لم تسلم سكة قطار الحجاز التاريخية، التي تمر وسط مخيم جنين شمالي الضفة الغربية، من الدمار جراء العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة. ففي شارع السكة، أحد أبرز شوارع مخيم جنين، نبشت الجرافات الإسرائيلية الشارع المعبد، واقتلعت أجزاء من سكة القطار.
بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من المخيم ظهرت بعض قطع حديد السكة المهجورة متناثرة بين الركام. ويقول أحد السكان، وهو يشير لقطع معدنية يبلغ طولها نحو مترين: "هذه قطعة من سكة القطار"، حسب ما نقلته وكالة الأناضول الخميس، 6 يوليو/تموز 2023.
فجر الإثنين، أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق، استخدم فيها مروحيات وطائرات مسيّرة وقوات برية، لاستهداف مسلحين فلسطينيين، ما أدى إلى استشهاد 13 فلسطينياً وإصابة نحو 140 آخرين، بينهم 30 في حالة حرجة.
فيما أعلن متحدث الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، صباح الأربعاء، 5 يوليو/تموز، في تصريح لإذاعة الجيش، انتهاء العملية العسكرية في جنين ومغادرة كل القوات المنطقة "بعد تحقيق أهدافها".
تدمير الاحتلال لحي السكة
في حي السكة، الذي يُطلق عليه هذا الاسم نسبة لسكة قطار الحجاز، لا تزال المحطة الرئيسية قائمة ببنائها الحجري القديم، وشُيّد بالقرب منها مسجد يُطلق عليه "مسجد عبد الله عزام".
كما شهد الشارع تجريفاً واسعاً في العملية الإسرائيلية، بينما تظهر على جنباته مركبات فلسطينية مدمَّرة. وتسارع طواقم فلسطينية لإعادة فتح الشوارع عبر التجريف وإزالة الركام.
الفلسطيني محمد نمر السعدي (55 عاماً) وهو واحد من الملمين بتاريخ المخيم بحسب السكان، يجلس أمام منزله في شارع السكة، ويقول لمراسل الأناضول: "إسرائيل دمَّرت كل شيء، نبشت حاضر المخيم وتاريخه".
يقص الرجل معاناة عائلته لمدة 15 ساعة من "الاحتجاز والتحقيق في غرفة صغيرة". يقول السعدي: "فجر الإثنين اقتحمت القوات الإسرائيلية منزلنا، وجمعتنا في غرفة صغيرة دون ماء ولا كهرباء، وسحبت الهواتف الخلوية، ومنعتنا من العيش كبشر".
كما أشار إلى أن القوات "أجرت معه تحقيقاً، وحوّلت منزله لثكنة عسكرية". وعند الساعة 9:30 مساء (ت.غ+2) أجبرته القوات الإسرائيلية على الرحيل، وقال: "جاء جندي وقال لي يلا (هيا) الكل يخرج من المخيم، بقيتم وحدكم، عليكم ترك المخيم".
تابع السعدي قائلاً: "منعنا الجيش من أخذ شيء معنا، نزحنا من المخيم، وفي الطريق شاهدنا أعمال التجريف (..) قلبت القوات الإسرائيلية شوارع المخيم رأساً على عقب".
قصة "قطار الحجاز" في جنين
عن سكة القطار يقول السعدي: "حتى دفائن الأرض نبشتها الجرافات الإسرائيلية، اقتلعت سكة القطار التي كانت مدفونة تحت الشارع". وأوضح أن "شارع السكة سُمي بهذا الاسم كونه شُيّد على سكة قطار الحجاز العثمانية".
كما أشار إلى قطع حديدية من السكة، وقال "هذه دفائن تاريخية نُبشت بفعل الجرافات التي كررت عملية التجريف مرات ومرات". وبالقرب من منزل السعدي تقع محطة القطار، يشير إليها قائلاً: "هذه المحطة منذ الزمن العثماني، لا تزال باقية وشاهدة، وتُعدّ رمزاً مهماً في المخيم".
في عام 1900 بدأ العمل على سكة قطار الحجاز، وعقب 8 سنوات تم افتتاحها وتشغيلها لربط دمشق بالمدينة المنورة، ولها أفرع ربطت مدناً فلسطينية وأردنية وسورية أيضاً، حتى تم تدميرها عام 1916 خلال الحرب العالمية الأولى.