذية.
- قوتها في ضعفها
بدأت المراحل الأولى لإنتاج الصاروخ في الضفة الغربية بالبحث عن الوسائل والمواد المتفجرة، رغم أنها واجهت الكثير من العقبات والصعوبات، وتمثلت بعدم توفر المواد اللازمة، ما قد يدفعها للاعتماد على الذات في صناعة كافة المواد اللازمة لمتطلبات الصاروخ، الذي لا يزيد طوله عن عشرات من السنتيمترات، وقطره كذلك، فيما يتراوح مداه عدة مئات من الأمتار، على اعتبار أن المسافة الفاصلة بين مدن الضفة الغربية والمدن الإسرائيلية لا تزيد عن ذلك، مع احتمال أن يحمل في مقدمته رأساً متفجراً يحوي عدة مئات من الغرامات شديدة الانفجار، رغم أنه قد يفتقد دقة التصويب نحو الأهداف الإسرائيلية.
لكن نجاح التجارب الأولى لإطلاق هذه الصواريخ سيشكل حافزاً للمقاومة للاستمرار في تطويرها، والتخلص من العيوب التي ظهرت فيها، بعد تعديلات جذرية أهمها مداها الذي يمكّنه من الوصول لمناطق سكنية داخل التجمعات الإسرائيلية، دون القدرة على التحكم فيه عن بعد، مع نصبه بشكل مائل على حامل ذي 3 أرجل، ووضع جهاز يشبه البوصلة على هيكله الخارجي، ثم تعديله بناءً عليها.
ورغم بدائية هذه الصواريخ، وتصنيعها اليدوي، لكن أثرها على الإسرائيليين واضح وجليّ، ولم يخفوا صداها الكبير في تصريحاتهم المتلاحقة، بحيث قد تجعل القوة الإسرائيلية العالية تقف عاجزة بلا حيلة، ويشكل نقلة استراتيجية تنخر في القوة العسكرية الإسرائيلية الفائقة، رغم وصفها أحياناً بأنها "أنابيب طائرة"!
تشير القناعة الإسرائيلية السائدة في تحليلات الخبراء العسكريين خلال الأيام الأخيرة إلى أن هذه الصواريخ تملك نقاط قوتها وتفوقها في ضعفها وبدائيتها، إذ يصعب رصدها بالأجهزة التقنية العالية التي يمتلكها جيش الاحتلال، ما أجبر الإسرائيليين على الاعتراف بالعجز عن منع إطلاقها، والتخوف من أن تنتقل تجربة غزة الى الضفة بحيث يظهر نظام إطلاقها بشكل مرتب على نحو يثير الإعجاب، من حيث التدرّج المنظم، الذي يبدأ بالبحث والتطوير، يتلوه إنتاج الأجزاء، فالتركيب، ثم توزيع الأدوار ميدانياً، والمسؤولية عن عملية الإطلاق، رغم أن وجود الجيش في الأراضي الفلسطينية لا يساعد بالضرورة على منع إطلاقها.
- استنساخ الغلاف
صحيح أننا ما زلنا في البدايات الأولى لصواريخ الضفة الغربية، التي لم تسفر حتى الآن عن وقوع خسائر بشرية في صفوف الإسرائيليين، لكنها باتت تشكّل إنذاراً ساخناً للدوائر الأمنية التي تصف بعض المواقع التي قد تصبح في مرماها بـ"الاستراتيجية"، ما قد يجعل الإسرائيليين على موعد قد يكون وشيكاً مع المشاهد ذاتها التي يعيشها نظراؤهم في غلاف غزة، كالدخول الدوري للملاجئ تحت الأرض، وتعطل الدراسة، وخلوّ المارة من المستوطنين، وكأنهم يخضعون لنظام حظر التجول، وإرسال المزيد من الأطباء النفسيين لمعالجتهم من حالات الهلع والصدمة التي يعانونها جراء سقوط صواريخ، والتهديد بالهجرة الجماعية.
التخوف الإسرائيلي من أن تحصل المقاومة على المواد المتفجرة، ما قد يزيد من الضرر المحيطي الذي يمكن لمثل هذا الصاروخ أن يحدثه، وبالتالي فإن صواريخ ذات قدرة على الانفجار على مسافة مترين أو ثلاثة أمتار، قبل الوصول إلى الأرض، تصبح أكثر فتكاً، وبالتالي فإن خبر سقوط صواريخ القسام على مدينة كفار سابا في أقصى شمال فلسطين سيكون مسألة وقت، ما سيجعل من شمال إسرائيل ووسطها رهينة لصواريخ حماس، بعد أن بات الجنوب رهينة منذ عقدين من الزمن.
ورغم أن هناك أجيالاً تكنولوجية طويلة تفصل بين السلاح الدقيق الذي يستخدمه الاحتلال، وبين القذيفة البدائية التي تطلقها المقاومة في الضفة الغربية، لكنها ذكية، بفضل قوتها النفسية، لأن قذيفة واحدة كفيلة بإدخال عشرات آلاف الإسرائيليين إلى دائرة الرعب، كما هو الحال مع مستوطني غلاف غزة، وقد تحولت حياتهم جحيماً لا يطاق، وهم لا يستطيعون إغماض أعينهم طوال الليل، وهم يحملقون طوال الوقت في السماء خوفاً من مفاجآت الصواريخ!
بعد أسابيع معدودة فقط على البدايات الأولى لإطلاق أعداد محدودة من هذه الصواريخ، فقد رصد الإسرائيليون عدة مميزات لها: بدائية التصنيع، سهلة الإنتاج، رخيصة التكلفة، غير دقيقة جداً، محدودة الضرر، وفيما شهدت سنوات الثمانينيات والتسعينيات تلقِّي مستوطنات "كريات شمونة" عشرات من صواريخ الكاتيوشا من الشمال، فقد جاءت صواريخ القسام من الجنوب في سنوات الألفين لتستهدف مستوطنات غلاف غزة، سديروت وشقيقاتها، أما اليوم فإن ما ستواجهه مستوطنات غلاف جنين قد يحمل مزيداً من المفاجآت، أخطرها أن تتحول الى مدن أشباح، وفقاً لما أكده رئيس المجلس الاستيطاني بالضفة الغربية يوسي دغان، من أن "الصواريخ ستأتي من الضفة الغربية إلى مدن الخضيرة ونتانيا وتل أبيب".
الخلاصة من هذه المحاولات الفلسطينية الأولى لإطلاق صواريخ من الضفة الغربية، ورغم ما تشكله من تهديد حقيقي على الأمن الإسرائيلي، لكن عدم توفر بيئة أمنية محيطة داعمة لها، كما هو الحال في غزة، يجعلها عرضة للانكشاف في مراحل مبكرة، إلا إن حافظت على سرية كبيرة، وأبقت عمل هذا النوع من المقاومة في حيّز ضيق من المعرفة والاطلاع.