تثير معدلات الهجرة القياسيةُ إلى البلدان الغنية ردود فعل أعنف في جميع أنحاء العالم؛ مما يعزز جماهيرية الأحزاب الشعبوية ويضغط على الحكومات لتشديد السياسات لوقف موجة الهجرة، إذ يعد انهيار حكومة هولندا بسبب ارتفاع الهجرة أحدث علامة على ذلك.
ردود الفعل السلبية تجاه المهاجرين في عدد من الدول وسيطرة الأحزاب المناهضة لهم، رصدتها صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية في تقرير، السبت 8 يوليو/تموز 2023، بعد أن شجعت دولاً وضمنها كندا وأجزاء من أوروبا وآسيا، مزيداً من المهاجرين على القدوم للمساعدة في التخفيف من نقص العمالة وتعويض الانخفاض الديموغرافي.
وتسببت القفزة الهائلة في عدد الوافدين وزيادة الهجرة غير الشرعية، منذ نهاية الوباء، في تغيير المجتمعات وعدم ارتياح الناخبين لهم، وفقاً للصحيفة، حيث يلقي كثير من الناس باللوم على المهاجرين في زيادة الجريمة وارتفاع تكاليف الإسكان.
والجمعة 7 يوليو/تموز، انهارت محادثات الحكومة الهولندية، بعد أن فشلت الأحزاب في الاتفاق على إجراءات جديدة لتقييد الهجرة التي ارتفعت إلى مستويات قياسية؛ مما سيؤدي إلى انتخابات جديدة في الخريف.
الأحزاب المناهضة للمهاجرين
وفي إيطاليا وهولندا، سيطرت الأحزاب المناهضة للمهاجرين على السلطة مؤخراً، وبدأت هذه الأحزاب أيضاً في دعم حكومة أقلية في السويد. ويتصدر حزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا استطلاعات الرأي الوطنية.
وانتقل نحو 5 ملايين شخص إلى البلدان الغنية، العام الماضي، أكثر ممن تركوها، مع تخفيف قيود السفر في فترة "كوفيد-19″، وتفاقم نقص العمالة في العالم الغني، بينما تفاقمت المشكلات الاقتصادية في العالم النامي.
ووفقاً لتحليل بيانات أجرته صحيفة وول ستريت جورنال، كان هذا أعلى بنسبة 80% من مستويات ما قبل الوباء.
فيما تُظهر استطلاعات الرأي من البلدان الغنية قفزة في معارضة الهجرة، وضمن ذلك في الأماكن التي كانت سابقاً أكثر ترحيباً بالوافدين الجدد.
قلق في كندا
وفي كندا، يعتقد ما يقرب من نصف الكنديين أنَّ هدف الحكومة الجديد من استقبال نحو نصف مليون مهاجر سنوياً هو عدد كبير جداً في بلد يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة، بينما يشعر ثلاثة أرباعهم بالقلق من أنَّ الخطة ستؤدي إلى زيادة الطلب على الإسكان والخدمات الصحية والاجتماعية، وفقاً لاستطلاع رأي أجرته شركة Léger للأبحاث في مونتريال.
أما المملكة المتحدة، التي خففت القواعد لجذب مزيد من خريجي الجامعات من الخارج لسد النقص في المهارات، فيعتقد نصف الناس تقريباً أنَّ معدلات الهجرة القانونية مرتفعة للغاية، وفقاً لاستطلاع أجرته شركة Public First للاستشارات والأبحاث في مارس/آذار.
وفي الولايات المتحدة، حيث عارضت نسبة كبيرة من السكان الهجرة منذ فترة طويلة، زادت المواقف تشدداً خلال العام الماضي؛ إذ تراجع رضا الأمريكيين عن مستوى الهجرة إلى الولايات المتحدة إلى 28% في فبراير/شباط، وهو أدنى معدل خلال عقد من الزمن، مقارنة بـ34% قبل عام، وفقاً لاستطلاعات رأي Gallup.
وإلى فرنسا، التي هزتها الاحتجاجات العنيفة بعدما قتلت الشرطة مراهقاً من شمال إفريقيا، تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنَّ زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة الفرنسية مارين لوبان، التي تفضل قواعد أكثر صرامة بشأن الهجرة، قد تفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
مخاوف الناخبين
ووفقاً للصحيفة الأمريكية، فإنه عادةً ما تتركز مخاوف الناخبين على الهجرة غير الشرعية، التي تميل إلى التأثير على الأجور وأنظمة الرعاية الاجتماعية.
إذ ارتفعت عمليات الدخول غير القانونية عبر البحر المتوسط إلى أوروبا ومن المكسيك إلى الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة.
لكن المخاوف تمتد أيضاً إلى المهاجرين الشرعيين ذوي المهارات المنخفضة، وحتى العمال ذوي المهارات العالية، الذين يُلامون على إشعال حريق تحت تكاليف الإسكان وغيرها من التكاليف خلال فترة تضخم مرتفع.
بناء مئات الأميال من الحواجز
وتعمل أوروبا على توسيع جهودها لبناء مئات الأميال من الحواجز الجديدة في البر والبحر؛ لوقف زيادة الهجرة غير الشرعية، التي كانت قد شرعت فيها قبل الوباء.
إذ تبني فنلندا سياجاً عالي التقنية بطول 125 ميلاً (201 كيلومتر) على طول حدودها مع روسيا، بينما قال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، في مارس/آذار الماضي، إنَّ البلاد ستكمل سياجاً فولاذياً بطول 90 ميلاً (144.8 كم) على طول حدودها مع تركيا؛ لمنع العبور غير القانوني.
في عامي 2015 و2016، ساعدت الهجرة المتزايدة إلى الولايات المتحدة وأوروبا في تأجيج السخط الذي دفع بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي وصعود دونالد ترامب إلى الرئاسة.
ويقول الخبراء إنَّ ردود الفعل السلبية هذه ما هي إلا تكرار لدورة طويلة تشهدها سياسات الهجرة. إذ تضغط الشركات باستمرار من أجل قوانين هجرة أكثر ليبرالية، لأنَّ ذلك يقلل من تكاليف العمالة ويعزز الأرباح.
وتستمد الدعم من السياسيين المؤيدين للأعمال من اليمين والقادة المؤيدين للاندماج على اليسار؛ مما يؤدي إلى سياسات هجرة أكثر ليبرالية مما يريده الناخب العادي.
وفي هذا الصدد، قال رئيس اللجنة الاستشارية للهجرة في المملكة المتحدة، آلان مانينغ، إنَّ هذا يقود إلى حشد شعبوي وغضب. وبعد ذلك، يكبح السياسيون الشعبويون الهجرة، ويقللون مخاوف الناخبين، ثم تعيد الدورة نفسها مرة أخرى.
وأوضح مانينغ: "تشير استطلاعات الرأي إلى أنَّ معظم الناس يريدون معدلات هجرة أقل".